الجزء الثاني والعشرين

Start from the beginning
                                    

وبدأت تبكي حينما تخيلت أن علاقتها مع أحمد ستنتهي بالفشل مسحت دموعها وتكلمت مع نفسها: اسمعي يا رؤى إن لم يتعظ أحمد بكل ما قلته له عن أهمية الصلاة وعقوبة تاركها فيجب أن تنفصلي عنه لأنه حينئذ يكون قد ظهر على حقيقته ،ليس إلا إنسان جاحد وجاهل ولا يستحق تقديرك وحبك له.

قامت رؤى واتجهت نحو جهاز الهاتف وبيدين مرتجفتين أدارت رقم هاتفه و بدأت دقات قلبها تتسارع و أحست أن قلبها سينقلع من مكانه! رُفعت السماعة وكانت المتكلمة ام أحمد .
بعدما سمعت رؤى صوت خالتها تنفست الصعداء وهدأت ثم ألقت التحية وسألتها عن أحمد .

اجابت والدته: منذ أن أتى من عندكم وهو جالس في غرفته ولم يكلم أحداً حتى حان وقت أذان المغرب خرج توضأ وصلى ثم دخل الغرفة ثانية .
لم تتمالك رؤى نفسها من شدة الفرح وصاحت :ماذا صلى وفي وقتها ! يا إلهي رحمتك .
لم تفهم ام أحمد شيئًا فقالت لرؤى :ما بك يا ابنتي ما الأمر ؟
_لقد تكلمت معه يا خالتي بخصوص الصلاة و أريد منك أن تتابعيه بدون أن تظهري انني أخبرتك.
_حسنا يا رؤى بارك الله فيك يا ابنتي إن عاد أحمد على الصلاة والتزم بها فسيكون هذا فضل منك لا أنساه طوال حياتي .
_ماذا تقولين يا خالتي ومن هو أحمد أوليس خطيبي و زوجي مستقبلا ؟
وصدقيني يا خالة أنه ما تركها قاصدا العصيان وانما هو جاهل بفضلها وجاهل بوجوبها وبالعقوبة التي تترتب على تركها لذلك وما إن عرف كل هذا حتى أسرع بأدائها وبوقتها كما شاهدت ذلك بنفسك .

انقضى الاسبوع الاول من تلك العطلة وها هو الاسبوع الثاني ينتهي نصفه ورؤى لم ترى أحمد منذ ذلك اليوم، قلقها بدأ يتزايد فإنها خائفة أن تكون قد تكلمت معه ذلك اليوم بأسلوب قاسي جعله يبتعد عنها ،لكن لا....لما كان سمع كلامها واقتنع به لو كانت غير مؤدبة معه أثناء الكلام .
هكذا كانت تفكر حينها طرقت الباب فذهبت اختها الصفيرة لفتحها وبعد لحظات جاءت الى رؤى وهي تقول :رؤى انه أحمد ابن خالتي .

أسرعت رؤى لاستقباله ولم تصدق عينها !انه أحمد فعلا ...قد جاء ومعه باقة من الورد البنفسجي (وهو اللون الذي تعشقه رؤى) ابتسمت في وجهه ولم تسيطر على دموعها التي بدأت تتسابق للنزول .
_احمد أهلاً بك يا عزيزي لقد اشتقت إليك كثيراً
قدم لها أحمد باقة الورد وهو يقول :و أنا كذلك يا أطيب فتاة على وجه الأرض..
لقد فكرت كثيرًا في كلامك يا رؤى وحمدت الله ألف مرة على ما وهبني إياه من امرأة صالحة ستكون لي عوناً وسنداً في هذه الحياة و أماً صالحة لأبناء صالحين ان شاء الله تعالى..

