البارت 32

480 10 0
                                    



الجـــــزء 32...
-----------------
عقب ما سكّر تركي من مكالمة أبو خالد اللي قال إنه بيسبقه للمطار...
نزّل الجوال وهو جالس عالكنبة بصالة بيت أبوه...
وعينه ترتفع لأمه اللي كانت جالسه بكنبة مقابلة تناظره..
وحواجبها معقودة من نقاشهم اللي قبل شوي..
لأن تركي ما قال لهم عن سفرته إلا ألحين ..ويبي يحطّهم قدام الأمر الواقع ،
أمه بضييق واضـح : عقب ما قررت ونويت... توّك جيت تقولنا ؟؟؟
تركي وهو يحط الجوال جنبه بالضبط : .. ما بغيت أقولكم..
عشان لا تسوونها سالفة ..وبعدين انا عارف وش اسوي
امه بضيق يزيد ، وندم ، : .. ليتني ما قلت لك ..
ليتني ما قلت لك عن اللي صار بينه وبين أبوك...لو إني ساكته احسن !
تركي تنرفز شوي : ... أجل أشوى إنك وضحتي الأمور
اللي ما كنت فاهمها وأنا صغير ..وأشوى إني رجعت من كندا
وقطعت دراستي عشان أفهم اللي ما كنت فاهمه !!
أمه باكتئاااب : الله يهدييييك انا ما قلت اللي قلته لك عشان تتهوّر
وترمي روحك بالنار... أنا حتى قمت أتخيّله يأذيك بأي لحظة...
صرت ولدي اللي ما أعرفه !!
تركي ترفززززز زوووود : يهبى إلا هووو ...لا انتي تعرفيني زييين...
تعرفين تركي ولدك... وتعرفينه لا بغى يصير ابليس بعينه
بيصير ولا رادّه شي
أمه بقللق : والله مو عارفه وش بيطلع لنا من هالسفر...
خايفه يكون ناوي عليك يا تركي ، مو تقول إنه هو اللي
طلب ياخذك معه..أخاف ناوي لك على أذيّة !!
تركي بسخرية : بالله من جدك خايفه علي؟؟.. خايفه علي منه؟؟..
امه بقلق على ولـدها : ولييش ما أخاف عليك منه؟؟..
وكل اللي فينا بسبّته !
قاطعها : الامور اختلفت ألحين .. أنا بعرف كيف أتصرف معه...
بس أبيكم تصبرون معي شوي وكل هالنكد اللي احنا فيه بينتهي ..
أمه : يا تررركي اسمع شوري.. كافينا مشاكل...ما فيني حيل أتحمل يصير فيك شي مثل ما صار لأبوك ..أبوك طايح على فراشه الأبيض من ذيك السنين...15 سنة يا تركي ...
بالله وش بيصير فيني من عقبك لو صار لك شي!!
تنهّد وهو يشوف أمه تداري عبرتها وهي تحكي بقلب مقهوور..
بقلب تحمّل سنين وسنين..!!
وهدّى من نبرة صوته : يمّه يرحم لي والديك كم مرة قلت لك... بعرف شلون أتصرف..مارح يصير فيني شي ..مهب كفو أصلا يلمس شعرة من راسي...إن تجرأ وسواها والله لأمحيه وأنا ولد جاسر..
أمه قامت تتنهّد... عارفه إن محاولة اقناعه مجرد مضيعة وقت.. لكن وش تسوي بالخوف داخلها؟؟؟
قام واقف وهو يدس جواله بجيب بنطلونه الجينز واللي كان فوق تي شيرت أبيض وعليه جكيت بني ..ملابس سفره اللي بيروح فيها ..
وقال : أنا قلت لأبوي إني رايح لشغل وما قلت له اني بروح مع مساعد ... ما بغيته ينغثّ بطاريه..وانتي طمّنيه عليّ كل ما سأل عني..
أمه باستسلام لرغبته اللي محد يقدر يوقف قدامها : ..ان شاء الله وانا امك...بيعين الله !
أخيرا التفت لـ طاولة الطعام القريبة ..ولقى فطور أخته لازال عالطاولة..وقطعة خبز مقطوع نصّها مرميه عالطاولة باهمال وباقي صحون الفطور لازالت مليانه ، وواضح إن اللي كانت تاكل ما كمّلت فطورها...
قال باستغراب : أشوف جنى ما كمّلت فطورها ..
