فصل اضافي: المنازِل الرمادية

174 30 4
                                    

الفصل تفسير لجوانب يمكن بتتساءلوا حاليًا عنها من حياة هيڤ، ما بيأثر في سير الأحداث ولا بيفسد القادمة. ممكن تتركوا قراءته لنهاية الرواية لو حبّيتوا.
-

«Things aren't always what they seem»






"هل الهروبُ حلٌّ؟"

بدت تلك الكلمات مألوفةً كفاية لهيڤ وهو يستمِع لجزئه المفضل من الأغنية التي لا ينفكّ من الاستماع لها طوالَ اليوم، ثم لا يتوقف عن ترديد "هل سأهربُ من العالم يومًا؟". هل يستطيع أحد فعل ذلك حتى؟

كان يفكّر كثيرًا مقارنة بفتًى في سنّه. في أشياء لا تعنيه بالضرورة، ولا يملك أدنى فِكرة عن كيف وجدت طريقها إلى ذهنه المعتم كفاية بكلّ مشاكل الواجبات وفواتير المنزل. والتي من قبلها، اعتاد أن يتساءل كيف سيحصل والده على المال لسدادها بعد استقالته عن وظيفة بعد أخرى -كما أخبره ووالدته- رغم أن كلا الأخيرين يعلمان أنه لم يستقِل حقًا، وكان ذلك كافيًا ليجعل شعورًا عميقًا يسكن داخل الصغير كلما رأى وجه والده. شعور أشبه بالفشل.

بدت له كل الأبواب مؤصدةً، وهذه معلومة يدركها عن نفسه جيّدًا، أنه لا يهتم أحيانًا برؤية الجانب المملوء من الكأس إن كان نِصفه فارِغًا. فحين رأى والده في كثير من المرات وهو يعود للمنزل ليجلسَ على طاولة الطعام، ينهي زجاجة كحولٍ وعلبة سجائر يحملها معه للشرفة- لم يبدُ أن هناك حلّ سوى العزاء.

يسمع شهقاته، ثم حين يستدير، يسارِع باخفاء جسده الذي لم يتجاوز ستة أعوامٍ خلف الحائط، بيد أنّ في كلتا الحالتين هو لن يستطيع فِعل شيء إن وجده هناك، وربما سيكتفي بتحاشي النظر له في الصباح أو الأسبوع الموالي بكامِله.

تخيَل إن اكتشف وجوده حوله في مرّة، فيخبره عندها ببساطة: "مساء الخير بُني، لقد طُردت من العمل مجددًا" ثم يعود لغرفة نومه ووالدته في صمتٍ غريب، هذا إن كانا يتشاركانها بالفعل، أو أنه يكذب أيضًا في كل صباح حين يجده مستلقيًا على الأريكة، فيضحك ويفرك النوم عن عينيه وهو ويقول "لا بد أنني غفوت في منتصفِ البرنامج ليلة البارحة".

لم يكن الصغير ساذجًا، وكانت لوالده نظريةً حول منحه أمثلة لما يجب عليه أن يكون في المستقبل، كالابن الوحيد له، ونظريته التي فشلَ في تطبيق براهينها لتحول لقاعِدة. لقد كان بالفِعل سيدًا في الاخفاق من الدرجة الأولى.

"افعل ما تحبّه" يقول له، ثم هناك عِبارته المفضّلة : "لا شيء يبدو في الحقيقة كما تظُنه". وكأنه حين كان في طريق عودته من المدرسة، لم يرَه يُدفع من باب الحانة التي يعمل فيها، ومديره يطلب منه عدم احضار عطَبه المدمِن مجددًا.

رأيتُ هيڤنWhere stories live. Discover now