بعد انتهاء العطلة وعودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة لإكمال الفصل الثاني من سنتهم الدراسية هده عادت الطالبات إلى دارهن في تلك المدينة الكبيرة.
دخلت رؤى الغرفة وهي ملتهفة لرؤية نرجس واعطائها الهدية التي اشترتها لها هي وخطيبها أحمد، كانت الفتيات الثلاث بانتظارها ها وهي تدخل :السلام عليكن يا رفيقات العمر

أجابت الفتيات :وعليك السلام يا رؤى ...الحمد لله على سلامتك .
قالت رؤى بعد أن قبلّت كل واحدة منهن وجلست على سريرها لترتاح :كيف كانت عطلتكن؟
قالت اشجان :بالنسبة لنا أنا ونرجس فكانت عادية كباقي العطل ،وصحيح يا نرجس؟
_نعم فعلاً يا أشجان انها عادية..
_ثم اكملت اشجان:اما بالنسبة لريم فلم تكن عادية! وابتسمت اشجان ابتسامة جعلت رؤى تنظر إلى يد ريم وما ان رأت خاتم الخطوبة في يدها حتى صاحت :مبروك يا ريم انه خبر مفرح حقاً.
_اشكركِ يا رؤى .

لقد خطبت ريم من شاب فقير لكنه متدين وذو أخلاق عالية مما جعلها تغض البصر عن حالته المادية رغم ما كانت تتمناه من جاه ومال! فعندما خطبها ذلك الشاب في المرة الأولى رفضت بسبب حالته المادية التي لا تضاهي حالتها ومستوى عائلتها المعاشي وكان هذا قبل دخول الجامعة. وعندما عرفت نرجس بهذه القصة عاتبت ريم وذكرت لها الآية الكريمة بخصوص حالة هذا الشاب فيقول تعالى: { إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فضله }(النور اية 32)
وذكرت لها كذلك بعض الأمثلة لزيجات سعيدة تمت كان الزوج فيها فقيراً بل معدماً في بعض الأحيان كزواج الإمام علي (ع) من الصديقة الطاهرة فاطمة الرهراء(ع) والتي كانت مهرها خمسمائة درهم فقط وفي ذلك الوقت كان هذا المبلغ لا يمثل إلا الشيء القليل! ورغم ذلك فلقد بارك الله في هذا المبلغ والذي كان من الممكن أن يتنازل عنه الرسول ولا يأخذه من علي لمعرفته بفقره لكن المهر جُعِلَ من الأمور الواجبة في الاسلام لحفظ كرامة المرأة وعدم الاستهانة بمنزلتها فكان لزاماً على الرجل أياً كان أن يدفع المهر للفتاة التي خطبها ولكن مع كل الأسف فاننا نرى فتياتنا اليوم يطلبن الملايين و الأهل يساعدوهن على ذلك متناسين الأحاديث الكريمة التي نزلت في تشجيع قلة المهر كما جاء عن رسول الله(ص) "خير نساء أمتي اصبحهن وجهاً و أقلهن مهراً"

وكما يقول الشاعر :
البنت ليست سلعة والمهر رمز لأثمن
والمرء بالاخلاق لا بالمال والشكل الحسن!

وبعد سنتين شاءت اإرادة الله ان يرجع هذا الشاب ويخطب ريم علها تقبل هذه المرة فإنه كان متمسكا بها جدا ولأن ريم صارت تنظر إلى الحياة بمنظار آخر بعدما جاهدت نفسها وبشجاعة فائقة على ترك كل المحرمات وعلى نبذ حياة الترف والمال والجاة فإنها وافقت على ذلك الشاب وبكل ثقة وسعادة حمدت الله وشكرته على ما هداها إليه ووفقها إلى بلوغه من الخير الكثير .

_قالت نرجس :وانت يا رؤى كيف حالك مع خطيبك ؟
_آه يا نرجس ماذا اقول! أنت ما زلت تساعدينني وتنقذينني حتى عندما تكونين بعيدة عني.
_كيف هذا يا رؤى لم أفهم.

يتبع..
رويده الدعمي

نرجسWhere stories live. Discover now