||الفصل الثامن عشر||

548 53 7
                                    

المكان: كوكب الأرض

نظر ليوناردو إلى السماء الملبدة بالغيوم من نافذة شقته، لقد حل الخريف ممهدًا شتاء قارسًا. افترشت أوراق الأشجار البرونزية المتساقطة على الأرضية العشبية فشكلت معطفًا فريدًا وموحدًا. كان ليوناردو يشعر ببعض التوتر من هذا اليوم فهو أول يوم له في الجامعة. لقد مر أسبوع على إقامته في هذه المدينة وبدأ يسأم بسرعة خاصة أنه أصبح بعيدًا عن ألبرت إلى فترة مجهولة، هو يفتقده جدًا في الحقيقة؛ فرغم أنه لم يعرفه سوى أسبوع واحد إلا أنه كان ذا تأثير عليه. استمر ألبرت بإرسال رسائل نصية إلى ليوناردو ليقدم له بعض النصائح بشأن إقامته وتحذيره من التهور ما جعله يضجر على أي حال من تلك التعاليم التي باتت تلازمه منذ زمن. نظر إلى نفسه في المرآة الطويلة التي علقت على أحد أبواب الخزانة، لم يكن من السهل عليه تقبل نفسه الجديدة بهيئة جديدة وثياب جديدة فشعر لحظة بأنه شخص آخر. حاول كثيرًا البحث عن ثياب تشبه ثيابه القديمة عساه يبدو مألوفًا لنفسه، ولكنه مع الأسف لم يحظ بتلك الفرصة وانتهى به الحال بشراء سترة سوداء مع بنطال أسود اللون. وأكثر ما كان يزعجه هو ضيق البنطال، فلم يعتد ارتداء شيء كهذا.

ستنتهي مهمته ويصبح حرًا في كل شيء، هذا ما كان يتردد في رأسه كثيرًا ليحصل على شعلة أمل تضيء قلبه المظلم. خرج ليوناردو من منزله بعد أن نظر إلى الساعة وأدرك أن الوقت حان لبدء هذا اليوم. قصد مصعد المبنى فقد كانت شقته في الطابق الثالث، هدوء مميت يعم المكان يجعله أشبه بالمقبرة. لا يبدو أن المكان شاغر بالسكان فلا وجود للكثير من الحركة، إنه سكن للطلاب ولكن يبدو أنه ليس بالمستوى المناسب لطلابٍ من الطبقة المخملية. كان عليه الوصول إلى الجامعة مشيًا على الأقدام فلم تكن تبعد كثيرًا عن سكنه. تجول كثيرًا في المنطقة حتى بات يعرفها جيدًا فهو من هواة التسكع دومًا، رغم أنه انطوائي إلا أن المشي في كل الأماكن يستهويه جدًا. لم تكن المنطقة المحيطة بسكنه أقل هدوءًا فقد كانت مهجورةً مقارنةً بالمناطق الأخرى التي قصدها، ولكن ما إن تقدم بخطواته نحو الجامعة حتى بدأت الضوضاء تصل إلى أذنيه؛ كانت على شكل همسات بسيطة في بداية اقترابه ما لبثت أن تحولت إلى ضجة عارمة مع اقترابه أكثر. جدار حجري بني يرافقه طول طريقه منذ أن وصل مكان الجامعة، ومع تقدمه وصل إلى المكان المنشود وكشف ذلك الجدار ستائره عن المكان. نظر إلى القوس الحديدي الذي امتد من نهاية الجدار على الناحية اليسرى إلى نهاية الجدار على الناحية اليمنى وقد كتب عليها «جامعة الأحلام». كان الطريق ممهدًا بحجارة من نوعية حجارة الحائط نفسها، وفي منتصف المكان تتمركز بحيرة بديعة الجمال وتدفق الماء العذب من نافورتها، ولولا ضجة المكان لاستطاع ليوناردو سماع صوت تدفق المياه. كان المبنى ضخمًا مبهر المظهر، تصطف أمامه الأشجار وفي باحته تتمركز مقاعد من الرخام الأبيض. كان المكان بديعًا بنظر ليوناردو لولا زحمته بالطلاب الذين كانوا يتسامرون ويضحكون ويثيرون الضجة حتى أن بعضهم يركضون كالأطفال، ولكن ما ذلك الفرق بين السكان هنا والسكان خارج المدينة؟ ربما يعود الأمر لظنهم بأن كل شيء متاح لمجتمعهم فقط. شق ليوناردو طريقه نحو الساحة متجهًا نحو المبنى فقد اقترب موعد بدء محاضرته المشؤومة.

بعيداً عن الأرض✔️حيث تعيش القصص. اكتشف الآن