المأساة الثالثة

96 8 3
                                    


لقد كرهتُ كل شيءٍ دائماً واعتدت ان اصطنع الاعذار لكرهي، لقد كرهتُ العديد من الأشخاص بسببِ مواقف تافهة، وأحياناً اكره الاشخاص بدون سببٍ محدد فقط احسست أني اريد كرههم فأفعل، والأمر لا يقتصر على الاشخاص لقد كرهت الأماكن والأشياء الحيوانات والحشرات، كان عدم شعوري بكرهٍ لشخصٍ او لغرض يعتبر شيئاً نادراً، في الحقيقة حتى اخوتي لم أكن متأكدةً دائماً من حبي لهم، أظن انني كنتُ فقط متأكدةً من حبي لأبي، أما كل شيءٍ آخر لم أكن متأكدةً من مشاعري تجاهه، لقد تمنيتُ دوماً أن التقي بصديقةٍ مثلاً تجعلني أحبها بصدق، وبدون شكوك أن أظهر حقيقتي أمامها، لكم تخيلت أن امتلك هذه الصديقة، حتى أنني كنت أدعو دائماً أن أجدها يوماً ما، لكنني لم أفعل.
أظن ان أكثر ما كرهته كان تفكيري العميق الدائم في كل شيء، انني افكر كثيراً، عقلي لا يتوقف عن التفكير، كم تمنيت أن اطفئ عقلي، كنت دائماً ما احاول أن أشغل نفسي بأي شيء، أظن ان هذا هو السبب لتكويني الصداقات وعدم فعل ما كنت أود فعله دائماً، لكن للأسف فإن ذلك بالطبع لم ينجح، لم يفد وجود صديقاتٍ في حياتي ولم يشغلني عن التفكيرِ ابداً، كنت اكتب، اكتب كثيراً بدون توقف، اكتب اول شيءٍ يأتي لذهني فقط كي اشغل نفسي عن التفكير بعمق، لأني ما ان اسقط في عمق أفكاري لن استطيع النهوض أبداً، قد تظنون اني أبالغ لكني لا أبالغُ أبداً.
تخيلوا معي، تخيلوا انكم في قاعِ محيط لا تستطيعون فعل شيءٍ أبداً، فقط تستلقون في القاع مختنقين، تتطلعون لنفسٍ واحد يملأ رئتكم بالهواء، ولكن ما من سبيلٍ لذلك، ولهذا تقررون فقط الكف عن المحاولة، تسقطون في قاعِ اليأس، تشعرون أنكم حتى لو حصلتم على فرصة للصعود الى أعلى وأخذ هذا النفس أنكم لا تريدونه فقد طابت نفسكم، تريدون فقط متابعة الاستلقاء في القاع تتأملون ما حولكم في صمت، تعلمون انكم في القاع لذا لا مجال لسقوطٍ آخر، وحتى لو كان هناك قاعٌ آخر فلا بأس، لأنكم لم تعودوا تهتمون، وهكذا تتتابع الافكار في رأسكم واحدةً تلو الاخرى، فلا شيء يمنعكم الآن من التفكير، تفكرون في كل شيء، وعندما تفكرون بعمقٍ كافٍ تبدؤون بالشعور بالشفقة على انفسكم، وهذا هو الشعور الاسوء، أن تشفق على نفسك، أن تحس بضعفك وضآلتك، ثم تبدأ بالتفكير، هل يوجد هدفٌ من وجودي اساساً؟ ام هل انا مجردُ عالةٍ على عائلتي وعلى المجتمع؟ هل سيكون العالم مكانً أفضل بدوني؟ من أمازح لن يغير إختفائي عن العالم شيئاً، نعم سيحزن من يحبونني قليلاً لكنهم بعد ذلك سيعودون لحياتهم المعتادة، سيتذكرونني في البداية ثم سأبدأ في التلاشي من ذاكرتهم الى الأبد، وإذا حدث ذلك، حينها سأكون فعلاً بلا قيمة، كصفرٍ على الشمال، لا أذكر حتى.
أرأيتم ان التفكير العميق متعب؟ أتمنى أن تكونوا صدقتموني الآن، أتوقع أن بعضكم يتسآءل الآن، هل فكرتِ يوماً في الانتحار؟
في الواقع انا أخافُ جداً من هذه الفكرة، أخافُ حتى من فكرة عدم وجودي في العالم، كالحمقاء متشبثةٌ بالحياة بالرغم من أن كل ما حولي يرفضني وأرفضه، وعندما أُسأَل عن ذلك، دائماً ما اقول ان السبب الوحيد الذي يمنعني هو حرمة الانتحار، قد يكون ذلك احد الاسباب لكنه بالتأكيد ليس السبب الوحيد، انه فقط ذريعة أخبرها نفسي كي لا أبدو ضعيفةً أمام نفسي.

وجهٌ مُبتَسم وفلسفةٌ حزينةWhere stories live. Discover now