(وهو يناظر ساعته)...بدري شوي عالمدرسة لا تقولين إنها راحت
وأنا قايل إني بجي أشوفها قبل أسافر..
أمه وضااااق صدرها زود : اختك كانت لابسه مريولها وتفطر يوم اتصلت إنت وقلت بتجي تشوفنا عشانك بتسافر... شاااشت عليّ ودموعها أربع أربع...تركت فطورها وركضت فوق ...وقالت ما تبي تشوفك ..!
ابتسم ابتسامة عطف وضيق..! من تخيّل شكلها البريء وهي معصّبه ..
تحرّك بصمت ناحية الدرج.. إلا امه تقول وهو تشوفه : اقصر الشر يا تركي وخلّها .. تعرف اختك انت ..ان شافتك الحين بتتنكّد زود...وبتقعد مغتثّه طول اليوم وحتى المدرسة مارح تروح لها..
طلع الدرج وهو يسمع كلامها...ثم تنهّد من أعمااااق صدره...
وصل لـ باب غرفتها اللي كان موصد ..رفع يده بيدقّه لكنها تعلّقت بالهوا وهو يسمع بكاها من جوّا..
تنهّد مرة ثانية بقوة...وأطلق يده للباب يدّقه بهدووء..
وببساطة قال بررقة : جنااي ماما...
ما ردّت ..لكن صوت بكيّها اختفى ..
وهو يبتسم بنعومة : يـ كتكووت !
ما جاوبته...والوضع كان صمت ...
كرر ندائها بمررح : كتكووووووووت !
ردّت بعاصفة هوجاااااااااء : انقققققققققققققققققققلع
عن غرفتتتتيييييييييييييييييييي ...
وقامت تشاهق من قلب .. وصوتها الباكي واصل لعنده ..
رفع راحة يده يمسح بها وجهه ... الله يستر ما تكرهه بيوم من الأيام!!..
وهو اللي دايم يوعدها وينقض وعوده !!
قال بليونة : افتحي خليني أقولك..
قالت بشهاق متتالي : ما أبي أشوف رقعة وجهك يالكذاب اتتترررركني .. إنت دايم كذا دايم كذذذذذا ..
ضاااق خلقه شوي : انا مو كذاب ظروفي اللي تخليني كذا معكم ..
ردت بصراخ يتخلله دمووع : لك ست شهور تقول ظروووفي ولك ست شهور تقول بجي وأجلس معاك وأطلعك ..والحين جاي تقول بسافر يا كذذذااااب ما شبعت سفر كل اللي همك وناستك وبس..
تضاااايق زود : طيب افتحي خليني أفهمك... كذا ما ينفع !
بصراااخ وعبرات : ما أأأأأبببببي... أكررررررررررره حياتي وأكرهني.. ما عاد أبي شي منك خلاااااااااص اتركني ما أبي أشوفك..
تنهّد واستسلم لأن الواضح أنها مصرّه وماااخذه منه موقف... زود على كذا.. هو تأخر عالمطار لازم يطلع الحين ويالله بيلحق...
ما كان يتمنى يتركها من غير لا يفهمّها أو على الأأقل ما يروح وهي زعلانه ..
قال وهو ناوي يمشي : جنى انا مضطر أمشي ألحين...
بكلمك أول ما أوصل هناك...ردي علي لا تطنشيني أوكي يـ كتكوت؟
ما ردّت عليه ..
ومشى هو للدرج نازل..وهو عارف انها مجرد ردة فعل ورح تنتهي...
ويدري إنه بمجرد ما يكّلمها اول ما يوصل هناك ، رح ترجع الأمور لمجاريها... متأكد لأنها لازالت صغيرة وقلبها قلب طفلة ...
مرّ على أمه..باس راسها وودّعها... وهي كل كلامها مجرد وصايا له عشان ينتبه لعمره ويحذر لنفسه...
قبل يطلع..اتجه لغرفة أبوه القابعة بركن من أركان الصالة ...فتح الباب فتحة صغيييرة تسمح له يناظر... لقاه نايم بسكوون ..اطمئن عليه وسكّر الباب بنفس الهدووء ..ثم ابتسم لأمه وهو يودعها مرة ثانية وطلع لسيارته بسرعة ...وسيييييدا عالمطار ..وعساه يلحق !!!
:::::::::::::::::::::::::
بالمطار ..
بصالة انتظار الرحلة ... كانت سحر واقفة وهي متكتّفه قبال الواجهة الزجاجية لصالات الانتظار... الواجهة المكشوفة قبالها ..
