الفصل السابع عشر

11.6K 430 38
                                    

50 vote + 35 comment = New part

ملحوظة: أنا نزلت اقتباس من الفصل الصبح على صفحتي، فاللي تحب تتابع الاقتباسات تعملي فولو

🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
🌸🌸🌸🌸🌸

انتظرت مشيرة حتى خرج إسلام من شقته .. فابتسمت بمكر و اتجهت إلى شقة هبه لتبثها بعض سمومها التي تؤثر على الأخيرة سلبياً !
فعلى الرغم من مرور سنوات إلا أن غيرتها من هبه لم تقل ، بل على العكس ازدادت و هي ترى هبه تعيش هانئة البال مع زوج يحبها و أطفال يملئون عليها حياتها .
مع أنها إن نظرت لنفسها سترى أنها تحظى ما تحظى به هبه ، فهي أيضاً لديها زوج يعشقها و ينفذ كل أوامرها و أطفال من المفترض أنهم كل حياتها ، إلا أن غيرتها من هبه لم تجعلها تنظر إلا لما لا تمتلكه ..
طرقت الباب و بداخلها العديد من الأفكار و التي إن صرحت بواحدة منهم لهبه ستتسبب في تعاستها لباقي اليوم و ربما لأيام قادمة !
فتحت هبه الباب بسرعة ظناً منها أن حبيبها نسى شيئاً و عاد ليأخذه ..
انقلبت ملامحها عندما رأت مشيرة تقف أمامها بغرور و ابتسامة شيطانية مرتسمة على شفتيها ..
" أنرتِ يا زوجة أخي " .
دلفت مشيرة إلى الداخل بأريحية متفحصة الشقة بدقة و كأنها تحاول اكتشاف التغييرات التي أُجريت عليها منذ أخر مرة كانت بها ، لتجلس بعدها إلى أحد المقاعد و تقول :
" لقد خرج محمود منذ ساعات و شعرت بالملل فقررت أن آتي و أجلس معكِ لنتسلى " .
و هل التسلية تكون عن طريق السخرية مني و الشماتة بي ؟!
هذا ما كانت تفكر به هبه و هي تستمع إلى مشيرة ، و مع ذلك لن تستطيع التخلص منها أو طردها من منزلها ، لأن زوجة شقيقها ستستغل هذا التصرف و تخبر شقيقها و بالتالي ستسوء العلاقة بينها و بينه أكثر مما هي سيئة !
" خير ما فعلتِ حبيبتي " .
لتلتفت متجهه إلى المطبخ و هي تقول : " سأحضر شيئاً لنشربه " .
لحقتها مشيرة قائلة : " فلتعدي مشروب بارد " .
ثم أخذت تتصرف و كأن الشقة شقتها فاتجهت إلى الثلاجة لتفتحها و أخرجت منها بعض قطع الكعك !
" لديكِ كعك أيضاً .. رائع ! "
لم تنزعج هبه من تصرفاتها .. بل على العكس تمنت أن تستمر على هذا و لا تطلق سمومها المعتادة على إطلاقها ..
خرجا من المطبخ سوياً ؛ هبة تحمل صينية عليها كوبين من عصير المانجو الطازج .. و خلفها مشيرة تحمل صحن به قطع الكعك .. و واحدة منهما في يدها تتذوقها ..
حالما جلسا هتفت مشيرة بمكر : " أخبريني كيف حالكِ ؟ "
تنهدت هبه بداخلها داعية الله ألا يكون هذا السؤال بداية لشئ سيزعجها ..
" الحمد لله " .
ارتخت مشيرة في جلستها و هتفت : " أرى أن إسلام أصبح يخرج كثيراً في الأونة الأخيرة " .
ما الذي تقوله هذه الحمقاء ؟!
" عفواً ؟ "
ابتسمت مشيرة بسماجة و ربتت على فخذ هبه و قالت : " لا تفهميني خطأ حبيبتي ، أنا لاحظت خروجه الكثير في الفترة الأخيرة فأحببت أن أنصحكِ و أنبهكِ ، فأنتِ ابنة عمي و كشقيقتي " .
رفعت هبه أحد حاجبيها بتعجب : " و ما الذي ستنصحيني به يا زوجة أخي ؟ "
ابتسمت مشيرة بمكر و قالت : " الرجل عندما يكثر خروجه من المنزل تاركاً زوجته و بناته .. فهذا لا يعني سوى شئ واحد " .
هتفت هبه بارتياب : " و ما هو ؟ "
" أنه على علاقة بإمرأة أخرى " .
شحبت ملامح هبه و هتفت بعدم تصديق : " لا .. مستحيل " .
ابتسمت مشيرة بانتصار عندما رأت تغير ملامحها و قالت : " ليس مستحيلاً حبيبتي ، فالرجال لا يمكن توقعهم " .
نفت هبه بتصميم : " إلا إسلام .. من المستحيل أن يفعل هذا " .
و على الرغم من تصميمها إلا أن مشيرة لم تفقد الأمل في بث الشك في قلبها ، فشخصية شقيقة زوجها واضحة بالنسبة إليها و تعلم كيف تقنعها بما تريد ..
" حسناً حبيبتي و لكن لا تتفاجئي إن دلف إليكِ في يوم مع زوجته الأخرى " .
هتفت هبه بصرامة و إن كان يتخللها بعض الشك : " اصمتي يا مشيرة .. لا تقولي هذا عن إسلام .. هو لن يفعلها " .
لتبتسم مشيرة بشيطانية و تهتف : " و لِمَ لا يفعلها ؟ ، فهو ما زال في صحته و شبابه و الكثير من الفتيات يتمنين أن يشير لهن ليركعن تحت قدميه " .
و أردفت بلؤم : " و الدافع موجود .. أن يحصل على ولد ، فأنتِ لم تمنحيه سوى الفتيات و اللاتي لن يُبقين اسمه إلى الأبد " .
و إن كان الشك و الخوف ازدادا في قلب هبه ، إلا أنها لن تجعل مشيرة تشعر بهما و تشمت فيها ..
" هل تعرفين شيئاً لا أعرفه يا مشيرة ؟ "
اضطربت مشيرة للحظات : " ماذا ؟ "
لتقول هبه موضحة : " هل رأيتِ إسلام مع إمرأة أخرى أو سمعتي عنه شئ جعلكِ تأتي إليّ اليوم لتحذريني ؟ "
صرّحت مشيرة بصدق : " لا " .
حينها ظهر غضب هبه حيث هدرت : " إذاً على أساس تقولين هذه الخرافات ؟ "
رددت مشيرة ورائها : " خرافات " .
لتزم شفتيها بضيق مصطنع : " سامحكِ الله يا هبه " .
تنهدت هبه بقوة محاولة تهدأة نفسها و إزاحة الخوف من قلبها فمن الواضح أن زوجة شقيقها تنسج القصص و السيناريوهات للإيقاع بينها و بين زوجها ..
