الفصل الرابع و العشرون

11.2K 418 16
                                    

اتفاعلوا عالفصل، فوت و كومنت علشان الجديد ينزل بسرعة 😅😅😅

فغرت ياسمين فاهها بذهول .. متأكدة أنه خُيّل لها ما سمعته ، نظرت إلى الورقة التي أعطاها لها مرة أخرى .. محاولة فك طلاسمها و فهم ما تحويه ، إلا أنها لم تفهم حرفاً مما مكتوب !
نظرت إلى فريد بارتباك ، و كررت و كأن حديثه ذاك لم يحدث : " هل تريد شيئاً أخر سيدي ؟ "
رفع فريد أحد حاجبيه باستغراب .. و عيونه تلمع باستمتاع من رد فعلها .. و ارتباكها ، فهتف بصرامة زادت من ارتباكها :
" وقعي على الورقة " .
سألته بغباء : " أي ورقة ؟ "
أشار فريد إلى الورقة بعينيه .. و قال : " هذه " .
أمسكت ياسمين الورقة بأصابع مرتجفة .. حتى كادت أن تسقط منها ، و بدأت في قرائتها بتركيز جاهدت للحصول عليه !
و قد كانت ورقة زواج عرفي .. موقع عليها باسم فريد الجندي .. و خانة أخرى فارغة .. تنتظر توقيعها !
أعادت ياسمين نظراتها إلى فريد ، و سألته بغباء .. على ما يبدو أنه تمكن منها : " ماذا أفعل بهذه الورقة سيدي ؟ "
زفر فريد أنفاسه بنفاذ صبر .. فهذه الصغيرة على ما يبدو قد فقدت عقلها من الصدمة !..، استقام .. و وقف بجانبها .. ثم التقط كفها .. ليثبت القلم بين أصابعها .. و أشار إلى مكان ما في الورقة .. و هو يقول :
: " وقعي هنا " .
حررت ياسمين كفها من خاصته بذعر .. و القت بالقلم بعيداً .. و هي تقول : " لا .. لا " .
اشتعل الغضب في عيني فريد .. إلا أنه جاهد للسيطرة عليه ، حتى تنفذ هذه الصغيرة ما يريده .. و بعدها سيحاسبها على أي تصرف تفعله ضد رغبته !
ابتسم لها برقة .. و قال : " لِمَ لا ؟ ، ألا تريدين أن تصبحين زوجتي ؟ "
همست ياسمين بحيرة : " و لكنك متزوج " .
هتف ببساطة : " و ما المشكلة ؟ ، الشرع حلل أربعة " .
ظهر عدم الرضى على ملامحها ، و هتفت باعتراض : " لا أريد " .
سألها بهدوء مصطنع : " لا تريدين .. ماذا ؟ "
هتفت بشجاعة لا تمتلكها : " لا أريد الزواج منك " .
ظهر غضب فريد على هيئة ضحكة صاخبة .. بعثت الرعب في قلب ياسمين ، و سار ليجلس على مقعد مكتبه .. و قال بجدية :
" إذاً غادري القصر الآن ، لا عمل لكِ لدي " .
صاحت بفزع : " ماذا ؟ "
ابتسم فريد برضى ، فلقد كان متيقن من أن العمل هو نقطة ضعفها ، و أنها ستستلم له ما أن يطردها منه !
" ما سمعتيه يا صغيرة ، غادري القصر الآن و لا أريد رؤية وجهكِ مرة أخرى " .
تجمدت ياسمين في مكانها .. مفكرة فيما عليها فعله الآن ، لقد طردها فريد بهذه البساطة لأنها رفضت الزواج منه ..
حسناً .. إن أصرت على موقفها .. و لم تقبل الزواج منه ..
إلى أين ستذهب ؟
كيف ستعيش ؟
و هل ستجد مكان يأويها .. أم سيكون الشارع هو مأواها ؟
و زوجته .. ماذا سيكون رد فعلها إن علمت بزواجهما ؟!
همست بخوف : " لكن .. السيدة رانيا .. إن علمت فسوف " .
هتف فريد بجدية : " سيكون زواجنا سرياً .. رانيا لن تعلم عنه " .
همست ببلاهة : " سرياً " .
أكد لها بثقة : " نعم .. و لن يعلم به مخلوق على وجه الأرض " .
و تابع بنفاذ صبر : " هيا .. تعالي و وقعي " .
إلا أن ياسمين لم تتحرك من مكانها .. و أخذت تنظر له بحيرة ، لا تعلم هل تستسلم له و تتزوجه كي تحتفظ بعملها و البيت الوحيد الذي يأويها ، أم تغادر و تواجه الحياة الصعبة وحدها !
هزت رأسها باعتراض فاجأ فريد .. و هتفت بشجاعة من المحتمل أن تندم عليها لاحقاً : " لن أتزوج منك ، و لا يهمني .. حتى إن طردتني " .
تجهم وجه فريد بغضب ، حسناً لقد اختارت هذه الصغيرة .. و عليها تحمل نتيجة اختيارها !
" أنتِ مطرودة بالفعل يا صغيرة ، أمامكِ خمس دقائق لتغادري القصر " .
رمشت ياسمين بعينيها بعدم تصديق ، هل هو جدي ؟ ، هل حقاً طردها ؟
همست بتوسل ، و كأنها ليست التي كانت تواجهه بشجاعة منذ ثواني : " و لكن سيدي ، أنا ليس لدي مكان أخر لأذهب إليه " .
رفع فريد أكتافه بلا مبالاة : " أنتِ من اخترتي هذا " .
و تابع و الخبث يطل من عينيه : " إلا لو تراجعتي و قبلتي عرض الزواج " .
ارتسمت الحيرة على ملامحها ، و قدمها على وشك خيانتها و التقدم للتوقيع على الورقة .. خوفاً من حياة خارج أسوار هذا القصر !
إلا أنها بعناد نادراً ما يتلبسها قالت : " مخطئ إن كنت تهددني بعملي ، سأغادر من قصرك هذا .. و سأجد عملاً أفضل منه مائة مرة " .
ابتسم فريد باستهزاء و قال : " و هل تعتقدين أنني سأترككِ بهذه البساطة يا صغيرة ؟ ، أعدكِ أنه لن يمر ثلاث أيام إلا و أنتِ عائدة إليّ تطلبين الزواج مني " .
ابتسمت ياسمين بسخرية غير آبهه بكلماته ، واثقة أنها ستجد عملاً بنفس السرعة التي وجدت بها هذا العمل ، و بصمت استدارت لتغادر غرفة مكتبه ..
إلا أنه استوقفها قائلاً : " ليس من صالحكِ أن يعلم أحداً من الخدم عما دار بيننا " .
خرجت دون أن ترد عليه ، و قد تحولت ابتسامتها الساخرة إلى ضحكة صغيرة ، غريب أمره .. يخاف من أن يصل الأمر لزوجته ، و في نفس الوقت يستقوى عليها هي !
أما عن فريد .. فلقد كانت لديه خططاً أخرى لطلبه ذاك .. خطط لا يتوقعها عقل ياسمين الصغير !
و كي يتأكد أن كل شئ يسير كما يخطط له .. تبع ياسمين .. و ظل أمام غرفتها حتى حزمت أغراضها .. ثم سار معها إلى بوابة القصر ، و هتف قبل أن تغادر :
" سنلتقي قريباً يا صغيرة .. أقرب مما تتوقعين ، و حينها ستكونين زوجتي " .
ارتجف قلب ياسمين برعب من نبرته الواثقة ، و ضغطت على نفسها كثيراً .. و استجمعت كل قوتها حتى لا تتراجع في قرارها !..، و غادرت القصر بأقدام مرتجفة .. و قلب مذعور مما ينتظره في الخارج !
أمر فريد أحد رجاله .. و هو يتتبع ياسمين بعينيه .. بينما هي تسير في طريقها بتخبط : " ظل ورائها ، لا تجعلها تغيب عن عينيك لحظة ، أريد تقرير مفصل بتحركاتها " .
هتف الحارس بعجلة : " أمرك سيدي " ، ثم ركض ليلحق بياسمين و يتتبعها .
عاد فريد إلى الداخل .. ليرى ميرفت تقف في انتظاره ..
