مريض نفسى بالفطرة

Per Hader3112

724K 30.5K 9.8K

مريض حُكِمَ عليه بعيش الازدواجية فى كل شىء ، إلى أن قابلها، منحته قلبها رغم معاناتها السابقة ولكنه رفض البوح... Més

اقتباس1( لست ليث،أنا غيث)
_١_ (صفعةُ تعارف)
_٢_ (جدى يريد عودتى)
_٣_(صدمةٌ مُبرمجةٌ )
_٤_ (أنا القاتل)
_٥_ (الإنفصالُ فرصة ثانية )
_٦_ (لا أريدك يا أمى )
_٧_ ( حب ناضج لمراهقة صغيرة )
_٨_(بيت جدى مجددًا)
_٩_( ما ذنبى إن كنت تحب فتاة تحبنى؟)
_١٠_( قامت بخيانتى)
التعريف بمرض غيث
_١١_ (نوبة غضب)
_١٢_(بقاءٌ قسرى)
_١٣_( أب برتبة عدو)
_١٥_ عشر(عائد لكِ يا حبيبتى)
التعريف بمرض الطبيبة منال
_١٤_( دماءُ زوجتى الراحلةُ )
_١٦_ (ذلك الوغد مجددًا)
_١٧_(لست ليث، أنا غيث)
التعريف بمرض ديما
_١٨_(حب من طرف واحد)
_١٩_(غارق فى دمائه)
_٢٠_( وحشتنى عنيكى )
_٢١_ (الكل عاشق )
_٢٢_(حقائق بالجملة)
_٢٣_(الانتقام الحلو)
_٢٤_(رصاصة خائنة)
_٢٥_( المواجهةالحاسمة)
التعريف بمرض مالك
_٢٦_(كان ضحية بالأمس)
_٢٧_ (وداعًا بيت جدى)
_٢٨_ ( تطاول بما فيه الكفاية)
_٢٩_ (الحقيقة المؤلمة)
_٣٠_(قابلها مجددًا)
_١_( الانطباع خاطىء)
_٢_(مشاغبة من الطرفين )
_٣_( غيث واحد لا يكفى)
_٤_ ( من المصاب ؟)
_٥_(الغيرة اللذيذة)
_٦_(باغتها بعقد القران)
_٧_(أشباح الماضى تطاردها)
_٨_(فارق الحياة )
_٩_( رفضها يصيبنى بالجنون)
_١٠_(فرصة ثانية للفؤاد)
_١١_( اكتئاب حاد )
_١٢_ (أحبك رغم أنف قبيلتى)
_١٣_(هل تقبلين الزواج بى؟)
_١٤_ (خطوبة و جثة )
التعريف بمرض مالك ٢
_١٥_( فليحترق العمل أمام حُسنكِ)
_١٦_ (حُلو مرى)
_١٧_ (أخوض لأجلكِ ألف حرب )
_١٨_(أقبلينى كما أنا )
_١٩_ (تطاول على صغيرتى أمام عينى )
التعريف بمرض محمد العدلى
_٢٠_ (أريدك رغم استحالة ذلك)
_٢١_ (زوجى السابق )
_٢٢_ (قُبلة و مجموعة جُثَثٌ)
_٢٣_ (الإختطاف السعيد)
_٢٥_(معركة دموية)
_٢٦_(ليلة زفاف كارثية)
_٢٧_(ليلة عيد)
_٢٨_ (كان القبول طوق نجاة)
_٢٩_ (كلانا لدية تجربة سابقة)
_٣٠_ (العديدُ من المعاركِ)
_٣١_ (كُتِبَ علينا الفراق)
_٣٢_(أحدهم يبكى و الآخر يرفرف عاليًا )
اقتباس٥ ( فتاتى الصغيرة)
(التعريف بمرض مايا)
_٣٣_ (نتعايش أم نتداعش ؟!)
_٣٤_ (راقصة بمبادئ)
_٣٥_ ( قصيدةٌ جميلةٌ )
_٣٦_(الغضب الساطع آت)
_٣٧_(رفض من جميع الجهات)
_٣٨_(نَقَشَ فوق جسدها)
_٣٩_( لاجئ أم خائن ؟!)
_٤٠_(مَلاَك مُحْتَجَز)
_٤١_(نُقُوشٌ مُتبادلةٌ)
_٤٢_(ثلاثة قُبْل فوق ضريح الصقيع)
اقتباس_٦_ (لحن النهاية)
_٤٣_(الفَرِيسَةُ و الصَّيَّادُ)
_٤٤_(ليلةٌ مُلطخةٌ بالماضى)
_٤٥_(اختطاف أرعن)
_٤٦_(جسدٌ مُدنسٌ وروحٌ مُفارقةٌ )

_٢٤_ (باتت حلالى و كل حالى)

6.2K 326 140
Per Hader3112

٢٤/٠٦/٢٠٢٣
(باتت حلالى و كل حالى )

"أجهدتنى الحياة من كل اتجاه و حين لمحت طيفك ابتسمت و كأن شيئًا لم يكن "
_غيث الحديدى

______________________________________

فجأة تبدل الحال بشكل غريب و وقفت سيارة سوداء كبيرة و بلمح البصر كانت "وعد" تلقى بداخلها بعد أن هبط رجل ضخم و مُلثم فى وضح النهار ،دفعها بحدة و كان سيهم بالرحيل فقد أخذ رهينته معتقدًا بأنها المنشودة ،لكن "رنا" صرخت بقوة و أمسكت به مانعةً إياه من صعود السيارة و الهروب بصديقتها ،فلم يجد أمامه سوى دفعها هى الآخرى و بات لديه رهنتين عوضًا عن واحدة
و انطلق بسرعة جنونية قبل أن يتمكن أحد من اللحاق به .

فى نفس التوقيت كان "غيث" قريب من مكان تلك الواقعة فلم يكن قد غادر بعد ،حيث عاد للجامعة مجددًا لإنجاز شىء ما ثم خرج و حينها رأى ما حدث ،لم يفكر للحظة واحدة بل انطلق بسيارته خلفهم بسرعة جنونية

كان"غيث" يأكل الطريق حرفيًا لكن أصحاب السيارة السوداء انتبهوا له و بدأوا فى المراوغة و الإنحراف عن الطريق بشكل محكم للغاية ،فقد اعتادوا مثل تلك العمليات ،فهى مصدر رزقهم على كل حال

استمرت تلك المطاردة لوقت ليس بالقليل ،و حاول "غيث" أن يتقدم بعض الشىء لكن كلما تقدم انحرفت السيارة السوداء ناحيته و اصطدمت به مما أدى إلى تراجعه للخلف ،و تمكن الخاطفين من التقدم أكثر و أكثر ،لكنه لم يستسلم ،حاول مرة أخرى و تقدم سريعًا لكن حدث ما لم يخطر على باله ،حيث خرج أحد الخاطفين من النافذة و صوب سلاحه النارى على إحدى عجلات السيارة الخاصة به و على آثر ذلك انحرفت سيارة "غيث" للجهة الأخرى و أطلقت شرارة عالية نتيجة احتكاكها بالطريق ،ارتطم رأسه بالمقود بحدة و فقد وعيه مباشرة ،بينما فر الخاطفين بالرهائن .

..................................................................

فى أحد الأماكن المهجورة التابعة لسلطة "الباشا" كان يقف أمام النافذه مواليًا ظهره للقادم و الذى لم يكون سوى عينه الأخرى فى الشركة و صاحب أغلب المصائب التى حدث معهم
بدايه من البناية التى سقطت ،إلى غرفة الملفات التى أغلقها سابقًا على "بسام " و "ديما" و أيضًا صاحب الصورة التى أدين بها "غيث" و التى كانت يظهر فيها برفقة فتاة و يعطيها بعض النقود و أحيل للتحقيق فى الجامعة بسببها و كذلك هو العضو ا المجهول فى صفحة "داو" و لا يعرفه باقى الأعضاء ،هو فقط مسئول عن إحضار الصور و الأدلة التى تدين أعضاء هيئة التدريس و العمل يقع على عاتق الباقى ،بإختصار شديد هو اليد الخفية لذلك العدو ،و يحمل بداخله كره غير مبرر لكل البشر

تقدم "ياسين"بهدوء شديد و وضع الملفات التى كانت بحوزته على المكتب ،فهتف "الباشا " متسائلًا دون أن يلتفت له :
جبت معاك ايه المرادى ؟
رد عليه الآخر بفخر و زهو بنفسه :
دى أوراق آخر مناقصة داخلينها ،بالعروض اللى هيقدموها بالظبط ،تقدر تعرضها على الشركة المنافسة بسهولة
صمت للحظات ثم قال و هو يمسك بالملف الآخر :
و دا كشف حساب كامل برصيد الشركة من أول ما تم تأسيسها
زفر الباشا أنفاسه بضيق شديد و لم يهتم بكل ما قدم له ،إلى أن قال "ياسين" بعدم اكتراث :
و كمان دا ،الورقة اللى طلبتها مع انى مش عارف ايه فايدتها؟
و هنا لمعت عيناه بسعادة و قال :
دا اللى أنا عايزه بالظبط ،الباقى مش مهم ،تقدر تمشى

عض "ياسين" على جدار فمه الداخلى بغيظ شديد و خرج من ذلك المكان ،و قال بينما كان يقطع الطريق لكى يصل للجهة الأخرى و يتمكن من ركوب أى وسيلة مواصلات :
سايب كل دا و مسك فى حتت الورقة دى ،الراجل دا مجنون رسمى
و بالداخل أخرج "العم طارق" هاتفه ،أرسل رسالة نصية قصيره و البسمة تتراقص على ثغره :
"الورقة معايا ،تقدر تضرب براحتك "

حسنًا ،لقد باتت الأمور أكثر تعقيدًا .

