الفصل الثاني و العشرون

11.1K 406 10
                                    

مش تنسوا الفوت و الكومنت 😅😅

شحب وجه مازن بعدم تصديق ، بالتأكيد صغيرته لم تقل ما سمعه .. هي لن توافق على سيف و هي تعلم مدى كرهه للأخير ، إلا أن الزغاريد و المباركات التي أنطلقت من حوله جعلته يصدق أن تسنيم وافقت على الزواج من سيف فعلاً !
و في حين كان الجميع يهلل فرحاً و سعادة ، صاح هو بحدة :
" مستحيل .. هذا الزواج من المستحيل أن يتم " .
نظر الجميع له باستغراب ، إلا سيف .. فقد نظر إليه بتحدي ، و كأنه يتحداه من أن يمنع زواجهما !
نظر طه إلى ولده بذهول : " مازن .. ماذا تقول ؟ "
هتف مازن بتصميم : " أنا لم و لن أوافق على زواجهما " .
هتف سيف بسخرية لاذعة : " و مَن طلب موافقتك يا أبن خالتي ؟ ، أنا و تسنيم سنتزوج سواء وافقت أنت أم لا ، رأيك لا يهمنا " .
قبض مازن على كفه بقوة حتى أبيضت و هتف من بين أسنانه : " تحدث عن نفسك يا دكتور ، لكن تسنيم لا تفعل شيئاً أنا لست موافق عليه " .
استمرت سخرية سيف و التي استفزت مازن كثيراً و قال : " لتسمع رأيها إذاً ".
ليلتفت إلى تسنيم و يقول : " هل ستقبلين بالزواج مني حتى لو لم يوافق شقيقكِ على هذا .. حبيبتي " .
توترت تسنيم من سؤاله .. و مما يحدث عموماً ، نقلت نظراتها إلى مازن .. متمعنة في ملامحه .. و محاولة استشفاف خلاجاته ، ليفاجأها بغضبه الواضح في عينيه .. و الممزوج بتوسل غريب !
ماذا ؟ ، هل يريدها أن ترفض سيف ؟
و لكن لِمَ ؟
ما الذي يراه في سيف و يجعله يرفض زواجهما ؟!
أ يُعقل أن يكون السبب كرهه له ؟
و لكن .. لا يجب أن يرفضه لهذا .. فهو من الأساس لا يمتلك سبباً قوياً يجعله يكره سيف إلى هذه الدرجة - كما تعتقد - فمنذ أن أنضمت إلى هذه العائلة و هي تلاحظ كره مازن لسيف الغير مفهوم .. و الذي جعل سيف يكرهه في المقابل !
عادت بنظراتها إلى حبيبها و .. خطيبها ، لتجد نظراته تلمع بثقة و حب ، و كأنه متأكد من أن حبيبته لن تخذله !
أطرقت برأسها بتفكير .. بالتأكيد لن تخذل حبيبها و ترفضه مسببة له الإحراج .. خاصة و أنه لا يوجد سبب لرفضه ، و في نفس الوقت قلبها لا يطاوعها أن تجرح مازن .. حيث أنها معتادة على تنفيذ جميع أوامره مهما كانت دون نقاش !..، لكن الأمر هذه المرة مختلف .. فشقيقها يتحكم في حياتها و سعادتها !
ابتسم مازن بانتصار و هو يرى تردد صغيرته .. و قد بدأت الثقة في رفضها لهذا اللزج تنمو بداخله ..
في حين أضطربت حدقتي سيف و هو يرى صمت حبيبته .. و تفكيرها العميق البادي على ملامحها ، فحثها قائلاً بقلق : " حبيبتي .. ما قراركِ ؟ "
كان طه يتابع كل ما يحدث بصبر .. ينتظر نتيجة جنون أبنه ، و إن كانت أبنته ستتراجع عن قرارها استجابة لرغبته أم لا ..
في حين كانت هالة تنظر لمازن بذهول مستغربة من رفضه لسيف ، فمن وجهة نظرها .. أن سيف هو الأنسب لطفلتها !
أما عن عائلةت سيف ؛ فلقد كانت والدته تمنع والده عن الرد على مازن بالقوة .. مخبرة إياه بعينيها أن ينتظرا قرار الفتاة و بعدها يفعلا ما يريدا ..
رفعت تسنيم رأسها بإصرار بعد أن حسمت قرارها ، فهي لن تتخلى عن حبيبها مهما حدث ، أما فيما يخص مازن فهو بالتأكيد سيوافق على سيف و لن يغضب منها عندما يعلم مدى حبها له !
كررت للمرة الثانية بإصرار : " أنا موافقة على الزواج من سيف " .
حينما أكدت تسنيم رغبتها في الزواج من سيف ، نقل الجميع نظراتهم إلى مازن منتظرين ما سيفعله !
توسعت عيون مازن بعدم تصديق ؛ فأخر ما كان يتوقعه أن تعترض صغيرته على أحد قراراته ..
نظر إلى سيف ليجده يبتسم بانتصار و قد اقترب من تسنيم ليلتقط كفها بحب ، فصاح بحدة :
" أبعد يدك عنها " .
ابتسم سيف دون أن يبعد كفه عن خاصتها ، بل على العكس ضغط عليه بتملك و هو ينظر إلى مازن بتحدي ..
سيطر الغضب على مازن و في لحظة كان أمام سيف يوجه له لكمة قوية في وجهه .. جعلت رأسه ترتد إلى الخلف بقوة ، و قال :
" أخبرتك أن تبعد يدك عنها يا حقير " .
تفاجأ الجميع من فعلته ، و هرع طه ليمسك بأبنه مانعاً إياه من الإقتراب من سيف مرة أخرى ..
بينما ركض والد سيف إلى أبنه ليطمئن عليه ، ثم نظر إلى مازن صائحاً بغضب :
" ما الذي تفعله أيها المجنون ؟ "
ليوجه حديثه إلى طه و يقول بصوت قوي : " ما خطب ولدك يا طه ؟ "
لم يكن مازن ينصت إلى ما يقوله والد سيف ، فنظراته كانت مركزة على تسنيم التي اقتربت من سيف و أخذت تتفحصه بخوف ، بينما هو يبتسم لها مطمئناً ، برزت عروق وجهه من الغضب .. بينما اشتعلت عيناه بتعبير مخيف ، ليصيح قبل أن يرد طه على والد سيف :
" تسنيم .. ابتعدي عنه " .
هتفت تسنيم بغضب و قد علا صوتها بعض الشئ : " ماذا تريد يا مازن ؟ ، أ لا يكفي ما فعلته ؟ "
تفاجأ مازن من ردها ، منذ متى و صغيرته تتحدث معه بهذه الطريقة ؟ ، بل منذ متى لا تنفذ أمر له و تعترض عليه ؟ ، ما الذي يحدث ؟!
حرر مازن ذراعه من كف طه الذي كان ممسكاً به بقوة .. و خطى باتجاه تسنيم و سيف .. ليسحبها فجأة في اتجاهه و هو يهتف من بين أسنانه :
" عندما أقول شئ يُنفذ من دون أي أعتراض " .
و أردف صائحاً بصوت قوي أخاف الجميع : " فهمتي " .
اتجه طه إليهم ليسحب مازن بقوة ، إلا أن سيف سبقه عندما قبض على ذراع مازن بقوة حتى أبيضت مفاصله و هو يهتف بنبرة لا تقل قوة عن نبرته :
" أبتعد أنت عنها .. لا دخل لك بها " .