سألته ميرفت باستغراب حالما رأته : " سيدي .. أين ذهبت ياسمين ؟ "
رد عليها بغموض : " لقد طلبت إجازة .. يومين و ستعود " .
و تركها بعدها ليذهب إلى مكنبه .. و يخطط لما سيفعله مع الصغيرة !
شعرت ميرفت بالدهشة من اهتمام فريد الغريب بياسمين ، لدرجة أن يصلها بنفسه إلى بوابة القصر ليودعها !..، الأمر وراءه شئ .. و شئ كبير !
همست بارتياب : " لابد من أن تعلم السيدة رانيا بهذه المستجدات " .
**********
سارت ياسمين في الشارع بتخبط .. تتطلع إلى كل ما حولها بخوف ، لا تعلم إلى أين تذهب !..، حتى قررت أن تذهب إلى الدار و تسأل عن ريناد ، فلربما كانت ظلمتها .. و قد ذهبت الأخيرة إليها لتسأل عنها !
وصلت إلى الدار .. لتنظر إلى المبنى مبتسمة بسخرية ، لقد كانت تحلم أن تكون الحياة خارج هذا الدار أفضل من داخله ، و لكن من الواضح أنها أسوأ بكثير ، و أن قلبها كان على حق .. عندما كان يشعر بالخوف و عدم الآمان خارج الدار !
لم تكد تدلف إلى الداخل ، حتى قابلتها إحدى المشرفات ، و سألتها بفتور : " ألم نتخلص منكِ منذ أسابيع ؟ ، ما الذي أعادكِ إلى هنا ؟ "
آثرت ياسمين عدم الرد على حديثها ، و سألتها بترقب : " ألم تأتي ريناد إلى هنا ؟ "
زمت المشرفة شفتيها بعدم رضى و قالت : " لقد أتت مرة واحدة ، لا أعلم ما الذي يُعيدكما أنتما الاثنتين إلى هنا " .
ابتسمت ياسمين بسعادة تجلت في عينبها ، إذاً ريناد لم تتخلى عنها .. لقد جاءت و سألت عنها .. لقد وفت بوعدها ، و لكن كيف ستجدها الآن ؟!
سألت المشرفة بأمل : " ألم تخبركِ أين تمكث ، ألم تعطيكِ عنوانها ؟ "
ردت المشرفة باستهزاء : " و من شوقي لها سأسأل عن عنوانها ! " .
تنهدت ياسمين بضيق ، و بدأت تتسائل إن كانت ريناد ما زالت تبحث عنها ، أم أنها يئست و استسلمت !
غادرت الدار مقررة أن تأخذ سكناً قريباً منه .. حتى إن كانت ريناد لا زالت تبحث عنها .. تجدها بسهولة ..
و بالفعل .. و بعد عناء في البحث .. وجدت شقة يتشاركن فيها عدد من الفتيات ، فاستأجرت معهن غرفة لا بأس بها ..
دلفت إلى هذه الغرفة .. لتتمدد على السرير بتعب ، و مع ذلك كانت هناك ابتسامة حماس مرسومة على ملامحها ، فلقد كان الخوف يملأ قلبها عندما غادرت قصر فريد .. و كانت تخشى من مواجهة هذا العالم لحالها ، خاصة و أنها مؤمنة أنها ليست بقوة ريناد التي تجعلها تواجه أي موقف بشجاعة ، إلا أنها اليوم اكتشفت جانباً أخر من شخصيتها ، فلم تكن تتوقع أنها ستقف أمام فريد و تواجهه على الرغم من تهديده لها ، إلا أنه .. و على ما يبدو .. أنها لا تدرك قدراتها !
همست لنفسها بمرح : " ها أنتِ يا ياسمين وجدتي سكن .. و ستبحثين عن عمل ، و مَن يعلم .. لربما اجتمعتي بصديقتكِ ، و فريد لن يستطيع أن يفعل لكِ شيئاً ، لقد كان حديثه مجرد تهديد كي تخضعين له ! "
**********
تجاهل بشار أخر حديثها و سألها باستغراب : " أي دار ؟! "
شهقت ريناد .. و قد انتبهت إلى ما قالته ، يا إلهي كم هي غبية !
كيف أفلت لسانها بهذا الشكل ؟ إن كان هو يرفض أن يكون العمال لديه لديهم شهادة متوسطة ، فماذا سيكون رد فعله عندما يعلم أنها قضت حياتها في دار الأيتام ؟!
هتفت ببرود مصطنع : " باعتقادك أي دار ؟ ، بالتأكيد دار للأيتام " .
فغر بشار فاهه و نظر إليها بشفقة ، يا لها من فتاة مسكينة .. لذلك كانت تتوسل رشدي لتحصل على العمل !
سألها بخفوت : " أ ليس لديكِ أحداً ؟ ، عم .. خال .. أي قريب " .
شعرت ريناد بالدهشة من سؤاله ، لقد اعتقدت أنه سيطردها فور معرفته بأنها كانت في الدار ، و لكن .. و على ما يبدو .. أنها ظلمته !
نفت ببساطة : " لم أجد قريباً لي منذ أن وعيت على هذه الدنيا " .
صمت بشار .. غير قادراً على إيجاد كلمات مناسبة لمواساتها ، و لكن تأثره بحديثها كان واضح في عينيه ، مما جعلها تقول باقتضاب
: " لا أحب أن يشفق عليّ أحد " .
أبعد بشار عينيه عنها بحرج .. و قال : " أعذريني .. لم أقصد " .
و تابع بفضول : " هل سيزعجكِ إن طلبت منكِ أن تقصي لي كيف كانت حياتكِ في الدار ؟ "
رفعت حاجبيها بتساؤل : " ماذا تريد أن تعرف ؟ "
هتف بهدوء : " أحب أن أسمعكِ " .
أطرقت ريناد برأسها .. لتخفي الألم الذي ارتسم على ملامحها ، و همست بصوت بالكاد يُسمع : " أتحب أن تسمع .. أنني كنت أحقد على كل فتاة في مدرستي عندما أراها مع والديها .. أو تحكي هي كيف قضت عطلة نهاية الأسبوع معهما " .
رمشت بعينيها حتى تمنع دموعها من الهبوط و أردفت : " كنت أحسدهن لأنهن قادرات على شراء ما يرغبن في الوقت الذي يريدونه ، في الوقت الذي كنت أُحرم فيه من الطعام إن طالبت بدمية صغيرة " .
انتقل ألمها إلى بشار و هو يستمع إلى نبرتها الحزينة .. الخافتة ، و يتخيل طفلة صغيرة تقف تنظر إلى صديقتها بغيرة بسبب ما هو متوفر لها .. على عكسها هي !
" هذا إلى جانب العمل في الدار .. فلقد كانت كل طفلة مجبورة على تنظيفه و غسل الصحون ، و مَن لم تفعل هذا كانت تُعاقب .. إما بالضرب أو بالحرمان من الطعام " .
أغمض بشار عينيه بألم .. و قد فقد القدرة على الحديث ، و ماذا سيقول لها ؟ ، و أي كلمات ستُعيد لها طفولتها ؟
نظرت إليه ريناد و أجبرت نفسها على الإبتسام و هي تقول : " يبدو أنك تأثرت بحديثي " .
حاول بشار الإبتسام بدوره و إبعاد نظرات الشفقة عن عينيه ، فكلمتها لا زالت تتردد في أذنيه ( لا أحب أن يشفق عليّ أحد ) ، ثم هتف بفخر صادق :
" بل أنا أفكر كيف لفتاة مثلكِ عاشت طفولة صعبة .. أن تصبح هكذا ، فدائماً ما أسمع أن دور الأيتام تُخرج أفراداً خطرة على المجتمع " .
كادت أن تخبره أنها من هؤلاء الأفراد ، حيث أنها سرقت في طفولتها و مراهقتها كثيراً .. ليس في الدار فقط ، بل أيضاً في المدرسة .. عندما كانت تشاهد إحدى الفتيات معها ما ترغب هي به .. و لا تستطيع الحصول عليه !..، كادت أن تخبره أن السرقة كانت أول ما فكرت فيه حالما خرجت من الدار .. كأسهل طريقة ستستطيع بها الحصول على المال ، و أن العمل لديه هو مَن أنقذها من أفكارها هذه !
لم تخبره بهذا كله .. لأنها على يقين أنه إن علم به سيطردها من العمل في الحال ، و رداً على كلماته .. همست بخفوت : " شكراً سيد بشار " .