.................................................................

وصل الخاطفين إلى إحدى الأماكن المهجورة التى تلائم طبيعة عملهم ،نزل الأول و قام بفتح باب تلك الغرفة القديمة
و لحق به الثانى بعد أن دفع الفتيات للتقدم للأمام و هو يشهر بسلاحه فى وجههم كى ينفذوا كل ما يقول دون أى اعتراض ،و ما أن دخلوا جميعًا قام الأول بإحضار بعض الحبال و قيد "وعد" بإحكام شديد بينما قام الآخر بعمل نفس الشىء مع "رنا " بالإضافة إلى تكميمهم ببعض قطع القماش البالية و التى كانت ملقاة على الأرضية
رمقوهم بنظرة حقيرة و رحلوا بعد أن أغلقوا الباب خلفهم
تاركين الفتيات بالداخل يرتعشن من الخوف و الذعر لمصير مبهم بالنسبة لهم .

.................................................................

(شركة العدلى Group)

كانت "ديما" بالمقصف تعد مشروبًا دافئًا تحاول به أن تخفف من توترها و ضيقها فوالدها مازال يراسلها لأجل النقود ،رغم أنها دفعت له ما أراد بالمرة السابقة و لكنه استمر فى طلب المزيد و هى لا يمكنه تحمل ذلك بأى شكل من الأشكال ،زفرت أنفاسها بضيق شديد ،حملت الكوب الخاص بها و اتجهت للخارج ،لكنها اصطدمت بإحدى الموظفات التى دخلت للتو و تناثرت بعض القطرات على تنورة كليهما ،أحضرت "ديما" منديلًا ورقيًا سريعًا و حاولت به تجفيف تنوره الفتاة و هى تقول بأسف :
أنا آسفه جدًا ،حقيقي مكنشى قصدى
ردت عليها الفتاة الأخرى و التى دخلت بعد الأولى و قالت بهدوء :
خلاص حصل خير ،مفيش مشكلة يا ديما
رفعت "عليا"نظرها لها و قالت بحدة و غضب :
هو ايه اللى حصل خير ؟ أنتِ عارفه الskirt دى تمنها كام؟ دا تمن مرتب شهر كامل
توترت "ديما" بشدة و همت بالحديث لكن قاطعتها تلك الفتاة و قالت بعقلانية:
خلاص يا عليا ،هى مكنشى قصدها ،عادى يا جماعة أى حد ممكن يحصل معاه كدا
حاولت "ديما"تعويضها بشكل ما ،لذلك هتفت قائلةً بأول ما خطر على بالها :
أنا ممكن ادفعلك تمنها لو تحبى
رمقتهم "عليا"بضيق و قالت بحدة :
مش مستنيه منك فلوس
ثم خرجت و لحقت بها الأخرى ،تاركين "ديما" و الدموع تنساب فوق وجنتيها ،لقد كانت تجاهد تلك الدموع منذ أيام طويلة و مع أبسط شىء هُزمت بشدة
كانت موالية ظهرها للباب و تحاول كفكفت تلك الدموع حتى لا يراها أحد ،لكنها استمعت لصوته الحنون و هو يقول بمشاغبة :
ينفع أدخل ،و لا هتزعقيلى يا انسه ديما ؟
التفت له و قالت بإقتضاب بينما كانت تتجه للباب :
أتفضل ،أنا كدا كدا كنت ماشيه
لكنه أوقفها بحديثه المشاكس :
أنا عارف أن البنات لما بتعيط شكلها بيبقي أحلى ،بس أنتِ حاله شاذه يا ديما
توقفت بمكانها ،لم تعرف كيف تتصرف ،لم تعتد ذلك الحديث من أى أحد ،فأكمل هو مسترسلًا:
شكلك أحلى من غير الدموع دى ،حرام العيون دى تعيط و تحرم الناس من جمالها
شعرت بتعرق يدها المفرط ،فأخفتها سريعًا فى جيب تنورتها و قالت بهدوء :
شكرًا ،عن اذنك
فابتسم "بسام" و قال بهدف اثارة غيظها :
المفروض تتكسفي و وشك يحمر ،مش تمشى و تسبينى
كانت تتحاشى النظر له من بداية حديثه لكن عند هذه النقطة رفعت رأسها سريعًا و هتفت متسائلةً باستنكار :
و مين قالك انى مش مكسوفه ؟
تنهد "بسام"تنهيدة عميقة ثم قال بعد أن تحرك خطوتين للأمام ليصبح على بعد أقرب لها :
معرفشى ،أنا مشوفتيكش فى كل حالاتك عشان أعرف امتى تبقي مكسوفه ،و امتى تبقي فرحانه و امتى زعلانه ،أنا مشوفتش غير دموعك بس و دى اللى بتزعلنى
لاحظ شردوها فتقدم أكثر ليصبح أمامها مباشرة و قال :
أنا عايز أشوفك فى كل حالاتك يا ديما ،لو تسمحيلى بدا طبعًا

راقت لها تلك النبرة ،لكنها فرت هاربة بعد أن كست الحُمرة وجنتيها ،بينما وقف هو يبتسم باتساع ضاربًا بكل مخططاته عرض الحائط

...............................................................

على الجهة الأخرى كان "أحمد" قد وصل للشركة بعد أن أنهى أعماله المتعلقة بالجامعة ،اتجه مباشرة لمكتب صديقه لكنه تفاجىء بأنه فارغ و أخبرته "هناء" بعدم حضوره بعد ،اثار ذلك دهشته و أخرج هاتفه ليتحدث معه ،ضرب على عدة أرقام و ما هى إلا لحظات و فُتح الخط ،ليقول هو سريعًا دون أن يسمح للطرف الآخر بالتحدث :
فى ايه يا ابنى مرجعتش الشركة ليه ؟ الاجتماع هيبدأ المفروض تكون هنا حالًا
رد عليه بينما كانت جبهته تنزف بشدة و يحاول إيقاف هذا النزيف بإحدى أكمام معطفه :
رنا و وعد اتخطفوا يا أحمد

وقع الخبر كالصاعقة على كلا الطرفين المستمع و المتحدث.

................................................................

بالعودة الخاطفين

كانت الفتيات بالداخل مقيدين بتلك الأحباب و الظلام يملىء المكان و بالخارج جلس الرجلين ،يحتسيان الشاى و كأنها جلسة عصارى و ليست عملية إختطاف و ترهيب
صاح أحدهما متسائلًا بضيق بعد أن ارتشف بعض القطرات من كوب الشاى الخاص به:
هنعمل ايه فى اللى جوا ؟ أحنا متفقين على واحدة بس مكنشى ليه لازمه تجيب التانية معاها
عض الآخر على جدار فمه الداخلى بغيظ شديد و قال :
أعمل ايه يعنى كانت بتصوت و ماسكه فيا ،خفت الناس تتلم علينا
زفر الأول أنفاسه بضيق شديد و هتف متسائلًا بإقتضاب:
طب هنكلم أهلهم امتى ؟
رد عليه بينما كان يلتفت للخلف يتأكد من عدم سماع أى اصوات من الداخل :
استنى لبليل عشان يقلقوا و نعرف نرفع السعر براحتنا
حرك الآخر رأسه موافقًا و لم يعلق ،فهو لا يهتم سوى بالمال
......................................................................

