بعد مرور ثماني سنوات
أغلقت حاسوبها المحمول بعد أن شاهدت ست حلقات من الدراما الجديدة التي تتابعها ، ملست على بطنها و هي تشعر بالجوع لتنهض بدون تفكير و تتجه إليه ..
دلقت إلى غرفته بهدوء و اقتربت منه حتى أصبحت فوق رأسه ، لتبقى لحظات تتأمله أثناء نومه ..
شعره الأسود مبعثر بعشوائية و بضع خصلات تستقر على جبينه .. جفونه تخفي ورائها عيون سوداء لامعة دائماً ما تنظر لها بحنان .. ملامح وجهه الرجولية الحادة .. جسده المتناسق نتيجة حرصه على ممارسة الرياضة و التي يشركها فيها معه رغماً عنها !
مالت إليه و همست بخفوت :
" مازن .. مازن استيقظ " .
تململ في نومه و انقلب إلى الجانب الأخر ، مما جعلها تلمس ذراعه و تبدأ في تحريكه بخفة ..
" مازن استيقظ ارجوك " .
فتح عين واحدة ليراها تقف أمامه مرتدية إحدى بجاماتها الطفولية المكونة من سروال قصير يصل إلى أسفل ركبتيها بقليل و بلوزة بنصف أكمام بصورة ميكي ماوس .. شعرها البني منساب حتى منتصف ظهرها ، ليستنتج من هيئتها المرتبة أنها لم تغفى بعد فنظر إلى ساعته باستغراب ليجدها الثالثة بعد منتصف الليل ، ليرفع أحد حاجبيه و يسألها :
" تومي ، لِمَ أنتِ مستيقظة حتى الآن ؟ "
( تومي ) هذا اللقب الذي أصبح يدعوها به منذ فترة طويلة .. بالتحديد منذ تلك الليلة التي تشاجر فيها مع أبن خالته سيف و دفعها هي من على سريره ..
هتفت ببراءة دائماً ما تستخدمها معه : " أنا جائعة " .
ابتسم بحنو و زهو .. لقد كان على يقين أنها ستقول هذا منذ أن أيقظته .. فهي لا تأتي إلى غرفته في هذا الوقت إلا ليعد لها الطعام ، على الرغم من بلوغها الثمانية عشر عام منذ بضعة أشهر إلا أنها لازالت تطلب منه أن يطهو لها !..، و كم يسعد هو بهذا ..
و من دون أي علامات للضيق أو الغضب نهض من على سريره ، ليلتقط يدها الصغيرة بين خاصته الكبيرة و يسيرا إلى المطبخ ..
حملها من خصرها ليُجلسها على السطح الرخامي ، و من دون أن يسألها أخرج المعكرونة و بدأ في صنع الإسباغيتي .. فهذا ما هما معتادين عليه !
أرجحت ساقيها و هي تتأمل حركاته الرشيقة ليصنع لها ما تريد دون تذمر فابتسمت بحب ، على الرغم من حدته معها و غضبه منها عندما تخالف أحد أوامره إلا أنها تعشقه .. تعشق اهتمامه بها و حرصه عليها .. حتى لو كان هذا الحرص مبالغ به .. إلا أنها لا تنزعج منه ، فهي دائماً ما كانت تحلم بوجود شقيق لها تشعر أنه سندها و حاميها .. و تحمد الله لأنه رزقها به ..
اقتحمت رائحة لذيذة أنفها لتبتلع ريقها بجوع و هي تجده يقترب منها حاملاً صحن من الإسباغيتي اللذيذة لها ..
فتحت فمها بسعادة ليبتسم لها و هو يطعمها بيده ، ثم سألها :
" لِمَ لم تنامي حتى الآن ؟ "
هتفت بحماس غافلة عن تعليماته الصارمة : " كنت أتابع دراما تركية ، يا إلهي مازن لو ترى البطل كم هو و سيم و حنون و كيف يتعامل مع البطلة " .