ومنظر الطيارات المنتشر أمامها ... وقوفها صامت وعينها تتابع
طيارة الخطوط الروسية اللي رح يركبونها بغضون نص ساعة ...
عيونها انتقلت من الطيارة الواقفة قبال أنبوب البوابة ..لـ منظر السما المغيّمه بعض الشي... والجو اللي يبدو إنه بارد... سَحَرها منظر السما والبقع السودا المنتشره بعشوائية ... والشمس المختفيه بهالصباح .. ، هالبرد يشابه مشاعرها الحالية.. ويشابه قلبها اللي بدا يتجمّد بكتلة جليد غليظة ..
مرّ أكثر من سنتين من ودّعت روسيا بكل ما فيها ... وما كانت تظن إنها بترجع لها لأنها وقتها كرهت السفر والغربة ..بس الحين ...
كل شي داخلها اختلف ...
رغبة الرجوع لذيك الحياة البعيدة ... غلبت أي رغبة ثانية ..
تبيك ذيك الحياة اللي كرهتها ... تبيها واشتاقت لها...ايه نعم اشتاقت لها... مقتنعه الحين إنها تفضّلها على كل شي واجهته هنا ...
ليتها تمّت بعيدة ومسافرة عنهم... ليتها ما ألحّت على أبوها يتقاعد...
عشان ترجع !!
فكّت عقدة يدينها عن صدرها...وارتفعت يدها اليمين لحزام شنطة يدها المعلّقة على كتفها...ويدها الثانية حكّت فيها خدها وهي مو متحمّله انتظار... تبي تصعد الطيارة الحين...وترحل ..ترحل...ترحل لأبعد مكان ...وتبحث لها عن حياة مختلفة .. تنسى كل شي صار.... تمحي هالفصل من حياتها... ترجع لحياتها هناك... وتبقى سنين من غير عودة !
التفتت وهي ماسكه شنطتها بملامح متسائلة ..للمقعد اللي كان ابوها جالس عليه على بعد أمتار بمنتصف الصالة ..وعند رجوله شنطة اللابتوب الخاص فيه مع الأوراق الضرورية ... كان يكلّم تلفون وهو حاط رجل على رجل ويده الثانية تعدل الكرفته (ربطة العنق) ... وما كانت قادره تسمع كلامه من ضوضاء الناس ...ونداءات الرحلات...ومن بُعد المسافة ...
تنهّدت يوم سمعت إن النداء ..كان على رحلتهم ... تركت الواجهة الزجاجية ومنظر الطائرة المهيب والقريب...ومشت بهدوء وبطء ناحية أبوها اللي نزّل الجوال يوم وصلت ..وأنهى المكالمة ..
سحر وهي ترفع صوتها لأن النداء العالي كان يتكرر : هذي رحلتنا بابا نمشي؟
ابو خالد وهو يوقف ويدخل جواله بجيب بنطلون بدلته..
قام يلتفت ورا باهتمام وهو يقول : ايه يلله...
لاحظت أنه يناظر وراه ويحاول يبحث عن احد بين زحمة الناس من بعيد...
باهتمام : تنتظر أحد ؟
ما كانت تدري..إن فيه طرف ثالث بيشاركهم الرحلة ...
وقال أبوها : ايه اسبقيني اذا تبين ... (أعطاها البورد حقها ) ...
روحي قبلي تدلّين الطريق...حجزنا بدرجة رجال الأعمال
اجلسي وبلحقك لين يجي وليد..
مسكت البورد بهدوء..
لكن اسمه بالأخير خلّا هدوءها يتبددّ ..وهي ترفع راسها بصدمـة عنيفة..وعيونها تتوسّع : نعم؟....و...ول....مين ؟
ناظرها بابتسامة ..ثم رجع يطالع بالناس البعيدة
خارج صالات الانتظار : وليد جاي معي وانا ابوك ما قلت لك !
جملته قالها ببساطة وأريحية ....ما استوعبت...ليش؟؟؟... ووشلون؟؟؟
وفاجئها الموضوع... ما كانت عارفه عنه شي.. وما قدرت تستوعب ..
إنه هو بالذات ...دون غيره..بيرافقهم ؟!!
قالت بضحكة سخرية ..ونبرة صوتها تكرر عدم
استساغة الموضوع : ...وليد؟....وليييد ما غيره ؟
ضحك وهو يشوفها مو على بعضها ... على غير العادة !