فى مكان آخر ،باحدى المصالح الحكوميه ،كان "غيث" يقف أمام أحد الموظفين و الذى يساعده على الوصول لشىء ما بعد أن أعطاه بعض الأوراق النقدية ،أخذ منه ورقة بها عنوان و اسم أحدهم ،ثم خرج بهدوء ،كان"إحمد"ينتظره بالخارخ و ما أن لاحظ خروجه ،هرع له و هتف متسائلًا بحدة :
عملت ايه ؟ و أحنا جايين هنا ليه مش فاهم؟ المفروض نقدم بلاغ للشرطة مش نيجى إدراة المرور
رد عليه بإقتضاب بينما كان يتجه لسيارته :
تعرف تسكت شوية ،أنا مش قادر أتكلم
لحق به و هو لا يعرف أى شىء ،صعد "غيث"لسيارته و وقف أحمد أمامه لم يركب معه ،بل عقد ذراعيه أمام جسده ينتظر منه توضيحًا مفصلًا ،فزفر "غيث"أنفاسه بضيق وأخرج الورقة من جيبه و ناولها اياها ،أخذها "أحمد" و هتف متسائلًا بحيرة:
ايه دا ؟
رد"غيث" عليه بينما كان يضغط على مكابح فرامل اليد :
دا اسم و عنوان صاحب العربية اللى خطفتهم
اتسعت حدقتى "أحمد"و لَمْ يَنْبَسْ بِبِنْتٍ شَفَة ،فاخرجه "غيث" من تلك الحالة حين صاح بحدة :
ايه مش هتيجى ؟

لحظات و كان كليهما ينطلقان سريعًا لتلك الوجهة المحفوفة بالمخاطر

.....................................................................

وصلا بعد فترة إلى تلك الحارة الشعبية ،هبط "غيث"أولًا واتجه إلى محل البقالة الموجود فى المدخل الرئيسى لتلك الحارة ،كان محل من متواضع للغاية لرجل فقير يعمل به هو و ابنته الوحيدة ليتمكنا من العيش دون الحاجة للسؤال
اقترب "غيث" من ذلك الرجل و هتف قائلًا :
السلام عليكم
رد عليه الرجل و علامات التعجب ترتسم على وجهه ،فهيئة "غيث" لا تلائم على الإطلاق تلك الحارة :
و عليكم السلام يا ابنى ،أؤمر
رد"غيث" عليه بينما كان يتابع بعنيه كل انش من ذلك المكان باحثًا عن ضالته :
الأمر لله وحده ،أنا بس كنت عايز أسالك عن عزت الدهشورى ،مش هو ساكن هنا برده؟
رد عليه الرجل قائلًا:
أه يا ابنى ،ساكن فى العماره اللى على اليمين دى الدور التانى ،بس هو مش هنا دلوقتى ؟
تدخل "أحمد" فى الحوار و هتف متسائلًا :
طب تعرف مكانه فين دلوقتى ، أو أى حد يعرف يوصلنا ليه ؟
كان الرجل سيهم بالرد لكن ابنته قاطعتهم و قالت بحدة :
منعرفشى و مش عايزين نعرف عنه أى حاجة
حدجها والدها بنظرة حارقة و قال بنبرة لا تقبل النقاش:
متتكلميش يا سهام و روحى لأمك حالًا
انصاعت لحديث والدها و رحلت ،بينما هتف هو بتوضيح للواقفين أمامه :
معلشى يا ابنى أصلها مبتحبوش ،أصله بطلجى الحارة ،و فى الراحة و الجاية يضايقنا
بس لو عايز تعرف مكانه مفيش قدامك غير شلة المقاطيع بتوعه ،بيتجمعوا من المغرب لتانى يوم على القهوة دى ،كلها نص ساعة و تلاقيهم شرفوا
كزَّ"غيث" على أسنانه بضيق شديد ،متأففًا بشدة فلم يعد باستطاعته الانتظار أكثر من ذلك ،لكنه حاول التحلى بالصبر و قال :
طب هاتلى علبة سجاير
أحضر له الرجل ما طلب و ناوله إياه ،فأعطاه "غيث" ورقة من فئة المائتين جنيه و التى تتعدى سعر ما طلب بكثير ،فقال الرجل بدهشة و حيرة :
بس دا كتير أوى
رد "أحمد" عليه ببشاشة:
مش كتير عليك يا راجل يا طيب
ثم انصرف كلاهما لتلك القهوة ،حجزا مقعدين و جلسا مترقبين
كَأَنَّهُ رَابِضٌ لِلْوَثْبِ، مُنْتَظِرٌ فريسته
.....................................................................

كانت"الست فاطمة" فى منزلها فقد عادت من العمل للتو ،اتجهت مباشرة للمطبخ لتحاول إعداد الطعام سريعًا قبل موعد عودة بناتها ،كانت تهرول من هنا لهناك كى تنهى كل شىء فى وقت قليل للغاية ،لكن أوقفها عن الطهى صوت رنين الهاتف ،فأسرعت تجيب بينما كانت تحمل معلقة خشبية كبيرة ،و بمجرد أن رفعت سماعة الهاتف قال أحدهم بصوت غليظ :
بنتك و صاحبتها معانا لو عايزه نرجعهملك سُلام من غير و لا خدش خلى جوزك يدفع الفلوس اللى عليه و فوقهم الضعف كمان يا حلوة
لتسقط تلك السماعة منها و يتبعها سقوط جسدها هى الآخرى من هول الصدمة

أ كان والدها هو سبب اختطافها من الأساس ؟ حقًا عبث

.....................................................................

مضى الوقت سريعًا و بدأ الرجال يتبادرون على تلك القهوة ،البعض يشاهد التلفاز و يتابع لعبة كرة القدم ،و البعض يتناولون المشروبات الدافئة و يتحادثون فيما بينهم ،كان "غيث"و "أحمد" ينتظرون قدوم فريستهم بهدوء شديد رغم القلق والذعر الذى ينهشهم من الداخل
لحظات و اقترب الصبى الذى يعمل فى القهوة و همس بالقرب من أذن "غيث" و هو يشير لأحد الرجال و الذى دلف للتو :
وصل يا بيه
أومأ "غيث"برأسه و أخرج "أحمد" ورقة نقدية و أعطاها للصبى ،ثم نهض كليهما و اتجها لهذا الرجل المعنى بالأمر ،جلس كليهما على المقاعد المقابلة له ،فرفع رأسه لهما و هتف متسائلًا بسخرية:
مين البهوات ؟
رد عليه "أحمد" بهدوء شديد:
مش مهم أحنا مين ؟ المهم أحنا عايزين ايه؟
حدجه بنصف عين و هو يقول بإستهزاء صريح :
و الاستاذ بقي عايز ايه بالصلاة على النبى ؟
أجابه "أحمد" قائلًا بإقتضاب:
مكان عزت الدهشورى
ارتشف هذا الرجل بعض القطرات من الكوب الذى أمامه ثم قال بتهكم :
أنت جاى منطقتنا و بتسأل على كبيرنا عادى كدا

و إلى هنا لم يتحمل "غيث" أكثر من ذلك و هب مندفعًا يلكم ذلك الرجل ،لحظات و نشبت حربًا عنيفة فى أرجاء تلك القهوة ،الكل يضرب فى بعضهم البعض دون معرفة السبب خلف هذة المعركة ،مجرد عنف لرد العنف و لا شىء آخر

بعد فترة هدأت الأجواء قليلًا رغم أن المعركة مازلت قائمة ،لكن "غيث" تمكن من سحب هذا الرجل بعيدًا و من خلفه "أحمد" الذى تأخر فى اللحاق به، فقد كان يدفع نقود مجددًا نظير الإصابات و التلف
وصل"غيث" إلى سيارته و دفع الرجل ناحيتها و قال بسخرية :
طب كدا ينفع أسال و لا لا ؟تحب نكمل شوية كمان
رد الرجل عليه سريعًا و الذعر يتملكه :
لا ،لا هقول
فى تلك اللحظة لكمه "أحمد"فى معدته بقوة و قال :
لا أنت مش هتقول ،أنت هتخدنا لحد عنده

ثوانى معدودة و انطلق ثلاثتهم يقطعون الطريق بسرعة رهيبة .
.....................................................................

