المأساة الثانية

106 10 1
                                    

لقد مرت ٨ سنوات منذ آخر مرةٍ شعرت بشيء، خلال هذي السنوات اكتسبت بعض الصداقات لن اتحدث عنها جميعاً، سأتحدث عن صداقاتي الحالية.
في الحقيقة لا املك سوى صديقتين، ولا اعرف لماذا لا نزالُ معاً، عندما اتحدث معهم دائماً ما أكون مرتديةً لقناعي، لذلك لا اظن انهن احبنني حقاً لشخصي لكنهن احببن قناعي، لذلك لستُ متأكدةً من حبي لهن، في الواقع تمر بي احيان اشعر فيها بكرهٍ شديد عارم، اشعر برغبة في البصق في وجوههن وتركهن الى الابد، يعود السبب لذلك احياناً بسبب معاملتهن، فهن يظنن انه بسبب صداقتنا يحق لهن قول كل شيء مهما بلغت وقاحته وانني سأنسى فقط بسبب كوننا صديقات، ياللحمق!، بالطبع لن أنسى، لكني وبالرغم من كل ما أشعر به داخلي من كرهٍ لم اخبرهن ذلك يوماً، صحيحٌ اني اكرههن في بعض الاحيان لكني في احيانٍ اخرى اشعر اني احبهن، لا أعرف ما هو شعوري تحديداً، ففي تارة اود لو ابصق في وجوههن وفي تارةٍ اخرى أود لو اعانقهن حتى يُزال كلُ همٍ عن عاتقي.
أظن ان أكثر ما يزعجني هو محاولتهن الدائمة في معرفة ما افكر فيه او أشعر فيه، وبينما هن مشغولاتٌ بأمورٍ غبية كإعتقادهن اني هكذا بسبب حبيبٍ او ما شابه انا من ناحية اخرى أرى ان المي ومعاناتي أشد من هذا كثيراً، كيف لهن ان يعتقدن ان انطفائي، وبرود افعالي، هالاتي السوداء، جسدي النحيل، شرود ذهني المتكرر، يكون سببه حبيب، هل حقاً يبدو حزني رخيصاً؟ هل حقاً يبدو ان معاناتي تافهة؟.
لطالما تظاهرت بالسعادة امامهن، لأني ما ان اتخلى عن حذري واسقط قناعي للحظة، تتهافت على أسئلتهن المزعجة وتحليلاتهن الحمقاء، لذلك فضلت دائماً أن أتظاهر بالسعادة، والمؤسف انهن لم يلحظن انني اتظاهر، فكيف يرونني كصديقة؟ كيف لصديقةٍ الا تشعر بألم صديقتها؟ ، ولكن في المقابل عندما لا انتبه لآلامهن البسيطة التي يكون سببها ان والدتها صرخت عليها، او ان والدها رفض ان يشتري لها حقيبة جديدة، أصبح عديمة الإحساس وصديقةً سيئة، أي منطقٍ هذا؟.
اتذكر اني في احدى المرات سمعتهن مصادفةً يتكلمون عني، كان حوارهم كالآتي:
-احياناً اشعر كما اني لا اعرفها ابداً، هي غامضةٌ دائماً، بالرغم من ان ضحكتها وابتاسمتها لا تفارقها ابداً الا انني اشعر دائماً ان هناك هماً وحملاً كبيراً يؤرق منامها
-لقد شعرت بذلك ايضاً، ولكن عندما افكر في الامر، فإنها لو كانت تعاني من شيءٍ ما لتكلمت وقالت، لكنها لا تتكلم عن نفسها ابداً، وايضاً عندما يشرد ذهنها اظل افكر، هل يعقل ان يحمل مثلُ هذا العاتقِ الصغير هماً كبيراً وأسى كالذي يظهر على وجهها؟
-اذاً ماذا تنظنين؟ فأنتِ تارةً تقولين انها لا يمكن ان تكون حزينة، وتارةً اخرى تقولين ان عاتقها محملٌ بالاعباء، فماذا تظنين حقاً؟
-لا اعرف، من الصعب معرفة ما تفكر فيه، حتى لو حاولنا سؤالها مباشرةً ستقول انها بخير او اننا نتوهم، لذا من الافضل ان نصدق ذلك
-حسناً، اتمنى ان تكون كل هذه توهماتٍ لا أكثر.
عندما سمعت حديثهما عني، في البداية تمنيت ان افتح قلبي لأحدٍ للمرة الأولى، لكنني لم استطع، أظن بأنني ملعونة، دائماً ما اخافُ فضح أسراري، أخاف دائماً أن تنقلب ثقتي في أحدهم ضدي، لم أجرب شعور الخيانة لأني لم أجرب شعور الثقة أصلاً، دائماً ما أحاول أن أخفف الامر وأخبر نفسي أن الأمور افضل هكذا، وأنه من الافضل الا ابوح الى أحدٍ بشيء، ولكن الآن ما فائدةُ التظاهر، هأنا ذا أكاد اختنقُ من فرطِ كتمي، وكل ما افعله هو التمني، اتمنى لو اني أخبرتُ أحداً بهمي، او اني حاولت يوماً أن ابكي، دائماً ما أعيش على التمني، وهذا صعبٌ جداً ومتعبٌ جداً، إنني حقاً أشعر ان لا طاقة لي على العيش اكثر من هذا.

وجهٌ مُبتَسم وفلسفةٌ حزينةWhere stories live. Discover now