حاول طه و والد سيف الفكاك بينهما إلا أن مازن لم يترك ذراع تسنيم .. و بالتالي سيف لم يترك ذراعه ..
صاح طه بحدة و قد اكتفى من المهزلة التي تحدث أمامه : " كفى " .
ليقف بين مازن و سيف و يدفع كلا منهما بعيداً عن الأخر و هو يقول : " أ أنتما أطفال لتتصرفون بهذه الطريقة ؟ ، أ لا يوجد أحترام لنا على الأقل ؟! "
قال سيف و هو يشير إلى مازن بغضب : " هو مَن بدأ " .
لصيح مازن : " اخرس .. لا أريد أن أسمع صوتك " .
صاح طه مرة أخرى : " كفى " .
لينظر إلى مازن و يقول : " أخبرني أنت .. ما الذي تراه في سيف يجعله غير مناسباً لتسنيم ؟ "
صمت مازن بضعف لا يعلم ما الذي عليه قوله ، كل ما يعلمه هو أنه لا يريد لتسنيم أن تبتعد عنه .. لا يريد أن تذهب لتعيش مع شخص أخر .. رجل أخر و تتركه ، و الله وحده يعلم إن كان هذا الرجل سيحميها و يحافظ عليها أم لا !
فهل يخبرهم بهذا ؟
و إن أخبرهم .. هل سيسمعون إليه و يفهمونه ؟ ، أم سيسخرون من حديثه !
نظر إلى تسنيم ليجد الغضب يلمع في مقلتيها ، غضب موجه إليه هو .. شقيقها .. و والدها ، نعم والدها !
فهو مَن اعتنى بها منذ أن قدمت إليهم و عاملها كما يعامل الأب ابنته ، فكان يقضي وقته كله معها .. يذاكر لها .. يلعب معها .. يسهر بجانبها حتى تغفى و حين تمرض .. ينهض بعد منتصف الليل كي يطهو لها !
و بعد كل هذا تقف أمامه و تعترض على حديثه و تتمسك بقرارها غير آبية بتأثير قرارها عليه !
ضاقت عينيه بألم و هو يرى في عينيها نظرة أخرى تكاد تتغلب على نظرة الغضب .. نظرة خوف .. خوف على سيف منه .. و خوف من أن يُلغى زواجهما ..
يا إلهي .. هل تحبه ؟
كيف .. و منذ متى ؟
و كيف لم ينتبه هو لحبهما ؟!
أخرجه من شروده صوت والده سائلاً إياه : " هيا يا مازن أخبرنا سبب أعتراضك على زواج سيف من تسنيم " .
ابتلع مازن ريقه بقوة و استمر على صمته ، بينما يشعر بألم كبير يحتل قلبه ..
كرر طه بنفاذ صبر : " أخبرنا يا مازن " .
فاجأهم مازن عندما همس بصوت خافت .. ضعيف موجهاً حديثه إلى تسنيم : " هل أنتِ مصرة على الزواج منه ؟ "
أعتقدت تسنيم أن سؤاله هذا إشارة إلى استسلامه و أنها فور أن تؤكد رغبتها في الزواج من سيف .. سيعلن موافقته بدوره ..
لذا نظرت إليه بتصميم و عيونها تفضح عشقها لسيف : " نعم " .
تساءل مازن بخفوت و .. خوف من إجايتها : " و إن أخبرتكِ أنكِ إن تزوجتي منه لن أتحدث معكِ ثانية و لن تكوني شقيقتي من اليوم ، فماذا سيكون قراركِ ؟ "
شهقت هالة بقوة كأول رد فعل تتخذه من بداية الشجار ، في حين صاح طه بعدم تصديق :
" ما الذي تقوله يا أحمق ؟ "
إلا أن مازن كرر بإصرار و عيونه لا تنزاح عن تسنيم : " ماذا سيكون قراركِ يا .. تومي " .
أغمضت تسنيم عينيها بقوة غير مصدقة لما تسمعه ، شقيقها الحبيب يُخيّرها بينه و بين حبيبها !
كيف له أن يفعل ذلك ؟
أ سيتخلى عنها حقاً إن قبلت الزواج من سيف ؟
أ عليها أن تختار بينهما ؟
هزت رأسها بقوة رافضة هذا القرار الظالم ، فهي لا تستطيع الاختيار بينهما ..
صوت مازن القوي جعلها تنتفض في مكانها : " اختاري يا تومي " .
صاحت باعتراض و قد بدأت دموعها في الهطول : " لا .. لا " .
توسعت عيونه بصدمة ؛ ما الذي تعنيه ب ( لا ) ؟
أ يعني أنها لا تستطيع الاختيار بينهما ؟
أنها تضعه في نفس المكانة مع هذا اللزج ، تحبه بمقدار حبها له !
هل قضى تسع سنوات من عمره يرعاها و يهتم بها .. حتى تتخلى عنه بهذه السهولة !
مستحيل هذه ليست تسنيم .. ليست تومي التي كانت تتشبث به و لا تتركه .. ليست هي التي كانت تنفذ كل أوامره بطاعة لا متناهية ..
صاح بغضب و قد فقد سيطرته على نفسه كلياً : " يا حقير " .
كان يقصد بها سيف .. حيث تحرك نحوه ينوي توجيه العديد من اللكمات له ، إلا أن والد سيف هو الذي وقف أمامه و لكمه بقوة أردته أرضاً ..
شهقت هالة بخوف و هرعت إلى ابنها محتضنة إياه ، في حين صاح والد سيف : " لقد صمتت عندما رفعت يدك عليه أول مرة ، و لكن هذا لا يعني أن تتمادى و تكررها " .
أخذ سيف يلتقط أنفاسه بقوة من فرط الغضب ، و ابتعد عن والدته بعنف ، لينهض بقوة و يقول لتسنيم بتحذير :
" تذكري أنكِ مَن أخترتي هذا " .
ليغادر بعدها المنزل تاركاً عيون تحدق في أثره باستفراب و ذهول و .. انتصار !
سقطت تسنيم على ركبتيها فجأة و أخذت تشهق ببكاء عنيف ، فهي لم تكن تتوقع أن مازن جدي في حديثه .. و أنه حقاً سيقاطعها إن وافقت على سيف ..
" لا .. لا .. أنا لم أختار .. لا أريد الإختيار .. لا " .
اقتربت منها هالة في نفس اللحظة التي اقترب منها سيف ، ليسبق هالة عندما ضم تسنيم لأحضانه و هو يقول : " إهدأي حبيبتي .. لا شئ يستحق " .
ابتعدت عنه بعنف : " بلى يستحق .. لقد غضب مني و لن يتحدث معي ، يا إلهي لا أريد ذلك " .
ضمتها هالة إلى أحضانها بحنو و هي تقول : " لا تقلقي حبيبتي .. لقد قال هذا من غضبه لا أكثر ، هو لا يمكنه الغضب منكِ " .
نظرت تسنيم إلى والدتها بشك .. منتظرة أن تؤكد لها الأخيرة حديثها ، لتبتسم لها هالة بتأكيد .. مملسة على شعرها بحنو و هي تقول : " أ لا تعرفين شقيقكِ ؟ ، كثيراً ما يغضب و بعدها يعود و كأنه لم يحدث شيئاً ، اطمئني " .
