لن نبالغ إن قلنا أن اليوم كان من أجمل الأيام التي مرت عليها منذ عودتها إلى الوطن ، لقد قضت نهاراً ممتعاً مع طارق حيث أخذها إلى العديد من الأماكن و اشترت الكثير من الأغراض ، لينتهي يومهما يشراء ما تحبه من حلوى و تسالي و شريط لأحد الأفلام الجديدة ليسهرا عليه سوياً .
التقطت صورة والدها و التي تحتل المكان المجاور من سريرها ، جلست و هي تفكر بحزن أنها كانت تتمنى وجوده معها الآن .. أن يرى حبها لوطنها و عائلتها الذي بدأ ينمو فى قلبها .. أن يرى شخصيتها التي تبذل جهدها فى بناءها كما يحب و كما كان يريد :
" اشتقت لك أبي ، لا تخاف عليّ أنا بخير ، فعمي بجانبي و يدعمني دائماً .. و طارق و أريج يعاملاني بحنان و ينفذان لي ما أطلبه .. حتى زوجة عمي تغيرت معاملتها معي و أصبحت تهتم بي كثيراً ، و مع ذلك أفتقد وجودك بجانبي ، و لكننى أعلم أنك تكون سعيداً عندما تراني سعيدة لذا سأبذل جهدى لإسعادك و إرضائك .
" أسيل ، ألم تنتهى ؟ "
وصلها صوت طارق فقفزت بسعادة متجهه إليه ، خرجت لتراه يجلس فى منتصف الصالة على السجادة الزرقاء و أمامه منضده صغيرة عليها إحدى الألعاب التى لا تعرفها ، اقتربت منه بحماس و جلست أمامه و هي تسأله :
" ما هذه .. أسنلعب سوياً ؟ "
ابتسم على حماسها الواضح و قال بحماس يماثله : " إنها لعبة الشطرنج ، و نعم سنلعب سوياً ، و لكن سأعلمها لكِ أولاً " .
بدأ طارق يشرح لها قواعد اللعبه و هي تركز فى حديثه بسعادة ، بعدها شرعا في اللعب وسط صياح أسيل الحماسي ، قفزت في مكانها عندما تبقى لديها حركة واحده و تنهي اللعبه و هي تصيح :
" نعم نعم سأفوز " .
نظر لها بانبهار : " أنتِ ذكية حقاً ، كيف استطعتِ فعلها ؟ ، بالعادة المبتدأين بها يأخذون العديد من الوقت كيف يتعلموها و أنتِ ستفوزين " .
حركت شعرها بغرور و هتفت من طرف أنفها : " إنهم ليسوا أسيل " .
ضحك على حركاتها و قال بغرور هو الأخر : " عليكِ أن تعلمي أنني لا أخسر فى هذه اللعبة بسهولة " .
و حرك قطعه من اللعبة و هو يبتسم بانتصار و هتف : " كش ملك " .
زمت شفتيها بضيق لتقوم بإعادة ترتيب قطع اللعبه و هي تقول : " سنلعب مرة أخرى لن أتركك إلا عندما أفوز عليك " .
حينها صدح صوت رنين باب المنزل ليقوم ليرى من الطارق و هو يقول :
" ليس الآن فمن الواضح أن لدينا ضيوف ، خذِ اللعبه إلى الداخل و رتبي المكان حتى أرى مَن على الباب " .
فتح الباب ليبتسم و هو يرى خالته و نشوى ليهتف بترحيب و عيونه لم تنزاح عن حبيبته :
" ما هذه المفاجأة الجميلة أنرتم " .
قبلته خالته و هي تسأله عن أحواله و أحوال والدته ، لتأتي بعدها نشوى و تمد يدها له و هي تنظر له بعشق ، صدرت ضحكه من فم منى و هي تقول :
" سأدخل أنا لأرى والدتك " .
لم يعيرها أى منهما انتباه و نظراتهما معلقة ببعضهما ، بادرت نشوى الحديث :
" كيف حالك حبيبي ؟ "
" بخير حبيبتي ، ادخلي " .
و أردف ليذكرها باتفاقهما : " نشوى لا تنسي اتفاقنا بخصوص أسيل " .
تأففت بضيق و هتفت بحنق : " حسناً " .
لتتحرك بعدها إلى الداخل و هي تضرب الأرض بقوة ، فانطلقت ضحكاته المستمتعة بغيرتها و تبعها للداخل .
حالما دخلت وجدت أسيل تجلس بجانب محمد بأريحية فابتسمت ابتسامة زائفة و حيّتها ببرود :
" أسيل حبيبتي كيف حالكِ ؟ "
و اقتربت منها لتقبلها رغماً عنها ، و بينما هي تفعل هذا ضغطت على ذراع أسيل بقوة ألمتها فأطلقت أسيل أنين خافت ، ابتعدت عنها و هي تبتسم بانتصار فنظرت لها أسيل بغضب و هي تفضل عدم الرد عليها حتى لا تعكر صفو يومها .
