تابع الفصل الثامن

10.3K 386 14
                                    

لن نبالغ إن قلنا أن اليوم كان من أجمل الأيام التي مرت عليها منذ عودتها إلى الوطن ، لقد قضت نهاراً ممتعاً مع طارق حيث أخذها إلى العديد من الأماكن و اشترت الكثير من الأغراض ، لينتهي يومهما يشراء ما تحبه من حلوى و تسالي و شريط لأحد الأفلام الجديدة ليسهرا عليه سوياً .
التقطت صورة والدها و التي تحتل المكان المجاور من سريرها ، جلست و هي تفكر بحزن أنها كانت تتمنى وجوده معها الآن .. أن يرى حبها لوطنها و عائلتها الذي بدأ ينمو فى قلبها .. أن يرى شخصيتها التي تبذل جهدها فى بناءها كما يحب و كما كان يريد :
" اشتقت لك أبي ، لا تخاف عليّ أنا بخير ، فعمي بجانبي و يدعمني دائماً .. و طارق و أريج يعاملاني بحنان و ينفذان لي ما أطلبه .. حتى زوجة عمي تغيرت معاملتها معي و أصبحت تهتم بي كثيراً ، و مع ذلك أفتقد وجودك بجانبي ، و لكننى أعلم أنك تكون سعيداً عندما تراني سعيدة لذا سأبذل جهدى لإسعادك و إرضائك .
" أسيل ، ألم تنتهى ؟ "
وصلها صوت طارق فقفزت بسعادة متجهه إليه ، خرجت لتراه يجلس فى منتصف الصالة على السجادة الزرقاء و أمامه منضده صغيرة عليها إحدى الألعاب التى لا تعرفها ، اقتربت منه بحماس و جلست أمامه و هي تسأله :
" ما هذه .. أسنلعب سوياً ؟ "
ابتسم على حماسها الواضح و قال بحماس يماثله : " إنها لعبة الشطرنج ، و نعم سنلعب سوياً ، و لكن سأعلمها لكِ أولاً " .
بدأ طارق يشرح لها قواعد اللعبه و هي تركز فى حديثه بسعادة ، بعدها شرعا في اللعب وسط صياح أسيل الحماسي ، قفزت في مكانها عندما تبقى لديها حركة واحده و تنهي اللعبه و هي تصيح :
" نعم نعم سأفوز " .
نظر لها بانبهار : " أنتِ ذكية حقاً ، كيف استطعتِ فعلها ؟ ، بالعادة المبتدأين بها يأخذون العديد من الوقت كيف يتعلموها و أنتِ ستفوزين " .
حركت شعرها بغرور و هتفت من طرف أنفها : " إنهم ليسوا أسيل " .
ضحك على حركاتها و قال بغرور هو الأخر : " عليكِ أن تعلمي أنني لا أخسر فى هذه اللعبة بسهولة " .
و حرك قطعه من اللعبة و هو يبتسم بانتصار و هتف : " كش ملك " .
زمت شفتيها بضيق لتقوم بإعادة ترتيب قطع اللعبه و هي تقول : " سنلعب مرة أخرى لن أتركك إلا عندما أفوز عليك " .
حينها صدح صوت رنين باب المنزل ليقوم ليرى من الطارق و هو يقول :
" ليس الآن فمن الواضح أن لدينا ضيوف ، خذِ اللعبه إلى الداخل و رتبي المكان حتى أرى مَن على الباب " .
فتح الباب ليبتسم و هو يرى خالته و نشوى ليهتف بترحيب و عيونه لم تنزاح عن حبيبته :
" ما هذه المفاجأة الجميلة أنرتم " .
قبلته خالته و هي تسأله عن أحواله و أحوال والدته ، لتأتي بعدها نشوى و تمد يدها له و هي تنظر له بعشق ، صدرت ضحكه من فم منى و هي تقول :
" سأدخل أنا لأرى والدتك " .
لم يعيرها أى منهما انتباه و نظراتهما معلقة ببعضهما ، بادرت نشوى الحديث :
" كيف حالك حبيبي ؟ "
" بخير حبيبتي ، ادخلي " .
و أردف ليذكرها باتفاقهما : " نشوى لا تنسي اتفاقنا بخصوص أسيل " .
تأففت بضيق و هتفت بحنق : " حسناً " .
لتتحرك بعدها إلى الداخل و هي تضرب الأرض بقوة ، فانطلقت ضحكاته المستمتعة بغيرتها و تبعها للداخل .