ابو خالد : ايه... مخططين لهالشي من زمان...وش فيك مستغربة ؟
سحر وهي تحك حاجبها ما تدري وش تقول : اا.. مستغربة لأني عارفه
أنه مو قد سفراتك...أصلا ليش نط وبيجي معنا ؟
ما أحس يلبق له الموضوع!
ابو خالد : ما نط بكيفه...قلت لك اني مخطط معه لهالشي من فترة ...
اللي نط وبيجي معنا هو إنتي الله يهديك !
ضحك مع آخر كلمة يمازحها ...وهي ابتسمت تجاريه ابتسامة مزيّفة ...
ما قدرت تستسيغ الموضوع ... وتتخيّله معهم ... لكنها مع كذا ما قدرت تنتظر وصوله أكثر... تأخّر عليهم وهي ببرود وسخرية رفعت البورد قدام وجهها وهي تقول : أشك إنه ضاع ...أنا داخله اوكي؟...تعبت واقفه ...
ومشت وهي ترفع حزام شنطتها وتعدّلها على كتفها من جديد... وصلت للبوابة وأعطت موظف الخطوط البورد...
شقّها وعطاها نصف الورقة اللي تحمل رقم المقعد...
دخلت الأنبوب من غير لا تناظر وراها ...ومشت خطواتها مع الناس الاجانب اللي دخلوا معها ...
وصلت لمدخل الطائرة وابتسمت للمضيفة الروسية ..اللي بادلتها الابتسام... ومن لاحظت إن مقعدها في درجة رجال الأعمال ..
زادت حفاوتها وارتفعت درجة الترحيب ...
أخذت الممر الأيسر المعاكس للدرجة السياحية ..والأقرب لكبينة الطيار... ومشت ورا المضيفة الى إن وصلت لمقعد وثييير وواااسع بجانب الناافذة ..
جلست بمقعدها وهي تبتسم للمضيفة اللي واقفه على راسها بكل أدب ..قالت وهي تنزّل شنطتها بالمقعد الواسع الآخر بجنبها : سپاسيبا ..!
مع كلمة الشكر هذي ردّت لها المضيفة التحية وتركتها
بعد ما تأكدت إنها مو محتاجه شي ...
ريّحت سحر ظهرها للمقعد الوثيير والواااسع ...وبعفوية ...قامت تلتفت يمين ..وورا... وقدام... بهالمكان اللي ما يحتوي على مقاعد كثيرة ... ما كان مزحوم المكان.... لحد الآن ما تشوف إلا واحد أجنبي جالس بالجهة الاخرى وشكله روسي.. ووراه عائلة أوروبية صغيرة ..رجل وزوجته...وولدهم الصغير اللي ما جاوز الـ 3 سنين ...
وقدامها ببداية الدرجة ... رجال سعودي لحاله.....وهي بمنتصف الدرجة !
ابتسمت يوم استوعبت الهدوء ..تحب السفرات الهادية ... قد جرّبت مرة السفر بالدرجة السياحية وما تحمّلت من صجّة العوائل وبزارينهم !...خصوصا ان كانت الرحلة طويلة مثل هالرحلة !!
طاحت عينها على المقعد الخاالي المقابل لها مباشرة ..وابتسمت لأنه يفترض إنه يكون لأبوها ...تصميم الدرجة مختلف عن الدرجات السياحية ...المقاعد متقابلة ...بمعنى إن كل أربع مقاعد متواجهه على الجانبين... ما فيه مقاعد وسطية بسبب كبر حجم الكراسي...
بعد ما أخذت نظرة عالمكان والناس المعدودة...طلّت مع النافذة يسارها وهي تشوف الشاحنات تحت رايحة جايه بمدرجات المطار... ويوم أنهت نظرتها ...رفعت معصمها تشوف ساعتها... ثلث ساعة تقريبا ورح يكونون بالجوووو !
ابتسمت لنفسها بأسى ...
ما كذبت يوم قالت لخالد اليوم...إنها كرهت عيشتها بالرياض ....
وإنها اشتاقت لحياتها القبلية ...
ما تكذب... لأنه فعلا اشتاقت ...صدق اشتاقت..
تبي ذيك الحياة ...
تبي تنسى اللي مرّت فيه...وتبي تتجاوز البعثرة اللي هي فيها..
واللي مو قادره تطلع منها ..
وما تدري إذا بتقدر...لأنها حاليا ..مو قادره..
