قبل ثماني سنوات
ترجّلت من السيارة فأغمض عينيه مطلقاً تنهيدة ارتياح ؛ لقد تخلص من مصدر مشاكله الأول مع زوجته .. تخلص من الفتاة التي كانت تثير غيرة زوجته بقوة و تستفزها ..
تخيل رد فعل حبيبته عند معرفتها بالطلاق لترتسم ابتسامة على شفتيه ، كانت أنانية منه أن يفرح بطلاقه لأسيل ، إلا أنه لم يسعه سوى السعادة للحصول على حياة هادئة .. هانئة أخيراً ..
أدار سيارته قائداً إلى منزله و سيناريوهات ترتسم في باله عن استقبال نشوى للأمر .. فيبتسم تارة .. و يقهقه تارة أخرى ، و كأنه يرى رد فعلها أمام عينيه الآن ، أما أسيل .. فلم تأتي في باله .. و لم يفكر في حالها حتى لو عن طريق الخطأ !
وصل إلى المنزل .. فترجل راكضاً إلى شقته ، فتح الباب بحماس و صاح منادياً بعدها :
" نشوى .. شوشو .. حبيبتي " .
ظهرت أمامه فسحبها محتضناً إياها و قال مبتسماً : " لدي خبر إن عرفتيه سوف تقفزين من السعادة " .
ابتعدت عنه لبضع إنشات صغيرة و سألته بحماس : " ماذا ؟ "
سحبها إلى مكتبة و قام بفتح أحد الأدراج ليخرج ورقة زواجه من أسيل ، رفعها أمام وجهها ثم قام بتمزيقها بهدوء ..
اتسعت عيونها و ابتسامة شامتة مرتسمة على شفتيها : " حقاً ؟ "
أومأ و قال موضحاً : " بداية من هذه اللحظة ؛ أنا زوجكِ أنتِ فقط " .
وقفت على أطراف أصابعها لتصبح في مستوى وجهه ثم أحاطت عنقه بتملك :
" و لن تتزوج غيري .. لن أسمح بحدوث هذا مرة أخرى " .
أقترب من شفتيها ليهمس أمامها : " أنا الذي لن يقبل بذلك .. لن أكون زوجاً لغيركِ " .
ليبدأ بتقبيلها بحنو و وعد ، فتستقبلها هي قبلاته بسعادة و ارتياح !أصولت زغاريد عالية جعلته ينتفض في مكانه ، ليدرك أنها ترحيب من والدته بقدوم أسيل ، زم شفتيه بضيق .. ليتها تعلم ما سبب قدومها .. ستولول بدلاً من أن تزغرد ، تنهد بقوة محاولاً إخراج هذا الحقير من تفكيره .. ففي الأخير كما قال والده ( المهم أنها بخير ) ..
نهض من مكانه و خرج ليجد أسيل في أحضان والدته .. تستقر رأسها في حضنها بارتياح .. و ابتسامة صادقة تحتل ملامح سعاد ..
" كم أنا سعيدة لقدومكِ اليوم مع أنني كنت أظن أنكِ لن تأتي قبل أسبوعين على الأقل " .
كان محمد يعلم أن زوجته ستطرح هذا السؤال لذا فكر في رد مقنع إلى حد ما ، فبالطبع لن يخبرها أن صغيرته كادت أن تتعرض للإغتصاب !
" و هل كنتِ تعتقدين أنني سأتركها لشهر أخر ؟ ، أنا لم أصدق نفسي عندما أخبرتني أنها ستعود .. فبدأت بالضغط عليها لتعجل عودتها ، و ها هي أستجابت لي أخيراً " .
ملست على شعرها بحنو و هي تقول : " خير ما فعلت يا محمد ، لقد كدنا نموت شوقاً لرؤيتها " .
التقطت أسيل كفها و قبلته بحب ، بينما نقلت سعاد نظراتها إلى طارق بأمل متمنية بداخلها أن يلتفت إلى أسيل و تنشأ بينهما علاقة ..