انقلبت ملامحه و هو يستمع إليها و هتف من بين أسنانه : " لن تتابعي هذا المسلسل ثانية " .
عقدت حاجبيها بضيق : " لماذا ؟ "
فرد ببرود : " لأنني أريد هذا " .
" و لكن مازن " .
هتف بحدة على الرغم من خفوت نبرته : " لا نقاش تومي .. لن تشاهديه مرة أخرى " .
تأففت بنزق و قفزت من على السطح الرخامي و اتجهت إلى الغرفة دون أن تتحدث معه ..
فهي و إن كانت غاضبة بسبب تحكمه ، إلا أنها ستنفذ أمره !
**********
صباحاً
بدأ يبعد خصلات شعرها عن وجهها و هو يهمس :
" هيا تومي ، ستتأخرين على الجامعة " .
تقلبت بكسل و هي تهمهم : " لا أريد أن أذهب " .
هتف بحدة زائفة يدرك خوفها منها : " هذا بسبب سهركِ على جهاز الحاسب ، لذا سأسحبه منكِ حتى تنتهي السنة الدراسية " .
قفزت من على السرير حالما سمعت كلماته و هي تقول باندفاع : " لا داعي لهذا .. لقد استيقظت .. دقائق و سأكون جاهزة " .
ابتسم و هو يخرج من الغرفة : " لا تتأخري " .
تأففت بحنق و هي تبدأ في الإستعداد ليومها و بداخلها أمنية أن تعود إلى النوم مرة أخرى ..
صدح صوت هاتفها المحمول معلناً عن وصول رسالة جديدة ، فالتقطته لتجدها من صديقتها يمنى تخبرها فيها عن حفلتها التي ستقيمها اليوم و تؤكد عليها الحضور ..
ابتسمت بحماس فهي كانت بحاجة إلى مثل هذه الحفلة للتمتع و إزاحة الملل ..
هبطت الدرجات بسرعة و دلفت إلى حجرة الطعام ، قبلت والدتها و ذهبت لتقبل والدها ثم احتضنته قائلة :
" صباح الخير حبيبي " .
أبعدها عنه بمشاكسة و هو يقول : " ماذا تريدين يا صغيرة ؟ "
جلست بجانبه و هي تشير بإصبعيها السبابة و الإبهام و ابتسمت بحماس : " أريد شئ صغير و لن يكلفك الكثير " .
رفع حاجبيه بتساؤل : " و ما هو ؟ "
أمالت برأسها قليلاً و قالت ببراءة : " حفل ميلاد صديقتي اليوم و أريد أن أذهب .. و بالتأكيد بعض النقود لأشتري لها هدية " .
نظر لها مازن باستغراب .. فهي لم تخبره بأمر هذه الحفلة من قبل .. و شعر بالغضب من ذلك ، و مع ذلك انتظر بصبر طامعاً أن يرفض والده و لا يضطره لأن يعلن رفضه ..
تظاهر طه بالتفكير لبضع ثواني جعلت الترقب يحتل ملامحها ثم هتف : " موافق " .
صفقت بجذل و احتضنته بقوة : " أحبك أبي " .
تحدث مازن محاولاً أن تكون نبرته هادئة و لا تُظهر مدى غضبه : " أنا لست متفرغاً لآخذكِ تومي " .
تبدلت ملامحها في لحظة من السعادة إلى الحزن .. فهذه الجملة كافية لإعلان عدم ذهابها إلى الحفل ، فهتفت بحذر متمنية أن يقتنع بحديثها :
" ليصلني السائق ، أو من الممكن أن أطلب من أحد أصدقائي أن يمر و يأخذني " .
و منذ متى و هو يسمح لها بأن تذهب مع أصدقائها ، ثم أتقصد بالأصدقاء شباب أم فتيات ؟!
هتف بحزم منهياً النقاش : " لا .. لن تذهبي " .