انضما للجلسة منى و سعاد و هما تحملان بأيديهما العديد من الصحون و المشروبات ، جلست منى و هتفت بمكر :
" أليس هناك أخبار عن والدة أسيل ؟ "
أغمضت أسيل عينيها بألم فضمها محمد إليه و هو يهتف بهدوء :
" أسيل ليست بحاجة إلى والدتها فنحن معها و لن نتركها " .
هتفت منى متابعة بث الألم فى قلب أسيل : " بالطبع يا زوج شقيقتي و لكن مهما يكن البنت لا غنى لها عن والدتها " .
دفنت أسيل وجهها بحضن عمها و هي تحاول السيطرة على دموعها ، نعم هي تحتاج لوالدتها بجانبها .. تحتاج لأن تشعر بحنانها ، ابتسمت بسخرية و هل تعرفي كيف يكون حنانها يا أسيل ؟ ، فأنتِ لم تحصلي عليه من قبل .. لطالما تعاملت معكِ ببرود و كانت تخبركِ بأن العواطف تدل على الضعف و لا يجب الإستسلام لمشاعرنا ، رفعت يدها تفرك بها عينبها حتى تخفي دموعها .
ابتسمت نشوى بانتصار و هي ترى ملامح أسيل التى انقلبت من السعادة إلى الحزن و الألم .
شعر طارق بالغضب من حديث خالته يقدّر أنها منزعجة من أسيل بسبب ما حدث و لكن هذا لا يعطيها الحق لتجرحها بهذه الطريقة خاصة أن أسيل ليس لها ذنب ، هتف بحدة :
" كما أنها لا غنى لها عنا خالتي ، فهي سعيدة بالبقاء مع عمها و زوجها " .
و سحب أسيل من أحضان والده و سألها : " أليس كذلك حبيبتي ؟ "
و ضمها إليه بقوة و همس لها بتشجيع : " لا تسمحي لهذه الكلمات أن تزعجكِ .. أنتِ قوية " .
ابتسمت على كلماته و رددت كلمته بينما هو يداعب وجنتها بحنو : " أنا قوبة " .
شحب وجه نشوى و هي ترى همسات طارق لأسيل و تخفيفه لألمها ، شعرت بالخوف من القادم فهذه الطغلة ليست سهلة على الإطلاق و عليها التحرك قبل أن تفقد حبيبها .
**********
" حسناً إذاً سنتقابل و نذهب لنبحث عن قاعة " .
ثم عقد حاجبيه باستغراب : " هل ستذهب معها و هي تشتري أغراضها ؟ "
و أردف : " تمام فهمت ، لنتقابل بعد ساعة " .
أغلق الخط و هو يستعد للذهاب إلى صديقه ، لتظهر أسيل أمامه من العدم و تسأله بفضول :
" إلى أين ستذهب ؟ "
رد عليها بينما هو يخرج ملابسه : " سأذهب إلى إسلام لنبحث عن القاعة التي سيقيم بها عرسه " .
توسعت عيونها بفرح : " إسلام سيتزوج " .
أومأ بالإيجاب و قال : " و الآن اتركيني لأبدل ملابسي " .
اقتربت و احتضنته من خصره و هتفت برجاء : " خذني معك " .
هتف ببلاهه : " ماذا ؟ "
" أرجوك طارق أنا أشعر بالضجر " ، قالتها باستعطاف
و تابعت قبل أن بتفوه بحرف : " أرجوك .. أرجوك " .
تتهد باستسلام : " حسناً اذهبي و بدلِ ملابسكِ " .
ركضت للخارج و هي تصيح : " فوراً " .
**********
وقفت أمامه بحرج فهي حتى الآن لم تنسى وقتما أحرجته و رفضت الزواج منه ، هتفت بتلعثم :
" مبارك إسلام " .
و عنه هو قد نسى ما حدث و إن تذكره فيكون موقف عابر مر به ، بل هو يحمد الله أنها رفضته حيث رأى هو هبه و أعجب بها ، رد عليها بحنو :
" بارك الله فيكِ صغيرتي " .
و أشار إلى هبه و بدأ في تعريفهما ببعضهما : " إنها هبه خطيبتي " .
و وجه حديثه لهبه : " إنها أسيل ابنة عم طارق صديقي و زوجته " .
ارتسم الاستغراب على ملامح هبه عندما عرفها إسلام على أسيل ، لقد خمنت أنها لا تتعدى السادسة عشر فكيف لها أن تتزوج و هي في هذا العمر !