حينها اقترب طه ليُنهضها برفق و هو يقول : " اذهبي إلى غرفتكِ و لا تفكري في شئ حبيبتي " .
أطاعته تسنيم بضعف و سارت لتصعد إلى غرفتها ، و كل ما تفكر فيه مازن .. و كيف سيعاملها من اليوم ؟!
التفت طه إلى والد سيف و هتف بحرج : " أعتذر عما بدر من مازن " .
هتف والد سيف بغضب يحاول السيطرة عليه : " لا أعلم ما الذي جعل ولدك يفعل ما فعله يا طه ؟ ، ما به سيف ليرفضه بهذه القوة ؟ "
ازداد الحرج على ملامح طه و لم يستطع التبرير ، فهمست هالة بدفاع و اهي : " لا تقل هذا أرجوك ، لا أحد يعيب في سيف .. فجميعنا نعرف أخلاقه و طيبة قلبه ، كل ما في الموضوع أن مازن متعلق بتسنيم كثيراً .. و ربما معرفته برغبة سيف في الزواج منها جعلته يغضب لأنها سوف تبتعد عنه " .
زم سيف شفتيه بعدم رضى ؛ فعلاقة تسنيم بمازن لم تلقى استحسانه يوماً ، و لكنه كان لا يحبذ الحديث معها في هذا حتى لا تغضب .. خاصة و أن مازن بالنسبة لها ليس كأي شخص .. و لا أحد يستطيع أن يحل محله بسهولة ، لكن .. آن الأوان كي تضع تسنيم حد لعلاقتهما ، فمازن ليس شقيقها كي تتعامل معه بهذه الراحة و تتعلق به مثل هذا التعلق !
اقتربت هالة من شقيقتها لتعتذر منها قائلة : " لا تغضبي حبيبتي أرجوكِ .. قدري أن مازن من بعد وفاة رنيم و هو متعلق بتسنيم كثيراً ، و من الواضح أنه لن يتقبل زواجها بسهولة " .
عبست منال بملامحها و قالت : " حتى لو .. لم أتوقع من قبل أن يفعل مازن بسيف هكذا و يعترض بهذه القوة على زواجه من تسنيم ، على الرغم من خلافتهما الواضحة منذ صغرهما ، إلا أنه يظل أبن خالته .. و من المفترض أن يسعد مازن برغبة سيف بالزواج من شقيقته .. فكما أعتقد لن يحميها و يحافظ عليها أحد مثله .. و ستكونوا مطمئنين عليها و هي معه " .
هتف طه بهدوء ، بينما بداخله الكثير من الأفكار و التساؤلات : " لا أحد يستحق تسنيم مثل سيف ، و لكن .. و كما أوضحت .. مازن لا يتقبل ابتعاد شقيقته عنه .. و رد فعله يتخذه مع أي خاطب يتقدم لطلب يدها ، و أعتذر مرة أخرى على ما فعله " .
لينظر إلى سيف و يقول : " لا تغضب يا سيف " .
ابتسم سيف لزوج خالته و قال : " لا مشكلة يا عمي .. طالما تسنيم ستكون لي " .
ليتابع بداخله : " و أنا سأتكفل بإبعادها عن مازن نهائياً ، فعلاقته بها لا ترضيني " .
أكد طه بحزم : " بالطبع ستكون لك " .
و أردف بداخله : " أما مازن .. فللأسف .. حان وقت تدخلي ! "
**********
ودع فريد والد زوجته بعد انتهاء اجتماعهما و الذي استمر لما يزيد عن الساعتين ، ليعود إلى مكتبه و يرتمي على مقعده مغمضاً عينيه بتعب ..
يا إلهي كم يكره هذا الرجل !..، يكرهه هو و ابنته و أمواله !
فبسبب أمواله .. و عندما تعرضت شركاته - هو و والده - لأزمة مالية أوشكوا على الإفلاس بسببها .. تدخل هو معلناً ترحيبه بمساندتهما و تدعيمهما ، فشاركهما بنسبة لا بأس بها في أسهم شركاتهما ..
و توطيداً لهذه الشراكة .. و حتى يضمن والده بأن أموالهما ستظل لهما .. طلب من ولده فريد أن يتزوج من أبنة صلاح الصاوي ، و حرصاً من فريد على أمواله .. و حتى لا يغضب منه والده .. وافق على الزواج من رانيا بمضض ..
و ها هو يكاد يتم السنتين معها و لم يحبها يوماً .. بل هي حتى لم تجذبه ، فكل يوم يكتشف كم هي إمرأة منافقة .. أنانية .. لا يهمها سوى نفسها .. و أن تكون الرابحة دائماً ..
و عليه فكر هو أيضاً في الربح .. و الراحة .. و الإستمتاع !
فأخذ يتزوج مَن تعجبه سرياً و يستمتع بها دون أن يعلم أحد بذلك ، و في نفس الوقت استمر في زواجه من رانيا و ضمن عدم إفلاسه ، و بالتالي استفاد من جميع الجهات !
انتقلت أفكاره إلى جهة أخرى .. جهة صغيرة .. أكثر لذة !
ياسمين .. تلك الخادمة التي أصبحت تعمل لديه بين يوم و ليلة ، كم هي جميلة و جذابة .. تجعل أي رجل يرغب فيها !
و ها هي اللحظة قد حانت .. و قريباً سيحصل على هذه الصغيرة .. اللذيذة !
التقط مفاتيح سيارته .. ثم خرج من مكتبه و من الشركة بأكملها ، ليبدأ أولى خطواته في الحصول على الحلوى خاصته !
وصل إلى شقته و فتحها .. ليدلف إلى الداخل فيجد الهدوء يعم المكان ، سار باتجاه غرفة النوم .. ليصله صوت زوجته تتحدث بغنج ..
فتح الباب فرآها متمددة على سريرهما .. جسدها لا يغطيه سوى قميص نيلي قصير .. و الهاتف مستقر على أذنها .. و يدها تعبث في خصلات شعرها بدلال ..
أغلقت الهاتف فوراً حالما رأته .. و قفزت إلى أحضانه .. و هي تقول بدلال لا يُقاوم : " حبيبي .. اشتقت لك " .
لتبتعد قليلاً و تنظر إلى عينيه قائلة : " لِمَ لم تخبرني أنك قادم ؟ ، على الأقل كنت تجهزت لك " .
أبعدها فريد عنه ببرود غير متأثراً بمظهرها أو دلالها ، جلس واضعاً ساق فوق الأخرى .. و قال ببرود قاسي .. و هو يحذف عليها دفتر شيكاته :
" ضعي المبلغ الذي تريدين .. نظير خدماتكِ " ، قال أخر كلماته و هو ينظر إلى جسدها بوقاحة ..
نظرت زوجته إليه بعدم فهم و قالت بسذاجة : " الأموال التي أعطيتني إياها لم أصرفها حتى الآن حبيبي " .
ابتسامة صغيرة ساخرة ارتسمت على شفتيه .. و قال ببرود : " لا يهمني إن كنتِ قد صرفتيها أم لا ، فما ستأخذيه هذه المرة سيكون أخر ما تحصلي عليه مني " .
فغرت فاهها بذهول و همست : " كيف ؟ "
أشعل سيجارته بهدوء .. ثم هتف بلا مبالاة : " لقد اكتفيت منكِ " .
جملة بسيطة و لكنها تعني الكثير عند زوجاته ، فهذه الجملة تعني الطلاق ..