نظر له طه بغضب ، فأبنه يكاد يخنق الفتاة من تدخلاته في حياتها و حرمانها من أبسط حقوقها
" و مَن أنت لترفض ذهابها ؟! "
ثم نقل نظراته لصغيرته : " اذهبي و استمتعي حبيبتي " .
توسعت عيونه بعدم تصديق ، لم يتخيل أبداً أن والده سيعارض قراره ، ثم كيف له أن يوافق ؟!
أ نسى أن الحفلة سيكون بها العديد من الشباب ؟
و ما أدراهم هم عما ممكن أن يحدث لها ؟
لم يتمالك غضبه فألقى بالملعقة التي يمسكها بعشوائية لترتطم بالسطح الخشبي محدثة صوت قوي ، تبعها صوت تحريك المقعد معلناً عن مغادرته ..
أغمض طه عينيه بخوف داعياً الله أن يكون ما يفكر فيه غير صحيح ، مع أن أفعال أبنه تنفي هذا و تؤكد أن ما يشعر به صحيح مائة بالمائة ، و مع ذلك ردد بداخله :
" هذه أوهام فقط ، كل شئ طبيعي و أبني بخير " .
أسرعت تسنيم وراءه بعد توديع والديها لتهتف بأنفاس لاهثة : " مازن .. مازن انتظرني " .
تجاهلها و صعد إلى سيارته ثم أغلق الأبواب كي لا تتمكن من الصعود ..
طرقت تسنيم الشباك عدة مرات حتى فتح لها لتقول باستغراب : " افتح الباب " .
هتف ببرود : " لِمَ ؟ "
قالت بنفس نبرتها : " كي تقلني للجامعة " .
ابتسم باستهزاء : " ليقلكِ السائق ، أو هاتفي أحد أصدقائكِ ليمر و يأخذكِ " .
ليقود بعدها السيارة غير مبالياً باعتراضاتها ..
زفرت أنفاسها بضيق و عادت إلى الداخل مرة أخرى و هي تطرق الأرض بعنف ..
نظر لها والديها باستغراب لتبادر هالة : " ماذا حدث ؟ "
ردت بغضب طفولي : " لقد ذهب و رفض أن يقلني إلى الجامعة " .
نهض طه و هو يلتقط مفاتيح سيارته : " لا مشكلة ، سأقلكِ أنا " .
ابتسمت بسعادة و كأنها لم تكن غاضبة منذ لحظات ، فهذه أول مرة يقلها والدها إلى جامعتها ، فمازن لم يكن يتركها تذهب مع أحد غيره ، و ساعده في هذا وجودهما معاً في نفس الجامعة ، حيث أن مازن معيد في جامعتها .. بل كليتها !
صفّ سيارته على جانب الطريق ، لقد تظاهر أمامها بالمغادرة ، و لكنه بالتأكيد لن يذهب و يتركها دون أن يطمئن عليها ..
دقائق مرت ليجد سيارة والده تخرج من المنزل ، تنهد و هو يقوم بتشغيل السيارة و يتبعهما من بعيد ..
صفّ سيارته مرة أخرى و لكن هذه المرة بسرعة ليلحق بصغيرته ، سار ورائها على بعد خطوات صغيرة منها حتى اطمئن على دخولها إلى المدرج دون أن يتعرض لها أحد ، ليستدير هو و يذهب إلى مكتبه و يبدأ في مباشرة عمله .
**********
طرقت الخادمة باب الغرفة بهدوء و هتفت بنبرة عملية معتادة : " سيدة أسيل .. إنه موعد الإفطار .. الجميع ينتظركِ بالأسفل " .
دقائق مرت دون أي رد منها أو حتى إصدار صوت يدل على إستيقاظها ، فكررت الخادمة ما فعلته مرة أخرى دون كلل ، و لكن هذه المرة كانت الطرقات أشد قوة لعلها تصل إلى أحلام سيدتها و تنتزعها منها ..