فى ذلك المكان المهجور و الذى يعد وكر لكل أفعال تلك الجماعة الحقيرة ،كانت "رنا"تحاول بإستماته ازاحه تلك القطعة القماشية الموضوعة فوق ثغرها و كذلك تحاول حل وثاق يدها ،فشلت فى الثانية لكن مع كثرة حركتها انزاحت تلك القطعة القماشية بعض الشىء و كان ذلك بمثابة الضوء فى نهاية هذا النفق المعتم
تمكنت بعد عدة محاولات من تحرير وجهها و التفت لصديقتها و قالت :
وعد ،حاولى تحركى القماشة زى على ما ،و أنا هفك ايدك
حاولت "رنا" أن تحرر يد صديقتها عن طريق فك تلك العقدة بأسنانها ،لم تكن تلك العقدة محكمة لذلك تمكنت "رنا" من تحرير وثاق صديقتها فقالت بسعادة :
خلاص فكتها
تنفست "وعد" الصعداء فى تلك اللحظة و أزاحت ما كان فوق ثغرها ، التفت "لرنا" و حررت وثاق يدها هى الأخرى ثم قالت و هى تشير للباب :
هنعمل ايه دلوقتى ؟ هنخرج ازاى الباب مقفول ؟
زفرت"رنا" أنفاسها بضيق شديد ،و نهضت من مكانها ،جالت بعينها فى أنحاء تلك الغرفة باحثةً عن أى مخرج لهما ،لكنها لم تجد أى شىء و عادت لتجلس مجددًا ينظرون لبعضهما البعض بضياع
لحظات و كانت تبتسم و تقول بينما كانت تشير للنافذة :
ممكن نخرج من الشباك دا ،أنا سامعة صوت عربيات قريب من هنا ،معنى كدا أننا فى مكان قريب من طريق سريع
رمقت "وعد" تلك النافذة بسخرية و قالت :
صغير يا رنا ،هتحشر فيها
عضت على جدار فمها الداخلى بضيق ثم قالت باقتراح آخر :
طب أجرب أخرج أنا و أحاول أفتح الباب من برا
حركت "وعد"رأسها موافقةً و قالت بعد أن أحضرت أحد المقاعد و وضعته أسفل النافذة :
تمام ،همسك أنا الكرسى دا و أطلعى عليه
همت "رنا" بالصعود عليه و لكنها التفت و قالت بتحذير :
عارفه لو وقعتينى و الله اسيبك معاهم و أمشى
ردت عليه بتأفف و تذمر فحديثها لا يناسب اطلاقًا هذا الموقف :
يا رنا مش وقت هزار ،أنا عايز أخرج المكان مليان تراب و مش قادره أخذ نفسى كويس
لَمْ تَنْبَسْ"رنا" بِبِنْتٍ شَفَةٍ ،و صعدت على المقعد لتحاول دفع تلك القطع الخشبية التى تغلق النافذة و صديقتها بالأسفل تمسك بهذا المقعد بإحكام شديد .

..........................................................

كانوا فى الطريق المتجه إلى تلك المنطقة المهجورة ،لم يتحدث "غيث" بأى كلمة فقط تركيزه منصب على الطريق يريد أن يصل فى أقل مدة زمينة ،فقط يفكر فيها و فيما حدث معها ،يشعر بالذنب و الغضب ،ربط أن ما حدث له علاقه به ، و هذا ما زاد من حدته و غضبه ،لكنه رمى كل ذلك جانبًا ،هو فقط يريد أن يصل لها و لا يهم أى شىء آخر

و بالخلف يجلس "أحمد" و يحكم قبضته على ذلك الرجل الذى يصف لهم الطريق ،كان يفكر بخطيبته ،يتمنى ألا يصيبها أى شىء سىء ،لقد اعتاد وجودها فى حياته و مناوشاتهم الدائمة ،بقرارة نفسه يعلم أنها باتت تحتل جزءًا خاصًا بقلبه حتى و إن لم يعترف لها بذلك
صدح صوت هاتفه فجأة ليخرجه من تلك الأفكار ،أجاب بهدوء شديد ما أن رأى اسم المتصل :
أيوه يا حماتى
كانت"الست فاطمة" تبكى و تتحدث فى نفس الوقت ،أخبرته بما حدث معها بالتفصيل ،فرد و قال ليحاول طمأنتها :
لا لا متقلقيش أحنا رايحين ليهم أصلًا
صمت للحظات و أجهشت هى فى البكاء و بجانبها "الست منى " و التى لم تتوقف عن النحيب و البكاء و لو للحظة واحدة منذ أن علمت بما حدث لابنتها ،كان "أحمد"يتألم و جاءت أصواتهم لتزيد آلامه أضعافًا مضاعفة لذلك قال بقوة :
صدقينى هجبهم و أجى
أنهى تلك المكالمة وهو يزفر أنفاسه بضيق شديد ،فهتف "غيث"متسائلًا أن يلتفت :
فى ايه ؟
رد عليه قائلًا بينما كان يضغط على قبضته بشدة :
الكلاب كلموا حماتى عشان فلوس ،مطلعشى ليك دخل
حمايا العزيز عليه فلوس ليهم ،فخطفوا بنته عشان يطلبوا فلوسهم ،بس مش أكتر
عض"غيث" على جدار فمه الداخلى بغضب و تمتم بسخط :
بسهولة كدا
رد"أحمد" عليه بتهكم :
لا مش بسهولة
ثم التفت و ضرب الرجل الجالس بقربه بحدة ،ليصرخ الرجل متأوهًا و يقول بسخط :
طب بتضرب ليه بس يا بيه؟
أجابه "أحمد" بينما كان يخلل شعره بأصابع يده :
ما أنا متغاظ مش لا قى حاجه أطلع قهرى فيها غيرك
رد الرجل عليه بينما كان يحيط جسده بذراعه من قوة الضربة :
براحتك يا بيه
طالعهم"غيث" بحدة من خلال مرآة السيارة و لم يعلق ،اكتفى فقط التركيز على الطريق فلا يهمه شىء آخر سوى الوصول لصغيرته .

..........................................................

بالعودة لمكان الفتيات ،كانت "رنا" ما تزال تقف على المقعد و تحاول دفع القطع الخشبية ،تمكنت من إسقاط واحدة و تبقي ثلاث ،و بالأسفل تمسك "وعد" بالمقعد بإحكام لكن مع كثرة حركة صديقتها كان صعبًا للغاية و دون أن تقصد أفلتت يدها ليترنح المقعد و من فوقه"رنا" و فى تلك اللحظة ،دلف الرجال و صرخت "وعد" من الفزع حين رأتهم و لم تدرك أن ابتعدت عن المقعد لتسقط "رنا" فى نفس اللحظة و تقول "وعد" من خلفها سريعًا:
حاسبى يا رنا
صاح أحد الرجال متسائلًا بحدة:
أنتم كنتم بتعملوا ايه ؟
مع سقوط المقعد تناثرت الأتربة فى الجو مما أدى إلى اختناق "وعد" و التى قالت بصوت ضعيف مضطرب و هى تضع كلتا يديها فوق قفصها الصدرى بألم :
رنا ،ألحقينى مش قادره أخذ نفسى
اتسعت حدقتى "رنا" و لكنها حاولت تدراك الأمر سريعًا و صرخت بوجه أحد الرجال :
الشنطه بتاعتها فين ؟
لم يجبها بل وقف الاثنين يطالعنها بفتور غريب ،لكنها كررت سؤالها بحدة أكبر:
بقولك الشنطة بسرعة
نفذ الرجل ما قالت على مضض و أحضر حقيبتها ،فأخذتها هى على عجالة و أخرجت البخاخة ،ساعدت صديقتها على الاستنشاق منها و ما أن شعرت"رنا" بأن معدل تنفسها بات منتظمًا ،هتفت تسألها بقلق:
بقيتى كويسه ؟
حركت"وعد" رأسها دون أن تتحدث لكن فجأة وجدت "رنا" من يحكم قبضته على رأسها ،بعد أن نزع وشاحها مرة واحدة ،فصرخت هى بألم بينما كانت تحاول ضربه و دفعه بعيدًا عنها :
سيب شعرى يا حيوان
لم تتمكن "وعد" من النهوض ،حيث أن جسدها لم يسعفهل ،يينما صاح الرجل الاخر مخاطبًا "عزت":
أنت بتعمل ايه ؟
رد عليه "عزت" و مازال يمسك بخصلات شعر تلك المسكينة و التى تتلوى من الألم :
عاجبك يعنى أن حتت عيله زى دى و عماله تأمرنا كدا
دا أنا عزت الدهشورى على سن ورمح
ضغطت"وعد" على جسدها و نهضت بعد استندت على الحائط خلفها و قالت بقوة زائفة :
سيبها يا متخلف ،سبها أحسنلك ،أنت متعرفشى أنا بنت مين ؟
ابتسم "عزت" باتساع ،بل أصدر ضحكة مخيفة ثم قال بحقارة :
لا أعرف ،ما أبوكى هو سبب خطفنا ليكى يا حلوة ،و لو مدفعشى الفلوس هيستلمكم جثث بس بعد ما ناخد حقنا برده بس منكم المرادى
اتسعت حدقتى كلتا الفتاتين ،لكن "وعد" لم تتحمل أكثر من ذلك ،أرادت انقاذ صديقتها من ذلك الوحش ، لذلك اتجهت للمقعد الذى سقط منذ قليل ،حملته بضعف و حاولت أن تقذفه بوجه ذلك الحقير لكن الآخر منعها و أمسكها من ساعدها بحدة ،
بدأ كلا الرجلين فى الضحك بانتصار و نشوة غريبة ، معتقدين أن لا أحد سيقف بوجهم
لكن هتافه باسمها اخترق أذن الجميع :
رنا