أ ليس غريباً أن ترغب سعاد في تقريب ولدها من أسيل و هي مَن كانت معترضة من قبل على علاقتهما ؟
أم أن ما لاقته من نشوى جعلها تشعر بالجوهرة التي فقدتها ؟ لذا تريد استعادتها بكل قوة !
ابتسم طارق بسخرية ، لقد كانت رغبة والدته واضحة وضوح الشمس و استطاع قرائتها في عينيها بسهولة ، أخذ ينظر إلى أسيل بتمعن متخيلاً وجودهما في بيت واحد لتتسع ابتسامته الساخرة !
هو .. طارق .. و بعد التجربة التي مر بها مع نشوى يتزوج مرة أخرى !
و من مَن ؟
من أسيل !..، الطفلة التي كان يصطحبها إلى المدرسة و يذاكر لها دروسها !..، هو بالفعل تزوجها من قبل و لكنه وقتها كان مرغماً .. الظروف هي التي أجبرته على هذا الزواج ..
أما الآن ، و حتى لو فكر في الزواج مرة أخرى - و هذا مستحيل - فسيختار فتاة تقاربه عمراً و تفكيراً ، ليس فتاة الفارق بينهما في العمر اثنى عشر عاماً !
**********
جالت المكانة بعصبية ضاربة كفاً بكف و هي تصيح : " كيف هربت منك يا غبي .. كيف ؟ "
حاول إدوارد السيطرة على أعصابه مراعياً حالة سوزي العصبية في هذه اللحظة ، لتتابع الأخيرة بغضب :
" ها هي عادت إلى مصر و لن نستطيع السيطرة عليها " .
حينها هتف تشارلي : " ما يثير فضولي هو سبب تمسككِ بها ، ما الهدف من جعلها تمكث هنا معنا ؟ ، على العكس أرى أن سفرها أكثر راحة لنا " .
رفعت حاجبيها و قالت : " أنت لا تفهم عزيزي ، لقد كان عبد الله عبقرياً ذات عقلية فذة .. كان علىّ إغراءه و الإبقاء به هنا للإستفادة من عبقريته ، فبدأت في التقرب منه حتى وقع في حبي و طلب الزواج مني ، و بعد زواجنا .. و حينما بدأت أن أشعر في إبتعاده عني قررت التصرف .. و لم يكن هناك أفضل من إنجاب ولد يربطه بي للأبد ، و بالفعل حينما علم بخبل حملي تراجع عن فكرة عودته إلى وطنه و استسلم لي " .
ثم جلست واضعة قدم على أخرى : " و أسيل مثل والدها ذكية جداً بل نابغة .. طموحة .. تريد دائماً أن تكون الأولى ، و واحدة مثلها مكانها هنا .. في مجتمع مثل مجتمعنا " .
ليقول إدوارد مبتسماً : " و الأهم .. أن تحققي انتصاراً على عبد الله ، فكل محاولاته لحماية ابنته متكِ ستكون فشلت حينها " .
أظلمت ملامحها بحقد ؛ زوجها الراحل خطط و نفذ جيداً لإبعاد أسيل عنها ، إلا أن القدر وقف معها و عادت أسيل إليها ، و لولا ما فعله إدوارد لكانت حتى الآن معهم ..
عادت لتنفي أفكارها بسرعة .. فإدوارد ليس لديه ذنب برحيلها ، لقد كان يحاول جهده لإبقاءها هنا كما تريد هي .. الموضوع مسئلة حظ ..
تنهدت بقوة لتعود و تفكر في ما يتوجب عليها فعله الآن ، فلقد غادرت أسيل و عليها أن تفكر في طريقة لإعادتها !
**********
نهضت لتجلس على مقعد مكتبها الصغير متنهدة بملل ، منذ ما يقارب الساعتين و هي لا تفعل شئ سوى الإنتقال من سريرها إلى مكتبها ثم إلى سريرها مرة أخرى و هكذا دون أن تفعل شئ مفيد ..