" سيدتي .. هلا استيقظتِ رجاءً " .
تنهدت بقوة و يبدو أن صبرها على وشك النفاذ ، و هذا ظهر بوضوح في نبرتها التي تعالت قليلاً مُظهرة ضجرها ..
" سيدة أسيل .. إنها التاسعة " .
و تابعت بداخلها بحنق : " لو كانت تسمح لي بدخول غرفتها لمّا كنت سأستغرق كل هذا الوقت لإيقاظها " .
داخل الغرفة
تأففت من صوت خادمتها و الذي أفسد عليها نومها ، فتحت عيونها بكسل لتصطدم بالظلام الدامس من حولها ..
تمطت بجسدها ثم نهضت و أبعدت الستائر لينتشر الضوء في غرفتها ..
وصلها صوت الخادمة لتتذكر أنها لم ترد عليها بعد فصاحت : " لقد استيقظت ، يمكنكِ المغادرة " .
أغمضت الخادمة عينيها براحة و هتفت قبل أن ترحل : " لا تتأخري سيدتي فالجميع في انتظاركِ " .
ابتسمت بسخرية ؛ و كأنها تهتم لهم !..، فلينتظروها لسنة قادمة حتى .. فهي لم تطلب منهم هذا ..
التقطت هاتفها و فتحت الموسيقى و بدأت بممارسة بعض الرياضة الخفيفة تنشيطاً لجسدها ، ثم دلفت إلى الحمام لتخرج بعد فترة و المياه تقطر من شعرها ..
بدأت في تجفيفه لترتدي بعدها ملابس شتوسة ثقيلة نظراً لبرودة الجو ..
نظرت لنفسها في المرآة .. بشرتها البيضاء .. و وجنتيها المتوردة بحمرة طبيعية .. شعرها الأشقر الذي يغطي نصف ظهرها .. و عيونها الخضراء بلمعة حزن توضح ما يسكن قلبها .. ابتسمت بحزن ثم التقطت هاتفها مرة أخرى .. و هذه المرة كي تتصل بعمها كعادتها كل صباح !
و بعد ثواني وصلها صوته و هو يقول : " السلام عليكم صغيرتي الغائبة ، لو تعلمين مقدار شوقي إليكِ " .
ابتسمت و هي تردد معه هذه الجملة ، فهذه أولى الكلمات التي تخرج من شفتيه عندما تحدثه ، و على عكس المرات السابقة التي كانت تبث فيها اشتياقها له و لزوجته و انتظار اللحظة التي ستعود فيها إلى وطنها .. هتفت بمشاكسة :
" يسعدني أن أبلغك أنك ستشبع شوقك قريباً .. بل قريباً جداً ، فبعد شهر سأعود إلى حضنك الذي افتقده " .
تأوه بشوق و قال : " شوقي الشديد لرؤيتكِ يجعلني أشعر أنني سأموت قبل أن أضمكِ إلى أحضاني " .
قاطعته بحدة : " لا تقل هذا يا عمي ، أطال الله لنا بعمرك " .
وصلها صوته الضعيف : " الصحة لم تعد مثلما كانت يا أبنتي ، و لن أحيا أكثر من عمري " .
سقطت دموعها من دون شعور و هي تستمع إلى كلماته ، بالفعل الصحة لم تعد مثلما كانت .. ففي الفترة الأخيرة خاصة تدهورت صحة عمها بشدة ، و هذا السبب الرئيسي الذي سيجعلها تعود إلى مصر مرة أخرى بعد فراق ست سنوات ..
" بل ستحيا و ستسعد بوجود أحفادك حولك ، إن كنت غالية عليك و لي مكان في قلبك لا تقل هذا الكلام مرة أخرى " .
أحفاده .. يا لها من أمنية يتمنى أن تتحقق ، و لكن أمنيته تبدو مستحيلة .. فهو يريد أن تكون هي والدة أحفاده !