اقتحم "غيث" و "أحمد" ذلك المكان
لم ينتظرا لثانية واحدة و اندفع كل منهما لمن تخصه

حيث اتجه "أحمد"ناحية فتاته و دفع ذلك الحقير الذى كان يمسك بسعادها ،ثم إنهال عليه بالضرب بحدة ،كان يركله فى كل اتجاه و يتلذذ بصوت صراخه ،لم يكن يومًا من أصحاب العنف لكن حين يصل الأمر لمن يخصه يتحول لوحش كاسر

و على الناحية الآخرى
اندفع "غيث" يحرر خصلات شعرها من يد ذلك الحقير ،كان يلكمه بيدو اليد الأخرى تحاول تحرريها ،لحظات و كانت تسقط على الأرض ،زحفت بخجل شديد إلى وشاح رأسها لكنها ، وجدت "وعد" تناولها إياه ثم تسحبها خلفها ،كأنها حصن لها

استمرت تلك المعركة لفترة لا يستهان بها ، و شعر "أحمد" بالإنهاك بعد هذا المجهود العنيف ، لذلك ترك ذلك الحقير يرقد على الأرض ،يتنفس بصعوبة فقد بات وجهه مدمى بالكامل بلإضافة لعدة كسور متفرقه فى أنحاء جسده

اتجه للفتيات و اصطحبهم للخارج ،وترك صديقه ينفس عن غضبه فهو يعلم أنه لم يهدأ بعد

أدخلهم للسيارة وأخرج زجاجه مياة ،ناولها "لوعد" و التى بدورها ارتشفت بعض القطرات القليلة ،ثم أعطتها لصديقتها

تنفس"أحمد" الصعداء حين شعر بأن حالتهم باتت أفضل قليلًا و أن علامات الذعر و الخوف بدأت فى الاختفاء تدريجيًا
تركهم و أغلق أبواب السيارة بإحكام ،ثم اتجه للداخل ،استند بظهره على الحائط و ترك صديقه يكمل ما يفعل

لم يهدأ"غيث" على الإطلاق بل كلما شعر بالانهاك تذكر مشهدها و خصلات شعرها العالقة بين يدى ذلك الحقير ،فيندفع الأدرينالين بجسده و تصبح قوته مضاعفه و تزداد ركلاته و لكماته حدة

انتظر "أحمد" ما يقرب من الربع ساعة ،ثم تقدم و أمسك بساعد صديقه كى يتوقف ،لكن دفعه و شرع فى إكمال ما بدأ به
فصاح "أحمد" بنفاذ صبر :
وعد و رنا تعبانين يا غيث ،لازم نروحهم و كدا كدا البوليس عل وصول
لم يكد ينهى جملته ليصدح صوت سيارة الشرطة معلنةً عن نهايه هذا اليوم الكارثى

..................................................................

بعد مرور أربعة أيام على تلك الحادثة و بالتحديد أمام قاعة الإختبارت
خرجت "رنا" بعد أن أدت آخر اختبار لها بذلك المكان و لحقت بها صديقتهل و التى و لأول مرة تظل للنهاية فى اختبار ما

لم تكن ملامحهم سعيدة كالباقى ،رغم العديد من الاحتفالات من حولهم ،فالجميع يهلل و يصرخ بمرح لنهاية المرحلة الجامعية إلا هما ،لم تكن تلك الحادثة هينة على الإطلاق ،إهانة مباشرة و خجل مضاعف بالإضافة إلى العديد من الكوابيس ،و ذلك أثر بالسلب عن أداء كلاهما فى الاختبار

لكن ذلك تبدل فى لحظات ما أن حضر ذلك المشاغب و هو يحمل بين يديه باقة زهور حمراء كبيرة و فى منتصفها زهرة بيضاء و قال و هو يناولها"لوعد":
ألف مبروك على نهايه آخر امتحان فى حياتك يا خطيبتى
أخذت"وعد" الزهور و قالت كى تخفى خجلهل و احمرار وجنتيها:
جيبلى ورد أحمر من غير أكل
ابتسم "أحمد" باتساع و قال بمرح :
و دى تفوتنى برده ،سندوتشات الشاورما فى العربية
قال ذلك وأخذ الزهرة البيضاء التى تقع فى منتصف الباقة و ناولها "لرنا" و هو يقول :
ودى لأختى الصغيرة و أخت خطيبتى و اللى مشركانى فيها بالذوق و العافية
ابتسمت له و قبل أن تأخذها،سبقتها "وعد" و قالت و هى تعطيها لها :
أنا اللى بدهيهالك مش حد تانى
عدل "أحمد"من ياقة قميصه وقال بزهو بعد حركتها تلك :
بتغير عليا موت ،بس معذورة أنا برده أحمد مش أى حد
لم تعلق "وعد" على حديثه ،اكتفت بنظرة سخط و خرجت ساحبةً صديقتها خلفها و التى كانت تبتسم على مناوشتهم تلك ،حقًا ثنائى استثنائى
..................................................................

(عيادة الدكتورة وداد حافظ)

دلفت "منال" إلى غرفة الطبية ،جلست على المقعد و خلعت نظارتها السوداء ،وضعتها فى حقيبتها ثم رفعت رأسها و ابتسمت لأول مرة
فابتسمت لها الطبيلة وهتفت متسائلةً بروتينية:
أخبارك ايه يا دكتورة منال ؟
أجابتها و البسمة تتراقص فوق ثغرها بوضوح شديد:
أحسن بكتير
اتسعت حدقتى الطيبة بذهول شديد و لكنها تمالكت نفسها سريعًا و قالت :
دى بداية ممتازة لجلستنا النهاردة ،تحبى تحكى عن حاجة معينه و لا أسأل أنا كنوع من التغير
حركت "منال" كتفها بلا مبالاة ،فأيقنت الطبية أنها عادت لحالة الهدوء خاصتها ،لذلك هتفت قائلةً:
تمام هسأل أنا ،هقول اسم شخص معين و توصفيه بجملة أو كلمة زى ما تحبى
حركت"منال"رأسها موافقةً دون أن تتحدث ،فأخذت "الطبيبة وداد " زمام الأمور و قالت :
محمد العدلى
ردت "منال"عليها قائلةً بلمحة حزن :
بابا ،و سبب أغلب مشاكلى من صغرى ،أنا مقدرتش أكرهه لكن فرحت بموته
لم تعلق الطبيبة على حديثها و أكملت اسألتها قائلةً:
و دكتور سامح الحديدى؟
ردت عليها بإقتضاب شديد دون أى إضافة فقط كلمة واحدة :
طليقى
انتظرت "الطبية وداد " منها أن تكمل فى وصفها لكنها توقفت فعلمت بأنها أكتفت بتلك الكلمة المفردة ،لذلك هتف مرة أخرى باسم جديد :
أستاذ عماد البلعوطى
رمقتها "منال" بدهشة وحيرة ،فبررت الطبيبة سؤالها قائلة :
كنتى ذكرتى اسمه مرة فى الجلسة اللى فاتت
أومأت"منال" برأسها متفهمةً ،ثم تنهدت تنهيدة عميقة و قالت :
هو اللى عرفنى على سامح فى الأول ،رغم أن سامح كان معايا فى نفس الكلية بس محصلشى بينا أى تعارف ،لكن والد عماد كان صاحب بابا و فى بينهم مصالح مشتركة
و كمان اتجوز سارة أختى ،بس انفصلوا من زمان