حالما دخلت وجدت أسيل تجلس بجانب محمد بأريحية فابتسمت ابتسامة زائفة و حيّتها ببرود :
" أسيل حبيبتي كيف حالكِ ؟ "
و اقتربت منها لتقبلها رغماً عنها ، و بينما هي تفعل هذا ضغطت على ذراع أسيل بقوة ألمتها فأطلقت أسيل أنين خافت ، ابتعدت عنها و هي تبتسم بانتصار فنظرت لها أسيل بغضب و هي تفضل عدم الرد عليها حتى لا تعكر صفو يومها .
انضما للجلسة منى و سعاد و هما تحملان بأيديهما العديد من الصحون و المشروبات ، جلست منى و هتفت بمكر :
" أليس هناك أخبار عن والدة أسيل ؟ "
أغمضت أسيل عينيها بألم فضمها محمد إليه و هو يهتف بهدوء :
" أسيل ليست بحاجة إلى والدتها فنحن معها و لن نتركها " .
هتفت منى متابعة بث الألم فى قلب أسيل : " بالطبع يا زوج شقيقتي و لكن مهما يكن البنت لا غنى لها عن والدتها " .
دفنت أسيل وجهها بحضن عمها و هي تحاول السيطرة على دموعها ، نعم هي تحتاج لوالدتها بجانبها .. تحتاج لأن تشعر بحنانها ، ابتسمت بسخرية و هل تعرفي كيف يكون حنانها يا أسيل ؟ ، فأنتِ لم تحصلي عليه من قبل .. لطالما تعاملت معكِ ببرود و كانت تخبركِ بأن العواطف تدل على الضعف و لا يجب الإستسلام لمشاعرنا ، رفعت يدها تفرك بها عينبها حتى تخفي دموعها .
ابتسمت نشوى بانتصار و هي ترى ملامح أسيل التى انقلبت من السعادة إلى الحزن و الألم .
شعر طارق بالغضب من حديث خالته يقدّر أنها منزعجة من أسيل بسبب ما حدث و لكن هذا لا يعطيها الحق لتجرحها بهذه الطريقة خاصة أن أسيل ليس لها ذنب ، هتف بحدة :
" كما أنها لا غنى لها عنا خالتي ، فهي سعيدة بالبقاء مع عمها و زوجها " .
و سحب أسيل من أحضان والده و سألها : " أليس كذلك حبيبتي ؟ "
و ضمها إليه بقوة و همس لها بتشجيع : " لا تسمحي لهذه الكلمات أن تزعجكِ .. أنتِ قوية " .
ابتسمت على كلماته و رددت كلمته بينما هو يداعب وجنتها بحنو : " أنا قوبة " .
شحب وجه نشوى و هي ترى همسات طارق لأسيل و تخفيفه لألمها ، شعرت بالخوف من القادم فهذه الطغلة ليست سهلة على الإطلاق و عليها التحرك قبل أن تفقد حبيبها .
**********
" حسناً إذاً سنتقابل و نذهب لنبحث عن قاعة " .
ثم عقد حاجبيه باستغراب : " هل ستذهب معها و هي تشتري أغراضها ؟ "
و أردف : " تمام فهمت ، لنتقابل بعد ساعة " .
أغلق الخط و هو يستعد للذهاب إلى صديقه ، لتظهر أسيل أمامه من العدم و تسأله بفضول :
" إلى أين ستذهب ؟ "
رد عليها بينما هو يخرج ملابسه : " سأذهب إلى إسلام لنبحث عن القاعة التي سيقيم بها عرسه " .
توسعت عيونها بفرح : " إسلام سيتزوج " .
أومأ بالإيجاب و قال : " و الآن اتركيني لأبدل ملابسي " .
اقتربت و احتضنته من خصره و هتفت برجاء : " خذني معك " .
هتف ببلاهه : " ماذا ؟ "
" أرجوك طارق أنا أشعر بالضجر " ، قالتها باستعطاف
و تابعت قبل أن بتفوه بحرف : " أرجوك .. أرجوك " .
تتهد باستسلام : " حسناً اذهبي و بدلِ ملابسكِ " .
ركضت للخارج و هي تصيح : " فوراً " .
**********
وقفت أمامه بحرج فهي حتى الآن لم تنسى وقتما أحرجته و رفضت الزواج منه ، هتفت بتلعثم :
" مبارك إسلام " .
و عنه هو قد نسى ما حدث و إن تذكره فيكون موقف عابر مر به ، بل هو يحمد الله أنها رفضته حيث رأى هو هبه و أعجب بها ، رد عليها بحنو :
" بارك الله فيكِ صغيرتي " .
و أشار إلى هبه و بدأ في تعريفهما ببعضهما : " إنها هبه خطيبتي " .
و وجه حديثه لهبه : " إنها أسيل ابنة عم طارق صديقي و زوجته " .