لمعت عينيه ككل مرة تنطق فيها اسمه ، و همس بلا شعور : " كم أحب أسمي من بين شفتيكِ " .
شهقت واضعة يدها على فمها بخجل .. و أطرقت برأسها أرضاً غير قادرة على الرد عليه ، لينتبه هو إلى ما تفوه به ، فيتمتم بعدة كلمات حرجة لم تتفهمها .. و يبتعد عنها ..
نظرت ريناد في أثره و إحساس غريب يتوّلد بداخلها .. إحساس لم تعيشه من قبل .. و لا تعلم كيف تصفه !
في حين أن بشار دلف إلى مكتبه و هو يقول : " غبي .. غبي .. كيف لم تسيطر على لسانك ؟ ، ماذا ستظن بك الآن ؟! "
إلا أنه لم يتابع تأنيبه لنفسه ، حيث دلف رشدي إلى مكتبه .. و ملامحه يعتليها غضب شديد ..
نظر له بشار بتساؤل و قال : " خير يا سيد رشدي ؟ "
هتف رشدي بنبرة غير راضية : " ساعة يا بشار .. ساعة تجلس فيها مع إحدى العاملات تتحادثان و تضحكان سوياً " .
نظر بشار إلى ساعته باستغراب ، لتتوسع عينيه بذهول و هو يرى أنه بالفعل قد مرت ساعة أو أكثر منذ أن تحدث مع ريناد ، كيف لم ينتبه إلى الوقت ؟!
جلس على المقعد و هتف ببساطة : " لقد أخذنا الحديث " .
جلس رشدي أمامه و قال بغضب : " و من متى و أنت تتحدث مع العمال من الأساس ؟ "
هتف بشار بحذر : " لا تنسى أنها ليست بالمؤهلات المطلوبة ، كما أنها افتعلت مشكلة فور أن بدأت بالعمل معنا ، فكان عليّ أن أتحدث معها و أعرف طريقة تفكيرها " .
ظهر عدم التصديق جلياً على وجه رشدي ، و كيف سيصدقه و هو مَن يعرفه منذ أن كان صغيراً ، و يعرف متى يكون صادقاً و متى لا !
" أرجو أن يكون هذا حقاً ما جعلك تتحدث معها كل هذا الوقت ، بل جعلك تقرر أن تتحدث معها من الأساس ، لأنه إن كان هناك شيئاً أخر ف " .
و صمت دون أن يتابع جملته ، و لم يحتاج أن يتابعها !..، فلقد كانت واضحة .. و قد فهمها بشار بسهولة ..
" لا يوجد شئ مما تفكر فيه " .
نهض رشدي و هو يقول : " أرجو ذلك " .
و أردف قبل أن يغادر مكتب بشار : " و أرجو ألا يتكرر حديثك معها مرة أخرى ، حتى لا يبدأوا العمال في الحديث و طرح التساؤلات " .
خرج رشدي ليستند بشار على ظهر مقعده بشرود ، على مَن يكذب ؟ ، هو لم يتحدث اليوم مع ريناد خوفاً على سمعة مطعمه كما أدعى أمام رشدي ، بل لأنه أراد ذلك .. أراد أن يعرف عن حياتها أكثر .. أن يعرف عن طفولتها و لِمَ لم تتابع تعليمها ، و لا يعلم لِمَ يريد معرفة ذلك ، و لا يعلم حتى سر اهتمامه بها !
أ يكون هذا حب ؟!
لا .. و متى .. و كيف سيحبها و هو لم يعرفها سوى من أسابيع قليلة ؟!
إعجاب ؟!
من المحتمل .. فهذه الفتاة تجذبه بشجاعتها و .. لدغتها !
ابتسم و هو يتذكر طريقة نطقها لأسمه ، كم يعشقه كما أخبرها ، بل يعشق كل حديثها بسبب هذه اللدغة التي تعطي لكلماتها نكهة خاصة ..
كما يُعجب بشجاعتها التي أظهرتها منذ أول لقاء لهما ، حيث وقفت أمامه تواجهه بلا خوف .. موضحة أن الزبون هو مَن أدعى عليها كذباً ..
و لكن ما نهاية إعجابه هذا ؟
و هل سيتحول إلى حب يوماً ؟
**********
هتفت مروة بمرح و هم يجلسون على إحدى الطاولات : " هذا المطعم أعرفه جيداً .. يقدم وجبات شهية جداً " .
أحضر لهم النادل قائمة الطعام ، ليهتف خالد قبل أن يقرأوها : " أطلبن ما يحلوا لكن .. فأنا مَن سيحاسب " .
و قبل أن ترد لمياء عليه بفظاظة كعادتها ، سارعت لارا بالقول : " شكراً يا خالد ، و لكننا نفضل أن تدفع كل واحدة حساب وجبتها " .
هتف خالد بعدم رضى : " و لكن هذا " .
لتقاطعه لمياء بسخرية : " لا تدعي دور الرجولة و أن الفتيات لا يجب أن يدفعن الحساب في وجودك ، فالرجولة ليست بتبذير الأموال ، بل بأشياء أخرى أشك أنك تعلم عنها حرفاً " .
عبست لارا بملامحها من طريقة حديث لمياء مع خالد ، غير راضية عما تفعله صديقتها به !
في حين أن عينا خالد برقت بغضب من وقاحتها ، هذه الفتاة لن ترتاح إلا عندما يقتلها أو .. يجعلها تحني رأسها خزياً !..، و كم سيكون سعيداً إن أمتلكها بعد لارا ، ليخرس لسانها للأبد !
كان سيرد عليها لولا هذا المتطفل الذي وقف فوق رؤوسهم فجأة ، و إشارته عليه بهذه الطريقة الفظة !
تفاجئت لارا بمَن ينضم إليهم ، فرفعت عيونها لتلتقي بعيون صديق عمها ، هذا الطويل الذي يعاملها دائماً بغرابة !
ليزداد عبوس ملامحها و هي تلاحظ طريقته في الحديث معها ، و آثرت ألا ترد عليه احتراماً لعمره و لصداقته مع عمها !
فهتفت بمرح مصطنع تخفي به ضيقها : " مرحباً عمي أمير " .
توسعت عيون أمير بعدم تصديق و قد ازداد غضبه أضعافاً من مناداتها له بعمي !
منذ متى و هو عمها ؟ ، و منذ متى تتعامل معه باحترام من أساس ؟!
يا ليتها ردت عليه بطريقتها الفظة التي تتعامل بها معه على أن تسبق اسمه بهذا اللقب !
إلا أنه لم يستطع توضيح غضبه و ضيقه من كلمتها ، فركز على ما جعله ينتبه إلى وجودها و يقترب منها ، فقال بحدة :
" مَن هذا الذي تجلسين معه ؟ "
ردت عليه لارا ببساطة : " أصدقائي " .
مال عليها بحركة فاجئتها .. و همس بحدة : " كيف تجلسين مع رجل غريب في مكان عام لحالكِ ؟ "
ها هو قالها بنفسه .. مكان عام ، إذاً ما المشكلة ؟!..، كما أنها ليست لحالها ، بل يجلس معها فتاتين آخرتين ، أم أنه أُصيب بضعف نظر مفاجئ !
ثم بأي صفة يتحدث معها بهذه الطريقة و يتدخل في تصرفاتها ؟!
ردت عليه بسخرية : " هل يعد هذا جريمة في نظرك ؟ "
ضيق خالد عينيه بعدم رضى و هو يرى هذا المتطفل يميل على لارا بحميمية ، لينهض باندفاع .. و يقف ورائه .. ساحباً إياه من قميصه ، و قال :
" هل هناك مشكلة يا أستاذ ؟ "
التفت له أمير بحدة .. و أبعد يد خالد عنه بقوة ، و قال بفظاظة : " لا دخل لك " .
ثم عاد لينظر إلى لارا و أردف : " هيا بنا يا لارا " .
صاح خالد بصوت قوي : " هيا بنا .. بهذه السهولة !..، أ تراها جالسة مع ذراع مقعد ؟ "
هتف أمير باستفزاز دون أن ينظر إليه : " أنت بالفعل كذلك " .
قهقهت لمياء بقوة سعيدة بما قاله هذا الغريب الذي لا تعرفه ، و لكنها أُعجبت به بسبب طريقته مع خالد !