و مع ذلك احتفظت بتساؤلاتها لنفسها فهي لا تعرف ما حدث لها .
هتف إسلام بحماس : " إذاً سنذهب أولاً إلى محلات الأثاث و بعدها نذهب لنبحث عن القاعة .
**********
أسلوب الاقتحام هو أفضل شئ لفعله ، فأول مرة ذهبت إليه و طلبت الحديث معه بلباقة تركها و غادر بكل فظاظة ، و لكنها عندما اقتحمت خلوَته و أجبرته على الحديث معها وجدت استجابة .. حتى لو لم يكن أعطاها وجه يكفي أنه سمعها ، و على الرغم أنه لم يكن اليوم لحاله و كان يجلس مع صديقه في أحد المطاعم التى اعتادا الذهاب إليها ، إلا أن هذا لم يؤثر بها .. و كما رآها صديقه من قبل و هو يوبخها و يغادر دون الالتفات مرتين .. سيراها الآن و هي تقتحمه و تبدأ في لف شباكها حوله .
و بكل إصرار سارت حتى وصلت إلى المائدة التي يجلسان عليها و جلست معهما و هتفت بشوق :
" اشتقت لك علاء " .
تأفف علاء بنفاذ صبر بينما نظر لها صديقه بعدم تصديق ، تجاهلها علاء و كأنها غير موجوده و أكمل حديثه مع أمير بطبيعية .
أمالت رأسها قليلاً و نادته : " علاء " .
تجاهلها مرة أخرى و نظر إلى أمير و هتف بقرف : " أتعلم .. لا يزعجني بحياتي سوى الفتاة التي تركض وراء شاب ، تشعر أنها بلا كرامة " .
تعالت ضحكات أمير و هو يفهم المقصودة بحديث علاء ..
أما عنها فلم يؤثر حديثه بها بل على العكس ازداد إعجابها به بعد ما قاله !
منذ أن دخلت الجامعة و الشباب يركضون وراءها سواء كانوا عرب أم أجانب إلا هو لم يعيرها أى انتباه ، حتى بعد أن بدات في مطاردته و حاولت لفت نظره استمر في تجاهلها ، لتضعه نصب عينيها و تقرر الحصول عليه ، فشخص مثله معروف بالإلتزام و الأخلاق تحتاجه في حياتها ، تحتاج إلى وجوده الذي سيغير بها الكثير !
صدح صوت رنين هاتف علاء المحمول بنغمة مميزة فالتقطه بسرعة و فتح الخط دون أن يرى من المتصل فهو يعرفه !
" إسلام " .
ابتسم إسلام على الطرف الأخر و هو يشعر بالشوق يحتل قلبه لشقيقه الأصغر :
" كيف حالك حبيبي .. و ما اخبار دراستك ؟ "
هتف علاء بلهفة : " أنا بخير كيف حالك أنت ؟ ، طمئتي عليك " .
" أنا بخير لا تقلق " .
و أردف : " أتصلت لأخبرك بشئ مهم ، أنا سأتزوج بعد أسبوعين " .
هتف بسعادة : " ماذا .. مَن تكون .. و متى عرفتها .. و أين ؟ "
ضحك إسلام و سعادة شقيقه تزيد من سعادته : " ماذا تريد أن تعرف بالظبط ؟ "
هتف علاء باندفاع : " كل شئ " .
مازحه إسلام : " نعم كل شئ ، فأنا من سأدفع فاتورة المكالمة في النهايه " .
و أردف بجدية : " عندما تأتي على العرس إن شاء الله ستراها و تتعرف عليها " .
و تابع بتساؤل : " أم أنك لن تستطيع المجئ ؟ "
نفى علاء : " بالطبع سآتي إن لم أحضر عرس شقيقي عرس مَن سأحضر ، سأرتب أمورى و آتي على أول طائرة " .
" حسناً حبيبي سأنتظرك ، انتبه لنفسك " .
**********
غفت طوال طريق العودة لا تشعر بمن حولها حيث قضت النهار كله فى اللعب ..
وصلوا إلى منزلهم أخيراً بعد غباب أيام و لكنها كانت حافلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى !
التفتت هالة إلى الخلف لتجد تسنيم غافيه و مازن ينظر لها و كأنها نهاية العالم .
مدت يدها تحركها بهدوء و همست : " تسنيم استيقظِ حبيبتي " .
اعترض مازن قائلاً : " أمي اتركيها نائمة " .
ابتسمت على تعلقه بها و حرصه الشديد على أقل ما يحدث لها و هتفت بهدوء :
" ستصعد و تنام بغرفتها حبيبي " .
فاقترح هو : " ليحملها أبي لا تُقظيها " .