" أنا لا أقصد الإساءة إليكِ يا مشيرة ، و لكن أزعجني ما تدعيه على إسلام دون وجود أي دليل " .
عبست مشيرة بملامحها و قالت : " لقد أحببت أن أنصحكِ حبيبتي ، إن أخذتِ بنصيحتي كان بها و إن لا فلقد فعلت ما عليّ و لست مسئولة عما من الممكن أن يحدث لكِ " .
و أردفت : " عليكِ بمراقبة تصرفات زوجكِ جيداً لتتدخلي في الوقت المناسب و تمنعين الكارثة قبل أن تحدث " .
لتنهض بعدها قائلة : " سأعود إلى بيتي فمحمود على وشك العودة ، أراكِ على خير حبيبتي " .
نهضت هبه بدورها و قبلتها بشرود ، فتيقنت مشيرة أن حديثها أثر على هبه - كما المعتاد - و أن مهمتها قد نجحت !
**********
" أسيل قد عادت !..، هذا أفضل خبر سمعته اليوم " .
ليردف و هو يلاحظ ملامح صديقه المتجهمة : " على عكسك ، فعلى ما يبدو أنك لم تسعد به " .
قال طارق بشرود : " بالعكس .. سعدت كثيراً .. على الأقل الآن سأكون مطمئناً عليها " .
رفع إسلام أحد حاجبيه باستغراب : " مطمئناً عليها !..، تتحدث و كأنك تخاف عليها حقاً " .
قال طارق باندفاع : " أنا بالفعل أخاف عليها " .
صمت إسلام باستفزاز .. ليقول طارق : " ماذا ؟ "
رد إسلام باستفزاز : " لا شئ أنا فقط مستغرب من إدعائك بالخوف عليها و أنت لم تسأل أو تتحدث عنها منذ أن سافرت " .
هتف طارق بتبرير غير مقبول : " أبي كان على تواصل معها " .
ليقول إسلام بحدة : " و لكنك لم تسأل أباك يوماً عنها " .
زفر طارق أنفاسه بقوة : " إلى أين تريد أن تصل ؟ "
هتف إسلام بهدوء : " إلى مشاعرك " .
ردد طارق بعدم فهم : " مشاعري ؟ "
قال إسلام بنفس نبرته الهادئة : " نعم مشاعرك اتجاه أسيل ، و هل نسيت نشوى أم لازلت تحمل لها مشاعر خاصة ؟ "
صاح طارق بحدة : " لا تنطق أسمها لا أريد سماعه " .
" أ يعني هذا أنك نسيتها أم لا ؟ "
تنهد طارق و قال : " لا أعلم .. و لكن ما فعلته صدمني .. جعلني أشعر أنني طوال عمري كنت مخدوع فيها " .
ليصدر تنهيدة أقوى و يقول : " و مع ذلك أشعر أنني لازلت أحمل لها مشاعر خاصة و هذا يزعجني بشدة " .
تدخل إسلام قائلاً : " هل تشتاق إليها .. هل تندم على طلاقك لها ؟ "
هتف طارق بدون تفكير : " لا " .
و أردف بحيرة : " أ تقصد ؟ "
ليصمت بعدها مفكراً إن كان ما فهمه صحيح أم لا ..
قال إسلام بهدوء واضعاً طارق في مواجهه أمام نفسه و مشاعره : " أنت لا تحبها طارق .. على الأقل منذ ما حدث ، لقد تحولت مشاعرك اتجاهها من دون أن تدرك ، ربما هذا يرجع لرفضك تصديق ما فعلته " .
و أردف بحذر : " عليك نسيان ما حدث و ما صدر منها .. لقد كانت مرحلة في حياتك و انتهت .. فلتفكر في مستقبلك " .
سيطر الصمت لدقائق على جلستهم ؛ طارق يفكر فيما قاله صديقه و يحاول تحليل مشاعره ، و إسلام يراقب ملامحه بدقة محاولاً اكتشاف ما يفكر فيه ..
" و ماذا عن أسيل الآن ؟ "
تفاجأ طارق من سؤال صديقه و نظر إليه بارتياب : " ماذا عنها ؟ "
تساءل إسلام : " كيف ستكون حياتها في الأيام القادمة ؟
و هل ستمكث معكم أم ستبحث عن سكن لحالها ؟ "
هدر طارق بقوة : " مستحيل " .
رفع إسلام أحد حاجبيه باستغراب : " ما الذي مستحيل ؟ "
هتف طارق من بين أسنانه : " مستحيل أن أوافق أن تأخذ سكن لحالها " .
ابتسم إسلام بسخرية : " و هل ستخضع هي لقرارك ؟ "
قال طارق بثقة : " بالطبع " .
عقد إسلام حاجبيه و قال : " من أين لك بهذه الثقة ؟ "
قال طارق بنفس النبرة : " لم تخالف أسيل أي قرار لي من قبل " .
و لكنها لم تعد كما كانت !..، لقد قضت ست سنوات من عمرها بالخارج بنت فيهم شخصية مستقلة .. قادرة على الإعتماد على نفسها ، و لم تعد تلك الطفلة التي كانت تبحث عن الأمان بأحضانك !
هذا ما كان يفكر فيه إسلام .. و ما احتفظ به لنفسه و لم يصرح به لطارق ، فلقد فضّل أن يكتشف صديقه شخصية أسيل و التطورات التي حدثت فيها بنفسه .
**********
عاد إسلام إلى منزله فوجد حبيبته تقف في استقباله و على وجهها ابتسامة بشوشة و لكنه لم ينتبه لكونها مصطنعة !
" أين البنات ؟ "
" تقوى و إيمان غفيا منذ دقائق و لارا صعدت إلى علاء " .
هتف باستغراب : " بت أشعر أن منزل علاء هو منزلها .. ليس هذا " .
قهقهت هبه بخفة : " ما بك ؟ ، طبيعي أن تقضي معظم وقتها معه .. فأعمارهما متقاربة .. كما أن علاقتهما كعلاقة صديق بصديقته .. ليس عم بأبنة شقيقه " .
جلس إسلام ثم قال : " أعلم هذا و لكنها تقضي معظم يومها معه ، و أخشى أن يؤثر هذا على دراستها " .
ربتت على يده بحنو : " لا تقلق من هذه الناحية ، فلارا ذكية .. كما أنها تعشق دراستها " .
و أردفت بشك حاولت بقدر الإمكان إخفائه : " أين كنت ؟ "
رد إسلام غير منتبهاً لنبرتها : " كنت مع طارق " .
ليستقيم بعدها و يتجه إلى غرفتهما ..
لتبقى هبه لحالها تحاول إقناع نفسها بأن حديث مشيرة لا أساس له من الصحة و أن حبيبها من المستحيل أن يخونها !