وقعت نظراتها على أحد الكتب لتعقد حاجبيها بتساؤل ، منذ متى و هي تقرأ ؟ ، لم تكن القراءة من هواياتها .. كما لم يكن أي شئ !
فهي و للعجب لا ترى نفسها في شئ معين .. لا تجد نفسها شغوفة بهواية معينة .. تعشق ممارستها و تهرب إليها كلما ضاق بها الحال ، صحيح أنها كانت تعزف على آلة البيانو في صغرها .. كانت موهوبة جداً في العزف عليها ، إلا أن والدتها هي من كانت تشجعها على تنمية موهبتها .. و بعد وفاتها و مع إهمال والدها لها ، فقدت هي التشجيع .. و الشغف الذي كان يربطها بهذه الآلة فامتنعت عن العزف ، و منذ ذاك الوقت و حتى الآن لم تلمس أصابعها الطويلة البيانو !
نفضت عنها ذكرياتها و عادت تلمس الكتاب بحنو .. و كأنه شخص تخشى أن تجرحه !
فهذا الكتاب هدية من حبيبها .. حبيبها الأحمق الذي لا يكف عن إخبارها بأنها صديقته المقربة و شقيقته التي لم يُرزق بها ..
و لا تعلم متى ستتحول مشاعره نحوها من صداقة و أخوَة إلى عشق و هيام ؟
إلا أنها ستصبر .. ستصبر كما صبرت سنوات ماضية ، ستتنظر أن يفهم علاء مشاعره و يدرك أن مشاعر العشق هي فقط ما جمعتهما منذ أن التقيا ، و أن مشاعر الصداقة ليست سوى أكاذيب يقنع نفسه بها ، ستنتظر اللحظة التي يعلن فيها ميلادها عندما يعترف لها بعشقه .. بحماقته في إهدار كل تلك السنوات دون أن يجمعهما بيت واحد !
مع أن قلبها يخبرها أن الطريق لازال طويلاً و أنها ستنتظر كثيراً ، إلا أنها لن تمل .. لن تيأس ، و ستظل تحلم بهذه اللحظة حتى تتحقق !
فتحت الكتاب لتبدأ في قراءته على الرغم من أن القراءة لم تستهويها يوماً ، و لكن لأنه من علاء ستقرأه !
دقائق و تأففت بضجر و قالت بحنق : " و ما دخلي أنا بهذه التفاهات ! "
لتنهض متجهه إلى سريرها لتستلقي عليه مرة أخرى ، أغمضت عينيها متأملة أن يزورها النوم و يخلصها من هذا الضجر إلا أنه كان بعيد كل البعد عنها ..
نهضت لتجلس على السرير و دموعها تلمع في عينيها ، إن كان والدها يهتم بها و لو قليلاً لكانت ذهبت و جلست معه .. تحدثه عن يومها و تشاركه يومه ، و لكن مَن هي ليهتم بها ؟
صوت بداخلها أنبها على أفكارها و أخبرها أن تذهب لوالدها و تحاول التقرب منه لربما نجحت محاولاتها هذه المرة !
عضت على أظافرها بتفكير لتتحرك بعدها بتردد إلى خارج غرفتها ، هبطت درجات فيلتها و هي تقدم قدم و تؤخر الأخرى خوفاً من أن يخذلها والدها هذه المرة أيضاً ، و مع ذلك كانت مصممة على المبادرة في التقرب منه خشية من أن تندم بعدها ..
وصلت إلى الأسفل فبدأت بالإلتفات و البحث عنه ، استوقفت إحدى الخادمات لتسألها :
" أين أبي ؟ "
" لقد خرج مع السيدة مريم منذ دقائق " ، أجابتها الخادمة برسمية .
زمت شغتيها بضيق مانعة دموعها من السقوط ، لقد خرج .. خرج مع زوجته دون أن يخبرها .. يسأل عنها ، تجاهلها كما يفعل منذ سنوات ..