استرسلت "منال"فى حديثها عنه ،فأردات الطبيبة معرفة أكثر ،فهتفت متسائلةً بفضول :
مفيش حاجه تانيه حابه تقوليه عنه ؟
حركت"منال" رأسها نافيةً و قالت بحدة واضحة:
لا مفيش
لم تعجبها تلك الإجابة و خاصة الطريقة التى نطقتها بها و لكنها أكملت قائلةً:
تمام ،ليث سامح الحديدى
حين تلفظت بذلك الاسم أغرورقت عيني الجالسة أمامها و قالت بألم:
ابنى و عمرى و حياتى كلها اللى انتهت لما راح
ناولتها علبة المناديل الورقية و صمتت لدقائق ،سامحةً لمريضتها بأن تبكى لعلها ترتاح من هذا الحمل الثقيل الذى ظهر للسطح فجأة
هدأت "منال" بعد فترة ورفعت رأسها لتتقابل عينها مع الطبيبة تحثها على الإكمال ،ففهت هى ذلك و قالت :
سارة محمد العدلى
أجابتها"منال" قائلةً بأسى شديد و ندم :
أختى ،بس علاقتنا مقطوعة حاليًا ،و معتقدش أنها هتتصلح
أثارت تلك الإجابة حفيظتها و دونت بعقلها شىء ما ،ثم قالت :
تمام ،اخر اسم هو
و لكن قاطعتها "منال" و قالت هى مسرعةً قبل أن تفوه الطبية باسمه:
غيث صح
حركت "الطبية وداد "رأسها بتأكيد ،فابتسمت"منال" بسخرية و قالت :
تعرفى أن غيث هو الوحيد الى كمل معايا ،الكل بيمشى و يسبنى لكن هو دائمًا اللى كان بيختارنى رغم كل اللى عملته ،و دا مخلينى حاسه بالندم أكتر ،أنا ليه مكنتش كويسه معاه ،هو ميستحقش كل اللى حصل دا ،بس أنا كمان كنت مظلومة ،مش هو لوحده ،أحنا الاتنين كنا بنخاف ،أنا خفت من بابا و هو خاف منى و من جده
نظرت "الطبية وداد " لها و هتفت متسائلةً بمغزى كل تلك الجلسة:
طب تقدرى توصفي غيث فى جملة ؟
أخذت "منال" نفسًا عميقًا و قالت :
ابنى ،و
لكن توقف الكلام بحلقها ،حاولت دفع نفسها لحديث و أكملت رغمًا عنها :
و اتولد عشان ينقذ حياة ليث لكن حصل العكس

قطبت الطبية حاجبيها بدهشة و كانت ستهم بسؤالها عن معنى حديثها ذلك ،لكن فجأة وبدون أى مقدمات اقتحمت الممرضة الغرفة و قالت بذعر :
ألحقى يا دكتور دا ،فى مريض برا بيحاول ينتحر و هينط من الشباك
اندفعت الطبيبة لمريضها ،بينما حملت "منال" حقيبتها بعد أن أخرجت نظارتها ،ارتدتها و رحلت سريعًا قبل أن يراها أحد

...............................................................

فى المساء تجمع ثلاثتهم فى منزل "غيث" بعد يوم عمل شاق على جميعهم ،كان جميعهم يقفون فى المطبخ ،حيث كان "غيث" يغسل الأطباق و يقوم "أحمد" بتجفيفها و بينما يعد "آدم" الشاى
لحظات و كان ثلاثتهم بالخارج ،يجلسون على مقاعدهم و الطاولة أمامهم يوجد عليها أكواب الشاى الخاصة بكل فرد
ارتشف "آدم" بعض القطرات و قال :
مبروك يا عم أحمد ،خلاص هتكتب كتباك و تعلى جوابك
رد"أحمد" عليه قائلًا بخيلاء:
عقبال عندك يا عم آدم ،مع انى اشك أن ليلى تريحك و توافق
تدخل "غيث" فى الحوار و قال بحدة زائفة :
ملكشى دعوى بعاصفير الكناريا بتوعنا ياض
قاطع حديثهم ذلك خروج"زين" من المرحاض بعد أن فرَّش أسنانَه ،وقف أمام الثلاثة و هتف متسائلًا:
عمو آدم ،هو يعنى ايه love languages؟
اتسعت حداقتهم الثلاثة معًا ،و هتف "أحمد" بدهشة وحيرة لا تخلو من السخرية و التهكم :
نعم ،ازاى يعنى حتت عيل فى ابتدائى يسأل سؤال زى دا ؟
رد "زين" عليه بتأفف و تذمر:
أنا مش عيل و بعدين أنا مش بكلمك ،أنا بكلم عمو آدم
نهض "آدم" من مقعده و امسك بكف"زين" و قال بهدوء :
هقولك إجابة السؤال دا بس بكرة ،عشان دلوقتى ميعاد نومك
حرك "زين" رأسه موافقًا واتجه للغرفة التى سينام بها ،ساعده للصعود على الفراش فقد كان عاليًا بعض الشىء ،ثم دثره جيدًا و أغلق الأنوار ليترك الصغير كى ينام

خرج لأصدقائه و عاد ليجلس مجددًا فى المتصف بينهم
لم يتحدث أيًا منهم ،فقط اكتفوا باحتساء الشاى و مطالعة بعضهم البعض ، إلى أن هتف "أحمد" بمشاكسة كعادته :
بس حلو السؤال بتاع زين ،ما تيجوا كل واحد يقول إجابته
رد "غيث" عليه بينما كان يهم بالنهوض مبتعدًا عنهم:
أنت فاضى و أنا عايز أنام
أمسكه "أحمد" من ساعده و قال بجدية :
متهربش يا غيث ،بس أنا هطلع أجدع واحد فيكم و ابدأ بنفسى
عاد "غيث" لمقعده ،و أخذ "أحمد" نفسًا عميقًا ثم قال :
بالنسبالى لغة الحب بتاعتى هى النكش
أنى أضايق اللى بحبه و أعصبه و نتخاتق كتير بس نتصالح بعدها ، كنت زمان فاكر أن الحب هو كلام حلو و لمسة ايد و الحوارات دى ،بس أول ما وعد دخلت حياتى اكتشفت انى مش كدا
قاطعه "آدم" و هتف متسائلًا بفضول :
أنت حبتها يا أحمد ؟
تنهد تنهيدة عميقة و قال :
هتصدقنى لو قولتك مش عارف ،بس هى بتفرحنى ،غريبة مش متعود على كدا ،بس مرتاح
أنا مش عارف مشاعرى ناحيتها تتسمى ايه بالظبط ؟بس هو لازم كل حاجه يبقي ليها اسم ،ما نسبها كدا غامضة بس لذيذة
أخذ "آدم" المبادرة الثانية و قال بحماس و سعادة :
و أنا بالنسبالى أن ليلى تبقي مبسوطه ،أنى اشوف ضحكتها دا الحب بالنسبال
لم يتبقي سوى ثالثهم و الذى تظاهر باللا مبالاة ،فهتف "أحمد" متسائلًا بسخرية كى يضايقه لعله يخضع فى النهاية و يعترف :
الاستاذ معانا و لا فى كوكب تانى ؟
رمقه"غيث" بنظرة حانقة و قال :
مش هرد عليك
حدجه "أحمد"بنصف عين و قال باستهزاء :
مش محتاج ترد ،أقولك أنا لغة الحب بتاعتك ايه ؟
لفت انتباهه ،فالتفت بجسده له ليكون فى مواجهته ،فعلم "أحمد" أنه ينتظر الإجابة و كذلك "آدم" الذى رمقه هو الآخر بفقول ،فقال هو :
التسبيل ،الولد دا مش عاتق البت فى الراحة و الجاية يبصلها ،و يسرح
يا ابنى خد خطوة بقى دا الشركة كلها قفشاك ،و دا مكتفى بالنظرات الخاطفة بتاعته
ضرب "غيث" على الطاولة بكف يده و صاح بحدة :
تعرف تسكت ،مش عايز اسمع صوتك
حرك"أحمد" كتفه بأستهزاء و قال غير عابىء بنتائج فعلته:
معلشى أصل جيت على الجرح

و كانت تلك القشة التي قصمت ظهر البعير ،ليندفع"غيث" ناحيته يريد الانقضاض عليه و يلقنه درسًا قاسيًا لكن "أحمد" توقع الغدر مسبقًا و نهض قبل أن يصل إليه ،كان يهرول فى كل اتجاه من المنزل و يصرخ بصوت عالى :
عيب يا غيث كدا نصحى الناس
لكن "غيث" كان خلفه يحاول الإمساك به ،بينما خرج "زين" من غرفته على اثر صوت الصراخ ذلك و قال و هو يهلل بسعادة:
حلق عليه يا عمو غيث ،أنا أصلًا مش طايقة النهاردة

لتنتهى تلك الأمسية بلحظات سعيدة و صاخبة فى نفس الوقت
...............................................................