في حين ارتسم الإنزعاج على ملامح لارا بسبب معاملة أمير الفظة لخالد ..
أما مروة فنظرت إليهما بفضول منتظرة ما سيحدث بينهما !
قبض خالد على كتفه بقوة و هتف بغضب : " احترم نفسك يا هذا " .
و دفعه بقوة و هو يقول : " و هيا ابتعد عن هنا " .
ارتد أمير إلى الخلف عدة خطوات ، ليحاول أن يوازن نفسه .. ثم ينظر إلى خالد بأعين ينبعث منها الشر ..
اقترب منهما النادل سريعاً حالما رأى ما يحدث ، ليقف بجوار أمير سائلاً إياه بتحفز : " هل هناك مشكلة دكتور أمير ؟ "
و قبل أن يرد أمير عليه ، نهضت لمياء و قالت للنادل برقة : " إنه سوء تفاهم فحسب ، أعذرنا على ما حدث " .
تجاهلها النادل و كأنها لم تتحدث ، ليقول لأمير : " هل تريدني أن أستدعي الأمن ليخرجوه سيدي ؟ "
وقفت لمياء أمام أمير لتهمس بتحذير : " لا داعي لهذا سيدي ، نحن لا نريد أن نثير فضيجة في المكان " .
و بقليل من التفكير .. انصاع أمير إليها ، و قال للنادل : " لا ، اذهب و تابع عملك " .
ابتعد النادل .. و لكن ليس كثيراً .. كي يستطيع التدخل عندما يحتاج الأمر !
في حين أن لمياء تولت هي الحديث ، كي تخمد هذا الجو المشحون ، فقالت : " لِمَ لا تنضم إلى جلستنا ؟ "
هتف أمير بفظاظة : " لا .. سنرحل أنا و لارا " .
هتفت لارا بشجاعة : " تحدث عن نفسك ، أنا لن أغادر معك " .
تنهد أمير بقوة ، لتهمس لمياء مرة أخرى بتحذير : " لا أنصحك بأن تعاند معها ، فهي أكثر الأشخاص عناداً عرفتهم في حياتي .. و لن تستسلم و تغادر معك مهما فعلت ، فإن كنت تغار عليها .. و لا تريدها أن تجلس مع رجل غيرك ، انضم إلى جلستنا و تحكم فيها " .
يغار .. كيف علمت هذه الفتاة بغيرته على كومة الشعر ؟!
هل مشاعره مكشوفة بهذا الشكل ؟!
و بهدوء امتثل لها .. و تحرك ليجلس على الطاولة .. منضماً إلى مروة .. الوحيدة الجالسة منهم ، لتتبعه لمياء جالسة ، و يبقى خالد .. ينظر إلى ما يحدث أمامه بعدم رضى و .. تفكير !..، و لارا تنظر إليهم بدهشة ..
رفع أمير نظراته إليها و قال : " ألن تجلسي ؟ ، أم غيرتي رأيكِ و سترحلين معي ؟ "
تأففت لارا قبل أن تجلس منضمة إليهم ، فيتبعها خالد بسرعة .. و كأنه كان في انتظار قرارها !
هتفت لمياء بمرح : " أنتِ لن تعرفينا حتى الآن يا لارا ؟ "
تأففت لارا مرة أخرى و قالت : " عمي أمير .. صديق عمي علاء " .
قبض أمير على كفه بقوة .. مانعاً نفسه من القيام و صفعها على كلمة عمي التي تقولها بكل بساطة !
في حين أن لمياء قالت لها بعتاب ، و كأنها تشعر بما يدور داخل أمير : " لا يتضح أبداً أن لقب عم يناسبه " .
و تابعت موجهة حديثها إلى أمير : " كم عمرك سيدي ؟ "
رد أمير من بين أسنانه : " ثمانية و عشرون " .
سارع خالد بالقول : " كبير جداً ، كيف لك أن تعرف لارا ؟ "
اخذ أمير نفساً قوياً .. مقنعاً نفسه أنه إن دخل في شجار أخر مع هذا الكائن الآن ستكون فضيحة لا محالة " .
رمشت مروة بعينيها ، و قالت بحالمية كعادتها : " على العكس .. مظهره يعيطيه أقل من عمره بكثير " .
تبعتها لمياء قائلة بسخرية : " أخبرنا أنت يا سيد خالد .. كم عمرك ؟ ، و في أي فرقة ؟ " .
صمت خالد بحرج ممزوج بالغضب من لمياء ، في حين سألت مروة أمير بحماس : " ماذا تعمل سيدي ؟ "
رد أمير و نظراته معلقة على لارا الصامتة .. بملامحها المتجهمة : " طبيب جراح " .
همست مروة بصوت خافت : " رائع " .
و قالت لمياء بمرح : " لم تخبرينا عنه من قبل يا لارا " .
هتفت لارا بضيق : " لم أعرفه سوى من بضعة أسابيع ، و لقائتنا سوياً لا تحفز الشخص كي يتحدث معها " .
قال أمير ببراءة .. و هو يرفع إصبعه : " اللقاء الأول فقط .. اللقاء الثاني لم أزعجكِ " .
نظرت له لارا و قالت بغضب : " و هل ما قولته لي في أول لقاء يُغتفر ؟ "
هتف بنفس النبرة : " كنت أمزح معكِ " .
زمت لارا شفتيها و لم تتحدث ، لتقول لمياء بفضول : " ماذا قال لكِ ؟ ، أخبريني " .
استمرت لارا على صمتها ، لتقول مروة بنفس فضول صديقتها : " نريد أن نعلم .. هيا لارا أخبرينا " .
هتفت لارا بضيق .. و هي تشير إلى أمير بيدها : " تصوروا .. فور ما رآني قال لي أنني قزمة ، و بعدها لقبني بكومة الشعر " .
قهقها مروة و لمياء ملأ شدقيهما ، لتقول لارا بضيق :
" علام تضحكان ؟ "
هتفت لمياء بمرح : " على ألقابه بالطبع " .
أطرقت لارا برأسها .. زامة شفتيها بقوة ، فأصبح شكلها كالأطفال ، و قالت : " هذا بدلاً من أن تدافعان عني " .
هتف خالد بتهور و جرأة : " أنتِ لا يليق بكِ سوى لقب جميلة أو فاتنة " .
قاطعه أمير بحدة : " احترم نفسك يا هذا .. كيف تقول لها مثل هذه الكلمات ؟ "
رفع خالد أكتافه و قال ببساطة : " أنا أقول الحقيقة .. ما تراه عيناي " .
قال أمير بنبرة عدوانية : " إذاً ذكرني أن أفقعها لك حتى لا ترى بها مرة أخرى " .
و قبل أن يرد خالد عليه .. و تنشأ بينهما مشاجرة جديدة ، قالت لمياء : " لقد تأخرنا علينا العودة إلى البيت " .
سألتها لارا باستغراب : " و المذاكرة ؟ "
ابتسمت لها لمياء و قالت : " غداً اشرحي لنا ، أو سنزوركِ في نهاية الأسبوع و نذاكر سوياً " .
كانت جملتها الأخيرة إشارة واضحة لخالد أنه غير مرحب به في جلستهن بعد ذلك ، فبالتأكيد هو لن يذهب إلى منزل لارت لتذاكر له ، مع أن الأمر لو كان بيده .. فلن يكون لديه أي أعتراض !
و قد فهم هو مغزى جملتها بسهولة ، فهتف ببساطة : " و بالنسبة لي .. من الممكن أن أنتظركِ غداً و نجلس لتذاكري لي " .
اشتعلت عيون أمير بغيرة و هو يتخيل هذا الرجل يجلس مع لارا .. بمفردهما !..، فنهض من على المقعد بقوة .. لدرجة أن المقعد كاد أن يسقط !..، و قال بحدة : " هيا بنا " .
نظرت له لارا بحيرة : " إلى أين ؟ "
رفع أمير أحد حاجبيه بتساؤل : " إلى أين ستذهبين ؟ "
أجابته لارا : " إلى البيت " .
هتف أمير ببساطة : " و أنا سأوصلكِ إلى هناك " .
لمحت لمياء الإعتراض على وجه لارا ، فهتفت بسرعة كي لا تمنحها فرصة للإعتراض : " مواصلة مجانية ، يا لحظكِ " .
