المأساة الرابعة

76 7 1
                                    


"أنا قوية"، هذا ما أخدع نفسي به وأخدع كل من حولي، أتظاهر بالقوة بينما انا هشةٌ رقيقة، والسبب الوحيد لعدم كسري حتى الآن هو انني ارتدي درعاً من حديد وأضع الآف الحواجز بيني وبين كل من يحاول الاقتراب مني.
دائماً ما احاول الهروب من هذه الحقيقة، فأكثر طريقةٍ أهرب بها هي هروبي عبر الموسيقى، كنت دائماً استمع الى الموسيقى، ولا اقصد بها الاغنيات كلا، أنا أعني الموسيقى الحقيقية، فمثلاً عندما استمع الى مقطوعة für elise لبيتهوفن، أستطيع أن اشعر بفرحهِ في بداية المقطوعة وأستطيع سماع صرخاته في نهايتها، أحببته بشكلٍ خاص هو مؤلفوا الموسيقى اليابانيين، وأحبتت باقي الموسيقات بشكلٍ عام، كنت عندما أستمع الى الموسيقى أستطيع الشعور بمشاعر كاتبها، إذا كان سعيداً أفرح معه وإذا كان حزيناً أحزن معه وإذا متألماً اتألم معه، لطالما كنت استمع الموسيقى لأنني كنت اجدها المهرب الافضل لي، كانت النوتات الموسيقية هي مهربي، كانت تعبر عن صرخاتي، لم احتج ان استمع لكلمات كانت الكلمات تعبر مخيلتي لوحدها، وغالباً لم توجد كلمات، لم يوجد سوى صوت صرخاتي تخرج في كل مرة تنقر نوتةٌ موسيقية، قد تتعجبون لمَ تريدين ان تستمعي لصوت صرخاتكِ، حسناً احياناً اشعر انه من الجيد ان أتذكر انني املك مشاعرَ ايضاً، وأنني استطيع ان اصرخ أيضاً، قد لا اصرخ بصوتي، لكنني أملك ما يصرخ لأجلي.
كان مهربي الثاني هو الكتابة، متى ما شعرت انني احتاج الهروب من واقعي أكتب، لم اجرأ يوماً على نشر كتاباتي او حتى مشاركتها مع أحدٍ كنتُ أشعر أنني إن جعلت أحداً يقرأها، سأعطيه السكين وكل ما عليه سيكون نحري، لهذا ومن باب الاحتياط، كنت عندما انتهي من الكتابة احرق الورقة، نعم أنا نفسي أعلم انني على حافةِ الجنون، اذا لم أكن مجنونةً أصلاً، لكنني كنت أخاف، أخاف دائماً من كشف حقيقتي وسقوط قناعي، لا أظن أن قلبي سيتحمل كل هذا الضغط، قد أبدو كفتاةٍ شامخةٍ لا تكسر، لكن لا يجب ان تنسوا أنا لازت في السابعة عشر من عمري فقط، لذا فإن كل ما أمر به لا يجب أن تمر فيه من هي في عمري، عليها أن تعيش حياتها لا أن تعيش في عالمٍ صنعته مخيلتها، عالمٌ حيث كل ما تخافه يتلاشى، حيث لا يوجد به أحدٌ سواها، لا أستطيع أن ألوم احداً على ما أنا عليه، لم يكن لأحدٍ ذنبٌ لي ذلك، كل ذلك ذنبي انا المخطئةُ الوحيدة في هذا، لقد كرهتُ نفسي كثيراً، كرهتُ ضعفي، بالرغم من اني اكره كل شيء تقريباً، الا انني اكره نفسي اكثر من كل شيء.
عندما اكتشفت هذه الحقيقة ضحكت، ضحكت كثيراً، كثيراً جداً ضحكت حتى آلمتني معدتني، ضحكت حتى تحول ضحكي الى بكاء.
عندما بكيت لأولِ مرةٍ من ٨سنوات، فقد بكيت لأجل كل هذه السنوات، بكيت على أمي وعلى أبي وعلى اخوتي وعلى نفسي، بكيت على نفسي كثيراً، لم ارد ان اكره نفسي، بكيت لكرهي لنفسي، كيف لي ان اتوقع حب الناس لي او ملاحظتهم لتفاصيلي، بينما انا نفسي غارقةٌ في كره نفسي، اه لقد بكيتُ كثيراً.
لقد شعرتُ بالراحة كثيراً، واخيراً بعد سنوات من الكتم والتظاهر اخيراً تدفقت دموعي، لم تكن تتوقف، كانت كنهرٍ من الدموع، وعندما توقفت عن البكاء كثيراً، ذهبت لأرى كيف ابدو، ارت أن ارى شكلي بعد البكاء، حتى انني تذوقت دموعي كانت مالحةً جداً، وكأنها كانت تخرج كل مابي من سموم، ذهبت للمرآة، كثيراً ما قيل لي أني اشبه البومة لم أكن آبه لذلك كثيراً، لكن ولأول مرةْ أشعر أني اشبه البومة حقاً، كان فمي صغيراً وانفي صغيراً ودقيقاً بينما عيناي كانتا واسعتان وسوداوان، وعندما رأيت نفسي كان انفي محمراً، وعيناي ذابلتان، وعندها شعرت أنني اصبحت أشبه البوم اكثر، لكنني لم أجد ذلك محزنناً او مهيناً، فلو امعننا النظر في أغلب البشر لوجدنا من يبدون أسوأ من البومِ كثيراً، لذلك كنتُ راضيةً جداً، في الواقع اظن انني لاول مرةٍ احببت شيئاً، لقد احببتُ وجهي الباكي كثيراً، أظن ان وجهي الباكي يعبر عني أكثر من وجهي الخالي من المشاعر.

وجهٌ مُبتَسم وفلسفةٌ حزينةМесто, где живут истории. Откройте их для себя