ألم نقل أن أمنيته مستحيلة ؟!
فمما لا يقبل الشك أن أسيل نست طارق و كأنه لم يكن زوجها في يوم ، و التفتت إلى حياتها و مستقبلها ..
كما أن ولده الأحمق لن يقبل بدخول أسيل إلى حياته مرة أخرى ،
بل لن يقبل بدخول أي إمرأة إلى حياته مرة أخرى !
قال بأسى : " تعلمين أنكِ غالية و أبنة غالي " .
هتفت بمرح محاولة إبعاد الحزن الذي سيطر على محادثتهم : " ها قد اعترفت بنفسك يا أبا طارق .. فلو لم أكن أبنة عبد الله لم تكن لتحبني ، لقد حطمت قلبي الصغير بحق " .
قهقه بخفة و هتف بدون تفكير غافلاً عن تأثير كلماته عليها : " بل كنت سأحبكِ ، ألستِ زوجة أبني ؟ "
تجمدت و احتل البرود ملامحها .. و خنجر قاسي يُغرز في قلبها و هو يصيح بألم : " لا .. لست زوجته ، أنا طليقته " .
و بالفعل تفوهت بهذه الكلمات ، إلا أنها قالتها بنبرة خاوية باردة .. لا توضح ألم قلبها ، بل توحي لمستمعها بعدم تأثرها بالأمر :
" تقصد طليقته يا عمي " .
حينها انتبه محمد لما تفوه به ليشعر بالندم يتآكله على تسرعه و حماقته : " أعتذر صغيرتي " .
سرعان ما تمالكت نفسها و عادت إلى مرحها هاتفة : " أخبر خالتي أنني أشتقت كثيراً للطعام المصري .. خاصة الطعام الذي تطهوه بيدها " .
غمرته الراحة عندما تغافلت عن حديثه فهتف مجارياً إياها في مرحها : " ستطهو لكِ كل ما تحبيه " .
ابتسمت و كادت أن ترد عليه ، إلا أنها سمعت صوت خطوات تقترب من غرفتها ، فهتفت منهية المكالمة : " أرسل إليها تحياتي ، و سأراكم قريباً بمشيئة الله " .
فودعها قائلاً : " انتبهي إلى نفسكِ صغيرتي " .
" دعواتك عمي " .
قالتها و أغلقت الخط .. لتزفر أنفاسها بضيق مدركة لما سيحدث الآن ..
و بالفعل حدث ما كانت تخشاه ، فخلال لحظات اقتحم شاب غرفتها .. شاب طويل القامة ذو أعين خضراء و شعر أشقر داكن و جسد رياضي ، اقتحم غرفتها بوقاحة دون أن تسمح له !
وقف أمامها و ابتسامة خبيثة تعتلي شفتيه و عيونه تتفحص جسدها بجرأة ..
اقترب منها ببطء زرع الخوف في قلبها حتى أصبح لا يفصل بينهما سوى أنشات صغيرة و همس :
" لقد بعثتني سوزي لأحضركِ ، فلقد تأخرتي كثيراً " .
ابتلعت ريقها بقوة و هتفت بتلعثم : " إذاً هيا حتى لا نتأخر عليهما " .
حاولت التحرك إلا أنه دفعها بقوة فارتطم ظهرها بالجدار و تأوهت بألم ..
وقف أمامها و همس بجانب أذنها : " بإمكاننا أن نتأخر قليلاً أسولتي و لا أعتقد أن أحد سيمانع " .
ثم هبط ليقبل وجنتها .. قبلة طويلة .. راغبة !
أغمضت عينيها بتقزز و على الرغم من ارتعابها إلا أنها هتفت بقوة ظاهرية و يدبها تحاول دفعه بعيداً عنها : " إدوارد .. ابتعد عني " .
همس بافتنان و كأنه لم يسمعها : " أنتِ جميلة أسيل .. جميلة جداً ، و كم أتوق لأحصل على هذا الجمال " .