ابتسم أمير بحرج و قال : " سأصلكما أنتما أيضاً بالطبع " .
ابتسمت له لمياء بلطف و قالت : " شكراً لك ، و لكن منازلنا قريبة .. و نحن نفضل السير " .
نهض خالد بانزعاج .. شاعراً بعدم اهتمام أحداً به .. منذ أن أقتحم هذا الأمير جلستهم ، و قال باقتضاب :
" سأرحل أنا يا لارا ، إلى اللقاء " .
ابتسمت له لارا برقة و قالت : " إلى اللقاء خالد ، سنلتقي غداً بمشيئة الله و نتفق على موعد كي أشرح لك ما لا تفهمه " .
أومأ خالد بالموافقة .. و تحرك مغادراً ، و أفكار كثيرة تدور في باله ، أولها .. أن خططه مع لارا لن تجدي نفعاً .. بوجود حارستها لمياء .. و هذا الرجل الذي ظهر له فجأة .. و الذي من الواضح أنه يحمل مشاعر خاصة اتجاه لعبته ، و مع ذلك هو لن يستسلم .. و لن يتنازل عن لارا لأي أحد ، و لكن الأمر ليس سهلاً .. يحتاج إلى كثير من التفكير .. و وضع خطط جديدة !
نهضت لمياء هي الأخرى و قالت : " سنرحل نحن أيضاً .. نراكِ غداً " .
و خرجت هي و مروة من المطعم ، لتسألها الأخيرة بعدم رضى : " لِمَ لم تجعليه يوصلنا ؟ ، أليس أفضل من أن نعاني مع وسائل المواصلات ؟ ، ثم ما هذا الذي فعلتيه مع خالد ؟ ، كيف تعامليه بهذه الطريقة ؟ ، و منذ متى و أنتِ تعرفين هذا الطبيب لتتحدثين معه بهذه اللطافة ؟ "
ابتسمت لمياء و هتفت بممازحة : " مروة حبيبتي .. التقطي أنفاسكِ ، كم سؤال سألتيه في أقل من دقيقة ؟ "
مطت مروة شفتيها بطفولية ، لتقول لمياء بلطف : " تعلمين أنني أمزح معكِ ، أليس كذلك ؟ "
أومأت مروة بالإيجاب ، ثم قالت : " و لكنكِ لم تجيبي على أسئلتي " .
تنهدت لمياء و قالت : " ماذا تريدين أن تعرفين ؟ "
سألتها مروة بفضول : " لِمَ تعاملين خالد بهذه الطريقة ؟ "
هتفت لمياء بثقة : " لأنني لا أرتاح له .. و أشعر أنه لم يقترب منا سوى لغرض في نفسه ، يكفي نظرات الخبث التي تطل من عينيه ، على عكس السيد أمير و الذي إعجابه بلارا الصادق يطل من عينيه " .
تجاهلت مروة كل حديث صديقتها .. و أصدرت تنهيدة قوية ثم قالت : " إن كان خالد أو أمير .. فكلاهما وسيمان " .
زفرت لمياء أنفاسها بضيق .. فصديقتها لا زالت لا تنظر سوى لشكل الشخص فقط .. غير مبالية بباقي صفاته ، و مع ذلك لا تلومها .. فما عاشته هو الذي رسخ بداخلها هذا الإعتقاد ، خاصة و أنها عاشته في فترة مراهقتها ، ربما لو كانت عاشته و هي أكثر نضجاً .. لكان تأثيره أقل عليها !
" مروة .. ليس لأن أحدهم رفضكِ بسبب " .
قاطعتها مروة بحدة : " لا أريد أن أتحدث عن هذا الموضوع لمياء " .
هتفت لمياء بشفقة : " و لكن حبيبتي " .
قاطعتها مروة مرة أخرى : " إن قولتي حرفاً في هذا الموضوع فسأترككِ و أغادر " .
صمتت لمياء مجبرة ، و لكن هذا لم يمنعها من تأمل صديقتها .. بشعرها الأسود الذي يصل إلى أول أكتافها .. و عيونها العسلية الواسعة .. بشرتها السمراء .. و فمها الصغير .. و جسدها الممتلئ إلى حد ما ، لم تكن تمتلك الكثير من الجمال في نظر العديد من الناس ، و مع ذلك كانت ملامحها جذابة .. ببراءة وجهها .. و الشقاوة اللامعة في عينيها ، و لكن للأسف .. كل هذه الشقاوة اختفت بعد أن تركها ابن عمها !
أوقفت مروة سيارة أجرة لتقلهما إلى منازلهم ، صعدا إليها بهدوء .. و استمر هذا الهدوء مسيطر عليهما طوال الطريق !
شردت مروة متذكرة ما حدث معها منذ سنة أو أكثر ، حينما اختار أبن عمها .. حبيب طفولتها .. فتاة أخرى ليتزوج منها بدلاً منها هي ، حينما قال بكل قسوة أنها ليست بالجمال الذي يتمناه لزوجته المستقبلية !..، منذ ذلك وقت و هي بدأت تقتنع اقتناع تام أن الإنسان لا ينظر سوى إلى المظهر الخارجي و فقط ، لا يهتم إلا للون الشعر و طوله .. و لون العيون .. و الجسد المتناسق ، فبدأت هي أيضاً تتخذ هذا المبدأ في حياتها !
عضت على شفتيها بقوة مانعة ذرف دموعها .. و هي تتذكر أيام طفولتهما و مراهقتهما سوياً .. كم كانت تحبه .. بل تعشقه !..، كانت تحلم به ليلاً و نهاراً ، و لكنه قضى على كل أحلامها حينما اختار غيرها !
كانت لمياء تشعر بكل ما يدور داخل صديقتها في هذه اللحظة ، و سبت نفسها بقوة لأنها مَن أيقظت لها جروحها !..، إلا أنها لم تستطع الحديث و التخفيف عنها ، فأي كلمة الآن ستزيد من ألمها بدلاً من أن تزيله ، لذا حركت كفها لتضغط على كف مروة بقوة مدعمة إياه ، فابتسمت لها الأخيرة ابتسامة مشبعة بالحزن !
**********
نظر أمير في أثر خالد بغيرة واضحة ، ثم أعاد نظراته إلى لارا ، و هتف باقتضاب :
" هيا .. أم تنوين أن تقضين ليلتكِ هنا ؟ "
هتفت لارا ببرود .. دون أن تكلف نفسها النظر إليه : " سأرحل لحالي " .
صاح أمير بعصبية .. و قد بدأ يفقد سيطرته على نفسه مرة أخرى : " أسمعيني جيداً يا لارا ، أنا أمنع نفسي بالقوة من مهاتفة إسلام و إخباره عما تفعليه .. فلا تضطريني لذلك " .
هتفت لارا بذهول : " و ماذا أفعل أنا ؟ "
صاح باستنكار : " و تسألين !..، أ تعدين جلوسكِ في مطعم مع شاب غريب شيئاً عادياً ؟ "
تأففت لارا بصوت مسموع ثم قالت : " و ما المشكلة في هذا ؟ ، لِمَ تضخم الموضوع ؟ "
صاح بتهديد : " أضخمه !..، حسناً إذاً .. لنتصل بوالدكِ و نرى إن كنت أضخم الموضوع أم لا " .
نظرت له بضجر : " بين كل كلمة و أخرى تقول والدي ، هل تهددني ؟ "
و قبل أن يرد عليها ، سحبت لارا هاتفها و اتصلت بوالدها !
هتفت فور أن وصلها صوته : " السلام عليكم ، كيف حالك أبي ؟ "
رد عليها إسلام بهدوء : " و عليكم السلام ، بخير حبيبتي و أنتِ ؟ "
و أمام نظرات أمير المتفاجئة ، هتفت لارا بشجاعة : " اتصلت بك لأخبرك أنني خرجت برفقة أصدقائي .. لمياء و مروة و .. خالد " ، قالت اسم خالد مشددة على حروفه ، و نظراتها تتحدى أمير ..
تابعت تقول إلى والدها : " إلى أحد المطاعم بعد أن ذاكرنا " .
شعر إسلام بالضيق من خروجها برفقة شاب .. أي كان السبب ، إلا أنه فضّل أن تكون مناقشتهما في هذا الأمر وجهاً لوجه ، فقال : " حسناً حبيبتي ، و متى ستعودين إلى المنزل ؟ "
قالت لارا باقتضاب : " لقد قابلني عمي أمير في المطعم ، و هو مصر على أن يصلني إلى المنزل " .