عادت بأدراجها إلى غرفتها و شعور بالوحدة يزداد بداخلها ، و لا يوجد سوى شخص واحد قادر على أن يبددها !
التقطت هاتفها و اتصلت به ، لتهمس حالما وصلها صوته :
" علاء أريدك " .
**********
متمدد على أريكته بتعب بعد يوم عمل مرهق ، و هي جالسة فوق رأسه لا تكف عن الحديث و الرجاء لدرجة أوجعت رأسه ..
" لارا .. يكفي " .
هتفت برجاء : " عمي .. حبيبي .. روحي .. قلبي .. لنخرج " .
زفر أنفاسه بغضب : " هل أنجبتكِ و نسينكِ يا فتاة ؟ ، اذهبي لوالدكِ و اجعليه يخرج معكِ " .
زمت شفتيها بحزن : " أبي متعب من العمل " .
هتف بسخرية : " حقاً .. هل أخبركِ أحدهم أنني كنت ألعب طوال النهار ؟ "
ربعت يدها بضيق : " سنخرج أم لا " .
هتف بلا تفكير : " لا " .
تأففت بملل ثم التقطت جهاز التحكم الخاص بالتلفاز و بدأت في البحث عن شئ يسليها ، توقفت عند قناة تعرض برنامجاً ترفيهياً فرفعت الصوت إلى أخره و اندمجت في مشاهدته ..
صاح علاء بتعب : " لارا .. ارحميني " .
انتفضت في مكانها بخوف : " ماذا ؟ "
" اخفضي الصوت .. رأسي يؤلمني " .
تجاهلت طلبه و قالت بحنق : " لقد أفزعتني .. لا تصيح هكذا مرة أخرى " .
صوت رنين هاتفه المحمول منعه من الرد عليها ، ارتخى جسده بتعب عندما رأى اسم ليندا ينير الشاشة ففتح الخط قائلاً :
" السلام عليكم " .
وصلته همستها الباكية فانتفض في مكانه بخوف و سألها : " ماذا حدث ؟ "
ردت عليه بصوت باكي .. و كلمات لم يستطع تبينها ، فصاح بلارا : " اغلقي هذا الجهاز .. الآن " .
نفذت أمره .. ثم اقتربت لتجلس بجانبه بفضول لمعرفة ما حدث ..
وصله حينها صوت ليندا المبحوح : " أشعر بالملل " .
عقد حاجبيه بعدم تصديق .. فعلى الرغم من جنون صديقته المعروفة به .. إلا أن دموعها لا تسقط بسهولة .. و بالتأكيد لن تبكي لشعورها بالملل ، كرر جملته بإصرار :
" ماذا حدث ؟ "
أدعت اللامبالاة و هي تقول : " لقد كنت أريد الجلوس مع أبي فوجدته يتنزه مع زوجته الجديدة فقط " .
و على الرغم من نبرتها اللامبالية إلا أن معرفته بها لسنوات و صوتها المبحوح كانا كافيان ليتأكد من تأثير الأمر عليها ، فهتف بمرح على الرغم من تعبه :
" و ماذا تريدين أن نفعل الآن ؟ "
" أي شئ " .
تحدث و هو يلتقط مفاتيح سيارته : " حسناً تجهزي و انا آتي إليكِ " .
ذُهِلت ملامح لارا و تحركت بسرعة لتقف عند الباب مانعة علاء من الخروج ، و قالت بصدمة :
" بقيت لنصف ساعة أقنعك لنخرج و أنت تتعذر بالتعب ، و تأتي هذه بمكالمة منها تنسيك تعبك و تجعلك تهرع إليها " .
تأفف بنفاذ صبر : " أنتِ لا تعلمين شئ " .
طرقت الأرض بعصبية : " و لا أريد أن أعلم ، أنا أريد الخروج " .
صاح و هو يحاول إبعادها عن الباب : " أبتعدي لارا " .
لتصيح هي بتصميم : " أريد أن أخرج " .
الصبر يا الله !