تعاني أشياء داخليه ...أشياء مو قادره تفرّغها...وهالشي متعبها حيييل..!!
أخذت نفس عميييق يوم حسّت إنها بتدخل بمتاهة من جديد...وبسرعة استدرات بجسمها نص استدارة للحقيبة جنبها...فتحت سحّابها بسرعة وسحبت طرف الكتاب البارز... كتاب التقطته اليوم بعشوائية من مكتبتها قبل تطلع..وممداها حتى تقرى العنوان او تعرف نوعه...
كانت رواية أروت انتظارها هالدقايق ...فتحت أول صفحة وعيونها تستقر على أول الحروف ...
داخل صالة الانتظار...
ابو خالد كان واقف عالبوابة مباشرة ويده اليمنى شايله حقيبة أوراقه..واليد الثانية شايله البوردات ...
ما دخل ..لأنه شاف طيف تركي يركض بين الناس..ويدخل صالتهم ويقرب وهو يلهث...لهاث مخلوط بابتسامة اعتذار وهو شايل حقيبة ظهر متوسطة الحجم بيده..
تركي وهو ينزّل شنطته عالأرض من التعب : أدري تأخرت السموحة طويل العمر..
ابو خالد وهو يعطي الموظف البوردين بضحكة : على هونك اذكر الله ... أشوفك تركض بين الناس...بغيت اروح عنك ..
ضحك تركي يجاريه : اول وآآآخر مرررة ..
ابو خالد دخل الأنبوب...وتركي انحنى لحقيبة الظهر..
ومشى وهو يرميها على كتف واحد ...
عند مدخل الطائرة كان واقف المضيف والمضيفة ...
الحفاوة من المضيف الروسي زادت لأبو خالد ..وبإشارة مؤدبة من يده أشار للممر الأيسر عشان يتبعه لمقعده عقب ما شاف البورد حقه..
تركي مشى ورا أبو خالد وهو يغمز بشقااوة حلوة للمضيفة
الشقرا المملوحة مع ابتسامة روعة يغازلها...
ردّت له المضيفة الابتسامة بحفاوة وهو يتجاوزها ورا ابو خالد مباشرة ...
يوم دخل أول خطوة للدرجة الفسيحة نزّل الشنطة من كتفه وظلّ شايلها بيده وحاضنها قدام جسمه... لاحظ انها الدرجة الأفخم وابتسم برضا ...
هو الثاني يكره زحمة الدرجات السياحية..وزين جت له هالرحلة عالكيف ،،
لاحظ ان ابو خالد اللي كان قدامه وساابقه بأمتار ..يوقف عند أحد المقاعد الأربعة المتقابلة وهو يبتسم لأحد كان جالس بالمقعد الداخلي عند النافذة...
ظن إنه أحد المسافرين يسلّم عليه لتواجده قريب منهم...واقترب أكثر وهو يبتسم للمضيف اللي فتح له الدرج العلوي عشان أغراضهم المحمولة ...
وصل تركي من غير لا يطيح نظره على اللي جالسه..
وهي مدنقه تقرا روايتها بانغماس..
شكر المضيف ..اللي راح ...وتركي رفع حقيبة الظهر بكل قوته لأنها ثقيلة بعض الشي ورماها داخل الدرج...وقال وهو يتنفس بلهاث بسيط وعينه
ما نزلت عن الشنطة : ما تبيني أرفع لك شنطتك يا عمي ؟
سمع ابو خالد يقول : ودي تكون جنبي لكن ضروري ارفعها وقت الاقلاع... دام كذا بغثّك اذا استقرينا بالجو تنزّلها لي..
تركي بضحك وهو يثبّت شنطته بترتيب : تامر آمر...!
قبل يدنّق عشان ياخذ شنطة ابو خالد ...
باغته صوتها الناعم والهااادي ..
- أخيراً شرّفت !
الصوت خلّاه غريزيا يترك شنطته ..وينزّل مستوى بصره للي قابعه
بكل اريحية عالمقعد وكتاب بين يدينها...ونظراتها الهاااادية البريئة عليه...
عيونه وقفت عن الرمش... وأنفاسه اللاهثة عقب الركض قبل شوي ..سكنت ...ويديه تمّت معلّقه فوق بالدرج ما نزّلها ...
كان واقف على وضعيته بجمووود....جموووود خيّم عليه ،،
وعلى نظراااته المسلّطه عليها مباشرة ..!
