استيقظ قبلَ فوات الأوان

144 23 6
                                    

كانَ قد عادَ للتو من الخارِج.

أغلق البابَ بهدوءٍ خلفه حين لاحظَ أن بعض أضواء المنزل تعمل، مما جعله يشُك في كونِه قد تركَها مفتوحَة قبل خروجِه بالصباحِ.  وسعلَ ليطرد رائحَة السجائرِ عن فمِه، لكنّها كانت بالفعل ملتصِقة بملابِسه.

توقف بمنتصف خطواته، لما وجد والدَته قد وقفت عاقدَة ذراعيْها أمامها بمنتصفِ البهو وهي ترمُق ابنها الذي بدا في حالة يُرثى لها.

"لمَ لمْ تبقَ مع عائلة آنثيا؟ لقد اتصَلت بهم للتو لأُعلِم عن تسريحي من المشفى"

"حسنًا، أليست هذه أخبار جيدة! كما أنهم بنهاية الحيّ وحسْب، ليسَ وكأنني هربت من البلادِ" لمحة لسخرية بدَت في صوته، ولم يبدُ بكامل حضورِه عندما اقتربت منه الكُبرى، فمال بجذعه للخلف ملوحًا أقدامه بابتسامة واسِعة.

"حين طلبتُ منها أن تمدّ لك الهاتِف لنتحدّث، أخبَرتني أنّك لم تبقَ سوى لنصف يومٍ ثم عُدتَ إلى هنا" أردفت راجيةً تفسيرًا منه، لكنه أغمضَ عن اظهار تعابير مفهومة، وعبّر وهو يغوص بين كتفيه مقهقهًا "أجل، لقد رفضتِ أن أصحبكٍ للمشفى في عطلة الأسبوع، لذا أستطيع البقاء حيثُ أريد أثناءها"

"هيڤ، فكّر قبل أن تتحدّث" زجرته، ليزمّ الفتى شفتيْه ويرفع يديه استِسلامًا، ثم أخفضهما وأخطأ إلقاء هاتفه على الطاوِلة، ليصطدم بالأرض جاعلًا إياها تجفل وتتراجَع حينَ خطا مقترِبًا منها.

"لا تقلَقي، لستُ أبي. لم أُضيّع مفاتيح المنزل، وحافظتُ على المكانِ نظيفًا" سرد وهو يشير للمكانِ حوله، والّذي أقل ما يوصَف به أنه في حالَة يُرثى لها.

"اوه أقصِد.. فعلت واحِدة" استدركَ، لتضيّق عينيْها بالسؤال
"هل أنت مُنتشٍ؟ ألم تتعِظ مما حدث لصاحِبك بعد؟!"

"—لكنّني أكرهُ نباحَ كلب جارِهم. لمَ سأبقي معهُما إن كان نباح كلبهم يمنعني حتى عن الدراسَة؟".

زفرت مستنكرة، فهو والدراسة كانا كالجَوْنِ والصريمِ حينَ يأتي الأمر له، وهو من لم تملِك حوْلًا في جعلهِ يتوقّف عن مرافَقة من يملكُون انعكاسًا سالبًا عليْه.

"أجل أُمّي، هل تظُنّينني غبيًّا. أنا عبقرِي كوالِدي"

"هلَا توقفت عن جلبِه في النقاش؟" كادت أن تصرخ بعبارتها تلك مكتفيةً مما تصاعد بأعصابها، لكنه لم يرد عليهِا، وبدأَ يدور حولَ نفسهِ متمتمًا دون هدف.

فتنهدت بسأمٍ، مُلتَقطَة هاتفه، وعادت لغرفتها حاملةً صندوق دواءٍ لم تكن لتنسَ أن تمنحه واحدًا مشابهًا، لكنها لم تستطِع ائتمانه فيه وهو بهذا الحال. ثم أنبرت هامسةً

رأيتُ هيڤنWhere stories live. Discover now