إذاً هذه الشقية أخبرته عن خروجها مع أصدقائها لأن أمبر رآها ، و لولا هذا لم تكن لتخبره بهذا من الأساس !
" حسناً حبيبتي ، إلى اللقاء " .
أغلقت لارا الخط و هي تنظر إلى أمير بعيون تلمع بالإنتصار ، ضغط أمير على أسنانه بقوة ، و قال :
" هيا " .
نهضت لارا ببطء .. مستفزة أمير أكثر ، مما جعل الأخير يدفعها بقوة ، و هو يقول بسخرية :
" هل تخافين على البيض الذي تسيرين عليه من الكسر ؟ "
تحكمت لارا في حركتها .. و التفتت إليه مبتسمة بسماجة ، و قالت : " نعم ، و أنت بالتأكيد تعلم مشكلة ارتفاع الأسعار هذه الأيام ، و الشعب ام يعد يملك سوى البيض كي يأكله ، و غير معقول أن أحرمه منه بسبب أنك تريدني أن أسير بسرعة " .
قبض على كفه بقوة ، و قال بصراحة : " أ تعلمين ما أود فعله الآن ؟ "
رفعت لارا أكتافها بلا مبالاة ، لينابع هو : " أود أن أضربكِ حتى أفرغ كل غضبي منكِ " .
تورد وجه لارا من الغضب ، و قالت : " إن كنت رجل أفعلها ! "
برقت عيونه بغضب .. و ظل ينظر لها بتحدي ، و مع ذلك يده لم تتحرك من مكانها !..، مال عليها .. ليهمس بجانب أذنها بنبرة غامضة :
" تُقطع يدي .. و لا تُرفع عليكِ يا قزمتي الصغيرة ، لكن لا تسعدي كثيراً .. فأنا مازلت غاضباً من خروجكِ مع هذا الرجل و تساهلكِ معه ، و سأحاسبكِ على هذا في الوقت المناسب " .
اشتعلت عيونها برفض : " و مَن تكون لتحاسبني ؟ "
ابتسامة مرحة ارتسمت على ملامحه ، تخفي ورائها الكثير من الغموض و الأفكار ، و قال : " في الوقت المناسب .. سأكون أقرب إليكِ مما تتوقعين .. و سأفعل بكِ ما أريد .. دون أن يمنعني أحد " .
و دون أن يعطيها فرصة للرد ، سار من أمامها .. و صعد إلى سيارته ، تبعته لارا بارتياب .. مفكرة في مقصده دون جدوى ، صعدت إلى جانبه .. لتسأله بحيرة :
" ماذا كنت تقصد ؟ "
هتف أمير باستغراب : " في ماذا ؟ "
قالت لارا بنفاذ صبر : " فيما قولته " .
رفع أمير أكتافه باستغراب و قال : " لقد تحدثت كثيراً ، أي جملة تقصديها تحديداً ؟ "
نظرت له لارا بشزر ، ليرسم هو البراءة على ملامحه و يقول : " حقاً لا أعلم ما تريدين " .
هتفت لارا من بين أسنانها : " ما الذي قصدته بأخر جملة قولتها قبل أن تخرج من المطعم ؟ "
هتف أمير بداخله : " أقسم أن أجعلكِ تفكرين بي فقط ، و لن ينجح هذا الخالد في لفت نظركِ و السيطرة على مشاعركِ " .
رسم أمير الإستغراب على ملامحه ببراعة ، و عقد حاجبيه متظاهراً بالتفكير ، ثم قال بارتياب :
" لقد أخبرتكِ أنني سأنتظركِ في السيارة ، ما الغريب في هذه الجملة ؟! "
هتفت لارا باندفاع : " لا .. أنت لم تقول ذلك " .
قاطعها بجرأة .. و الخبث يلمع في عينيه : " و ماذا قولت ؟ "
صمتت لارا .. و قد بدى على ملامحها التفكير ، محاولة التذكر إن كان قد قال ما سمعته .. أم أنها تتوهم !
و هو سعد بذلك .. فهذا ما يريده .. إن تظل تفكر في كلماته بدلاً من هذا الخالد ، حتى يفعل ما ينويه !
**********
دلفت لارا إلى منزلها و هي لا زالت تفكر فيما قاله أمير ، فمن المستحيل أن تكون توهمت كلماته ، و لِمَ ستتوهمها من الأساس و هي لا تبالي به أو بجوده ؟!
أليس من يتوهم شئ يكون يريده بشدة و يسعى للحصول عليه ؟!
و هي لم تفكر من قبل في أمير و لم يلفت انتباهها ، فلِمَ قد تتوهم أنه يريدها زوجة ؟!
انتفضت لارا على سحب هبه لها و هي تقول : " لارا اسمعيني " .
لتصمت هبه فجأة .. و تعقد حاجبيها بتفكير : " لا .. أنتِ لا .. إن رآكِ إسلام سيعلم أنني من دفعتكن لهذا ، ابقي أنتِ هنا معي " .
هتفت لارا بحيرة : " ابقى أين أمي ؟ ، و ماذا ستفعلين ؟ "
تجاهلتها هبه و اقتربت من ابنتيها مرة أخرى ، لتقول لهما : " هل علمتما ما ستقولانه ؟ "
أكدت لها تقوى بثقة : " نعم أمي لا تقلقي " .
تمتمت هبه ب ( جيد ) .
لتقترب منهن لارا و تسأل هبه باستغراب : " أمي ، ماذا يحدث ؟ "
تجاهلتها هبه للمرة الثانية .. و ركضت إلى الشرفة لتنتظر قدوم إسلام ..
تبعتها لارا بضيق : " أمي " .
قاطعتها هبه بحماس : " لقد وصل أخيراً " ، قالتها هبه بحماس ثم ركضت مرة أخرى لأبنتيها و قالت :
" هيا أفعلا ما قولته لكما " .
أومآ الطغلتين بحماس مماثل لحماس والدتهما .. و ركضا إلى الخارج .. لتقفان على الدرج منتظرين صعود والدهم ..
في حين سحبت هبه لارا إلى المطبخ ، لتقف على بابه مراقبة ما يحدث في الخارج بين زوجها و ابنتيها !
صاحت لارا بنفاذ صبر : " أمي أخبريني ماذا يحدث ؟ "
وضعت هبه كفها على فم ابنتها ، و همست بحدة : " اصمتي يا غبية و إلا سيسمع صوتكِ " .
ثم أبعدت كفها عن فم أبنتها و عادت لتراقب ما يحدث ، لتتأفف لارا بضيق .. و تراقب مع والدتها .. علها تفهم ما تفعله هي و شقيقتيها !
**********
صفّ إسلام سيارته جانب البناية ، و ترجل منها و هو يتنهد بضيق ، لقد اشتاق لزوجته .. و بناته ، و مل من البعاد عنهن ، لكن كرامته تأبى أن يعود إلى المنزل بعد ما فعلته هبه معه ، يعلم أن كل ما فعلته بدافع غيرتها عليه .. و حبها له ، و لكنها تجاهلت ثقتها به .. هذا إن كانت واثقة فيه من الأساس !
صعد الدرج و هو يسيطر على قلبه بالقوة ، و يمنع قدميه من الإستجابه له و الاتجاه إلى شقته بدلاً من شقة شقيقه ، فالوقت لم يحن بعد لمسامحة هبه !
وصل إلى الطابق الذي يجوي شقته .. ليتوقف فجأة و هو يرى طفلتيه يركضون إليه .. و يضمون ساقيه ..
هبط إلى مستواهما ، و قال مبتسماً بحنو : " مرحباً بأميرتي الصغيرتين ، كيف كان يومكما الدراسي ؟ "
ردا تقوى و إيمان في نفس الوقت : " جيد أبي " .
ثم التقطت إيمان كفه محاولة سحبه إلى الشقة بفشل ، و هي تقول : " هيا أبي لندخل " .
لم يتحرك إسلام من مكانه و قال بارتباك : " لا حبيبتي .. ادخلا أنتما .. و أنا سأصعد إلى شقة عمكما " .
اعترضت تقوى بشدة : " منذ أسبوع و أنت تقيم مع عمي ، ستدخل معنا إلى شقتنا " .
