-الأول. (الخريف.)

147 6 0
                                    

لقد أمضينا وقتا غريبًا معًا في القطار كأنهما اكتشفتا الطريق الذي مرتا عليه مراتٍ عديدة لأول مرة
  –«هل تعلمين القصة خلف تلك الأغنية ؟»

كاثرين انتظري !
استمعي ليّ فقط أستمعي لحظة . .. فقط لحظة واحدة ...
كاثرين ! أين أنتِ !

صوت صراخ قد مزق سكون الليل الأسود، و الدماء قد أصبحت البركة أسفل الجسد الميت أمام عينيها، مُمتدًا هامدًا على الأرض الباردة، وبات أبرد مِنها.
تقدمت تجاهه بخطوات عجوز على حفة الموت، ثم ... اختفى كلّ شيء.
فقط حولها ظلام ولا يوجد شيء غير الظلام، كأنها قد سقطت في بئر داخل كهف بجذور أحد الجبال، كأنها داخل ثقب أسود، لا تشعر بنفسها حتى سألت روحها:
_هل أنا موجودة حقًا ؟
ظلّت تسير حتى ظهر ضوء خافت لنيران ينبعث مِن داخل ملائات تجمعت بالأيادي على شكل خيمة طفولية الهيئة. فنظرت على كف يدها لتُجيب على سؤالها السابق و قد وجودت لنفسها وجود.
ثم عادت ورفعت نظرها حيث تعالت الأصوات مِن تلك الخيمة، لم تكن لتميز ما تقوله الأصوات لكنها ميزت أنها أصوات لفتيات صغيرات. فقط كلمات قليلة قد ميزتها وسمعتها:
- العفريت .. الوحش .. هذا شبح.
ثم كُتم الصوت مرة أخرى كأنه لم يكن له قبل لحظة وجود فساد السكون في المكان للحظات، حتى تعالت مِن الخيمة صرخات؛ قد احترقت الخيمة وخرجن ثلاثة فتيات مِنها بسرعة لكنها لم تراهن؛ لقد رأت فقط ظلال على الحائط والأرض ... ظلال بلا أجساد.
زاد اشتعال النيران بالخيمة وترقصت في مقلتيها وقد أتسعتا حينما خرج طيف لفتاة بشعر أسود؛ بل أنها ثعابين كثيفة سوداء تصرخ كأن جلدها يلتهب و .. هذا فقط ما ظهر .. لم يظهر مِنها سوى الثعابين الصارخة، وجسدها الطويل كان كالأطفال؛ فقط ظل.
صرخات الفتيات تتوالى وتعلو أكثر لحظة خلف لحظة، والظل الطويل يزحف على بطنه خارج الخيمة متجهٌا نحوها، وكلّما تقدم لها يزداد طولًا.
لم يكن لها فعل سوى أنها وضعت يديها على أذنها، ضغطت على فكها حتى احتكت أسنانها، وأغمضت عينيها حتى اعتصرتها؛ فلا ترى شيئًا، لا ترى نفسها وهي تموت، لكن الظلّ الطويل قد مر بها ولم تشعر رغم أنه قد مر مِن خلالها وأخذ يهرول خلف الظلال الصغيرة.
أجراس كنيسة !
إن صوت صراخ الظلّ وثعابينه المجعدة تحول إلى صوت أجراس كنسية...
_ يعقوب أستيقظ ودق الأجراس...

صاحت بتلك الكلمات فتاة صغيرة أخرى بينما هتفت هي في نفسها:
_«تلك الفتاة ! إنها لها جسد !»
كانت هي أخر من خرج مِن الخيمة المشتعلة، فيما كانت كاملة لا ينقصها شيء ولم  تخدش لها النار خدش، كأنها الثلج الذي أطفئ النار بلونه الأبيض. تركض وتمسك فستانها الأبيض وشعرها قصير يترنح خلفها كأنه يقفز الحبل ثم ... نظرت لها وابتسمت، ثم التفتت لتكمل قفزتها، وهي تردد ندائها ليعقوب.
إنها لم تكن ظلّ ؟! كما أنها ... أنها تراني !

كلاسيكيات وردية Where stories live. Discover now