فى صباح يوم جديد
أنهت "الست فاطمة" عملها فى المنزل و اتجهت لمنزل شخص آخر قبل الذهاب لعملها ،انتظرت أمام الباب لنصف ساعة كاملة و كانت ستهم بالرحيل كالمرات السابقة و لكنها وجدته يصعد على السلم بجسد مترنح ،ابتسمت بسخرية و قالت بعد أن وقف أمامها:
بقالى أربع أيام بجى كل يوم هنا و استناك ترجع يا حسينى
لم يكن"الحسينى" فى كامل وعيه و مع ذلك قال بمشاكسة بعد أن فتح باب شقته:
معقول واحشتك للدجادى يا فاطمة ،دا أنا مشوفتش اللهفة دى وقت جوازنا

دلف بهدوء إلى منزله و ارتمى بجسده على الأريكة بعد أن تعثر فيها أثناء سيره ،فاتجهت له كى تعنفه على ما حدث و لكنه تعمد لمس ساقها بيده ،فازاحتها بحدة و قالت :
أبعد ايدك القذرة دى عنى ،أنا جايه اقولك حاجه واحده يا حسينى
ابتسم بسخرية و لم يعلق ، فأكملت هى حديثها مسترسلةً بحدة و غضب و هى تشهر سبابتها فى وجهه :
أقسم بالله لو هوبت ناحيه أى بنت من بناتى تانى ما هرحمك، و هفضح كل حاجه ، سكتونى بالعافية و أنا صغيرة و خفت على بنت أختى لكن خلاص مفيش حاجه هتمنعى دلوقتى من أنى افتح القديم ،أبعد عنهم بدل ما تلاقى نفسك مسجون و محكوم عليك بالإعدام
نهض و وقف أمامها مباشرة لم يفصل بينهم سوى بعض السنتيمترات الضيئلة و قال :
تعمليها يا فاطمة ،بس حابب بس أفكرك أنا مين
كانت ستتبعد عنه سريعًا لكنه أمسكها من ساعدها و صفعها عدة صفعات متتالية ثم قال بعد أن تركها تقع على الأرض متألمةً:
و بناتك أشبعى بيهم ،الله يحرقك طيرتيلى الدماغ اللى بعمل فيها من أمبارح
تركها و دخل لغرفته ،ارتمى بجسده على الفراش و غط فى نوم عميق ،بينما بالخارج كانت "فاطمة" تلملم شتات نفسها و ترحل سريعًا يتملكها الخوف و الذعر من ذلك الوحش .

..................................................................

لم تكن "رنا"تريد الذهاب و لكن دفعها شىء ما لا تعرفه ،لذلك انتظرت حتى رحلت والدتها للعمل ،ثم قامت بتبديل ثيابها سريعًا و خرجت
اتجهت مباشرة للمشفى التى يتعالج بها جدها ،كانت تعلم رقم الغرفة مسبقًا فقد تحدثت مع عمها بالأمس ،صعدت للطابق المنشود و لكنها وجدت فجأة من يعترض طريقها ،فرفعت رأسها و ابتسمت سريعًا ما أن عرفت بهويتها و قالت :
اذيك يا مايا ،بقالنا كتير أوى متقبلناش
ردت عليها بغلظة شديدة :
يمكن مش عايزه اقابلك مثلًا
رمقتها"رنا"بدهشة من هذا العداء الغريب و هتفت مستفسرة :
أنتِ زعلانه منى فى حاجه؟
أخفضت"مايا"رأسها سريعًا كى تتحاشى النظر لها و قالت دون ترتيب:
معلشى يا رنا ،بس حقيقي مش قادره أتكلم ،أدخلى لجدو لو عايزه ،و متقلقيش مالك مش جو

قالت"مايا" ذلك و رحلت مباشرة ،هى تعرف أن لا ذنب لها بكل ما يحدث معها ،لكنها تريد إلقاء اللوم على أى شخص ،فقد تركها جميع الرجال بحياتها و اختاروا أُخْرَيات ،و بقت هى بمفردها بعدما كانت الملكة المتوجهة فوق قلوب العديد من الرجال ،لكنها غفلت عن كونها حياة شخص واحد بعينه ،أضاعته فى ثورة تكبرها ،لكن ألا يحق لها بفرصة ثانية ؟ كالجميع

وقفت "رنا" أمام باب الغرفة كانت تصارع نفسها أ تدخل و تقابلهم مجددًا أم تعود أدراجها و كأن شيئا لم يكن ؟
حسمت قرارها فى النهاية و دخلت بعد أن طرقت على الباب بخفه ،و بمجرد أن رأتها "سهير" صاحت متسائلةً بضيق و نفور:
جايه ليه يا بنت منى ؟
توترت بشدة من هذا السؤال و لكن أنقذها عمها حيث صاح بوجه زوجته قائلًا بحدة:
اسكتى يا سهير
ثم قال بنبرة حنونة لابنة أخية:
تعالى يا رنا ،جدك كان نفسه يشوفك أوى
اقتربت منه و هتفت متسائلةً بقلق :
أنت كويس يا جدو؟
لم تتحمل "سهير" أكثر من ذلك و صاحت بعنف بعد أن نهضت من مقعدها و اتجهت "لرنا" تمسكها من ساعدها بحدة :
طبعًا جايه عشان تضمن حقها فى الورث ،ما خلاص الراجل بيودع
حينها صاح "الحاج راشد " مرة واحدة قائلًا بتهديد صريح رغم ضعفه الواضح :
خرج مراتك يا إبراهيم و فهمها أن كلمة كمان و هى اللى هتودع مش أنا
سحبها زوجها للخارج و أغلق الباب ،فابتسم "الحاج راشد " و قال بود :
عامله ايه يا رنا ؟ طمنينى عليكى يا بنت الغالى
حاولت أن تبتسم رغمًا عنها وجلست على المقعد لنقابل لفراشه.
...........................................................

خرجت من الغرفة بعد أن ودعت جدها ،كان حديثًا عابرًا لم يذكر فيه أى شىء مهم سوى أنه ترك لها رسالة فى وصيته فقد شعر بقرب أجله ،اثار ذلك دهشتها و لكنها لم تعلق ،لا تريد أى شىء منه ،هى حتى لا تعرف لمَ حضرت من الأساس؟

و بينما هى غارقة بأفكارها وجدت من يسحبها بعنف و يدخلها إلى إحدى المرات الضيقة ،دفعها بقوة ناحية الحائط و احتجزها بين ذراعيه و قال بالقرب من وجهها:
مش قولتلك متقربيش تانى ،مش حذرتك متظهريش فى أى مكان أنا موجود فيه
لم يسعفها صوتها للحديث ،شعرت بأنها تختنق و قربه منها زاد من حدة و ضراوة ذلك الشعور ،فابتسم لها بتسلية و قال :
و لا أنتِ عايزه تقربى يا رنا؟
اتسعت حدقتيها بذهول من مغزى حديثه و حاولت التحلى بالقوة و دفعه و لكنها لم تتمكن سوى من ضربه فى صدرة بخفة ،فأمسك كف يدها و قال :
ردى عليا ،جايه ليه ؟ عايزه مننا ايه ؟ما تسبينا بقى
كان يضغط بشدة على كفها و هى تتألم دون أن تصرخ فقط الدموع كانت طريقتها الوحيدة للتعبير ،رق لحالها لثوانى بسيطة ،لكنه عاد و ارتدى ذلك القناع الغاضب و الكاره لها ،كلمات والدته محفورة بكل جزء منه
تمكنت من الهمس أخيرًا و قالت بألم :
سبنى و أنا و الله ما هاجى هنا تانى ،أنا مش عايزه منكم حاجة و الله
نبرتها تلك أيقظت الإنسان بداخله ،فصاح بعنف بعد أن ترك يدها :
أمشى ، أمشى بسرعة

هرولت سريعًا دون أن تلتف للخلف ،و سقط هو على الأرض يضم ركبته إلى صدره ،بات معدل تنفسه غير منتظم على الإطلاق و صدره يعلو و يهبط بعنف ملحوظ ،كأنه يحارب الاثنين بداخله ،يحاربهم بصمت و ألم .