الابتسامة اللي كانت مرسومة عليه... تقلّصت بالتدريج...
لين اختفت...موقف عجيب...لأن اثنينهم كان جامد...
ويطالع الثاني بعيونه !
سحر ماسكه الكتاب...وعيونها بعيونه مباشرة
ووضعها أهدى وطبيعي أكثر منه !
وهو يناظرها بنفس الطريقة الجامدة ويديه ما تركت الدرج العلوي...
هي مو مبيّن عليها أي صدمة لأنها استقبلت الخبر من بدري قبل شوي..واستعدت لوجوده..رغم إن السالفة مو معجبتها !
لكن هو... الصدمة والمفاجأة الغير متوقّعة...كانت واضحة عليه !..
واضحة مرة !
ما تخيّل إنها بتلحقه...لين هنا ! ..
ما تخيّل ،!
سحر يوم شافت إن الكلام قاعد يخونه : سوري ..
إذا كنت بغثّك حتى بسفرتك الحلوة هذي !
امتص صدمته ...وضحك لتلميحها هذا..وقدام أبوها ...
ضحكة يبدد فيها شعورها ناحيته : هههه طويلة العمر هنا !
ابتسمت بسخرية وهي تدنّق لكتابها ...وأنهت ترحيبها البارد فيه...
ابو خالد وهو ياخذ المقعد جنب النافذة والمقابل لبنته مباشرة ...يوم شاف مزاج بنته الغير ودود مع وليد بعض الشي : شفيك سحر وش هالكلام ؟
ما ردّت وهي تقرا...
تركي وهو يدنّق بجسمه عشان ياخذ حقيبة ابو خالد : أي غثا الله يهديك... (التفت لأبو خالد...وقرر يلعبها بطريقة ثانية ) ..عمي الواضح ان الآنسة متضايقة من شي...ما تبيني أجي انا حاضر أنزل من الطيارة الحين ...
ابو خالد وهو يربّت على المقعد اللي جنبه بسرعة : اقعد يا رجااال واتركك منها.. سحر ما تقصد هي بس ما كانت تدري انك بترافقني ..
صك الدرج بدفعه من يدّه... وجلس جنب أبو خالد وعينه تطيح على سحر اللي تبعد عنهم حوالي المتر والنصف..من فساحة الممر بينهم كانوا يقدرون يتحرّكون بأريحية ..
قال بابتسامة عذبة : طويلة العمر ؟
رفعت راسها عن الكتاب ..بنظرات ناعسة وصامتة ناحيته..
قال يوم شاف تجاوبها معه : مرة ثانية أنا آسف
على أي انطباع غلط معطيك اياه عني !
التفت أبو خالد لتركي باهتمام : صاير شي ؟
تركي بابتسامة وهو يلتفت لأبو خالد يمينه : ..ما صاير الا كل خير...
الانسة الصغيرة ما اعرف أحس إني مو مريّحها ومزعّلها بشي
مع انها تدري ان رضاها من رضاك يا عمي !
التفت ابو خالد لـ سحر اللي رجعت لكتابها وكأن الكلام مو معني فيها : سحر بابا صاير مع وليد شي ؟
سحر وهي تقلب الصفحة بلا اهتمام : لا ..!
رجع لـ تركي : وليد ليش هالحكي ؟
تركي بابتسامة مريحة : مو صاير شي...بس طويلة العمر مو مرتاحه معي هذا اللي احسه...
ابتسم ابو خالد ..واقترب من تركي وهمس له ..بينما سحر لمحت همسهم ..بس حاولت ما تعطيهم اهتمام..
ابو خالد يداريه..عقب ما شرح له بسرعة : هي بس هالأيام تعبانه شوي..وان تصرفت بغير طبعها اعذرها ..
تركي : ولا يهمّك... هي مثل اختي الصغيرة مارح أخذ بخاطري منها ...
بهاللحظة سكّرت الكتاب ودسته بجيب شنطة اليد..يوم سمعت نداء الطيار استعداد للإقلاع...ومحركات الطيارة ارتفع صوتها وهي تبدا تتحرك عشان تاخذ وضعها على المدرّج...
كانت المضيفة اللي غازلها تركي سابقا..تدور على المسافرين القليلين بهالدرجة..عشان تتأكد من ربطهم لحزام الأمان...