هزت رأسها بعدم تصديق و سألته : " لِمَ ؟ ، هل أغضبتك ؟ ، ألم أعجبك ؟ "
نفث فريد دخان سيجارته و هتف ببرود : " لا أحب الأسئلة الكثيرة ، ضعي المبلغ الذي تريدين .. و اجمعي أغراضكِ و غادري " .
همست بخفوت و تردد : " و لكنني .. و لكنني أحبك " .
استقام فجأة ليواجهها و قال و هو يشدد على كل حرف من كلماته : " تذكري ما أخبرتكِ به عند زواجنا .. لا وجود للمشاعر بيننا .. فزواجنا مبني على الإستمتاع ، و وقتها أنتِ وافقتِ على هذا " .
قاطعته بوهن : " نعم .. و لكن " .
أصمتها بإشارة من يده و هو يقول بحزم : " لا يوجد لكن .. لقد أمتعتني .. و في المقابل وفرت لكِ ما ترغبين ، كلانا استفاد من هذه العلاقة .. و لكن للأسف حان وقت انتهاءها " .
همست و الحزن بادي على ملامحها : " لِمَ تنتهي ؟ "
لمعت عين فريد فجأة و هو يتذكر ياسمين .. و قال بخبث : " لأنني أريد هذا " .
ليلتقط دفتر شيكاته و يعطيها منه واحداً و هو يقول : " أكتبي الرقم الذي تريدينه .. و غادري الشقة في أقرب وقت ، و أنا سأمزق ورقة زواجنا " .
قالها ثم غادر الشقة متجهاً إلى قصره .. حيث توجد حلوته الخاصة !
أما زوجته .. فنظرت في أثره و الدموع تلمع في مقلتيها ، لقد أحبته من كل قلبها ، إلا أنه لم يحب فيها سوى جسدها ، و علاقتهما من البداية كانت واضحة ، لذا لا تملك حق الإعتراض !
**********
ركضت ميرفت خلف رانيا لتستوقفها قبل أن تغادر قائلة : " سيدتي .. سيدتي .. انتظري قليلاً .. أريد سيادتكِ في موضوع هام " .
التفتت لها رانيا ناظرة إليها بترفع و قالت بلا مبالاة : " ماذا تريدين ؟ "
التقطت ميرفت أنفاسها ثم قالت : " سيدتي .. فيما يخص الخادمة الجديدة " .
قاطعتها رانيا متسائلة : " أي خادمة ؟ "
أوضحت لها ميرفت قائلة : " تلك الخادمة ياسمين .. التي كانت في دار الأيتام " .
لم تتذكرها رانيا .. بل لم تكلف نفسها عناء تذكرها ، و هتفت بضجر : " لا أريد تذكرها .. أخبريني ماذا هناك و فقط .. ليس لدي وقت لكِ .. و لها " .
قالت ميرفت : " السيد فريد معجب بهذه الفتاة و يسعى ورائها " .
ارتسمت الصدمة على ملامح رانيا ، و سألتها باهتمام : " كيف عرفتي ؟ "
ابتسمت ميرفت عندما وجدت أنها استرعت اهتمام سيدتها و قالت : " إن السيد فريد يطلبها دائماً .. و هذا لم يحدث من قبل ، فلم يطلب يوماً خادمة بعينها لتقوم بطلباته ، و إن كان هذا طبيعي .. فبالتأكيد أن تقضي معه الكثير من الوقت و تتحدث معه عن حياتها ليس طبيعياً أبداً " .
ضاقت عين رانيا بتفكير .. مستبعدة تماماً أن يكون لزوجها علاقة بهذه الخادمة ؛ فالخادمات ليسوا من النوع الذي يجذبوه !
لذا نظرت إلى ميرفت بشك و سألتها : " أنتِ متأكدة مما تقولين " .
أكدت ميرفت بجدية : " نعم سيدتي " .
شردت رانيا للحظات .. حتى و إن كان زوجها معجب بهذه الخادمة .. فهذا لا يزعجها .. طالما أن علاقته بها سرية و لا أحد يعلم عنها شئ ..
نعم .. هي تعلم أن له علاقات سرية مع العديد من النساء !..، بل إنها تعرفهن جميعاً ، و لكنها لا تبالي بهذا طالما هي فقط زوجته أمام المجتمع !
إلا أن هذا لا يعني عدم مراقبتها لعلاقاته هذه عن بعد .. كي تتدخل في الوقت المناسب .. عندما تهدد إحداهن حياتها !
لذا قالت بجدية : " اسمعيني جيداً يا ميرفت ، أريدكِ أن تراقبيهما جيداً و تخبريني بكل جديد ، انتبهي لهما .. لا أريد أن يحدث بينهما شئ لا أعرفه " .
وعدتها ميرفت قائلة : " لا تقلقي سيدتي .. لن أكف عن مراقبتهما .. و سأعلمكِ بكل شئ أول بأول " .
تمتمت رانيا ب " جيد "  قبل أن تغادر القصر ، بينما شرعت ميرفت في استكمال عملها .. و في نيتها أن تبدأ مراقبة ياسمين و فريد من اليوم !
**********
استيقظ إسلام بعد ليلة صعبة قضاها بعيداً عن عائلته الصغيرة .. أخذ يفكر فيها في كل ما حدث .. و كيف سيتصرف مع هبة ؟ ، و ما الذي عليه فعله ؟
خرج من الغرفة لتصله أصوات من المطبخ .. فدلف إليه ليجد شقيقه يقف أمام البوتاجاز و يبدو منغمساً فيما يفعله ..
هتف بمرح عكس ما يحمله قلبه من حزن : " على الرغم من مكوثك بمفردك ، إلا أنني لم أتخيلك من قبل واقفاً في المطبخ و تعد الطعام بنفسك " .
نظر له علاء بحقد .. و قال بسخرية : " هل تريد أن تلتقط صورة لتوفر عليك عناء التخيل مستقبلاً ؟ "
أقترب إسلام من الطاولة و أخذ قطعة خبز ليأكلها و هو يقول بضحك : " يا ليت " .
و أردف بمشاكسة : " محظوظة مَن ستتزوج بك ، ستدللها و تطهو لها " .
شرد علاء للحظات متخيلاً نفسه في المطبخ يطهو هو و زينة ، بينما هو يستفزها و يثير غضبها ، و ربما كان لديهما طفل وقتها يشاركهما هذا .. و يضفي مرحاً من نوع خاص ..
هز رأسه بقوة طارداً هذه الأفكار من رأسه ، ما باله يفكر فيها بهذه الطريقة و هو لم يراها سوى مرة واحدة .. بل لم يتحدث معها سوى ثواني قليلة ؟!
كيف له أن يتخيلها زوجة و أم لأطفاله و هو لم يعرفها و يعرف أخلاقها جيداً ؟!
صاح صوت بداخله : " لا تحتاج إلى معرفة أخلاقها يا علاء ، فمظهرها .. بوجهها البرئ .. و وجنتيها المتوردتين خجلاً .. و ملابسها المحتشمة ، أكبر دليل على أخلاقها الجيدة ! "
أغمض عينيه باعتراض ، المظهر ليس كل شئ ، كثيراً ما تخدعنا المظاهر و نتفاجأ بشخصية مَن أمامنا و أخلاقه ، ليس عليّ الحكم عليها من مظهرها فقط ..