فى نفس التوقيت كانت "عفاف" تبحث عنه ،لفت انتباهها صوت همهمات ضئيلة تأتى من إحدى الممرات ،فاقتربت من مصدر هذا الصوت و رأته ،بتلك الحالة الغريبة ،كأنه طفل تعرض للتو لتعنيف أسرى أو حادثة مروعة نجى منها بأعجوبة شديدة لكن ظلت روحه محتجزة ،لم تعلق أكتفت بالانحناء بجسدها لتصبح بمحاذاته ثم عانقته و هى تربت على ظهره بحنان شديد ،و حينها بكى ،أمسكها بشدة و بكى ،كان يصرخ بصوت شبه مرتفع و يشدد من احتضانه لها ،يمسك بها بإحكام شديد كأنها طوق نجاته من دموعه و إضطرابه .
طوق نجاته من نفسه .
لكن كيف للمرء أن يحارب نفسه ؟! رحلتهما كارثية و مليئة بالعديد من المنحنيات المؤلمة ،و للآسف سيكون عليها أن تختار بين عشقها و مهنتها كطبيبة لمريض يدعى "مالك إبراهيم راشد " فأيهما الأهم ؟
و أيًا كان اختيارها فهو ليس سوى هزيمة جديدة تضاف لهزائمها المُتكررة منذ وافقت على أن تصبح زوجته.

..............................................................

و تمضى الأيام سريعًا ،تمضى و لا يمكن لأحد الوقوف بوجهها

لحظات عقد القِران مهيبة، فسبحان من وصفها بالميثاقِ الغليظ !
وأعظم ما يُقال فيها :
"قبلت الزواج على كتاب الله و سنة رسوله"
و لو عقِل الناس معنى هذا المعقود عليه ،لأنهزم الواحد خوفًا و رهبةً قبل أن يجترئ على حق الآخر ،لأنه عاهد الله عز وجل

تخيل شخصين من دقائق فقط كانوا غرباء و أجانب عن بعضهم البعض ،جعلهم الشرع سكن لبعضهم بكلمة
لحظة (الحِلّ) و تحول الحرام إلى مأجورٌ عليه لحظة مهيبة يتعين عليهم حمد الله عليها و لن يتموا حق شكره

خرجت "وعد", من غرفتها و هى ترتدى ثوبًا بسيطًا باللون الابيض و من خلفها "ديما " و التى كانت ترى بذلة نسائية باللون الأزرق و على جانبها "رنا" بثوبها الأرجوانى

كان"العم جمال "هو وكيل العروس ،كما كان فى خطبتها و ها هو الأن يقوم بنفس الدور فى زفافها

جلست الفتيات فى الركن الهادىء و مقابلًا لهم الرجال و يتوسطهم المأذون

طلب المأذون من الحاضرين قراءة سورة الفاتحة بأن يسمِ الله و يحمده و يعهدوا على قراءة بعض الآيات من القرآن عن الزواج و ذكر بعض الأحاديث النبوية.

ثم انتقل لوكيل الزوجة و الزوج يلقنهم ما سيقولون بالترتيب .

و فى النهاية قال المأذون أخيرًا :
"بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما على خير"

لتنطلق الزَغاريدُ بعد نطق المأذون لتلك الجملة و الجميع يبارك و يهنىء بسعادة شديدة

اقترب "أحمد" من زوجته و قال بعد أن أمسك كف يدها أمام الحاضرين :
دلوقتى أقدر أمسك ايدك براحتك و حسك عينك تقولى لا و الله أعملكم قاعدة عرب هنا فى نص الشقة
كست الحمرة وجهها و أخفضت رأسها سريعًا و هى تقول بخجل:
مش هقول لا خلاص
رفع رأسها ليقابل عسليتها و قال بلوعة :
سبحان من صب العسل بعيونك
لم يترك لها فرصة استعياب كلماته حيث حاوط خصرها بكلتا يديها و عانقها دون أن يخجل من أحد

استغل "آدم" تلك اللحظة و جثى على ركبته أمام "ليلى" و قال بعد أن أخرج قلادة صغيرة من جيبه و التى كانت تحمل فى منتصفها شمسًا صغيرة :
تسمحيلى أكون شريك حياتك للأبد يا ليلة ، تسمحى تكونى ليلى و شمسى و كل عمرى
ابتسمت"ليلى" بسعادة و التفت لشقيقها تنتظر موافقته بترقب ،فأومأ "غيث" برأسه ،و قبلت هى تلك القلاة لتعلو صوت الزغاريد مجددًا ،بزفاف جديد على الأبواب
نهض "آدم" و رمقها بنظرة عاشقة فتوردت و جنتيها و أرجعت خصلات شعرها البنية خلف أذنها بتلقائية

كانت ليلة حافلة بالأخبار السعيدة و ما زادها هو تحرك "غيث"  باتجاه فتاته الصغيرة وقف بجانبها محافظًا على مسافتهما المعتادة و قال :
عقبالك يا رنا
ردت عليه بتذمر طفولى بينما كانت تراقب ابتسامة صديقتها  :
قولت لحضرتك أنا مش هتجوز
فابتسم هو على ملامح وجهها تلك و قال بمشاغبة بعد أن مال برأسه قليلًا :
لا هتتجوزى ،و قريب أوى كمان ،يمكن نسبقهم أصلًا
لم تدرك مغزى نهاية حديثه ،و صاحت بتأفف و ضيق :
هو بالعافية يعنى ؟ أنا مش بفكر فى الموضوع دا أصلًا ،فياريت حضرتك تبطل كلام فيه 
تنهد تنهيدة عميقة و قال سريعًا بعد أن لاحظ مراقبة والدتها لهم  :
مش بالعافية ،بالحب يا رنا

تركها و اتجه لمكان أصدقائه يكملون احتفالهم الصاخب ،متظاهرًا بأن شىء لم يحدث رغم استمرار النظرات النارية من والدتها .

و لتكتمل الصورة الآخيرة ،و تظهر لغة حبهم بوضوح

فها هو "آدم" يطالع "ليلى " بحب و هى تبتسم بسعادة كلما لمست أناملها تلك القلادة التى تزين عنقها و التى لها دلالة كبيرة بينهما .
و ذلك المشاغب كالعادة يتهاوش معها لكن و يده تعانق خاصته أخيرًا بعد فترة طويلة من التعقيدات و الاختلافات بينهما
و الأخير ،سيد التلميحات بلا منازع يطالع تلك الصغيرة و لا يزيح عينه عنها ،فقط يرمقها بتلك النظرة الهائمة بوضوح و هى تدرك ذلك و تخجل بشدة ،تحاول الهروب من أمام مرمى بصرة لتتمكن هى من مراقبته بأريحية دون أن تعرف لمَ تفعل ذلك ؟
لكن يروق لها ما تفعله أيًا كان المسمى ،إعجاب أو فضول أو الأسوء على الإطلاق عشق شديد الخطورة على جميع الأطراف .

و للمفارقة العجيبة و قفت "ديما" تراقبهم بسعادة ،حتى مع نظرات "غيث" لشقيقتها ،لتدرك أن ذلك لم يكن سوى تعود و امتنان للرجل الوحيد الذى وقف بصفها ،ربما مازالت تكن له بعض المشاعر فقد أحبته لسنوات عديدة و احتفظت بمشاعرها تلك دون أن تبوح لأحد عنها لكن هناك غريب اقتحم حياتها و ترك البسمة على ثغرها كاسمه "بسام"
ربما هى الآخرى ستحظى بأحدهم قريبًا ،أو سيحارب أحدهم لأجلها كما فعل الجميع مع من تخصهم .

و تقف بجانبها "ياسمين" و التى كانت تبتسم لهذا المشهد الجميل ،فسعادة شقيقها تسعدها ،فهى لا تملك سواه بهذا الحياة ،بالإصافة لذكرى"أيمن" التى لا يمكنها التخلى عنها مهما مر من سنوات عديدة ،
لكنها كالكل ستنال حظها من الحب عما قريب و سيكون "لغيث" النصيب الأكبر من قصتها ،فهو صاحب الفضل فى حكاية حبها.

أخيرًا أمسية سعيدة على الكل ،لكن متى كانت السعادة دائمة؟

_يتبع_
_الجزء الثانى ،الفصل الرابع و العشرون_
_مريض نفسي بالفطرة_
_______________________________

Continua llegint

You'll Also Like

11.5K 974 32
" مشاعرهم النقيه والتى وُلِدت فى ظلام الخوف والفقدان ، مشاعراً كُتِب لها أن تَكبُر ، كُتِب لها أن تنتصر على قسوة الأيام " -تَزول آلامُ جِراحنا وتبقى...
184K 9.6K 64
سَنلتقي .. رُبما يكون لقاءً بارداً تكتمُ فيه غيرتك وأمسكُ فيه لِساني عن اُحبّك ستنظر اليّ ، وسأنظر للجميع عداك .
2.6M 185K 58
كان عالقًا في مستنقع سحبه للأعماق، حتى باتت يداهُ مُلطخة بالدماء، يقتل ضحيته بلا رحمة؛ للثأر مِمن كانوا السبب في قتل شقيقه ومرض والدته، حتى لُقِب بـ«...
3.4K 94 11
رواية سودانية بقلم ام الخلفاء