**********
لقد كبرت طفلته .. كبرت و ازدادت جمالاً .. و أصبح الرجال يتقدمون لطلب يدها !
أغمض عينيه متذكراً أخرى .. أخرى خطفها القدر منه منذ سنوات و بدون سابق إنذار ، ليجعله يتذوق مرارة الفقد و الحرمان ..
ترى لو كانت الآن على قيد الحياة ؛ كيف من الممكن أن يكون شكلها ؟
و بأي جامعة التحقت ؟
تمتم : " استغفر الله العظيم " ، مبعداً هذه الأفكار عن عقله ..
لينظر إلى تسنيم ؛ طفلته التي سلبت لبه منذ أن قامت زوجته بكفالتها ، مَن أقسم على أن يعوضها الظلم و الحرمان التي لاقته في الدار ..
مَن كانت له نعمة الأبنة و يتمنى أنه نعم الأب لها ..
إلا أنه و على ما يبدو أنه على وشك فقد هذه الابنة .. و لكن هذه المرة بطريقة مختلفة ، ربما لا يكون فقد بما تعنيه الكلمة ، إلا أنه و إذا تم الموضوع .. ستترك طفلته منزله .. سيكون لها حياة أخرى .. و منزل أخر !
لا لن يستبق الأحداث و يفكر في هذا ، عليه أولاً السؤال عن الشاب و أخلاقه .. و إن كان يستحق أن يأخذ جوهرته أم لا !
" مازن .. أريدك في المكتب " ، قالها طه ثم نهض متجهاً إلى مكتبه .
ليستقيم مازن و يتبعه و فضوله يأكله لمعرفة ما يريده منه والده ..
حالما جلس أمامه قال والده مباشرة : " هناك من تقدم لتسنيم " .
تقدم !
ما معنى هذه الكلمة ؟
فبالتأكيد ما فهمه ليس صحيحاً !
" كيف ؟ "
تحدث طه بهدوء : " صديقي في العمل طلب يد تسنيم لأبن شقيقه " .
ليخرج بعدها ورقة من درج مكتبه و يعطيها لمازن و هو يقول : " هنا ستجد اسم الشاب و مكان عمله و منزله ، لنسأل عليه أولاً .. و إن كان مناسباً سنرتب له لقاء مع تسنيم " .
ألقى مازن الورقة بإهمال و قال : " و لكن أبي .. تسنيم لا زالت صغيرة " .
ابتسم طه بحنو ثم قال : " لقد أتمت الثامنة عشر منذ أشهر و أنت لازلت تراها صغيرة ؟ "
و أردف مطمئناً إياه : " ثم لا تقلق من هذه الناحية .. فلن يتم الزواج إلا بعد أن تتم تسنيم دراستها " .
زواج !...، و كأن الموضوع محسوم !
" ما رأي تسنيم في هذا ؟ "
هتف طه بهدوء : " لن نخبرها إلا بعد أن نسأل عن الرجل " .
تمعن طه في ملامح أبنه ثم قال : " أرى أن هناك ما تود قوله " .
ابتلع مازن ريقه ثم هتف بتوتر : " ماذا إن أذاها ؟ "
ردد طه بعدم فهم : " أذاها ؟ "
قال مازن بتردد : " أعني أنه .. ماذا إن ضربها أو صرخ عليها أو لم يستطع حمايتها " .
ليردف بتقرير : " تسنيم لا زالت صغيرة على تحمل مسئولية كهذه " .
رفع طه حاجبيه بعدم اقتناع : " أخبرتك أنه لن يتم الزواج إلا بعد أن تتخرج ، ثم أن هذا الحديث سابق لأوانه .. يتوجب علينا السؤال عن الشاب أولاً .. و بعدها نفكر و نقرر " .
و تابع بأمر : " أبدأ بالسؤال عنه من الغد " .
عبس مازن بملامحه بعدم رضا و بداخله نفور من هذا الشاب .. قبل أن يراه أو يسأل عنه حتى !
**********
صباح اليوم التالي
زفرت تسنيم أنفاسها بقوة ثم مالت لتفتح راديو السيارة ، و بعد ثواني أغلقته و فتحت الموسيقى آملة أن يخرج مازن من صمته المريب ..
إلا أن مازن ظل محتفظاً بصمته .. لم يشاكسها أو يعنفها كعادته مما جعلها تشعر بالحيرة ..
أمالت برأسها مضيقة عينيها محاولة اكتشاف ما هَمّ به ..
بالتأكيد هو ليس غاضباً منها .. لسببين ..
الأول .. لأنها لم تفعل شئ أغضبه ، هي متيقنة من هذا !
و الثاني .. لأنه إن حدث و خالف شكوكها و كان غاضباً منها ، لصاح بوجهها و عنفها .. لا يصمت بهذه الطريقة الغريبة !
إذاً سبب غضبه بعيد عنها ..
عقدت حاجبيها بتفكير ؛ إن كانت ليست السبب في غضبه ، فما السر وراء ملامحه المتجهمه في بداية اليوم ؟
" مازن ، ماذا هناك ؟ "
لقد أكد عليه والده قبل خروجه من المنزل أن يسأل عن هذا العريس الذي يريد الزواج من صغيرته ، تباً ، لِمَ والده لا يقتنع برأيه ..لِمَ لا يصدق أن صغيرته لا تستطيع تحمل مسئولية بيت و زوج ؟
أنتزعته تسنيم من أفكاره بسؤالها القلق ، فجاهد ليرسم ابتسامة على شفتيه و قال :
" أ هناك مشكلة حبيبتي ؟ "
هتفت تسنيم بارتياب : " من الواضح أن المشكلة لديك .. و ليس لديّ " .
تظاهر بالاستغراب و قال : " لديّ أنا ؟ ، إطلاقاً .. لا يوجد أي شئ " .
استغلت تسنيم توقفهم عند الإشارة .. و اقتربت منه جاذبة وجنتيه بمداعبه : " إذاً ليس هناك داعي لهذا العبوس " .
قهقه مازن على حركتها الطفولية .. ليشرد بعدها مفكراً أنه إن حدث و تزوجت سيفتقد وجودها .. حركاتها و تصرفاتها .. سهرهما سوياً و إطعامه لها المعكرونة المفضلة إليها ، يا إلهي .. كيف سيستطيع العيش من دونها ؟!
عاد التجهم ليحتل ملامحه من جديد ، فتنهدت تسنيم بيأس .. فكل محاولاتها لإخراجه من حالته الغريبة قد باءت بالفشل !
**********
صفّ سيارته في الجراج الخاص بالجامعة ، و استوقف تسنيم قبل أن تنزل :
" اليوم ستخرجين في الثالثة ، صحيح ؟ "
لم تعلم تسنيم إن كان هذا سؤالاً أم جواباً .. حيث أن مازن يحفظ جدولها عن ظهر قلب ، إلا أن الترقب الواضح على ملامحه جعلها تجيب : " نعم " .