اقترب منه إسلام من الخلف و ضربه بقوة على كتفه و هو يقول : " استيقظ يا دكتور ، لا أريد أن آكل طعاماً محروقاً " .
انتفض علاء بفزع .. و بتلقائية نظر إلى البيض ليجده على وشك الإحتراق .. ليتمتم ب " يا إلهي " .
وضع البيض على المائدة .. ليتبعه إسلام و يقول بمشاكسة : " إلى أي عالم ذهبت ؟ "
ليتابع و هو يغمز بوقاحة : " و جميلة .. أقصد .. جميل أم لا " .
أبعد علاء عينيه عن شقيقه - و الذي يعتبره في مقام والده - بحرج ، و هتف باندفاع : " متى ستعود إلى زوجتك و ترحمني ؟ "
صمت إسلام فجأة .. و زال قناع المرح الذي يتلبسه ، ليقول بهدوء آلم علاء : " لا تقلق لن أمكث معك كثيراً ، فقريباً سأبحث عن شقة لي " .
توسعت عيون علاء بصدمة : " شقة !..، أ وصلت إلى هذه الدرجة ؟! ، ما الذي حدث بينكما ؟ ، و على ماذا تنوي ؟ "
تنهد إسلام ثم قال بشرود : " لا أعلم .. صدقني لا أعلم ما حدث .. أشعر و كأنني لم أعرف هبة .. و يؤنبني ضميري بشدة عندما أفكر أنني تسرعت في الزواج منها .. و أنه كان عليّ التريث و الصبر ، و قلبي يعاتبني على هذا و يخبرني أنه لم و لن يحب غيرها .. و أنها الوحيدة القادرة على إسعاده ، و مع ذلك لقد جُرِح منها كثيراً .. و للأسف .. أيقن أن الحب ليس كل شئ ! "
نبرته و هو يقول هذه الكلمات كانت محملة بالحزن و الأسى ، مما جعل علاء يتألم عليه .. و يتساءل عما حدث بينه و بين زوجته و أوصله إلى هذا ، فلطالما كانت هبه تعشق إسلام و تحمد الله أنه رزقها به !
ربت على يديه بتدعيم .. و قال بصدق : " مهما حدث بينكما .. فأنتما تحبان بعضكما كثيراً .. و الحب ينتصر على أي خلافات ، ربما تحتاجان بعض الوقت لتنسا ما حدث ، إلا أنكما ستعودا إلى بعضكما في الأخير .. من أجلكما .. و أجل بناتكما " .
ابتسم إسلام بأمل .. و بداخله يتساءل إن كان حقاً سيستطيع نسيان ما فعلته هبه و يسامحها ؟!
صوت رنين جرس الباب قاطع جلستهما ، ليتأفف علاء بضجر .. ثم يقول : " بالتأكيد هذه أبنتك المزعجة " .
قهقه إسلام .. و نهض كي يفتح لها الباب ، وقف أمام الطارق بدهشة .. و استغراب من هذه الزيارة .. في هذا الوقت !
توترت ليندا و هي ترى إسلام هو الذي يفتح لها الباب ، لقد انتظرت الشروق بصبر تُحسد عليه .. حتى تأتي لعلاء و تُعيد العلاقة بينهما كما كانت ، إلا أنها تفاجئت بوجود إسلام عنده في هذا الوقت ..
" صباح الخير إسلام " .
عقد إسلام حاجبيه بعدم رضى .. و هتف بفتور : " صباح النور " .
توترت ليندا أكثر و هي ترى عدم ترحيبه بوجودها ، فسألته : " علاء .. هنا ؟ "
أومأ إسلام بالإيجاب دون أن يكلف نفسه عناء الرد عليها ، لتتابع بخفوت : " هل يمكنني الدخول ؟ "
رفع إسلام أحد حاجبيه باعتراض : " أين تدخلين ؟ ، شقة أعزب بها رجلين ! "
ابتلعت ريقها بقوة قبل أن تقول بسذاجة : " و ما المشكلة في ذلك ؟ "
هتف بصدمة : " أ حقاً تسألين ما المشكلة ؟! "
ضغطت على كفيها بقوة من التوتر .. و صمتت ، بينما هو نظر إليها بحدة منتظراً رحيلها ، إلا أنها لم ترحل .. بل ظلت واقفة أمامه بإصرار .. فهي جاءت لهدف محدد .. و لن ترحل إلا بعد تحقيقه !
استغرب علاء من عدم عودة إسلام .. و ما زاد استغراب هو عدم سماعه لصياح لارا الذي من المفترض أن يملأ الشقة ..
خرج من المطبخ .. ليرى إسلام واقفاً عند الباب .. يوليه ظهره ، تساءل بحيرة :
" مَن الطارق يا إسلام ؟ ، و لِمَ تقف هكذا ؟ "
التفت إسلام إليه و قال بانزعاج : " أقف هكذا لأن الطارق لا يجب أن يدخل الشقة .. و انتظر أن يفهم هذا و يرحل .. إلا أنه ما زال يقف أمامي " .
" أما عن هويته ، فأفضل أن ترى بنفسك " ، قالها و هو يبتعد عن الباب .. سامحاً لعلاء برؤية الطارق .
تفاجأ علاء من وجود ليندا ، إلا أنه لم ينصدم كما حدث لشقيقه .. فهو معتاد على زياراتها له في شقته !
تنهد بانزعاج .. فأخر ما يتمناه الآن هو رؤيتها و سماع توسلاتها .. خاصة و أن حديث أمير ما زال يتردد في أذنيه ..
" ماذا تريدين يا ليندا ؟ "
تنهدت ليندا براحة عندما رأته .. و لمعت عيونها باشتياق ، دلفت إلى داخل الشقة بجرأة فاجئت إسلام ، و وقفت أمامه قائلة :
" صباح الخير " .
تنهد علاء و كرر .. متجاهلاً تحيتها : " ماذا تريدين يا ليندا ؟ "
نظرت ليندا إلى إسلام بطرف عينها .. و أشارت إلى علاء برأسها في علامة تدل على أنها تريد الحديث معه بمفرده ، إلا أن علاء لم يستجيب لها .. بل هتف ببرود لأول مرة يستخدمه معها منذ أن نشأت صداقتهما :
" إن لم يكن هناك شيئاً هاماً .. فالأفضل أن تغادري .. و سنتقابل لاحقاً في المشفى " .
فغرت ليندا فاهها بذهول غير مصدقة لما تسمعه ، إنه يطردها .. كلماته لا تعني سوى هذا ، ماذا .. أ أصبح يكرهها إلى هذه الدرجة ؟
يا إلهي .. ما الذي عليها فعله لتعيده كما كان ؟ ، ما الذي عليها فعله ليسامحها ؟!
تباً .. تباً لليوم الذي أغضبته فيه .. تباً للحظة التي شكت فيها في أخلاقه ، يا ليتها لم تتفوه بهذه الكلمات ..
توسلته و الدموع تلمع في مقلتيها : " أحتاج إلى الحديث معك علاء " .
و تابعت بهمس حتى لا يسمعها إسلام : " أحتاجك " .
تنهد علاء بضيق .. و نظر إلى شقيقه قائلاً : " سأغادر حتى لا اتأخر على المشفى ، لا تجهد نفسك .. و حاول أن تحل موضوعك " .
ثم نظر إلى ليندا .. ليجد الإبتسامة تزين شفتيها ، فسب نفسه بداخله .. و قد بدأ يشعر أنه أخطأ فعلاً في السماح لها بالتمادي معه ..
