-العاشر. (صديقة.)

12 1 0
                                    

لماذا تسميتها فيروز ؟»
لأنَ ... لأنه سقطت عيني عليها ونحن تغني مع فيروز، فضحكنا لبعضنا البعض. لم أشأ أن أسألها عن اسمها ولا عن أي شيء يخصها، فضلت أن تبقى علاقتنا بها الغموض ذاته. فخلف الغموض هذا، راحة ليّ.
فأصبحت .. الفتاة التي لا أعلم عنها أي شيء، ولا تعلم عني شيء، صديقتي الوحيدة في هذا العالم.
فيروز

عقدت كاثرين حاجبيها، وعلى محياها ظهرت علامات الإحباط، حين اختفى بريق عينيها، وشفتيها التي طبقتها بعدما كانت تبتسم ابتسامة حيية.
لكنها شعرت بالخجل فأبعدت إحباطها عن وجهها وتكلفت ابتسامة على شفتيها .. ابتسامة متوترة. كانت ابتسامتها كالمرآة لما رسمته الفتاة التي أمامها من ابتسامة على شفتيها، وكان توتر كاثرين لا يقارن بتوتر الفتاة الأخرى، فكانت تمسكت يدها بذراعيها وتضغطت عليها بقوة.
كانت فتاة طويلة القامة، لها جسد رشيق، بشكل مُتناسق وقوي، ذات بشرة قمحية وعينين واسعتين بلون سماء صافية عصر يوم ربيعي بعد أن انهمر المطر، وشفتان مُمتلئتان شققتهما أظافرها الطويل أثر التوتر، لها أنف طويل مسطح قليلا لدى الجانبين وكانت أرنبته للأسفل.
كان أكثر ما لفت أنتبه العيون الخضراء هو شعرها الكستنائي المجعد، وقد كانت تخفي بعضه بداخل القبعة الشتوية والتي كانت تتناسق مع لون عينيها السماوي. بينما كانت ترتدي قميص الأبيض وسترة سوداء كُتب بزاويتها حرفيين "M.S".
تنهدت الفتاة وبادرت بالحديث قائلة بلغة فرنسية مُتقنة رغم أن مظهرها لا يوحي بذلك:
_«مرحبًا...أنا ديانا كاثبر، جارتكِ الجديدة بالسكن. أسكن بالدور العلوي.»
قالت وهي تُشير بإصبعها وتنظر إلى الأعلى، فأومأت لها كاثرين قائلة بابتسامة صغيرة خجولة، لكن صادقة: _«أعلم. أهلًا بكِ .. هنا معنا.»
صافحتها ديانا بابتسامة كبيرة بعد أن جذبت يدها دون إذن مِنها قائلة:
_«أهلًا بكِ ايضا. (بللت شفتيها وابتسامتها المرتجفة ما زالت على وجهها.) ما هو اسمكِ ؟»
رمشت كاثرين بعينيها، فيما تحاول استيعاب سرعتها وجراءتها، لكنها ابتسمت ضاحكة وقالت:
_«كاثرين ڤيكتور.»
أومأت لها ديانا بابتسامة، ثم تركت يديها بعد وقت مِن المصافحة، وأردفت:
_«أسفة على إزعاجكِ حقًا، لكن تلك المرة الأولى التي آتي بها فرنسا وحدي، ولا أعلم أحدًا البتة هُنا، فقررت أن أتعرف على أحد الجيران لربما يساعدني بذلك الأمر .. وجميع مَن هنا .. تعلمين كبار بالسن.»
أومأت لها كاثرين بتفهم، ثم أردفت ديانا:
_«أنا أريد شخص ... أعني يخبرني عن الأماكن هُنا، يدلني على المقاهي، السوق هكذا.»
أومأت لها كاثرين بحرج.
_«أنا لا أعرف المنطقة تمامًا، أنا .. أعني لا أتجول كثيرًا، لكن سأساعدكِ بقدر المستطاع.»
ضحكت ديانا وقالت ممازحة:
«يبدو أننا سنحتاج إلى شخص ثالث يساعدنا، لكن لا تقلقي أنا أحفظ الطرق بسرعة.»
ابتسمت كاثرين وأجابت:
_«هذا جيد .. فأنا لا يحفظها سوى بالعلامات.»
_«لا تقلقي .. قدمي تحفظ الخطوات. ربما نتقابل غدًا إن كنت مُتفرغة لنتجول قليلًا ؟»
عقدت كاثرين حاجبيها تفكر ثم سألت:
_«هل يمكن أن نجعلها في يوم الاثنين ؟»
رفعت الفتاة كتفيها بابتسامة.