يعلم أنه مهما فعل لن يتخلص منها .. و أنها لن تتركه إلا إذا خرجت معه فهتف باستسلام : " اذهبي و بدلِ ملابسكِ سأنتظركِ بالأسفل " .
صفقت بجذل : " دقائق " .
لتلتفت و تفتح الباب ، و لكن .. و قبل أن تخرج .. التفتت رافعة إصبعه في وجهه بتحذير طفولي :
" إن ذهبت من دوني .. سأغضب منك " .
و ركضت بعدها إلى شقتها ..
دلفت راكضة إلى غرفتها دون أن ترد على تساؤلات والديها لتخرج بعد دقائق و تركض إلى الباب مرة أخرى ، فأوقفها إسلام قائلاً :
" إلى أين ؟ "
ردت عليه بسرعة و هي تفتح الباب : " سأخرج مع عمي " .
لتغادر بسرعة و تنبيهات والدها تلاحقها ..
صعدت إلى سيارة عمها ، ليقود علاء متجهاً إلى بيت ليندا و هو يعلم أن هذه الليلة لن تمر على خير ..
فليندا و لارا عندما يجتمعا تبدأ المشاكل ، هو لن يلتفت لما سيحدث .. فمشاكلهما طفولية .. تافهه .. و كأنهما طفلتان تتنازعان على دمية !...، كل ما كان يفكر فيه هو .. كيف سيتحمل الصداع الذي سيحدثوه بجانب صداعه و تعبه ؟
وصل إلى فيلا والد ليندا فصفّ السيارة على جانب الطريق ، و التقط هاتفه المحمول ليتصل بها :
" أنا بالأسفل " .
و بأقل من دقيقة كانت ليندا تخرج من الفيلا ، وقفت مصدومة و هي ترى لارا تجلس في المقعد المجاور لعلاء ، لتزم شفتيها بضيق و تصعد صافقة الباب خلفها ..
تحدث علاء بمرح : " إن كُسِر هذا الباب ستدفعين ثمنه " .
تجاهلت مرحه و همست : " كنت أظن أنك ستأتي لحالك " .
قال موضحاً : " منذ ساعة و هي تطلب مني أن نخرج " .
و أردف بأسف : " و عندما هاتفتيني لم أجد مفر للهرب " .
تمتمت بخفوت : " ليتني لم أهاتفك إذاً " .
سألتها لارا بضيق مصطنع : " ألا تريدينني أن أخرج معكما ؟ "
ابتسمت ليندا ابتسامة صغيرة لم تصل إلى عينيها و هتفت بكذب واضح : " كيف ذلك حبيبتي ؟ ، نحن نسعد كثيراً عندما تخرجين معنا " .
رفعت لارا أكتافها بلا مبالاة و قالت مشددة على كلماتها : " حتى و إن لم تسعدي بخروجي فهذا لا يؤثر بي .. المهم أن عمي سعيد " .
هتف علاء بتحذير : " لارا لا تتحدثي معها بهذه الطريقة ، ثم أنها لم تخطئ في شئ " .
زمت لارا شفتيها و أدارت وجهها إلى ناحية الشباك ..
بينما هتف علاء بتساؤل : " إلى أين تريدان الذهاب ؟ "
كانت ليندا تخطط إلى سهرة مميزة مع علاء تنسى فيها حزنها و تبعد بها مللها ، إلا أن وجود لارا أزعجها و جعلها تلغي كل خططها ..
" أي مكان .. لا يهم " .
و على عكسها ، التفتت لارا إلى عمها بحماس : " لنذهب إلى مطعم و نأكل عمي " .
حرك علاء رأسه متظاهراً بالأسى : " أمنيتي الوحيدة قبل أن أموت أن أراكِ تتحدثين دون أن تأتين بشيرة الطعام " .
سارعت ليندا بالقول قبل أن تشاكس لارا عمها : " بعيد الشر عنك " .
نظر لها علاء من مرآة السيارة مبتسماً .. فتعلقت نظراتهما لثواني .. نظراتها تشي بحبها و عشقها له .. و نظراته لا يظهر بها سوى حب أخوي ..