هتف مازن بهدوء : " من المحتمل أن أغادر بعد الظهر ، فإن خرجتي و لن تجدينني " .
قاطعته بسعادة بادية على ملامحها : " أغادر لحالي " .
ظهر الرفض على ملامحه و قال بحزم : " بل تنتظريني .. سآتي لأقلكِ إلى المنزل " .
ارتخت ملامح تسنيم بخيبة أمل ، و مع ذلك هتفت مستعطفة : " و لِمَ تُتعب نفسك في العودة إلى هنا مرة أخرى من أجلي ؟ ، أستطيع العودة لحالي " .
لم يتراجع مازن عن قراره .. بل هتف منهياً الموضوع : " سأحاول ألا أتأخر عليكِ " .
ليترجل بعدها من السيارة فتلحقه تسنيم زافرة أنفاسها بغضب ..
و كعادتها عندما تدخل إلى الجامعة كل يوم ، ألقت تسنيم نظرة سريعة باحثة عن أصدقاء حبيبها .. فلربما كان معهم !
و بالفعل .. لمحته واقفاً معهم .. يدعي التركيز في شئ ما يقوله صديقه بينما عيونه مركزة عليها و نظراته تكاد تأكلها !
ابتسامة عاشقة ارتسمت على شفتيها ، لتلتفت إلى شقيقها و تقول بهدوء زائف : " سأذهب لصديقاتي أخي ، أ تريد مني شيئاً ؟ "
عقد حاجبيه بتساؤل : " أ ليس لديكِ محاضرة الآن ؟ "
تأففت بضجر : " بالله عليك .. ستبدأ المحاضرة في التاسعة .. يتبقى ربع ساعة " .
لاحظ الانزعاج الذي بدى عليها فابتسم لها قائلاً : " حسناً .. افعلي ما تريدين " .
انفرجت ملامحها في لحظة و قالت : " أراك مساءً " .
لتركض بعدها إلى صديقاتها ..
انتظر لدقائق قليلة ينظر إليها .. يتأملها .. و يتأكد من عدم تعرض أحدهم لها !...، و عندما اطمئن عليها استدار ذاهباً إلى مكتبه ..
تنهدت بقوة عندما رأته يبتعد ، انتظرت قليلاً حتى تأكدت من ابتعاده لتلتفت إلى حبيبها مبتسمة ، وجدته يغمز لها و يتحرك لتتبعه بسعادة ..
ذهبا إلى مكانهما الخاص .. مكان بعيد بعض الشئ لا يتواجد فيه من الطلاب إلا القليل ، و هذا ما كانا يريدانه حتى لا يكتشف مازن علاقتهما !
وقفت أمامه و قالت بتحذير : " لقد كان مكانك اليوم مكشوف ، خشيت أن يراك مازن و تحدث كارثة " .
التقط يدها .. و نظر إليها مبتسماً و قال : " لا تقلقي حبيبتي .. ثم حتى و إن رآني فأنا هنا لرؤية أصدقائي ، و لقد أوضحت له من قبل أن لديّ أصدقاء من دفعتكِ " .
همهمت بعدم اقتناع ، ثم سألته باستغراب : " صحيح .. ما الذي جاء بك اليوم ؟ "
لتتابع بشرح : " صحيح أنها مفاجأة جميلة إلا أنك لم تخبرني بالأمس بأنك ستأتي " .
تذكر حينها سيف ما عرفه بالأمس .. لتنقلب ملامحه إلى الغضب و يقول : " ماذا فعلتي مع العريس ؟ "
و أردف بعصبية : " و لِمَ لم تخبريني أنه هناك مَن تقدم لطلب يدكِ ؟ ، أم ليس عليّ أن أعلم ؟ "
ليعلو صوته و هو يقول : " أم رأيتيه و أعجبكِ و ستوافقين عليه ؟ "
تفاجئت من هجومه عليها .. و لم تفهم أي كلمة مما قالها ، أو أنها فهمت و لكنها لم تستوعب كلماته !
فأي عريس هذا الذي يتحدث عنه ؟
لمَن تقدم ؟ ، و مَن التي ستوافق عليه ؟
اكتسى الذهول ملامحه و هتف بعدم تصديق : " ماذا هل حديثي صحيح ؟ ، هل تنوين الموافقة عليه ؟ "
تنهدت قبل أن تجيبه : " أي عريس ؟ ، أنا لا أعلم شيئاً عما تقوله " .
لم يصدقها .. فكيف لها ألا تعلم و الخبر وصل لبيته ، كما أنه متأكد أنه انتشر في باقي عائلتهما ..
" لا تكذبي يا تسنيم ، فالخالة هالة أخبرت والدتي بالأمس أن هناك مَن تقدم لخطبتكِ " .
صاحت باندفاع : " أقسم أنني لا أعلم و لم يخبرني أحد عن هذا الموضوع " .
و أردفت بلا مبالاة : " ثم حتى إن كان هذا صحيحاً .. فما المشكلة ؟ ، فأنا أستطيع رفضه " .
لتتابع بعتاب واضح : " لن أوافق عليه كما تعتقد " .
و على الرغم من ضيقه من عتابها له إلا أنه لم يستطع تمالك نفسه فقال : " و هل الموضوع بمثل هذه البساطة ؟ ، نرفضينه و يرضخون لكِ أهلكِ دون أي استفسارات ! "
يا إلهي .. إلى ماذا يريد أن يصل ؟!
مَن يسمع كلماته يظن أنه يحاول إيجاد حل للمشكلة ..
أما من يتمعن في نبرته فيرى بها إتهام ، و كأنها ستخونه و توافق على هذا العريس فعلاً !
تورد وجهها من الغضب و هدرت به : " لا تفكر في هذا فأنا أعلم ماذا أفعل " .
و التفتت معطية ظهرها له و هي تتابع : " إذا سمحت لي ، فلديّ محاضرة عليّ حضورها " .
أمسكها من ذراعها قبل أن تغادر فالتفتت له بحدة ، ابتسم لها بأسف و قال :
" لا تغضبي مني ، و لكنني صدمت عند معرفة الخبر " .
هدرت بغضب : " عليك أن تثق بي و تثق في حبي لك " .
أحنى رأسه بحرج : " معكِ حق " .
لم يستطع قلبها العاشق لومه أكثر خاصة و هي ترى الحرج الذي ارتسم على ملامحه ، فهتفت بمرح مفاجئ :
" أ يعجبك هذا ؟ ، ستبدأ محاضرتي و لم أجلس معك " .
ظهر الحزن على وجهه و لكنها بددته حين قالت :
" و لكن لا مشكلة .. لنلتقي بعد الظهر و نقضي الوقت معاً " .