" و لكن صغيرتي " .
ألتقطت تقوى كف والدها الأخر .. و سحباه هي و إيمان بشدة و هما يقولا في نفس الوقت : " هيا أبي .. نحن اشتقنا لك " .
ليتنهد إسلام باستسلام و يدلف معهما إلى الشقة !
صاحا الطفلتين فور دخولهم إلى الشقة : " أمي لقد وصل أبي " .
**********
ابتسمت هبه بسعادة .. و ابتعدت عن باب المطبخ حتى لا يراها إسلام حين يدخل ، لتهمس لارا بمرح :
" الآن فهمت .. لقد استخدمتي شقيقتاي كي تعيدي أبي إلى المنزل " .
ردت عليها هبه أخيراً : " هو لم يترك لي سوى هذا الحل " .
ازادات ابتسامتها حينما وصلها صوت ابنتيها و أسرعت إلى الخارج ، لتهتف بتفاجأ مصطنع :
" إسلام لقد أتيت " .
تفحصها إسلام بلهفة ، مع أنه أبتعد عنها لمدة أسبوع واحد ، إلا أنه يشعر و كأنه ابتعد عنها سنة !
ود أن يضمها إلى صدره بقوة و يشبعها تقبيلاً بعدد ساعات و دقائق هذا الأسبوع ، إلا أن كرامته منعته من فعل هذا !
" لقد أصرا على أن أدلف معهما " .
ابتسمت له هبه برقة و قالت : " هذا طبيعي ، فلأول مرة تبتعد عنهما هكذا " .
هتف بامتعاض : " لا تبالغي يا هبه ، فأنا كنت على بعد طابق واحد منهما " .
قالت و هي لا زالت ترسم على ملامحها تلك الإبتسامة الرائعة : " و مع ذلك هما لم يروك سوى لدقائق قليلة " .
اقتربت لارا من والدها و قالت بفرحة : " أنا سعيدة لأنك عدت إلينا " .
ضمها إسلام بدوره و هتف بجانب أذنها بمشاكسة : " هذا الحضن لن ينسيني ما فعلتيه " .
ابتعدت عنه لارا ناظرة إليه باستغراب ، ليسحبها إسلام إلى غرفتها و هو يقول بصوت مسموع : " تعالي .. أريد أن أتحدث معكِ في موضوع هام " .
نظرت هبه في أثرهما و الغيرة تشتعل بداخلها ، فإسلام يضم لارا في حين يتجاهلها هي .. يبتسم لها بحنو و يتحدث معها في حين يتحدث معها هي باقتضاب و من طرف أنفه ، هل يستحق ما فعلته أن يتعامل معها بهذه الطريقة الجافة ؟!
همست بتصمبم : " لن يهدأ بالي إلا حينما نعود كما كان حبيبي " .
**********
جلس إسلام أمام ابنته و قال بهدوء : " هيا أخبريني " .
هتفت لارا بمشاكسة .. و قد نست موضوع خالد : " هل تريدني أن أقص عليك كيف كان حال أمي بغيابك ؟ "
لم يستجيب إسلام لمشاكستها ، و هتف بنبرة جدية : " بل تخبريني عن هذا الشاب الذي خرجتي معه اليوم لحالكِ و من دون أن تخبريني " .
هتفت لارا بانزعاج واضح : " أقسم أنني لم أكن لحالي .. كان معي لمياء و مروة " .
هتف إسلام بعدم رضى : " و لِمَ خرجتن معه ؟ "
بررت له لارا : " كنا نذاكر و شعرنا بالجوع .. فذهبنا إلى المطعم " .
ضيق إسلام عينيه و قال : " و منذ متى و أنتِ تجلسين مع شباب يا لارا ؟ "
هتفت بدفاع : " إنه الشاب الوحيد الذي أتحدث معه ، و نحن لا نتحدث سوى في الدراسة " .
تنهد إسلام بعدم رضى ، لتقول له لارا : " أبي أنا حتى لا أجلس معه لحالي .. لمياء و مروة يكونان معي " .
قاطعها بحدة : " و لِمَ تجلسين معه من الأساس ؟ "
أسبلت جفنيها و همست بصوت بالكاد يُسمع : " لقد تعرضت لمشكلة ما مع دكتور المادة ، و كان هو مَن حلها لي ، و بعدها أوضح لي عدم فهمه للمادة ، فعرضت عليه أن أشرحها له كي أرد له جميله " .
ردد إسلام بذهول : " عرضتي عليه !..، أنتِ من سعيتي لهذا يا لارا !..، كيف تفعلين هذا ؟ "
هتفت بدفاع واهي : " لقد كدت أن أحمل المادة لولا تدخله أبي " .
قال إسلام بعصبية : " متى حدثت لكِ هذه المشكلة ؟ ، و لِمَ لم تخبريني عنها ؟ "
همست بخفوت : " في اليوم الذي تشاجرت فيه أنت و أمي " .
إذاً هو و زوجته السبب !..، لقد انغمسا في مشاكلهما و لم ينتبها إلى أبنتهما المراهقة ، و ها هي النتيجة .. أبنته تعرف شاب و تخرج معه ببساطة !
يقسم أنه لولا أن رأهم أمير اليوم ، لما كانت لارا أخبرته عن شئ ، و مَن يدري .. لربما لارا لم تخبره إلا عندما هددها أمير بإخباره !
حسم قرار .. و قال بحدة : " لن تجلسي مع هذا الشاب من اليوم يا لارا " .
توسعت عيونها بدهشة و قالت : " ماذا ؟ ، و لكن " .
رفع يده أمام وجهها مشيراً إلى انتهاء الموضوع ، و قال بنبرة لا تقبل النقاش : " أعلم أن أبنتي لن تخالف أمراً لي ، و أنني إن قولت شيئاً ستنفذه بطاعة ، خاصة و أنها تعلم أنني لا أفعل شيئاً إلا لصالحها ، لذا لن تقابلي هذا الشاب أو تتحدثي معه مرة أخرى ، و إن تعرض لكِ أخبريني و أنا سأتصرف معه " .
سيطر عدم الرضى على لارا بسبب أوامر والدها و عدم تفهمه لما تفعله ، و مع ذلك ام تناقشه و توضح له وجهة نظرها ، ظناً منها أنه يفعل هذا لأنه غاضب من عودته إلى المنزل بسبب شقيقتيها ، ففضلت أن تصمت الآن و تمتثل لقراره ، و بعد أن يهدأ تعود و تناقشه مرة أخرى !
طرقت هبه على باب الغرفة و دلفت ، لتنظر إلى ملامح إسلام المتجهمة .. و لارا المتوترة باستغراب !
قالت بحذر : " هل حدث بينكما شئ ؟ "
تجاهل إسلام هبه و قال : " انهضي و بدلي ثيابكِ حتى نأكل " .
ثم خرج من الغرفة .. لتتبعه هبه قائلة بعصبية : " إلى متى ستتجاهلني إسلام ؟ "
توقف إسلام مكانه .. و صمت قليلاً .. ثم قال : " مخطئة يا هبه .. أنا لا أتجاهلكِ .. على الأقل في الأيام المقبلة ، من أجل ابنتنا " .
هتفت بارتياب : " ماذا تقصد ؟ "
" ابنتكِ على علاقة بشاب ، يُدعى خالد " .
هتفت بعدم تصديق : " مستحيل ، كيف علمت ؟ "
هتف بجدية : " ليس هذا السؤال المناسب ، المهم الآن أن ننتبه لها جيداً .. حتى لا نندم مستقبلاً " .
هتفت هبه باستغراب : " و لكن كيف تعرفت عليه و متى ؟ "
هتف إسلام بشرود : " لقد أخبرتني أنها تشرح له ما لا يفهمه في المادة .. و أن علاقتهما لم تتجاوز نطاق الدراسة ، و لكنني غير مطمئناً ، لذا علينا أن ننتبه جيداً ، و أنتِ تحدبداً .. فهي تقص عليكِ كل ما يحدث معها بسهولة .. على عكسي أنا ، فسيكون من السهل عليكِ أن تعرفي إن كان هناك ما يشغل تفكيرها أم لا " .
ربتت هبه على كتفه و قالت بوعد  : " لا تقلق سأوليها كل اهتمامي و لن يصيبها مكروه بمشيئة الله " .