هتف باقتضاب : " هيا بنا " .
خرجا من الشقة سوياً ، بينما إسلام ينظر في أثرهما باستغراب .. و الكثير من التساؤلات و .. الإعتراضات تراوده !
صعدا إلى السيارة ، ليقود علاء بهدوء .. دون أن يتفوه بأي حرف ، مما جعلها تعبس بملامحها بانزعاج .. فليس هذا ما تريده ..
" علاء .. هل يمكننا الذهاب إلى مكان هادئ و الحديث سوياً " .
رد بحزم غير مبالياً بتأثير كلمته البسيطة عليها : " لا " .
أغمضت عينيها بيأس و قالت : " لِمَ أصبحت قاسي معي هكذا ؟ ، لم يكن حديث هذا الذي جعلك تتجاهلني " .
فاجأها عندما صف ّالسيارة على جانب الطريق ، لتبتسم بسعادة و هي تعتقد أنهما أخيراً سيتحدثا و يعودا كما كانت ..
إلا أنه فاجئها مرة أخرى عندما قال : " اسمعيني يا ليندا .. أنا لن أكذب و أقول أن حديثكِ ذلك اليوم لم يزعجني .. لقد انزعجت و غضبت كثيراً ، إلا أنني خلال اليومين الماضيين فكرت ملياً في علاقتنا ، و أدركت كم تساهلنا في كثير من الأشياء " .
أمالت رأسها بعدم فهم ، على الرغم من أن قلبها انقبض بألم .. و شعرت أن حديثه القادم لم يعجبها ..
تابع بصراحة .. على الرغم من أن هذه الصراحة ستجرحها كثيراً ، إلا أنه قرر أن يضع النقاط على الحروف فيما يخص علاقتهما :
" أشعر أنني معجب بفتاة ما " .
رمشت بعينيها بعدم فهم .. و قد ارتسم ألم كبير على ملامحها ، إلا أنها هزت رأسها بقوة .. رافضة أن يكون ما سمعته صحيحاً :
" ماذا ؟ "
شعر علاء بالألم عليها .. و أنبه ضميره بشدة على أنه السبب فيه ، فمنذ أن علم بقصتها مع والدها .. أقسم على أنه سيبذل ما في وسعه لإسعادها و تعويضها ، إلا أنه في غمرة هذا .. تغافل عن مشاعرها التي تطورت بشكل سريع اتجاهه ، و بدلاً من أن يسعدها كما سعى ، زاد من حزنها و ألمها !
ابتلع ريقه بقوة .. و قال بتردد : " إنها تجذبني كثيراً بخجلها و أخلاقها .. و أشعر بالراحة عندما أتحدث معها " .
أغمضت عينيها بألم .. خجل الفتاة .. و أخلاقها .. الشيئان اللذان من المستحيل أن يراهما علاء فيها هي !
همست بصوت مختنق : " هل أعرفها ؟ "
" نعم تعرفيها .. و تريها كل يوم في المشفى " ، كاد علاء أن ينطق بهذه الكلمات ، إلا أنه تراجع .. حتى لا يجرح ليندا أكثر ، أو ربما لأنه خائف من تهورها .. و إفساد علاقته بزينة قبل أن تبدأ !
اكتفى بحركة نافية برأسه ، لتسأله ليندا مرة أخرى بحزن :
" هل تحبها كثيراً ؟ "
تنهد علاء و قال بصراحة .. أعادت الأمل إلى قلب ليندا العاشق : " لا أعلم .. ربما هو حب .. أو مجرد إعجاب بشخصيتها سيزول مع الوقت .. لا أستطيع تحديد مشاعري اتجاهها بهذه السرعة " .
ابتسمت ليندا ابتسامة واسعة .. راضية ، و أقسمت بداخلها أنها ستبذل قصارى جهدها لتنل حبه ، و لن تسمح لأخرى بأخذه منها !
في حين نظر علاء إليها و تابع قائلاً : " أنا لست غاضباً منكِ ليندا ، و لكن يجب أن يكون هناك حدود لعلاقتنا ، فلا يمكنكِ أن تأتي إلى منزلي .. أو نسهر سوياً لأوقات متأخرة ، فهذا يضركِ أنتِ ، بسمعتكِ تحديداً " .
لم تبالي ليندا بكلماته ، فهي لا يهمها سوى حبه ، و أي شئ غير هذا لا يهمها !
إلا أن علاء لم يتركها حيث قال : " ما رأيكِ ليندا ؟ "
رفعت أكتافها ببرود : " كما تريد " .
استغرب علاء من ردها البارد ، فلقد توقع أن تنهال عليه باعتراضاتها و رفضها ، و مع ذلك شعر بالرضى باستسلامها و رضاها عن قراره ، و ضميره ارتاح أخيراً اتجاهها ، غير مدركاً لما تنويه هذه العاشقة !
قاد السيارة إلى المشفى في جو يسوده الصمت ، فلقد كانت ليندا شاردة في خططها المستقبلية اتجاهه ، و ماذا ستفعل كي ينظر إليها بعد مرور عشر سنوات على علاقتهما ؟!
و لم تنتبه على نفسها إلا عندما صفّ سيارته في الجراج الخاص بالمشفى ، فترجلت منها و سارت لتبدا في عملها دون أن توجه له أي كلمة ..
مما جعله يستوقفها بتردد : " ليندا .. هل أنتِ غاضبة مني ؟ "
التفتت له مبتسمة و قالت : " لا .. أنا فقط أفكر في حديثك " .
ابتسم براحة و قال : " حسناً " .
دلفا إلى المستشفى ، و كلاً منهما يفكر فيما سيفعله !
ذهبت ليندا إلى عملها ، في حين توقف علاء أمامه و هو يرى زينة خارجة من إحدى الغرف ، سار باتجاهها حتى توقف أمامها و ابتسم قائلاً :
" صباح الخير " .
أطرقت زينة بوجهها بخجل .. و ردت بصوت لا يكاد يسمع : " صباح الخير دكتور " .
ازدادت ابتسامة علاء و هو يلاحظ خجلها و سألها : " أرجو أن يكون العمل معنا نال إعجابك " .
رفعت رأسها .. إلا أن نظراتهما لم تلتقا .. و همست : " نعم .. كثيراً " .
تمتم ب " جيد " .
و كاد أن يفتح موضوعاً ليتحدثا فيه ، إلا أنها همست بتوتر : " اسمح لي .. لدي عمل عليّ متابعته " .
و سارت من أمامه فوراً .. و توترها يظهر في خطواتها ..
استند علاء على الجدار خلفه .. متأملاً ابتعادها .. هامساً بداخله : " هذه هي ! "
**********
انتظرت هبه مغادرة علاء إلى عمله بنفاذ صبر ، منذ أن أخبرتها لارا بالحادث الذي تعرض له إسلام و قلبها يأن بألم .. حتى أنها لم تستطع النوم طوال الليل ، و أخذت تفكر أنها السبب في هذا الحادث .. و أنها لم تكن لتسامح نفسها إن حدث له مكروه ..
تنهدت براحة عندما رأت علاء يصعد إلى سيارته ، و دون إهدار ثانية .. فتحت باب شقتها لتصعد إلى شقة شقيق زوجها .. أينما قضى حبيبها ليلته ..
طرقت الباب بهدوء و انتظرت حتى يفتح لها إسلام الباب ..