لمعت عينيه بفرح : " هل ستأتين إلى المنزل ؟ "
حركت رأسها بالنفي و قالت : " لا .. سنتقابل هنا في الجامعة " .
ابتسم بسخرية لاذعة : " و كيف سنتخلص من مراقبك ؟ "
رفعت إصبعها بتحذير : " للمرة التي لا أستطع إحصاءها أخبرك ألا تخطئ في مازن " .
هتف ببراءة : " و أين الخطأ فيما قولته ؟ "
" الخطأ فيما كنت ستقوله ، أنا أعرفك جيداً " .
انتقل لموضوع أخر كي لا يغضبها : " أخبريني إذاً كيف سنلتقي ؟ "
احتلت السعادة ملامحها و هي تقول : " مازن سيخرج من الجامعة " .
هتف بسعادة لا تقل عن خاصتها : " و سأقلكِ إلى المنزل أيضاً " .
زمت شفتيها بضيق : " للأسف لا يمكن ، فمازن سيعود ليقلني " .
لتتابع قبل أن يحزن : " و لكن سيكون لدينا الكثير من الوقت لنقضيه سوياً قبل أن يأتي " .
ليس عليه أن يحزن ، فعلى الأقل سيجلس معها دون أن يسيطر على مشاعره و نظراته خوفاً من أن يكتشفه أحداً .. هذا وحده ييعث السعادة في قلبه ..
و مع ذلك لازال هناك بعض الخوف يختبئ في زوايا قلبه من موضوع العريس الذي تقدم لخطبتها ، خاصة و أنه علم من والدته أنه شاب جيد ذو أخلاق و مستوى مادي عالي ، فهتف بتوتر :
" و ماذا ستفعلين مع العريس ؟ "
ابتسمت لتطمئنه : " لا تقلق من هذه الناحية .. أنا أعرف كيف أتصرف " .
تطلعت إلى ساعتها .. فقالت بعجلة : " يا إلهي .. لقد تأخرت على المحاضرة " .
تحركت بسرعة و هي تقول : " سأهاتفك عندما أنتهي لنتقابل " .
**********
استيقظت و هي تشعر براحة لم تشعر بها لسنوات ، ليست راحة جسدية .. بل راحة نفسية .. راحة لا تجدها إلا هنا .. مع العائلة التي تضمها .. تمنحها الحب و الحنان الذي تحتاجه .. دون مقابل ..
خرجت من غرفتها و هي تطمطع بجسدها بكسل ، لتعتدل سريعاً و هي ترى طارق يخرج أمامها .. من غرفته !
ماذا حدث ؟
لِمَ هو هنا ؟
هل تشاجر مع زوجته ؟
هل تكون زوجته علمت بعودتها فتشاجرا بسببها ؟
أما عن طارق فكان يتأملها بانبهار ، متى كبرت هذه الصغيرة و أصبحت بهذا الجمال ؟
أ كان لسنوات بعدها عنهم هذا التأثير على شكلها .. و مظهرها ؟!
و هل كان لها نفس التأثير على شخصيتها أم أنها لازالت كما هي ؟!
تظاهرت أسيل بتجاهله و تحركت نحو عمها ، ليتحرك هو بدوره دالفاً إلى غرفة والده ليحضر دواء الأخير ..
احتضنت عمها و قبلته بحب ، ليسألها بحنو :
" كيف قضيتي ليلتكِ صغيرتي ؟ "
لم تكن بحاجة إلى كثير من الذكاء لتعلم أنه يريد الإطمئنان عليها بعد ما تعرضت له ، فابتسمت له بهدوء و قالت :
" بخير عمي .. لا تقلق " .
لتميل عليه و تهمس بخفوت بجانب أذنه : " لِمَ طارق هنا ؟ "
عقد محمد حاجبيه بعدم فهم ، فتابعت أسيل موضحة : " أ ليس من المفترض أن يكون مع زوجته ؟ "
ايتسامة كبيرة علت شفتي محمد .. ابتسامة كانت تحمل راحة و سعادة بالغتين ، و كأنه في هذه اللحظة تأكد أن طارق و أسيل سيكونا معاً عاجلاً أو آجلاً !
و هذا يرجع إلى مراقبته لتصرفات ابنه منذ أن وصلت أسيل بالأمس و ملاحظة التغير الذي جرى عليه ، حتى لو كان هذا التغير طفيفاً .. بسبب عودة ابنة عمه الصغيرة التي كان مسئولاً عنها مسئولية كاملة في مرحلة ما في عمرها ، إلا أنه البداية .. و بالتأكيد مع مرور الأيام سيكتشف معدن أسيل الجيد و تتحرك مشاعره نحوها ..
و من ناحية أخرى ، و على الرغم من أن أسيل منذ أن سافرت .. و خلال تواصلهما المستمر .. لم تحبذ الحديث عن طارق و معرفة أخباره أبداً .. و لم تسأل عليه و لو لمرة ، و كأنها قد أخرجته من قلبها بالفعل ، إلا أن نظراتها الخفية لطارق منذ أن وصلت .. إلى جانب نبرتها المتألمة الآن و هي تتحدث عن نشوى أثبتا له أنها لازالت تحب أبنه ..
و مع أنه يعلم ما تقصده بسؤالها ، إلا أنه تظاهر بالذهول و هو يقول : " هل تزوج ؟ ، كيف يفعلها دون الرجوع إليّ ؟ "
كان ذهول أسيل أكبر و هي تستمع إلى كلمات عمها الغير مفهومة بالنسبة لها !
فكيف لطارق أن يتزوج و هو متزوج بالفعل ؟!
" أنا لا أفهمك عمي " .
عاد ليبتسم لها بحنو : " ما الذي لا تفهميه صغيرتي ؟ "
سألته بطريقة مباشرة لترضي فضولها و تجد أجوبة على أسئلتها الكثيرة : " أين نشوى ؟ "
أجابها بغموض : " في منزلها " .
لم تكتفي أسيل بهذا السؤال فقالت : " و لِمَ لم تأتي مع طارق ؟ "
رفع أحد حاجبيه بتعجب : " و لِمَ تأتي ؟ "
هتفت بنفاذ صبر : " لِمَ ماذا عمي ؟ ، أ ليست زوجته و من المفترض أن تتواجد معه ؟ "
رد بهدوء : " هذا إن كانت زوجته ، لقد طلقها طارق منذ أربع سنوات " .
لا .. ليس صحيحاً ..
لقد أصيبت بمشكلة في السمع ، تكاد تقسم على ذلك ، و إلا كيف لطارق أن يطلق نشوى ؛ نشوى حبيبته .. مَن كان يتغنى بحبها ليلاً و نهاراً ..
لذا و بتلقائية رفعت يدها و أخذت تدلك أذنها و هي تقول : " ماذا ؟ "
كرر محمد كلماته : " لقد طلق طارق نشوى " .