أما لارا فرفعت حاجبيها بعدم رضى من قرب هذه الفتاة من عمها ..
**********
سيطر الصمت على الجلسة بعد أن طلبا الطعام لينظر لهما علاء بارتياب ..
إحداهما تنظر إلى المطعم بتقييم و كأنها على وشك شراءه ، و الأخرى تتظاهر بتصفح هاتفها المحمول ..
لولا أنه متأكداً من أن هدوءهما لحظياً لكان فرح به ، و لكن إحداهما صديقته منذ ما يقارب العقد .. و الأخرى تربية يده ، و هذا كافي لجعله يتوقع ما يحدث !
بادر هو بالحديث على أمل أن يتحكم في الجلسة و ألا تندلع المشاكل : " ليندا .. آتيتي لتجلسي مع هاتفكِ أم معي ؟ "
تركت ليندا هاتفها و ابتسمت له : " معك بالطبع " .
ابتسم لها بدوره ثم نقل نظراته إلى لارا و هتف بمشاكسة : " أريد حساب ما ستأكلينه مقدماً ، فأنا لست مستعداً لإعلان إفلاسي بسببكِ " .
رفعت حاجبيها باعتراض : " و كأنني سأجعلك تدفع ألف جنيه ، ما طلبته لا يتعدى المائة " .
هتف بفضول : " حسناً .. و لكن أخبريني .. كيف ستأكلين قطعتين بيتزا من الحجم الكبير لحالكِ ؟ "
" و ما المشكلة في هذا ؟ ، ثم إنني جائعة " .
هتف بعدم تصديق : " و لكن ليس لدرجة أن تأكلين كل هذه الكمية " .
هتفت بحزن : " سأصاب بفقدان الشهية ذات يوم بسببك " .
و تابعت بتهديد : " و حينها لن يتركك أبي " .
أدعى الخوف و قال : " و لِمَ كل هذا ؟ ، فلتأكلي كما تريدين طالما أنا لا أصرف عليكِ " .
قاطع حديثهما صوت مرح أتى من خلف علاء : " يا للخيانة ، أصدقائي المقربين يأكلون من دوني " .
التفت علاء إليه و قال بمرح مماثل : " و أنت تلاحقنا أم ماذا ؟ "
جلس أمير دون أن يطلب الإذن و قال : " عليّ بملاحقتكما و مراقبتكما طالما بدأتا في خيانتي " .
لينظر إلى لارا باستغراب و يشير بتساؤل : " مَن هذه ؟ "
يا لوقاحته !
كيف يشير إليها بهذه الطريقة المستحقرة ؟
ألا يمتلك هذا الرجل القليل من الذوق ؟
قال علاء : " لارا ابنة شقيقي " .
و قبل أن يقدمه لارا ، هتف أمير : " نعم القزمة " .
توسعت عيون لارا بغضب : " مَن هي القزمة يا مَن تشبه النخلة " .
صاح بعدم تصديق : " ماذا ؟ "
تبعه علاء صائحاً : " لارا احترمي نفسكِ " .
نظرت له بغضب : " و لِمَ لم تصيح عليه عندما دعاني بالقزمة ؟ "
هتف أمير ببرود : " لأنها الحقيقة ، ثم هو مَن يشبهّك دائماً بالأقزام " .
تعالى صوتها بعدم تصديق : " أنت عمي " .
هتف من بين أسنانه : " اخفضي صوتكِ " .
ثم نظر إلى أمير بتأنيب و قال : " و أنت ألم تجد إلا اليوم لتأتي فيه إلى هنا ؟ ، لقد كدت أفرح أنني جمعتهما مرة دون أن تحدث مشاكل " .
نقل أمير نظراته إلى ليندا و قال معتذراً : " ليندا أعذريني .. لم أحييكِ كما يجب ، لقد ألهتني كومة الشعر عنكِ " .
قهقهت ليندا باستمتاع و هي ترى ملامح لارا الحانقة ..