و تابعت بحنو : " اذهب بدل ملابسك و ارتاح حتى أعد الطعام " .
أومأ إسلام بالإيجاب و ذهب إلى غرفته ، و تفكيره منشغل بزوجته و ابنته على حد سواء !
**********
نظرت إليه و هو يلعب مع أولاده بسعادة .. و كأن لا هموم لديه !
بينما هي تحترق من الغضب بسبب ما يفعله معها ، فمنذ ذلك اليوم حينما أجبرها عليه .. و هو لم يتحدث معها ، بل لم يقترب منها مرة أخرى حتى اليوم ، و كأنه ندم على اقترابه منها .. أو اشمئز منها !
هي لا تهتم .. على العكس تشعر بالإرتياح لأنه لم يقترب منها مرة أخرى ، و تود لو تقتله على اقترابه منها ذلك اليوم !
و مع ذلك تشعر بالفضول لمعرفة السبب ..
ألم تعجبه ؟
ألم ترضي رجولته ؟
أم أنه شعر بخيانته لزوجته باقترابه منها ؟!
أغمضت عينيها و هي تتذكر حديثه عن زوجته ، و كيف أنه أزال جميع صورها قبل أن يتم زواجه منها مع أنه لا زال يحبها ، فانتابها فضول لرؤية المرأة التي استحوذت على قلبه ..
و بلا شعور نهضت متوجهة إلى غرفة تيم و لمار !
لم يكن وحيد غافلاً عنها ، بل كان ينظر إليها من حين إلى أخر دون أن تنتبه له ، يتمعن في ملامحها فيستشف ما تفكر فيه ..
يعلم أنها غاضبة منه .. و غير راضية عما حدث بينهما ذلك اليوم ، و كم يصعب عليه الإعتراف أنه نادم على أنه اقترب منها !
ليس لأن هذا تم بغير رضاها ، فهو يعلم .. كما تعلم هي بقرارة نفسها .. أنها استسلمت له بعد قليل من المقاومة ، و أنها إن كانت استمرت على هذه المقاومة .. لكان ابتعد عنها دون تردد ، و لكن استسلامها له شجعه على الإستمرار ..
هو نادم لأنه اقترب منها بهذه الطريقة ، فلم يكن يريد أن تكون مرتهما الأولى بهذا الشكل ، و لكنها مَن اختارت عندما قالت ما قالته لزوجها السابق !
لاحظ دخولها إلى غرفة أطفاله .. فعقد حاجبيه باستغراب ، فهي لم تدلف إلى هذه الغرفة منذ أن تزوجا ، و بفضول تبعها ليعرف لِمَ دلفت إليها !
**********
تفحصت نشوى الغرفة .. متجاهلة ديكورها و أثاثها .. باحثة عن شئ محدد .. صورة بسمة !
و بالفعل وجدتها .. كانت مستقرة على طاولة صغيرة تقع بين سرير لمار و سرير تيم ..
التقطت الصورة .. و جلست على سرير لمار الصغير ، و أخذت تنظر إليها بتفحص ..
لم تكن تماثلها جمالاً ، و لكن ملامحها مقبولة ، و ذلك الحنان المنبعث من عينيها يجعلها تدخل القلب مباشرة ..
أجفلت نشوى على صوت فتح الباب .. فألقت بالصورة على السرير دون تفكير ..
نظر وحيد إليها و إلى الصورة باستغراب ، و بصمت اقترب ليأخذ الصورة و يضعها في مكانها بعناية ..
ثم نظر إلى نشوى و قال بسخرية : " ظننت للحظة أنكِ شعرتي بالمسئولية و قررتي تنظيف غرفة الأطفال ، و لكنني كنت مخطأ " .
نهضت نشوى و قالت بتوتر : " بالفعل كنت أنظفها " .
هتف وحيد بتلاعب : " و كنتِ تبدأين بصورة زوجتي ، أليس كذلك ؟ "
صاحت باندفاع : " كنت أزيل الغبار من عليها .. لأنني أعلم أهمية هذه الصورة لتيم ، أم أنه غير مسموح لي بلمسها ؟ "
و مع أنه متأكد أنها لم تكن تنظف شيئاً .. و أن هذا لم يخطر في بالها من الأساس ، إلا أنه هتف بهدوء : " على العكس .. أقدر لكِ هذا .. و أشكركِ على اهتمامكِ بأبني لدرجة أنكِ تمسحين صورة والدته .. و التي كانت زوجتي " .
**********
هتفت نشوى بهدوء ، و من الواضح أنها بدأت تصدق أنها دلفت للغرفة لتنظفها : " أنا لا أفعل هذا كي أنتظر شكراً منك " .
همس وحيد بتلاعب و الخبث يطل من عينيه : " مؤسف ، إذاً سأشكركِ بطريقة أخرى " .
ثم هتف بصوت عالي : " تيم .. لمار ، تعالا إلى هنا " .
سألته نشوى باستغراب : " لِمَ تناديهما ؟ "
لم يرد عليها .. و انتظر حتى دلفا تيم و لمار إلى الغرفة ، ليهتف بجدية : " لدينا حملة تنظيف للشقة كاملة اليوم ، استعدا " .
أومأ الطفلين بطاعة .. و اتجها ليخرجا لهما ملابس مناسبة ليعملوا بها ..
في حين هتفت نشوى بعدم تصديق : " حملة تنظيف ، للشقة بأكملها ، مستحيل ! "
**********
خرجت ياسمين من المحل الذي من المفترض أن تبدأ بالعمل به و دموعها تغرق وجنتيها ، لقد قضت يومين كاملين في البحث عن عمل ، يومين كانت تقضيهما بالكامل في البحث دون كلل ، و بعد تعب حصلت على واحد .. في محل صغير لبيع الأدوات المنزلية .. ببضع نقود لا تكفيها أسبوع ، و مع ذلك كانت سعيدة ، بل تكاد تقفز فرحاً لأنها اعتمدت على نفسها .. و لم تستسلم لهذا الفريد !
إلا أنها تفاجئت اليوم .. عندما ذهبت لتبدأ في عملها أنها مطرودة .. دون أي سبب يُذكر !..، حاولت مع مالك المحل أن يخبرها ماذا حدث بين ليلة و ضحاها ، حاولت إقناعه أنها ستبذل كل جهدها في العمل .. و لن تتذمر من قلة الراتب ، إلا أنه لم يبالي بحديثها .. و أخرجها من المحل بقسوة !
ذهبت إلى المنزل الذي تقطن به و هي تفكر ماذا ستفعل ، و من أين ستبدأ البحث عن عمل أخر ؟
أخرجت مفتاح الشقة من حقيبتها الصغيرة ، و حاولت فتح الباب .. إلا أنه لم يُفتح معها !
تنهدت بقوة .. و طرقت الباب بضيق .. منتظرة أن تفتح لها إحدى الفتيات ..
فُتح الباب بقوة .. لتتفاجأ بمَن تلقي عليها حقيبة ملابسها بلا مبالاة ، و تقول ببرود : " لم نعد نريدكِ أن تقطني معنا " .
شحبت ملامح ياسمين و فغرت شفتيها لتتحدث .. لتسألها عما حدث ، إلا أن الفتاة لم تعطيها الفرصة .. حيث أغلقت في وجهها الباب بنفس القوة التي فتحته بها !
طرقت ياسمين الباب بقوة و هي تقول : " انتظري .. اخبريني ماذا حدث ؟ ، هل أزعجتكن في شئ ؟ ، هل تريدن المزيد من الأموال ؟ "
لم ترد عليها إحداهن ، لتبكي بقوة مضاعفة و قد بدأت تعتقد أن الدنيا بأكملها اتفقت عليها فجأة ..
و في غمرة بكائها لم تشعر بمَن وقف فوق رأسها ، ليصلها صوت رجولي قوي :
" السيد فريد ينتظركِ في قصره " .
نظرت له ياسمين من بين دموعها ، و قد ءءأدركت أنه لا مفر من الإستسلام لسيدها !
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
فصل طوووووييييل اهوه كتعويض عالغياب، مش تنسوا بقى الفوت و الكومنت قبل ما تطلعوا
و لو لقيت تفاعل كبير عالفصل ممكن انزل فصل تاني بالليل 😁😁❤️❤️❤️

لست أبي (كاملة)Where stories live. Discover now