قفز قلبها من السعادة و ازدادت سرعة نبضاته ، و كأنها كانت في سباق طويل و أخيراً انتهت منه ..
حينها خرج طارق من غرفة والده .. يحمل في يده أدوية الأخير الخاصة ..
التفتت أسيل إليه لتتعلق نظراتهما ..
نظراته تحمل الكثير من الحزن .. و خيبة الأمل ، نظرات رجل تعرض إلى صدمة في أقرب الناس إليه ..
أما هي فكانت نظراتها تلمع بسعادة .. و عشق .. عشق لم تراه في عينيه ، مما جعلها تُبعد عينيها عن خاصته و بداخلها تؤنب نفسها على سعادتها .. و على عشقه الذي بدأ في الظهور بداخلها من جديد ..
على مرور السنوات الماضية .. قد أقنعت نفسها أنها نسته .. أنها لم تكن تحبه .. و أن مشاعرها تجاهه كانت مجرد مشاعر مراهقة لطفلة وجدت نفسها وحيدة فجأة .. فتعلقت بأقرب الأشخاص إليها و أكثرهم صلة معها ..
أن الحب الذي عرفته بعدها من خلال الأفلام و الروايات لم يكن الحب الذي كانت تشعر به اتجاه طارق ..
أقنعت نفسها بهذه الكذبة حتى كادت أن تصدقها ، إلا أنها عندما وصلت بالأمس .. و رأته .. تيقنت كم كانت غبية عندما ظنت ذلك !
حين وصلت إلى منزل عمها كانت خائفة .. مرعوبة ، و حين فتح لها الباب تمنت أن ترتمي في حضنه .. تشكيه ما حدث لها في بعده عنها .. تخبره كم تكرهه لتخليه عنها !
لتكتشف أن كل ما كانت تخبر نفسها به كان مجرد حديث لا ينم عن مشاعرها الحقيقية ، هي تحب طارق .. لقد أحتل قلبها و سيطر على مشاعرها منذ أن ضحى من أجلها و قبل الزواج منها .. و لن تستطيع إخراجه من قلبها بسهولة !
و مع ذلك لن تظهر له أي من مشاعرها إلا بعد أن يفعل هو ، فكرامتها أهم ما لديها ..
و في غمرة أفكارها .. اقترب طارق من والده ليعطيه دوائه ..
" تفضل أبي " .
أبعد محمد رأسه و قال باشمئزاز : " لا أريد " .
حافظ طارق على هدوءه .. فلقد اعتاد على هذا الإعتراض كل يوم ..
" هيا أبي .. عليك أخذه قبل الإفطار " .
سحبت أسيل الدواء من يده دون النظر إليه ، لتبتسم في وجه عمها بدلال و تقول :
" هيا خذه عمي " .
رد لها محمد ايتسامتها و التقط الدواء من يدها ليأخذه برضا .. دون أعتراض ..
عبس طارق بملامحه و هتف : " معي أنا .. تبقى تتذمر و تأخذه بعد عناء ، و عندما تعطيه لها ابنة شقيقك تأخذه بسهولة ! "
هتف محمد بتعنيف : " و هل تقارن نفسك بها يا ولد ؟ "
و أردف قبل أن يرد عليه : " اذهب للمطبخ و ساعد والدتك .. لقد بدأت أشعر بالجوع " .
هز رأسه بأسف .. ثم تحرك متجهاً إلى المطبخ ، ليقابل في طريقه والدته .. تحمل بعض الصحون في يدها .. فساعدها في وضعها على المائدة ..
لتجتمع العائلة بعدها على المائدة بصحبة أسيل .. لأول مرة منذ سنوات ..
ابتلعت أسيل ما في فمها ثم قالت لعمها : " سأذهب اليوم لأبحث عن شقة مناسبة " .
لم يفهم أحدهم أي مما قالته على الرغم مع أن حديثها كان واضحاً ، لكن السبب وراءه هو ما جعل الحيرة ترتسم على وجوههم ..
إلا طارق .. ففور أن نطقت أسيل جملتها تذكر حديثه مع إسلام و إشارة الأخير إلى أن أسيل من الممكن أن تفضل السكن لحالها ، و لكن و كما قال لإسلام .. هو لن يسمح بهذا !
ترك محمد الملعقة و نظر لها بتساؤل : " لمَن ستبحثين عنها ؟ "
ردت أسيل بملامح مبهمة : " لي أنا " .
تدخلت سعاد في الحديث قائلة بعتاب : " و هل أصبح منزلنا لا يعجبكِ يا أسيل .. أم لا تريدين المكوث معنا ؟ "
" لا هذا و لا ذاك عمتي و لكن " .
لتصمت بعدها بحرج و وجنتيها قد توردتا خجلاً ..
هتف محمد مشجعاً إياها لقول ما تريده : " و لكن ماذا صغيرتي ؟ "
لم تستطع الرد عليه .. فإن ردت ماذا ستقول ؟
عفواً .. و لكن لا يمكنني الجلوس في نفس المنزل مع طارق و ليس بيننا شئ !
هذا سيكون بمثابة تلميح لإعادة علاقتها مع طارق .. و هي أبداً لن تجعله يشعر بأنها لا زالت تحمل له مشاعر خاصة ..
هتف طارق بجدية : " ليس هناك داعي لمعرفة دوافعها أبي ، فعلى كل الأحوال نحن لن نسمح بهذا " .
هتفت أسيل بفظاظة : " و ما دخلك أنت ؟ "
توسعت عيونه بعدم تصديق .. منذ متى و أسيل تتحدث معه بهذه الطريقة .. بل و تعترض على قرار أتخذه من أجلها ، يبدو حقاً أن السنوات التي قضتها بالخارج أثرت على شخصيتها !
هدر بعصبية غير منتبهاً لكلماته : " نعم .. ليس لي دخل .. عليّ أن أصمت و أوافق على ما تريدين حتى يحدث لكِ ما كاد أن يحدث في بريطانيا .. و ربما هذه المرة لن تستطيعين إنقاذ نفسكِ " .
شحبت ملامحها حتى قاربت شحوب الأموات ..
يذلها .. أم يشمت فيها .. أم خائف عليها ..
لا تعلم ؛ و لكنها تأكدت أنها أخطأت بمجيئها إلى هنا ، فمن الواضح أن أي قرار ستتخذه سيقابل بتأنيب و اعتراض خشية أن يتكرر لها ما حدث !
و هذا أزعجها بشدة ..
هدر محمد بقوة مؤنباً : " طارق .. انتبه لكلماتك " .
صمت طارق و هو يعاتب نفسه بقوة على تهوره و السماح لغضبه بالسيطرة عليه و التفوه بما لا يجب التفوه به ، ليعض على شفتيه بندم و هو يرى ملامح أسيل الشاحبة .. فيهمس بأسف :
" أعتذر .. لم أقصد " .