لم تمر سوى ثواني قليلة ، إلا و قد كانت واقفة أمام إسلام متأمله إياه بحزن يماثل الحزن المرتسم على ملامحه ..
همست بصوت مختنق : " حبيبي " .
نظر لها إسلام من أعلاها إلى أسفلها .. بجلباب الصلاة الذي ترتديه .. و عيونها الحمراء المنتفخة .. مشيرة إلى بكاءها لفترات طويلة .. و كفيها المتشابكان بتوتر ..
ابتعد عن الباب و سار إلى الداخل دون أن يوجه لها كلمة ، إلا أنه ترك لها الباب مفتوحاً سامحاً لها بالدخول ..
دلفت هبه إلى شقة علاء و أغلقت الباب ورائها ، بحثت عن إسلام بعينيها فرأته متمدداً على الأريكة .. ناظراً إلى الأعلى بشرود ..
سارت باتجاهه و جلست على طرف الأريكة .. ضغطت على كفه بحنو .. و قالت :
" كيف حالك الآن ؟ ، لقد أخبرتني للارا بأنك تعرضت لحادث " .
ابتسم إسلام بسخرية لم يستطع كبتها و قال : " الآن تسألينني عن حالي ؟ ، أين كنتِ بالأمس ؟ "
هتفت بتبرير واهي : " قضاء ليلتك عند علاء وضّح لي أنك لا تريد رؤيتي أو الحديث معي ، فخشيت أن أصعد إليك و نتشاجر أمامه " .
صدرت عنه ضحكة ساخرة و قال : " و هل تريني بهذه التفاهة ؟ "
كادت أن ترد عليه ، إلا أنه قاطعها متابعاً :
" لِمَ لا تقولي أنكِ لم تتأثري بما حدث لي .. و لم تنتابكِ ذرة خوف اتجاهي ؟ "
نفت بدفاع : " كيف يُخيّل لك هذا ؟ ، على العكس .. أنا لم أغفى طوال الليل تفكيراً فيك .. و خوفاً عليك " .
هتف بنفور .. غارساً خنجراً في قلبها : " لم أعد أصدقكِ يا هبه " .
همست ببلاهة .. غير مصدقة لما تسمعه : " ماذا ؟ "
هتف ببرود جارحاً إياها أكثر : " كما سمعتي .. لم أعد أصدقكِ أو أثق بكِ " .
أبعدت كفها عن خاصته .. و أطرقت برأسها بألم ، و سألته بتلعثم : " كيف .. لِمَ ؟ "
ابتسم ابتسامة جانبية مخفياً وراءها جرحه منها .. و قال : " و لِمَ عليّ أن أثق بكِ إن كنتِ لا تبادليني هذه الثقة ؟ " .
عقدت حاجبيها بضيق .. و هتفت مناقضة أفعالها : " أنا أثق بك " .
قبض على ذقنها بقوة .. و رفع رأسها كي تلتقي أعينهما ، و هتف بغضب : " و الدليل على ثقتكِ المدعية .. أن تراقبين هاتفي .. تفاجئيني في العمل لترين إن كنت موجوداً أم لا .. و ماذا أفعل .. تجلسين على نار عندما أخرج .. تتسائلين أين ذهبت و مع مَن ، كل هذه ثقة بي يا زوجتي العزيزة ! "
أغمضت عينيها بأسى غير قادرة على الرد عليه ، فللأسف كل ما يقوله صحيحاً .. لقد جرحته بشدة .. و لا تعلم كيف ستستطيع مداواة جرحه !
صاح بغضب : " انطقي .. كيف تثقين بي و أنتِ تفعلين كل هذا ؟ "
أخذت تبكي بقوة عوضاً عن الرد عليه ، إلا أن إسلام لم يتأثر ببكاءها .. فجرحه منها كان أكبر !
نهض من على الأريكة بصعوبة بسبب ألم ساقه ، و قال بتأنيب :
" ما يثير عجبي أنكِ تعاونتي مع مشيرة و نفذتي حديثها ، مشيرة التي تعلمين مدى كرهها لكِ و حقدها عليكِ ، التي حاولت إثنائي عن الزواج منكِ " .
عاد ليقبض على ذقنها مرة أخرى .. غير مبالياً ببكاءها .. و هتف : " أ تعلمين أنني لا زلت أتذكر ما قالته لي كي تجعلني أتراجع عن الزواج منكِ ، أتذكر سخريتها من عدم قدرتكِ على الإنجاب وقتها ، حاولت الضغط على وتر الأبوة لدي كي أبتعد عنكِ ، إلا أنني لم أتأثر بحديثها وقتها .. أ تعلمين لماذا ؟ "
قبض على ذقنها أقوى ، مما جعلها تصدر صوتاً متألم .. و صاح : " أ تعلمين لماذا ؟ "
همست من بسن بكاءها .. غير قادرة على تحمل غضبه : " لماذا ؟ "
نظر في عينيها و قال : " لأنني أحببتكِ وقتها على الرغم من أنني لم أعرفكِ لوقت طويل ، كنت أثق أنكِ ستمنحيني السعادة التي أبتغيها " .
ليعود و يصيح جاعلاً إياها تنتفض في مكانها : " و ماذا فعلتِ أنتِ ؟ ، أخفيتي عليّ علاجكِ من قبل ، سمحتي لمشيرة أكثر مرة للتدخل في حياتنا و محاولة إفسادها ، و نهايتها تشكين بي .. أنا يا هبه .. أنا " .
همست بندم صادق : " آسفة " .
ابتعد عنها صائحاً : " و بم سيفيدني أسفكِ ؟ ، هل سيعيد لي كرامتي أمام زملائي و هم يروكِ كل يوم تأتين للعمل ، أم سيفسد من انتصار مشيرة ؟ "
وضعت يديها على وجهها بندم .. و همست بتوسل : " أرجوك سامحني .. أرجوك .. أعدك أنني سأثق بك .. لن أسمح لأحد بالتدخل في حياتنا " .
ابتسم بسخرية و قال : " لقد فعلتيها و وعدتيني من قبل يا هبه ، أخبرتيني أنكِ لن تخفي عني شيئاً و ستثقين بي ، و ماذا فعلتي ؟ ، شككتي بي .. و كذبتي عليّ ! "
شد شعره بقوة و هتف : " يا إلهي .. فقط لو كنتِ صارحتيني .. كنتِ أخبرتيني بحديثكِ مع مشيرة " .
همست باستعطاف : " إسلام " .
جلس على الأريكة بتعب و قال : " غادري يا هبه " .
قاطعته بضعف : " و لكن " .
هتف بإصرار : " غادري .. لا أريد أن أفعل ما أندم عليه .. غادري .. أفضل لكِ " .
جملته دبت الرعب في أوصالها .. فنهضت بخوف و سارعت للخارج ، إلا أنه استوقفها متسائلاً :
" ما الذي قالته لكِ مشيرة و جعلكِ تشكين بي ؟ "
توقفت هبه مكانها ..و ضغطت على مقبض الباب بقوة ، لحظات سيطر فيها الصمت عليهما .. لتقطعه هي هامسة بصراحة :
" أخبرتني أن الرجال خائنون لا يكتفون بواحدة ، خاصة و أنني لم أرزقك بولد يحمل اسمك " .
ولد !
يا لها من غبية ، هل سيرتبط بواحدة أخرى من أجل ولد ؟!
هو مَن قبل بها على الرغم من أن نسبة إنجابها كانت ضئيلة !