ابتسم طه بتأييد و حمل تسنيم بحنو ، فالتقط مازن حقيبته بسرعة و سار خلفهما ، وضعها برفق على سريرها الحالى و سرير رنيم السابق و قبلها بهدوء و همس :
" أحلاماً سعيدة صغيرتي " .
نظر لمازن باستغراب و هو يراه يضع حقيبته في أحد الأركان و يخرج ملابس ليرتديها :
" مازن ماذا تفعل ؟ "
رد عليه ببساطة : " سأبدل ملابسي لأنام أبي " .
رفع أحد حاجبيه و سأله و هو يخمن بما سيجيبه : " و أين ستنام ؟ "
أكد مازن ظنونه عندما هتف : " بجانب تسنيم " .
لقد خرج ابنه من حالة الانطوائية و عدم الحديث مع أحد ليتحول إلى شعلة من النشاط و المرح ، و لكن المؤسف أن هذا لا يحدث سوى مع تسنيم فقط حيث أنه فى الأيام لم يتركها و نفذ لها كل ما تريده ، و إن خلدت للنوم يبقى بجانبها حتى تغفى ، ليغادر بعدها غرفته مرغماً و يذهب للنوم فى غرفة يوسف ، و من الواضح أنه قرر بعد عودتهم إلى منزلهم أنه حتى وقت النوم لن يتركها و سينام معها ، حاول إقناعه بهدوء كي لا يثير عناده :
" و لكن سريرها صغير حبيبي لن ترتاح هي إن نمت بجانبها " .
نظر له برجاء : " حسناً أبي احملها إلى غرفتي رجاءً " .
هتف محاولاً إرضاءه حتى يجد حل لهذه المشكلة : " أنت ايضاً سريرك صغير ، نام لحالك الليلة و غداً سنتصرف بهذا " .
" و إن كانت تخاف أن تنام وحيدة ، ففي الأيام الماضية كانت تنام برفقة نهى " .
" سأبقي الضوء حتى إن استيقظت لا تخاف ، لا تقلق " .
تنهد مازن باستسلام و اقترب من تسنيم ليقبلها قبلة صغيرة على وجنتها و همس :
" الليلة فقط ، و غداً ستنامين بجانبي " .
**********
تقلبت على سريرها للمرة التي لا تعلم كم ، منذ ساعات و هي تحاول النوم و لا تستطبع ، تشعر بالتوتر و الخوف .. لقد مرت الأيام سريعاً و لم يتبقى سوى ساعات على كتب كتابها و الذي سيليه الفرح فى المساء .
تقلبت مرة أخرى و هي تفكر فى حياتها القادمة مع إسلام ، أفكارها تقودها إلى نقطة واحده أن زواجهما لن يستمر ، فتارة تفكر أنه سيتزوجها فقط من أجل لارا و في أى وقت سيستغنى عنها ، و تارة تفكر أنه سيبقى معها سنة أو سنتين و بعدها لن يكتفي بلارا و سيشتاق لطفل يحمل اسمه و يطلقها ، و تارة يسيطر عليها الخوف عندما تفكر فيما ممكن يفعله له مصطفى ، أفكار كثيرة تسيطر عليها و تكاد تجن منها .
استعاذت من الشيطان و هي تؤكد لنفسها : " تفاءلِ خيراً يا هبه و لن يحدث شئ ، هذه وساوس من الشيطان ، لقد كان إسلام واضحاً معكِ و لن يترككِ بسهولة " .
**********
نظر لها بانبهار و هي تطل عليه بفستانها الأبيض ، فعلى الرغم من معارضتها على شراءه و تفضيلها لإقامة حفل بسيط يجمع الأقارب ، إلا أنه أصر على موقفه و أقسم أنها ستشتري فستان مثلها مثل أي عروس و سيقام عرسهما في أفخم القاعات .
و ها هو نفذ ما أراده و ينتظرها الآن فى أحد أشهر القاعات بمدينته ، و ها هي تظهر أمامه بفستانها و وجهها تكسيه حمرة الخجل اللذيذة .
اقتربت منه ليميل إلى مستواها يقبل جبينها و يهتف : " مبارك علىّ أنتِ " .
همست بخجل : " بارك الله فيك " .
جلسا فى مكانهما المخصص و صدحت بعدها الأغاني لتملأ المكان و الشباب و الفتيات يرقصن بسعادة ..
ВЫ ЧИТАЕТЕ
لست أبي (كاملة)
Любовные романы"هل لي أن اعلم ما الذي فعلتِه؟ كيف ترفضين الزواج من إسلام؟ ألا تعلمين ماذا فعلت لكي يقبل الزواج بكِ؟" شعرت بقبضته القوية على ذراعها، همست متأوهة بألم، تحاول تحرير ذراعها دون جدوى.. تجاهلت ألمها عندما سمعت توبيخه لرفضها لإسلام، برقت مقلتاها بالتحدي،...