وصلت لهم وهي تبتسم ..وحطت يدها على راس مقعد تركي وهي تنحني قريب منه لأنه ما بعد ربط الحزام ... رفع راسه لوجهها القريب الحلو وابتسم بنفس العذوبة الأولى وسوّى نفسه مو فاهم وش تبي !
انحنت المضيفة زود وهي تسحب طرف الحزام من جنبه... عشان يستوعب ..
سحر اللي كانت تتابع الموقف ..اكتفت بابتسامة ساخرة ممزوجة بنعومة ..على هباااالته !!
ابو خالد ضحك وعلّق : واضح إنك فاهم هي وش تبي الله يهديك..بس تتجيهل !
ضحك تركي بالمقابل يوم صاده بنواياه : ههههه كشفتني يا عمي !
ابو خالد : استعجل خل الحرمة تاخذ مكانها..
تركي : ههههههه صدتني ..!
مسك طرف الحزام من يدها...وهو يغمز نفس الغمزة الشقية للمضيفة اللي ابتسمت للمرة الثانية من هالجرأة والشخصية..
تركته ومشت لكبينتها ...وسحر تراقب وليد اللي كان مدنّق عشان يسكّر قفل الحزام على خصره عقب ما شافت موقفه الغبي ..وغمزته وتميلحه للمضيفة الشقرا ... وااااضح ما شااااف خيييير !
رفع تركي راسه عقب ما ضبّط الحزام...وطاحت عينه على سحر اللي تناظره بهدووء... ومن التقت نظراته بنظراتها ..بكل هدووء حوّلت عيونها للنافذة يسارها ..!
ابتسم تركي لنفسه... واضح إن وضعها أهدى بكثير من آخر موقف صار له معها ...!
اتخذت الطيارة وضعية الاقلاع وزادت سرعتها بالتدريج... وسحر غمّضت عيونها وهي تتمتم بين شفاتها دعاء السفر والمعوذات ...
ثواني وحسّت نفسها تنفصل عن الأرض... وتتأرجح بالجو ... صاعده لفووووق وراجعه لـ موسكوووو ..المكان اللي احتواها بمرحلة من مراحل حياتها... المدينة اللي ما كانت تتمنى ترجع لها ..اللي عاشت فيها ثلاث سنين مضت ...لكنها الحين قررت ترجع لها وتبدا مع نفسها من جديد...
دقايق واستقرّوا بالجو... ورن جرس الحزام وانطفت لمبته ...
فكّت سحر الحزام وهي مو عارفه تاخذه راحتها ووليد قدامها ... يمكن لأنها للحين مو متقبّله انه بيرافقهم .. رغم انه جالس قبالها وبينهم مسافة معقولة ..
فكّرت يمكن خلال الساعات الجاية تتقبّل وجوده ..وتقتنع...مع انها تمنّت بهالسفرة راحة بال كاااملة وبُعد عن التشويش والأفكار اللي مالها معنى ...
قام تركي واقف بشكل مفاجئ... وهي رفعت عينها مع حركته باستغراب !..
تركي وهو يطلّع شنطة الظهر من الدرج العلوي : بغيّر مكاني يا عمي !
ابو خالد : ليش ؟ منت مرتاح ؟
تركي بابتسامة حلوة ..التفت لـ سحر ..ثم رجع لأبو خالد : مو مشكلتي... الانسة الصغيرة اكيد تبي تاخذ راحتها ووجودي معكم ماله داعي..
ابو خالد بابتسامة : بلا كلام فاضي اجلس ابي اسولف معك !
تركي بضحكة : اذا بغيتني نادني ...
ابو خالد : على راحتك..
راح وهو شايل حقيبته على ظهره للجهة الثانية من المقاعد.. ناحية الرجال الروسي اللي كان جالس لحاله ويقرا بكتاب جنب النافذة بالجانب الأيمن..بينما هم كانوا بالجانب الأيسر...
سحر قامت تتابعه بعيونها وهو يمشي لهناك ... ما تنكر إنه جت منه... وحمدت ربها على الاسترخاء اللي بتحظى به هالساعات..لأن ما فيها حيل على تبادل النظرات الغير طبيعية معاه ..
تركي سلّم على الرجال اللي رفع راسه عن كتابه.. وابتسم ..
تركي وهو يأشّر عالكرسي بإصبعه : may I ? ... (أتسمح لي؟)
رحّب الرجال فيه .. ثم حط تركي حقيبته على الكرسي اللي عالطرف.. وجلس هو جنب النافذة قبال الرجال...
