الجزء السابع عشر

2K 181 5
                                    


إجتمعت فتيات القسم الداخلي في الصالة الكبيرة الواقعة في الطابق الأول لغرض الإحتفال بخطوبة إحدى الفتيات وهي ( حنان ) تلك الفتاة الغنية والجميلة ..
والتي طالما حاولن بنات القسم أن يعقدن صداقة معها لما تتمتع به من ثروة وجاه ومقام عالي بين أوساط الجامعة !
كانت أكثر فتيات القسم أو الجامعة تتمنى أن تملك ولو ذرة من جمال حنان أو تملك عشر ثروتهل ... !
وها هو اليوم موعد الحفل الخاص الذي أعدته الفتيات لصديقتهن المدللة والمحظوظة حنان!
عندما كن يجتمعن حولهر لا تسمع منهن إلا كلمات الإعجاب والإطراء وما إن يبتعدن عنها حتى ترى علامات الغيرة وكلمات البغض ونظرات الحسد تتطاير من أعينهن? !
وطبعا هذه ليست نظرة جميع الفتيات فإن هنالك من تنظر إلى حنان نظرة شفقة وألم لما تعيشه هذه الفتاة من سعادة وهمية غير دائمة وزائلة في يوم ما دون شك.
نعم هكذا كانت نظرة نرجس ورؤى وأشجان أما ريم فنراها قذ ذهبت بها الأحلام والأوهام نحو جمال تلك الحياة والسعادة التي تشعر بها حنان الآن فالمال والجمال والشباب الوسيم الذي سيكون زوجا لحنان كل هذا مماكانت تحلم به ريم وتتمنى أن تحصل ولو على واحدة مما حصلت عليه تلك الفتاة ورغم أن ريم فتاة ميسورة ماديا ومن عائلة غنية ومعروفة إلا أنها كانت دائمة النظر إلى من هم أعلى من مستواها مصحوبة نظراتها تلك بكل الإعجاب والتمني.
وهاهي الدقائق تمضي والفتيات مجتمعات في تلك الصالة التي تزينت بالبالونات والورود وهن ينتظرن إطلالة أميرة الحسن والجمال وبعد لحظات دخلت حنان وقد إرتدت أفخر الثياب ووضعت أرقى أنواع المكياج أما تسريحة شعرها فلقد جعلت الفتيات في دهشة وحيرة , صاحت ريم : آه ما أجملها.   . ..
كأنني في قصص الخيال!
وصاحت أخرى : كأنها سندرلا!
بدأ الإحتفال الآن , نهضت الفتيات من أماكنهن وتوجهن نحو حنان يهنئنها على الخطوبة وإجتمعن حولها وكل من في الصالة يغدق عليها الهدايا والورود تقدمت نرجس وصديقاتها نحو حنان وهنأنها بهذه المناسبة , وبعدها إجتمعن الفتيات في حلقة وهن يمسكن بحنان التي بدت في أسعد لحظات حياتها ثم بدأ الرقص والغناء.
سحبت نرجس نفسها عندما وجدت أن الأمور أصبحت مما لا يحمد عقباه فقد إرتفع صوت جهاز التسجيل بتلك الأغاني الصاخبة وبدأت أجساد الفتيات تتمايل مع الموسيقى والألحان في منظر جعل رؤى تبكي لأنها لم تألف هذا المشهد من قبل!  أما ريم فقد إنخرطت مع الفتيات تقلد هذه وتراقص تلك! كان منظرا مؤلما فعلا وقليلات هن الفتيات اللواتي لم يشتركن في تلك الحفلة.
حاولت أشجان أن تنقذ الموقف بأن سحبت ريم من يدها وأخرجتها من تلك الحلقة وقالت لها : أما ترين أن نرجس ورؤى قد إنسحبتا لماذا لا نتبعهما نحن أيضا?
قالت ريم : أرجوك يا أشجان دعينا منهما إنهما معقدتان! ! ولا تستطيعان الإنسجام مع هذه الأجواء لذلك إنسحبتا.
أما أشجان فكانت لا تعرف ما تفعل ضميرها يؤنبها لأنها لم تلتحق بنرجس ورؤى وألمها على صديقتها يجعلها تعود لإقناعها.
عادت نرجس إلى الصالة بعد أن هدأت رؤى التي كانت شبه منهارة وتركتها مستلقية على سريرها في الغرفة.  كانت نرجس قد عادت الى الصالة لنتظر حال صديقتيها وأين مكانهما الآن من هذه المهزلة.
كانت نتظر وهي واقفة في باب الصالة إلى الداخل علهر تقع عيناها على ريم أو أشجان.