" غادري يا هبه " .
و باستسلام فتحت الباب و غادرت .. خشية من أن يتهور زوجها في لحظة غضب .
**********
بقت لارا جالسة في القاعة على الرغم من انتهاء المحاضرة من فترة ليست قليلة ، إلا أنها لم يكن لديها الرغبة في الذهاب إلى مكان .. فاعتذرت من صديقاتها .. و فضلت انتظار المحاضرة الأخرى في القاعة ..
استندت برأسها على المقعد .. و أغمضت عينيها مفكرة فيما يحدث مع عائلتها ، هذه أول مرة يغضب فيها والدها من والدتها و يقضي ليلته خارج البيت ، ترى كيف ستنتهي هذه المشكلة ؟ "
كان يتأملها من بعيد بخبث .. ممنياً نفسه بالحصول عليها قريباً ..
سار باتجاهها .. و جلس بجانبها .. و قال : " لِمَ تجلسين لحالكِ ؟ "
اعتدلت لارا في جلستها .. و نظرت إليه هاتفة باقتضاب : " ليس لدي مزاج للخروج " .
تذمر خالد بداخله ، فها قد عادت إلى طريقتها الأولية في الحديث معه !
هتف بلطف جاهد للحصول عليه : " هل هناك ما يزعجكِ ؟ "
هتف لارا بحزن : " نعم .. شئ من هذا القبيل " .
تنهد خالد براحة ، فلقد كان خائفاً من أن تعود إلى تجاهلها له و يبدأ معها من جديد ..
و سألها : " هل يمكنني معرفته ؟ "
هتفت بحرج : " إنه أمر خاص " .
قاطعها : " حسناً لا مشكلة " .
و أردف بحنو : " المهم ألا تنزعجي " .
ابتسمت باصطناع و قالت : " لست منزعجة " .
و تابعت بجدية : " ما أخبار المذاكرة معك ؟ "
عبس بملامحه بكذب و قال : " سيئة جداً ، بت متأكداً أنني سأحمل المادة هذه السنة أيضاً " .
هتفت بعدم رضى : " لا تقول هذا ، ثم .. لِمَ لا تأتي كي أشرحها لك " .
هتف بخجل أبعد ما يكون عنه : " لم أشأ إزعاجكِ " .
نفت بجدية : " لا تقول هذا ، لقد ساعدتني من قبل .. و لولاك لكنت حملت المادة أنا أيضاً ، و أقل شئ أقدمه لك هو أن أساعدك في فهمها " .
ابتسم خالد بقوة و هتف بحماس : " حسناً .. متى نبدأ ؟ "
ابتسمت له و قالت : " متى أردت .. أنا مستعدة في أي وقت " .
" لنبدأ غداً إذاً " .
أومأت بالموافقة و قالت : " كما تريد " .
ابتسم بانتصار و همس بداخله : " أهلاً بكِ في عرين الأسد .. أعدكِ أنكِ ستستمتعين كثيراً ! "
**********
عادت أسيل إلى المنزل مبتسمة بسعادة و انتصار ، لقد تفوقت على نفسها و قلبها ، رفضت الإستسلام لما يقوله طارق و تنفيذه بخنوع ..
لقد استفربت من نفسها عندما وافقته على أن يأتي و يقلها من عملها بكل هذه السهولة .. و كأنهما حبيبين !
لذا بكل إرادة و قوة .. و عدم استسلام لقلبها العاشق .. لم تتصل به .. و عادت إلى المنزل بمفردها ، مفكرة طوال الطريق برد فعله عندما يعود و يراها !
اتجهت إلى شقة عمها بدلاً من شقتها ؛ كي تطمئن عليه .. و تقص عليه أحداث يومها ، و الأهم .. كي ترى رد فعل طارق عندما يعود و يجدها في انتظاره !
طرقت الباب .. لتفتح لها زوجة عمها ، فقبلتها بقوة .. و ركضت إلى عمها لتحتضنه بحب ، هتفت بدلال :
" افتقدتك طوال اليوم عمي " .
أبعدها محمد عنه و هتف بمشاكسة : " يا كاذبة ، بالتأكيد لم تتذكريني في غمرة أنشغالكِ بأول أيام العمل " .
و أردف باهتمام : " أخبريني .. كيف وجدتيه ؟ "
صاحت أسيل بسعادة طفولية : " رائع ، أفضل ما فيه أن صديقتي تعمل معي .. و أن شقيقها هو رئيس مجلس الإدارة ، أي أنهما سيوفران لي كل سبل الراحة الممكنة " .
ملس محمد على شعرها بحنان و قال : " جيد حبيبتي " .
و تابع بتساؤل : " هل وجدتي صعوبة في الذهاب أو العودة ؟ "
أطرقت أسيل بوجهها بتفكير ، ليسألها محمد بخوف : " هل حدث شئ أزعجكِ ؟ "
هتفت بتردد : " نعم عمي " .
هتف بجدية : " ماذا ؟ "
أغمضت عيونها بإصرار .. و فتحتها لتظهر فيهما نظرة غامضة .. و قالت : " لقد أزعجني طارق في ذهابي .. و أصر على أن يقلني بنفسه " .
هتف محمد بارتياب : " و ما المشكلة في ذلك حبيبتي ؟ "
تنهدت أسيل بقوة و قالت : " عمي هو لا يريدني .. لا يفكر بي .. و في نفس الوقت يتدخل في حياتي و كأنه مسئول عني " .
أطرقت برأسها .. و تابعت بهمس متألم : " إنه يعذبني .. لا ينعم عليّ بحبه .. و في نفس الوقت يقترب مني و لا يسمح لي بنسيانه " .
تنهد محمد بتعب ؛ ما الذي عليه فعله مع ولده العنيد كي يلتفت إلى أسيل و يرى مدى حبها له ؟
إلى متى سيظل أعمى لا يري الجوهرة التي أمامه ؟
هتف محمد بثقة : " يوماً ما سيكتشف طارق حبه لكِ ، و حينها سيندم على كل لحظة قضاها بعيداً عنكِ " .
ابتسمت بسخرية و قالت : " أ عليّ أن أقضي عمري انتظاراً لهذا اليوم يا عمي ؟ ، أنا حتى لست متأكدة من إن كان سيحبني يوماً كما أحبه " .
هتف محمد بمرح محاولاً بث الأمل إلى قلبها : " سيحبكِ .. مَن يراكِ و لا يحبكِ ؟! "
ضحكت أسيل بخفة و قالت : " الكثير ، و لكنك لا تدرك هذا بسبب حبك لي " .
أعترض محمد : " بل لأنهم أغبياء " .
ضحكت مرة أخرى .. و لكن هذه المرة كانت ضحكتها عالية .. وصلت إلى طارق الذي دلف إلى البيت للتو !
وقف طارق في مكانه باستغراب ، إنها ضحكة أسيل ، و لكن .. أ ليس من المفترض أن يقلها إلى عملها ؟!
أخرج هاتفه من جيب سرواله كي يتأكد من أنها لم تتصل به ، و عندما رأى سجل المكالمات خالياً من اسمها ، قبض على هاتفه بقوة  .. و اتجه للداخل .. ليراها تجلس مع والده بأريحية .. و كأنها لم تفعل شيئاً ، فسألها بحدة :
" ما الذي تفعليه هنا ؟ "

لست أبي (كاملة)Where stories live. Discover now