غيّر مكانه..وتعذّر بسحر... بينما الحقيقة إنه مو قادر يجلس هناك ويتحمّل نظراتها الغريبة فيه... يبي يبتعد عنها هاللحظات ..لأنه لحدّ الآن مو مستوعب وجودها ...
مفاجئة من العيار الثقيل.. !!
تركي تنهّد وهو يريّح ظهره .. وقرر يتناسى هالمفاجأة ..
وابتسم للرجال اللي رفع عينه عن كتابه مرة ثانية وابتسم ...
تركي بيفتح نقاش : r u russian? (هل أنت روسي؟)
الرجال : yes I am .. (أجل )
ابتسم تركي يوم لمح لهجته الانجليزية المكسرة المأثرة عليها لهجته الروسية : .. going back home? (عائد لموطنك؟)
ضحك الروسي الأشقر : .. yaa after loooong business trip ! (أجل بعد رحلة عمل طووويييلة )
ضحك تركي معه يوم شاف من وجهه أنه ملهووف للرجعة وشكل رحلته كانت جد متعبة ..
ثم التفت لحقيبة الظهر اللي محد عارف وش حاشر فيها ... وسحب كتاب .. عنوانه مكتوب باللغة الانجليزية ولغة ثانية غريبة ..
ابتسم الرجال يوم قرأ العنوان على الغلاف ..
وقال : u wanna learn russian? (تريد أن تتعلّم الروسية؟)
تركي وهو يميل براسه على عنوان الغلاف..ثم ضحك : yaa sort of ! (أجل نوعا ما )
اكتفى الرجال بابتسامة...
بينما تركي كمّل : لقد سمعت ان الناس ببلدك لا يستخدمون الانجليزية بكثرة ..لهذا السبب !
ابتسم الرجال اللي يبدو إنه مـرح : لا تقلق ..هناك العديد من الناس يتحدثون الانجليزية..لذا لن تكون ضائعا هههه
تركي بضحكة مرحة : ربما تستطيع أن تعلّمني الآن ..ههههه
الروسي البشوش وهو يسكّر كتابه : بالطبع هذا من دواعي سروري
تم يسولف معه وياخذ ويعطي...وشكل الرجال متقبّله وحاب سوالفه...
بالجهة الثانية ..
سكّرت سحر كتابها عقب ما خلصت الفصل الثالث...وقررت تريّح شوي...رفعت عينها لأبوها اللي انشغل بشغله..قدامه اللابتوب على طاولة متوفّرة خصيصا لرجال الأعمال بهالدرجة ...وبيده كم ورقة ، والواضح انه مو فاضي يسولف...
تنهّدت وهي تميل للنافذة ..منظر السحاب بالأسفل ..منظر يسلب القلب...وكأنها جبال من قطن تحلّق بالجو ..ومع هالصباح المغيّم جمال المنظر اكتمل !
رفعت جوالها وحاولت تلتقط صورة... ويوم انتهت ..التفتت عفويا للجهة الأخرى من الدرجة..وين ما كان الرجال الروسي يتكلّم ، ووليد يسمع له.... ما كانت قادره تسمع وش يقولون بس الواضح ان الروسي مرتاح مع وليد... عقدت حواجبها باهتمام ..!!... تبي تعرف بس ، وشلون جالس يفهم له !!.... ولّا بس قاعد يهزّ راسه بهبالة وهو ما يدري وش اللي ينقال !!
ما تحمّلت...وقالت بهدوء لأبوها اللي كان مركّز بشغله : بابا !
رد من غير لا يرفع نظره عن الورقة : عيونه ..!
سحر بشويش وعيونها ما فارقت وليد : شوف وليد !... جالس يتكلّم مع هذاك الأجنبي !
ابو خالد وهو مـو مركّز معها : ..وش فيها خليه يتكلم ..
سحر باستنكاااار : ما أحسّ يفهم عليييه !
رفع أبوها راسه والتفت لـ وليد... شافه متجاوب ويهز راسه مع الروسي اللي كان هو الطرف المتحدث... ثم رجع لـ بنته بهدوء : وليش شايله همه إنتي ؟!
سحر بعفويـة بريئة : أحسه متوووهق ما تشوفه الأجنبي يبربر عليه وهو يهزّ راسه بهبااااالة !
ضحك لتعليقها العفوي ...
ثم رجع يناظر.. وليد اللي لا زال يستمع للروسي وهو ساكت ...

لا تبكي Where stories live. Discover now