و إن كانت ملامح طارق تعتليها الندم .. و محمد الغضب .. و أسيل الحزن ..
فقد كانت ملامح سعاد لا تحمل سوى الحيرة و عدم الفهم مما يحدث أمامها ..
" علام تعتذر حبيبي ؟ ، و ما الذي حدث لأسيل في بريطانيا ؟ "
ابتلع طارق ريقه بقوة و هو يرى نظرات أسيل المتفاجئة من سؤال والدته ..
و كالعادة حاول محمد إنقاذ الموقف حيث قال : " لا شئ .. طارق يتحدث من خوفه على أسيل .. يخشى أن تتعرض لشئ و هي لوحدها " .
و لكنه لم يعطيها الإجابة على سؤالها بعد .. فهتفت بإصرار : " و ما الذي حدث لأسيل في بريطانيا ؟ "
و قبل أن يفكر محمد في رد يقنعها .. صدح رنين هاتف المنزل لتنهض سعاد مجيبة على المتصل ..
ليدعو محمد ربه أن تنسى سعاد ما كانا يتحدثا عنه بعد هذه المكالمة ..
دقائق و عادت سعاد بوجه متجهم ، و على الرغم من أن محمد سعد بهذا .. لأنها بالتأكيد لن تعاود فتح الموضوع الذي كانا يتحدثا فيه ، إلا أنه شعر بالخوف من سبب هذا التجهم ..
كان طارق أول مَن سألها بحذر : " ماذا هناك أمي ؟ "
نظرت له سعاد بشفقة ممزوجة بالخوف من أن يكون ابنها لازال متعلق بنشوى خاصة بعد ما علمته ..
سألها محمد حينما رآها صامته .. لم ترد على سؤال ابنهما : " ماذا حدث يا سعاد ؟ "
قالت بنفور : " لقد خطبت نشوى " .
هتف محمد بهدوء : " و ماذا في ذلك ؟ ، فليوفقها الله " .
لم تسمعه سعاد .. لقد كانت ملامحها مركزة على ابنها .. منتظرة ردة فعله ، و لم تكن لوحدها من تنتظرها ؛ فأسيل أيضاً كانت تنتظرها بخوف من أن يكون حبيبها لا زال يحمل مشاعر لطليقته ..
و عن طارق .. فعقد حاجبيه باستغراب و حيرة ، لِمَ هو هكذا ؟
ليس حزيناً أو غاضباً أو منفعلاً ..
لا يشعر بالغيرة أو الخيانة ..
و كأن نشوى لا تمثل في حياته سوى ابنة خالته فقط ، و كأنها لم تكن من قبل حبيبته و زوجته !
هل تحولت مشاعره نحوها كما قال إسلام ؟
هل أصبح لا يحبها .. لا يشتاق إليها ؟
متى .. و كيف تحولت مشاعره دون أن يدرك ؟
كان صمته يشير إلى حزنه .. ألمه ، مما جعل أسيل تشعر بخنجر يُغرز في قلبها بقوة .. فعلى الرغم من طلاقه لنشوى ، إلا أنه لا زال يحبها .. لا زالت المتربعة على عرش قلبه ، أما هي فبنظره مجرد طفلة !
و لكنه خالف كل توقعاتها .. و جعل الذهول يرتسم على ملامحها عندما قال :
" مبارك لها " .
إن لم تكن ملامحه هادئة و مرتخية بشكل واضح .. لكانت سعاد ظنت أنه يخفي عنها حزنه و غضبه ، إلا أن هدوءه و نظراته الغير مبالية جعلها تتأكد من أن نشوى خرجت من حياة طارق .. و للأبد !
ابتسمت أسيل بلا وعي و هي لا تصدق أن طارق مَن يقول هذا .. بهذه البساطة !
لقد توقعت أن يقلب المائدة غضباً و يسرع إلى منزل نشوى مانعاً هذا الزواج و معيداً إياها إليه ، أما ردة فعله هذه لم تخطر على بالها حتى في أجمل أحلامها ..
أنهى طارق طعامه و نهض من على مقعده و هو يقول : " سأذهب إلى الصيدلية " .
نهضت سعاد أيضاً قائلة بابتسامة : " خذني معك ، سأذهب لأشتري بعض الأغراض " .
و هكذا خرجا طارق و سعاد سوياً و تركا أسيل و محمد في المنزل ..
" يبدو أنه نسى رغبتك في البحث عن شقة " .
و أردف و هو ينظر إليها : " ما السر وراء هذا ؟ "
قالت بهدوء : " من حقي أن أحصل على سكن خاص بي عمي " .
هتف بعدم تصديق : " أنتِ مَن تقولين هذا ! " .
و تابع بأسى : " و أنا مَن كنت أظن أنكِ ابنتي التي لن تتركيني " .
هي لا تقصد ما قالته .. كما أنها تعتبر محمد كوالدها .. فهو الذي ظل بجانبها منذ وفاة والدها و لم يتخلى عنها ..
لذا قالت بصراحة : " في الحقيقة هناك سبب وراء رغبتي في السكن لحالي " .
سألها بفضول : " و ما هو ؟ "
عبثت في يدها بتوتر و هي تقول : " لا يمكنني المكوث مع طارق في منزل واحد ، فأنا لم أعد صغيرة .. كما أنه " .
لتصمت بخجل ، فيقول هو بإدراك : " لا يوجد بينكما رابط رسمي " .
أومأت بالإيجاب ، ليتنهد محمد بتفكير .. فصغيرته لديها كل الحق و لا يستطيع الإعتراض على قرارها ، و مع ذلك هو يريدها بجانبه .. يخاف أن يحدث لها شيئاً و هي بعيدة عنه ، فيكفي ما كاد أن يحدث لها عندما ابتعدت مرة ..
" امنحيني وقت لأفكر ، من الممكن أن أجد حل غير ابتعادك " .
و أردف مطمئناً إياها عندما لاحظ ترددها : " و لا تخافي .. لن يعرف طارق شيئاً عن حديثنا .
**********
" لقد كبرت أسيل .. و ازدادت جمالاً .. كما أن شخصيتها نضجت أكثر من ذي قبل " ، قالتها سعاد بمكر و هي تسير بجانب ابنها ..
نظر لها طارق بنصف عين : " و المطلوب ؟ "
غمزته بمشاكسة : " برأيك ما المطلوب ؟ "
نظر طارق أمامه و هتف بهدوء قاضياً على أماني والدته : " أمي أنا لن أتزوج أسيل " .
ليصمت لثواني ثم يردف : " و لا غيرها " .