كومة الشعر !!!!
لقد تمادى هذا الرجل كثيراً و عليها أن تؤدبه ..
" أنت يا هذا كيف تتحدث عني بهذه الطريقة ؟ "
شعر علاء بالغضب من صديقه فهتف محذراً : " أمير أنا لا أسمح لك بأن تتحدث عنها بهذه الطريقة الساخرة " .
قال أمير ببراءة : " أنا أمزح فقط " .
قالت لارا بتجهم : " و أنا لا أحب هذا المزاح " .
ابتسم بلطف : " أعتذر آنستي لم أقصد إزعاجك " .
نظرت لتحوله المفاجئ من الوقاحة إلى اللطافة بذهول .. غير مصدقة أنه في ثانية كان يسخر منها و يستفزها .. و في ثانية أخرى يعتذر منها بكل لطف و رقي ..
" لا عليك " .
" حسناً ماذا ستطلبون لي ؟ "
هتفت ليندا بمكر : " ما تريد و الحساب على علاء .. فهو من دعانا " .
هتف علاء بضيق مصطنع : " يبدو أنكما لن ترتاحا إلا عندما أُعلن إفلاسي " .
قهقه أمير و قال : " هذه ليست مشكلتي تصرف معهما " .
ليشير بعدها للنادل و يبدأ في إملاء طلباته عليه .
**********
" أنا حامل " .
شحبت ملامحه و صاح بغضب : " كيف ؟ "
بكت بقوة و لكنه لم يبالي ببكاءها ، سحبها من شعرها بغضب و هزها بعنف :
" كيف حدث هذا يا غبية ؟ ، ألم أخبركِ أن تنتبهي جيداً ؟ "
تعالت شهقاتها و أناتها المتألمة من ضغط يده على شعرها ..
" لقد كنت آخذ الحبوب التي أعطيتها لي بالتزام .. أقسم " .
هزها أقوى و أعنف : " كيف حدث هذا الحمل إذاً ؟ "
هتفت بتوضيح : " لا أعلم و لكنني قرأت أنه من الممكن أن يحدث حمل أثناء تناول الحبوب " .
توسعت عيونه بغضب .. هل تظنه غبياً ليصدق أكاذيبها ؟
بالتأكيد هي مَن امتنعت عن تناول الحبوب كي تربطه بها للأبد ، و لكن تحلم بهذا !
شدها من شعرها بقوة لترفع وجهها عنوة ناظرة إليه : " استمعي إلى ما سأقوله جيداً ؛ ستجهضين هذا الطفل .. في أقرب وقت " .
اعترضت بوهن : " لا .. أرجوك " .
دفعها ليقول : " لا .. إذاً ابحثي و اعثري على والده " .
" أنت والده .. أقسم أنه لم يلمسني غيرك " .
ابتسم بسخرية : " و أنا لن أعترف بهذا ، لتحاربي لتثبتي أنني والده " .
و أردف بمكر : " و لكن لا تنسي الفضيحة التي ستناليها " .
أطرقت بوجهها بندم .. ندم على السقوط في مصيدته .. تصديق كلماته .. و تسليم نفسها له ..
و لكن بما سيفيدها ندمها الآن ؟
فما حدث قد حدث .. و عليها أن تنفذ أوامره كي لا تُفضح أمام الناس .. و عائلتها ، و يكون مصيرها القتل !
" سأجهضه " .
ESTÁS LEYENDO
لست أبي (كاملة)
Romance"هل لي أن اعلم ما الذي فعلتِه؟ كيف ترفضين الزواج من إسلام؟ ألا تعلمين ماذا فعلت لكي يقبل الزواج بكِ؟" شعرت بقبضته القوية على ذراعها، همست متأوهة بألم، تحاول تحرير ذراعها دون جدوى.. تجاهلت ألمها عندما سمعت توبيخه لرفضها لإسلام، برقت مقلتاها بالتحدي،...
الفصل السادس عشر
Comenzar desde el principio