ماذا حلّ بأجنِحتك؟

994 170 51
                                    

"ستتعافى" كلمة واحدة استنطقتها آنثيا، وهي تنظر لمن جلس على المقاعِد بممرّ المشفى، يعقد كفّيه ليغطي ملامحَ وجهه، بينما وقفت هي أمامهُ تمرر ابهامَ يدها المراحة على كتفه، تحاوِل طمأنتَه.

رفع رأسه ينظُر لها بأعيُن محمِرة. وأومأَ بهدوء وهو يطرد الهواء الحار عن رئتيْه، قبل أن يقول "آسفٌ لأنكِ تركت حفل ميلاد أختكِ لتكوني هنا".

"هيڤ، لا تكمل جملتك حتى!، التأكُّد من صحة والدتِك أهمّ بكثير" قاطعته مؤكدة برأسهَا. ليجد نفسه يبتسم، ثم بلل شفتيه موشِحًا نظرهُ بعيدًا عمّن أسرعت أناملها بمحو الدموعِ التي توقّفت عند أشفاره.

"لن يُصيبها مكروه، سنكونُ بجوارها حتى تستعيد صحتها بالكامل، تمامًا ككلّ مرة"

"أخشى أن كلّ ما فعلتُه هو أن أكون بجوارها ولمْ يغيّر ذلك شيئًا. كما أنً الأمرَ مختلف، هم حتى لا يسمحونَ لي برؤيتها".

أرخَت يديها على جانبيْها حينما طالتها نبرة صوتِه الخائبة، وشعرت بالخوف من كمّ الضعفِ الّذي بان من يديه المرتجِفتيْن. رغم محاولتها لئلّا تظهر تأثرها لتمدّه بالثبات الكافي، كانَت تعلَم لأيّ حدٍّ هي ستستَسلم أمامه. كيف لا ومن يمدُّها بالقوة يجلِس خائرًا أمامها بهذا الشكل؟

"هل الموت مبكّرًا أمر جيّد أم سيءٌ؟" سأل بتهالُك، وتهدّجه لم يخفَ على المسؤولِة التي لم تملك اجابةً شافيَة لاستفسارٍ مباغت.

هل تخبره أنها متسعدًة لِأن تكون مكانَه، أم تطلُب منه الرضا بقدرِه؟كلَا الخياريْن تنفيذُهما صعب، وربّما لن يخفّفا عنه شيئًا. وفهمت أنه لا يقصد والدته وحسب في هذا السؤال، فتركته يلفظ ما بصدره، وقالت

"يصعُب علينا أحيانًا وداع أحبّائنا، ذلكَ يتطلّب شجاعة وكثيرًا من الخُطب المنمّقة، ونحن بمثل تلك اللحظات، لا نملك شيئًا كافٍ لقولِه"

استمع لها، ثم قال "كنت أفكر كلّ يوم بما يجب عليّ كتابَته لها قبل رحيلي. لم أرِد أريد أن أترُكها بغتة كما فعل هو بِنا. لا أريدها أن تبحثَ كلّ ليلة في غُرفتي عن ذِكرى ربّما تركتها له، ثم لا تجِدها في نهايَة المطاف"

نشق وكفكفَ دموعَه، وتركها تراقبه بملامح عابِسة، متسائلةً عن كيف لفتى مثله أن ينشغلَ بمِثل هذه الأشياء، في الوقت الذي لا يهِمّ أقرانُه ما هو أكثر من الاستيقاظِ مبكّرًا للحاق بواجبات المدرسَة أو لقاء أصحابهم. وكأنها ترى الحياةَ تُسلب من يدِ يافِع، ويمنحه الأمل ظهرًا من الوداع دون سابِق انذار.

"ليس وكأنني قد كنت أفضل ما بدُنياها، لكن مجرّد الثواني التي قد تسلبُ قلبها، إن كان لرحيلي أو سواه، ستكون بطولِ سنواتٍ لي. لقد تمنيت دومًا أن أكون سباقًا لها عن هذه الحياة. لكنني لم أفعَل لها شيئًا منذُ رحيل أبي سوى أن أزيد العبء عليها. دفعتُها في أوقاتِ حاجتنا لبعضنا، ولم أكُن هناك أبدًا في أوقاتِ حاجتِها لي، والدليل أنها كانت لتلفظ أنفاسها الأخيرة بالمنزل وحدها، وأنا بالخارج أفعل ما لن أتذكّره حتى بعد عامٍ أو اثنين. هي أفضل حال بدوني"

رأيتُ هيڤنحيث تعيش القصص. اكتشف الآن