ارتسم الاستغراب على ملامح هبه عندما عرفها إسلام على أسيل ، لقد خمنت أنها لا تتعدى السادسة عشر فكيف لها أن تتزوج و هي في هذا العمر !
و مع ذلك احتفظت بتساؤلاتها لنفسها فهي لا تعرف ما حدث لها .
هتف إسلام بحماس : " إذاً سنذهب أولاً إلى محلات الأثاث و بعدها نذهب لنبحث عن القاعة .
**********
أسلوب الاقتحام هو أفضل شئ لفعله ، فأول مرة ذهبت إليه و طلبت الحديث معه بلباقة تركها و غادر بكل فظاظة ، و لكنها عندما اقتحمت خلوَته و أجبرته على الحديث معها وجدت استجابة .. حتى لو لم يكن أعطاها وجه يكفي أنه سمعها ، و على الرغم أنه لم يكن اليوم لحاله و كان يجلس مع صديقه في أحد المطاعم التى اعتادا الذهاب إليها ، إلا أن هذا لم يؤثر بها .. و كما رآها صديقه من قبل و هو يوبخها و يغادر دون الالتفات مرتين .. سيراها الآن و هي تقتحمه و تبدأ في لف شباكها حوله .
و بكل إصرار سارت حتى وصلت إلى المائدة التي يجلسان عليها و جلست معهما و هتفت بشوق :
" اشتقت لك علاء " .
تأفف علاء بنفاذ صبر بينما نظر لها صديقه بعدم تصديق ، تجاهلها علاء و كأنها غير موجوده و أكمل حديثه مع أمير بطبيعية .
أمالت رأسها قليلاً و نادته : " علاء " .
تجاهلها مرة أخرى و نظر إلى أمير و هتف بقرف : " أتعلم .. لا يزعجني بحياتي سوى الفتاة التي تركض وراء شاب ، تشعر أنها بلا كرامة " .
تعالت ضحكات أمير و هو يفهم المقصودة بحديث علاء ..
أما عنها فلم يؤثر حديثه بها بل على العكس ازداد إعجابها به بعد ما قاله !
منذ أن دخلت الجامعة و الشباب يركضون وراءها سواء كانوا عرب أم أجانب إلا هو لم يعيرها أى انتباه ، حتى بعد أن بدات في مطاردته و حاولت لفت نظره استمر في تجاهلها ، لتضعه نصب عينيها و تقرر الحصول عليه ، فشخص مثله معروف بالإلتزام و الأخلاق تحتاجه في حياتها ، تحتاج إلى وجوده الذي سيغير بها الكثير !
صدح صوت رنين هاتف علاء المحمول بنغمة مميزة فالتقطه بسرعة و فتح الخط دون أن يرى من المتصل فهو يعرفه !
" إسلام " .
ابتسم إسلام على الطرف الأخر و هو يشعر بالشوق يحتل قلبه لشقيقه الأصغر :
" كيف حالك حبيبي .. و ما اخبار دراستك ؟ "
هتف علاء بلهفة : " أنا بخير كيف حالك أنت ؟ ، طمئتي عليك " .
" أنا بخير لا تقلق " .
و أردف : " أتصلت لأخبرك بشئ مهم ، أنا سأتزوج بعد أسبوعين " .
هتف بسعادة : " ماذا .. مَن تكون .. و متى عرفتها .. و أين ؟ "
ضحك إسلام و سعادة شقيقه تزيد من سعادته : " ماذا تريد أن تعرف بالظبط ؟ "
هتف علاء باندفاع : " كل شئ " .
مازحه إسلام : " نعم كل شئ ، فأنا من سأدفع فاتورة المكالمة في النهايه " .
و أردف بجدية : " عندما تأتي على العرس إن شاء الله ستراها و تتعرف عليها " .
و تابع بتساؤل : " أم أنك لن تستطيع المجئ ؟ "
نفى علاء : " بالطبع سآتي إن لم أحضر عرس شقيقي عرس مَن سأحضر ، سأرتب أمورى و آتي على أول طائرة " .
" حسناً حبيبي سأنتظرك ، انتبه لنفسك " .
**********
غفت طوال طريق العودة لا تشعر بمن حولها حيث قضت النهار كله فى اللعب ..
وصلوا إلى منزلهم أخيراً بعد غباب أيام و لكنها كانت حافلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى !
التفتت هالة إلى الخلف لتجد تسنيم غافيه و مازن ينظر لها و كأنها نهاية العالم .
مدت يدها تحركها بهدوء و همست : " تسنيم استيقظِ حبيبتي " .
اعترض مازن قائلاً : " أمي اتركيها نائمة " .
