الخلاص

74 7 8
                                    


لقد مر الاسبوع اخيراً، ذهبت للمستشفى وانا متشوقةٌ لمعرفةِ النتيجة، كنت في تلك اللحظات لا اهتم للنتجية الفعلية، كان كل ما يهمني هو المعرفة، كي اتوقف عن التفكير في الامر.
"انتِ مريضةٌ بمرضٍ خطير" كان وقعها علي كالصاعقة، لم اعرف ماذا افعل، كنت متشوقةً لمعرفة النتيجة، لكني في تلك اللحظة تمنيت لو ابقى حبيسة أفكاري والا اعرف الحقيقة ابداً، لكني أظن ان وقع هذه الكلمات كان أشد على والدي، وضع يديه على رأسه، وصار يقول، لا استطيع خسارة أحدٍ آخر، قلبي لايتحمل كل هذا البلاء، حاول الطبيب تهدئته وحاولت انا ايضاً، حتى هدأ قليلاً.
عندما عدنا للمنزل كنت اشعر بالتشتت والضياع، لم اعرف ما يجب علي فعله، لكني قررت في البدايةِ على الاقل ان ابحث عن المرضِ قليلاً، هل يجب علي ان ابقى على أملِ البقاء على قيد الحياة؟ ام استسلم للواقع؟.
"التصلب المتعدد" كان هذا ما ادخلته في محرك البحث، وعندما فرغت من القراءة، شعرتُ بهدوء رهيب، لقد قلت في نفسي، "اه انه مرضٌ مميت لا أمل لي في الحياة"، لكنني لم أكن حزينة ولم أكن غاضبة، شعرت بكثيرٍ من الارتياح، عندما فكرت في الامر وجدته مريحاً جداً، ألم أقل دائماً انني لا أحب الحياه؟ فلمَ الحزن والجزع اذاً؟، عندما تآلفت مع فكرة الموت تماماً، حاولت ايصال مشاعري الى والدي، أخبرته ان لا يقلق علي والا يحزن، سيتعود غيابي، لاني في المقام الأول لم أكن ذاتَ تأثيرٍ عالٍ في المنزل، كل ما كنت افعله هو الجلوس وحدي في غرفتي، بالطبع هو لم يتقبل ذلك وأخبرني بأن مجرد معرفته بوجودي في الغرفة كانت تريحه لم يكن يحتاج لأن يراني امامه طوال الوقت، فكرة وجودي فقط كانت تريحه.

بعد قرابة الخمسةِ أشهر علم الجميع تقريباً بأمري، في البداية كان الامر مزعجاً جداً، كان الجميع يظهرون التعاطف المزيف الذي كرهته جداً، وكانوا يحاولون مواساتي واخباري انني من الممكن ان اعيش، يالتفاهةِ عقولهن، لمَ يريدون ان يعطوني أملاً زائفاً بينما انا راضيةٌ بالحقيقة؟، لكنهن في نهاية الامر توقفن عن هذا، وأظن انهن كانوا ينتظرون موتي، فقط بدافع التجديد، فليس من المعتاد ان تموت فتاةٌ في مدرستنا، لكني ورغم احساسي بمشاعرهن ولأولِ مرةِ لم اكرههن، لقد كنت وبطريقةٍ غريبة اتفهم ما يشعرون، لا أعلم هل ملاك الموت الحائم حولي جعلني اكثر سهولةٍ مع الناس؟ ام اني وللمرة الاولى منذ زمن أشعرُ انه لا بأس في اعطاء الاشخاص اعذاراً.
قد يبدوا للجميع ان المرض شيءٌ سيء لكنه ليس كذلك، نعم لقد كنت اتألم، اتألم كثيراً، لكني في المقابل تخلصت من لعناتي، لم أعد أفكر في كل شيء، شعرت بالارتياح لم أعد ابحث عن الاسباب لكرهِ شيءٍ او شخص، كنت حقاً ولأول مرة اتمنى السلامَ للجميع، يا لسخرية القدر، عندما كنتُ على وشكِ مغادرة الحياة، اصبحتُ أحب الحياة جداً، لكني لم اعبأ اني مغادرةٌ بعد أشهرٍ قليلة،كان كل تفكيري منصباً على كيف اعيش هذه الأشهر الأخيرة بدون أي ندم، فكرتُ كثيراً وفكرت، وقررت في النهاية كتابة هذه المذكرات، لعل احداً يقرأها ويتجنب أن يصبح مثلي.
لأول مرةٍ منذ زمن اصبحتُ سعيدة، وياله من شعورٍ جميل، كنت اتمنى ان استطيع ان أنشر سعادتي من الجميع، اذا خرجت للخارج ورأيتُ طيوراً مثلاً وددت لو أعانقها وأخبرها ان تعيش بحريةٍ وتطير كما تريد، اذا رأيت شخصاً يبكي منقهراً على حياته، اود لو اخبره انه لايوجد شيءٌ في الحياة يستحق ان تفني حياتك في البكاءِ عليه، اذا افنيت حياتكَ في البكاءِ الآن ستندم ندماً شديداً بعد عدة سنوات، وانا لا أحب ان ارى احداً نادماً، الندم شعورٌ بغيض، التحسر الدائم على افعالنا او عدمها، قد يبدوا شيئاً بسيطاً لكنه لعنةٌ دائمة، لأننا لا ننسى آلامنا ابداً، ولذا سنعيش في قفص الندم ولن نستطيع ان نحيا حتى نخرج من هذا القفص، لكن الخروجَ ليس سهلاً.
ولهذا اتمنى ان تكون حياتي وتجربتي بالرغم من قصرها، قد أفادتكم، واذا لم تستفيدوا مني، فأنا اعتذر لكم بشدة، واتمنى لكم ان يزول شقاؤكم كما زال شقائي.
لم يتبقَ لي الكثير من الوقت لعيشه، وسأطالب بنشر قصتي بعد مماتي، أعلم ان فكرة القراءة لشخصٍ ميت قد تكون مخيفة قليلاً، لكني لو لا اقترابي من الموت لما اصبحت ما انا عليه ابداً.

شكراً لكم يا قارئي مأساتي،
المخلصة لكم دائماً
ملاذ

وجهٌ مُبتَسم وفلسفةٌ حزينةWhere stories live. Discover now