_«لا مشكلة على الاطلاق.»
شكرتها كاثرين لتفهُمها، ثم أردفت ديانا ببعض الشجاعة المُتكلفة :
_«نحن أصدقاء الآن أليس كذلك ؟»
شعرت كاثرين بوغزة في معدتها، وأنفاسها أصبحت ثقيلة، فقضمت شفتيها وضغطت عليها بقوة داخل فمها، ثم أطلقتها للخارج، وهي تردد في عقلها الكلمة: أصدقاء.
كانت تعتقد أنها فقدت القدرة أو الرغبة في أن تصنع صداقات جديدة. في مُخيلتها أن الحب والصداقة مثل العائلة أشياء يختارها القدر ونعيش معها للأبد ... أشياء لها ثابت قدسي، لا تأتي مرتين ولا تستبدل مدى الحياة.
أحست برأسها يؤلمها وهي تنظر بداخل عيني جارتها، فيما تنفست بعمق؛ إنها لم تخلق بصدرها أي شعور بالخوف؛ بل اِنتشر بداخل صدرها نبض بالألفة تجاه الفتاة.
شعرت ديانا بجبينها أصبح رطبًا فأمسكت شفتيها بأظافرها، ثم ابتسمت ابتسامة مُرتجفة وقالت هي تخفي يديها المعرقة داخل جيةب سترتها:
_«أنا اندفعت قليلًا، أنا أعلم ... حسنا انسي الأمر، شكرًا لكِ على مساعدتكِ مقدمًا ... وأنا أسفة على الإزعاج الذي سببته لكِ.»
أفقت كاثرين مِن شرودها، ثم مدت يديها الرطبة هي الأخرى إلى ديانا قائلة:
_«نحن ... ك ... كذلك. (ثم ابتسمت ابتسامة قد أخرجتها مِن نفسها بصعوبة.) أصدقاء.»
تنفست ديانا الصعداء ثم ابتسمت لها وهتفت:
_«هذا رائع ..»
وتبدلا المُصافحة الرطبة، فيما لمعت عيون ديانا، وشعرت كاثرين بالخجل ثم ضحكت بداخلها على تلك المصافحة المُبللة. توقفت ديانا عن المصافحة وتهجم وجهها فجأة ثم اتسعت عيناها وصاحت:
_«الدرس ! لقد تأخرت..!»
رمشت كاثرين عدة مرات ووضعت يدها على قلبها، فيما ركضت ديانا تجاه الدرج المتجه إلى شقتها، ثم توقفت بعدما صعدت ثلاثة درجات وصاحت بسرعة:
_«أنا لدي تدريب غيتار الآن وسينتهي عند السابعة، إذا كنتِ متفرغة الليلة ما رأيكِ أن نقوم بمشاهدة أحد الأفلام مع بعض الفوشار وسأشتري بعض الطعام، سأحاول مع الخريطة أن أصل إلى مطعم: "McDonalds " وآتي بالوجبة وأنا بالطريق. (نظرت إلى ساعة يدها وكانت تشير إلى الرابعة والربع.) لا يوجد وقت ! أنتِ متفرغة، هيا وداعًا.»
ركضت ديانا ثم توقفت بمنتصف السُلم وهتفت لها:
_«تبدين في غاية الجمال كاث .. رين ... وداعًا.»
تبعت ركضها وكاثرين أخذت تضحك باستغراب على حيويتها الزائدة.
_«تبدو براقة ولطيفة.»
همست كاثرين لنفسها وهي تغلق الباب خلف الفتاة التي تبدو كجمرة حماس، لكن بعد ذلك شعرت بألم برأسها لا تجد له تفسير لثواني قبل أن يسكن بداخلها خوف مِن فكرة أنها سيكون لديها صديقة مرة أخرى.
لمست القلادة التي برقبتها وربتت فوقها داخل صدرها ثم تنفست ولم تجد ما يمكن قوله، فأخرجت القلادة مِن صدرها وأخذتها بين كفيها ثم قبلتها وأدخلتها مرة أخرى لعلها تصدق أنها لن تخونها.
رفعت عينيها تجاه الساعة حيث كانت تشير إلى الرابعة وعشرين دقيقة، وبعد خمس دقائق بالضبط قد طرق الباب أخيرًا.
تجولت القشعريرة بجسدها ولعبت سباق في ظهرها، فيما صدرها يعلو ويهبط ببطء، إن أنفاسها تزداد ثقلًا وأصبح صعب عليها أخذها و اخرجها مِن رئتيها، كأن رئتيها تتمسك بالنفس الذي بها ولا تريد أن تفلت به كأنه روحها.

كلاسيكيات وردية Where stories live. Discover now