ابتسمت على تعلقه بها و حرصه الشديد على أقل ما يحدث لها و هتفت بهدوء :
" ستصعد و تنام بغرفتها حبيبي " .
فاقترح هو : " ليحملها أبي لا تُقظيها " .
ابتسم طه بتأييد و حمل تسنيم بحنو ، فالتقط مازن حقيبته بسرعة و سار خلفهما ، وضعها برفق على سريرها الحالى و سرير رنيم السابق و قبلها بهدوء و همس :
" أحلاماً سعيدة صغيرتي " .
نظر لمازن باستغراب و هو يراه يضع حقيبته في أحد الأركان و يخرج ملابس ليرتديها :
" مازن ماذا تفعل ؟ "
رد عليه ببساطة : " سأبدل ملابسي لأنام أبي " .
رفع أحد حاجبيه و سأله و هو يخمن بما سيجيبه : " و أين ستنام ؟ "
أكد مازن ظنونه عندما هتف : " بجانب تسنيم " .
لقد خرج ابنه من حالة الانطوائية و عدم الحديث مع أحد ليتحول إلى شعلة من النشاط و المرح ، و لكن المؤسف أن هذا لا يحدث سوى مع تسنيم فقط حيث أنه فى الأيام لم يتركها و نفذ لها كل ما تريده ، و إن خلدت للنوم يبقى بجانبها حتى تغفى ، ليغادر بعدها غرفته مرغماً و يذهب للنوم فى غرفة يوسف ، و من الواضح أنه قرر بعد عودتهم إلى منزلهم أنه حتى وقت النوم لن يتركها و سينام معها ، حاول إقناعه بهدوء كي لا يثير عناده :
" و لكن سريرها صغير حبيبي لن ترتاح هي إن نمت بجانبها " .
نظر له برجاء : " حسناً أبي احملها إلى غرفتي رجاءً " .
هتف محاولاً إرضاءه حتى يجد حل لهذه المشكلة : " أنت ايضاً سريرك صغير ، نام لحالك الليلة و غداً سنتصرف بهذا " .
" و إن كانت تخاف أن تنام وحيدة ، ففي الأيام الماضية كانت تنام برفقة نهى " .
" سأبقي الضوء حتى إن استيقظت لا تخاف ، لا تقلق " .
تنهد مازن باستسلام و اقترب من تسنيم ليقبلها قبلة صغيرة على وجنتها و همس :
" الليلة فقط ، و غداً ستنامين بجانبي " .
**********
تقلبت على سريرها للمرة التي لا تعلم كم ، منذ ساعات و هي تحاول النوم و لا تستطبع ، تشعر بالتوتر و الخوف .. لقد مرت الأيام سريعاً و لم يتبقى سوى ساعات على كتب كتابها و الذي سيليه الفرح فى المساء .
تقلبت مرة أخرى و هي تفكر فى حياتها القادمة مع إسلام ، أفكارها تقودها إلى نقطة واحده أن زواجهما لن يستمر ، فتارة تفكر أنه سيتزوجها فقط من أجل لارا و في أى وقت سيستغنى عنها ، و تارة تفكر أنه سيبقى معها سنة أو سنتين و بعدها لن يكتفي بلارا و سيشتاق لطفل يحمل اسمه و يطلقها ، و تارة يسيطر عليها الخوف عندما تفكر فيما ممكن يفعله له مصطفى ، أفكار كثيرة تسيطر عليها و تكاد تجن منها .
استعاذت من الشيطان و هي تؤكد لنفسها : " تفاءلِ خيراً يا هبه و لن يحدث شئ ، هذه وساوس من الشيطان ، لقد كان إسلام واضحاً معكِ و لن يترككِ بسهولة " .
**********
نظر لها بانبهار و هي تطل عليه بفستانها الأبيض ، فعلى الرغم من معارضتها على شراءه و تفضيلها لإقامة حفل بسيط يجمع الأقارب ، إلا أنه أصر على موقفه و أقسم أنها ستشتري فستان مثلها مثل أي عروس و سيقام عرسهما في أفخم القاعات .
و ها هو نفذ ما أراده و ينتظرها الآن فى أحد أشهر القاعات بمدينته ، و ها هي تظهر أمامه بفستانها و وجهها تكسيه حمرة الخجل اللذيذة .
اقتربت منه ليميل إلى مستواها يقبل جبينها و يهتف : " مبارك علىّ أنتِ " .
همست بخجل : " بارك الله فيك " .
جلسا فى مكانهما المخصص و صدحت بعدها الأغاني لتملأ المكان و الشباب و الفتيات يرقصن بسعادة ..

لست أبي (كاملة)Место, где живут истории. Откройте их для себя