ثم حرك يديه ليتلمس جسدها بجرأة .
اشمئزاز .. تقزز .. خوف
هذا ما كانت تشعر به في هذه اللحظة ، و إن كانا الإشمئزاز و التقزز ظاهرين على ملامحها بوضوح ، فإن الخوف لم تكن لتسمح له بالظهور حتى لا يستغلها الماثل أمامها ..
و عندما شعرت بيديه تقترب من جسدها انتفضت بعنف و استدعت كل قوتها لتدفعه بقوة ثم ركضت بعيداً عنه .. هرباً منه ..
هرباً من إدوارد تشارلي !
إدوارد تشارلي .. ولد زوج أمها تشارلي .. و السبب الثاني لرحيلها من هنا ، فهو لا يترك فرصة إلا و تعدّى عليها راغباً في أن يحصل على جسدها ، و كأن جسدها ملكاً له و لأمثاله ! هبطت الدرجات و اتجهت لتجلس مع والدتها و زوجها على المائدة ..
" تأخرتي نصف ساعة عن موعد الوجبة " .
يا إلهي كم تكره هذه المواعيد .. فللطعام موعد محدد .. و للنوم موعد محدد .. و للخروج موعد محدد .. لا ينقصها سوى أن يحددوا موعداً للتنفس !
انضم إدوارد إليهم و أتخذ المقعد المقابل لمقعد أسيل ، ألقى إليها نظرة متوعدة و كأنه يقول : " سأظل ورائكِ حتى أحصل عليكِ و لن تهربي مني " .
بينما أبتسمت أسيل باستهزاء و ألقت عليه نظرة قوية لا مبالية مع أنها بداخلها ترتجف ذعراً ..
تابعت سوزان غير عابئة بنظراتهما إلى بعضهما : " لِمَ تأخرتي ؟ "
" كنت أتحدث مع عمي " .
جزت على أسنانها بغضب .. لقد حذرت ابنتها الحمقاء أكثر من مرة بعدم التحدث مع أي أحد من عائلة والدها ، و لكنها تصر على التواصل معهم .. بل أنها قررت العودة إليهم بعذر أن عمها مريض !..، و لكنها لن تسمح بهذا و لن تعيدها إلى هناك ، فهي لن تلقي بأبنتها في هذا المجتمع المتخلف ، فقط على إدوارد الإسراع بخطتهما !
" إذاً المرة القادمة .. عندما تتحدثين معه .. انتبهي للوقت " .
لم ترد عليها و شرعت في طعامها بهدوء و تفكيرها منصب على عمها و صحته ، لو كان بيدها لكانت أسرعت إليه فور أن طلب رؤيتها و لكن والدتها مَن منعتها بعذر أنها استلمت مشروع في شركتها و عليها تنفيذه قبل رحيلها ، و لم تكن تعلم أن هذا المشروع ليس سوى عذر تبقيها به معها حتى تجد طريقة تمنعها بها من العودة إلى وطن والدها ..
**********
تنهد بشوق بعدما أغلقت الخط .. كم أشتاق لها و لوجودها .. و كم هو نادم على عدم إعادتها إلى عصمة طارق ، على الأقل كانت ستكون الآن معه و مطمئن عليها ، زفر أنفاسه بضيق و هو يتذكر تلك اللحظة عندما أخبرته أسيل بطلاقها ..
أنت تقرأ
لست أبي (كاملة)
Romance"هل لي أن اعلم ما الذي فعلتِه؟ كيف ترفضين الزواج من إسلام؟ ألا تعلمين ماذا فعلت لكي يقبل الزواج بكِ؟" شعرت بقبضته القوية على ذراعها، همست متأوهة بألم، تحاول تحرير ذراعها دون جدوى.. تجاهلت ألمها عندما سمعت توبيخه لرفضها لإسلام، برقت مقلتاها بالتحدي،...