نست سعاد أنهما في الشارع .. و أن أي حركة بسيطة ستلفت انتباه الناس إليهما ، حيث شهقت بقوة و هي تضرب صدرها بيدها :
" ما هذا الهراء ؟ ، هل تود أن تظل من دون زواج طوال حياتك ؟ "
ابتسم طارق بسخرية : " على الأقل أفضل من أن أتزوج و تقوم زوجتي ب " .
قاطعته سعاد بحدة : " اصمت ، توقف عن تذكر ما حدث ، لقد طلقتها و كلاً منكما ذهب إلى حياته ، و مثلما هي رأت حياتها و ستتزوج .. على الرغم من أنها المخطئة .. فعليك أيضاً المضي في حياتك " .
هتف بجدية : " لا أريد أمي .. لا أريد سوى أن أظل بجانبكما .. أخدمكما .. و أعمل على تلبية طلباتكما ، أما الزواج فأنا أخرجته من عقلي " .
" و لكن " .
قاطعها برجاء : " أرجوكِ أمي .. اتركيني أعيش كما أريد .. و لا تفتحي معي هذا الموضوع " .
رضخت لرغبته و صمتت و لكنها أقسمت أنها لن تصمت لوقت طويل .. و لن ترتاح و يهدأ بالها إلا عندما يتزوج أبنها .. سواء من أسيل أو غيرها !
**********
كان خالد جالساً فوق سور صغير .. يقع في منتصف الجامعة .. يراقب لارا من بعد .. و بيده سيجارته .. التي يأخذ منها نفساً من حين إلى أخر و يخرجه بتوعد ..
جلس سعيد بجانبه و قال : " ماذا تفعل لحالك ؟ "
هتف خالد دون إبعاد نظراته عن لارا : " أراقبها " .
عبس سعيد بعدم رضى : " كفى .. فلتبتعد عنها .. إنها من النوع الصعب الذي لا يخضع بسهولة ، هناك الأجمل منها .. يتمنين فقط إشارة من إصبعك ليركعن تحت قدميك " .
مرر خالد نظراته على لارا بوقاحة : " و لكنها تعجبني .. أرغب في تجربتها " .
ابتسم سعيد باستهزاء : " و كيف ستفعل هذا و هي لا تعطيك وجهاً و لا تسمح لك بالإقتراب منها ؟ "
و أخيراً .. حرر خالد لارا من نظراته .. و التفت إلى سعيد مبتسماً بمكر : " إن نفذت ما سأخبرك به .. سأقترب منها بسهولة و في أقرب وقت " .
ظهر الحماس على وجه سعيد و هتف : " سأفعل ما تريد " .
شرح له خالد ما يريده منه بالتفصيل و سعيد يركز في كل كلمة ينطقها ، ليقول حينما ينتهي : " من أين لك بهذه الفكرة ؟ "
هتف ببرود : " لقد لاحظت حبها الشديد للدراسة و حرصها على اجتياز الإمتحانات بتفوق .. ففكرت أن هذا سيقربني منها " .
" إذاً مبارك عليك لارا .. فستحصل عليها قريباً " .
ليؤكد خالد : " قريباً جداً " .
ابتسم سعيد بخبث : " و ماذا عن سهرة الأمس ، كيف كانت ؟ "
انقلبت ملامح خالد فور تذكره ما حدث بالأمس ، و اكتشافه لحمل هدى ..
هدى زميلته في الجامعة .. الفتاة الجميلة التي لفتت نظره منذ أول مرة وقعت فيها عيناه عليها ، ليقترب منها و يطربها بكلماته الغزلية التي أسقطتها في شباكه بسهولة ، إلا أنها كانت تمتلك من الحماقة ما جعلها لا تنفذ أوامره و لا تلتزم بحبوب منع الحمل التي أعطاها لها في أول ليلة بدأت فيها علاقتهما ..
" لا تذكرني .. لقد كانت أسوأ سهرة أقضيها في حياتي " .
هتف سعيد بارتياب : " لِمَ .. ماذا حدث ؟ "
تحدث خالد بعصبية : " الغبية هدى .. حامل " .
صاح بصدمة : " ماذا ؟ ، من مَن ؟ ، لا تقول أنه منك .. يا للمصيبة ، و أنت ماذا فعلت ؟ "
هتف خالد من بين أسنانه : " أهدأ و اخفض صوتك .. ستلفت الأنظار إلينا " .
همس سعيد بخوف : " و ماذا ستفعل معها ؟ "
رفه خالد أكتافه ببرود و لا مبالاة : " ستجهض الطفل بالطبع " .
هتف سعيد بحذر : " و هل هي ستوافق على هذا ؟ "
ابتسم خالد بسخرية : " هي لم تحمل إلا لتربطني بها .. لتتأكد أنني سأتزوج منها .. ظنت أن هذا الطفل سيجعلني أرضخ و ألبي رغبتها ، و عندما أدركت أن وجود الطفل من عدمه لا يؤثر بي .. و أن حملها لن يجلب لها إلا الفضيحة .. استسلمت و وافقت " .
تنهد سعيد براحة : " الحمد لله " .
و تابع بتحذير : " و لكن لا تثق بها ، عليك أن تنتبه لها و تكون معها حبن تجهده .. لتتأكد من أنها تخلصت منه " .
" لا تقلق بشأن هذا " .
تطلع إلى ساعته ليقفز من على السور و هو يقول : " هيا .. سيبدأ الإختبار .. و ستبدأ مهمتك " .
في قاعة الإختبار .. و بعد مرور منتصف الوقت
مال سعيد ناحية لارا و همس : " لارا .. لارا " .
التفتت لارا إليه مستعجبة : " ماذا ؟ "
ابتسم سعيد بمكر و سألها : " ما إجابة السؤال الثاني ؟ "
نظرت له لارا بغضب .. و التفتت متجاهلة إياه ..
إلا أن سعيد لم يكف عن ندائه لها و سؤاله لها عن بعض الإجابات ، مما أزعجها و أفقدها تركيزها .. فالتفتت له هامسة بغضب :
" اصمت .. لا أستطيع التركيز بسببك " .
شعرت لارا بظل فوقها .. فرفعت عيونها إليه بخوف .. لتجد دكتور المادة ينظر لهما بغضب :
" لقد تغاضيت عنكما أكثر من مرة آملاً أن تكفا عن الغش ، و لكن ليس هناك فائدة " .
و قبل أن تبرر له لارا و تخبره أنها لم تغش شيئاً .. و أن هذا الشخص هو مَن يزعجها ..
سحب الدكتور ورقتها ليكتب عليها شئ بالقلم الأحمر و فعل المثل مع ورقة سعيد ..
لتنظر له لارا بحزن و الدموع تلمع في مقلتيها ، فبسبب هذا الشخص .. و ما فعله الدكتور .. من الممكن أن تحمل المادة !

🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸

اعملوا فوتس و كومنتس علشان الفصل الجديد ينزل بسسسسسسرعة

لست أبي (كاملة)Where stories live. Discover now