وأخيرا وجدت ريم التي كانت منشغلة بالغناء والرقص , ثم حاولت أن تبحث عن أشجان وبعد مضني وجدتها تجلس بعيدا وقد وضعت رأسها على على المنضدة التي أمامها وقد إنخرطت بالبكاء
جاءتها نرجس وهي تشك في كون هذه الفتاة أشجان أم لا ,  حاولت وبحركة رقيقة أن ترفع رأس تلك الفتاة وحينها تأكدت من أنها هي , نظرت إلى عينيها الغارقتين بالدموع خاطبتها نرجس بدهشة : أشجان مابك يا حبيبتي?
لم تستطع أشجان أن تنبس ببنت شفة لكنها حضنت صديقتها وأرتفع صوت بكائها حاولت أخيرا أن تتكلم : نرجس أرجوك أبعدي ريم عن ذلك الفعل أو لست فتاتنا العاقلة والصديقة الناضجة?
إذن لناذا تتركين صديقتك في الموفف السيء بين رفيقات السوء والشياطين الرذيلة?
حاولت نرجس أن تهدئتها لكن طيبة قلب أشجان يمنعها من السيطرة على مشاعرها تجاه ما تراه من ريم.
قالت نرجس : سنصحبها لكن ليس الآن بل إن الله سيهيء لنا الوقت المناسب
مشت الفتاتان نحو باب الصالة للخروج من ذلك المكان إنتبهت ريم إلى خروجهما لكن المتعة التي كانت تشعر بها كانت تمنعها من اللحاق بهما.
دقت الساعة وكانت تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل صرخت رؤى : كيف ترضي أمينة القسم أن تستمر الحفلة إلى هذا الوقت المتأخر من الليل?
أجابت أشجان : لا تنسين أن أمينة القسم التي تتكلمين عنها قد رأيناها وهي في حالة من الإنتعاش والسعادة وهي ترى تلك الحفلة ولقد شاركت الفتيات في الرقص والغناء!
في تلك الأثناء كانت نرجس قد فرشت سجادة الصلاة لتبدأ في إداء صلاة الليل عندما طلبت منهرثا رؤى أن تنتظر قليلا حتى تقوم هي أيضا وتتوضأ وتشاركها الصلاة وما كان من أشجان إلا أن أسرعت مع رؤى للوضوء وإداء صلاة الليل سوية كان منظرا عجيبا فرغم صوت الغناء المرتفع من الطابق الأول ورغم أصوات الضحكات المتعالية من الفتيات في الصالة إلا إننا نجد نرجس ورؤى وأشجان قد صرن في حالة من الروحانية لم يمرن بها من قبل فهن لأول مرة يؤدين صلاة الليل مع بعض وهذا أن دل على شيء فأنما يدل على الإيمان الذي كان يملأ قلب كل واحدة منهن.
كن مصداق لقول الإمان علي عليه السلام ♢ ذكر الله في الغافلين كالشجرة الخضراء وسط الهشيم وكالدار العامرة بين ربوع الخربة ♢
ها نحن نراهن قد وقفن أمام الخالق يعترفن له بحبهن وشوقهن إلى رحابه في حين نجد أكثر فتيات القسم في الوقت نفسه قد وضعن أيديهن بيد الشيطان وذهبن وراء نزواتهن وأهوائهن وريم مع كل الأسف واحدة من تلك الفتيات.
دخلت ريم الغرفة بعد إنتهاء الحفلة وهي مرهقة ومتعبة ودهشت عندما رأت منظر صديقاتها الثلاث وهن في تلك الروحانية العالية يقفن أمام الله ويؤدين صلاة الليل بكامل الخشوع والخضوع للمعبود جل وعلا بحيث إنهن لم ينتبهن إلى دخول ريم التي بدأت تسلل وهي خجلة حتى وصلت إلى سريرها وأدخلت نفسها بكل هدوء داخل الفراش وبدأت نتظر إلى صديقاتها وهن في حالتهن العجيبة تلك!
بعد أن أكملن أداء تلك الصلاة المستحبة بدأت نرجس تناجي الله كعادتها لكن هذت المرة بصوت مرتفع لتشترك صديقاتها معها في المناجاة كانت تردد والدموع تهطل من عينيها كالأمطار :
اللهم إحملنا في سفن نجاتك ومتعنا بلذيذ مناجاتك وأوردنا حياض حبك وأذقنا حلاوة ودك وقربك وإجعل جهادنا فيك وهمنا في طاعتك وأخلص نياتنا فإنا بك ولك ولا وسيلة لنا إليك إلا أنت.
ثم أكملت بصوت شجي تخنقه العبرة : إلهي لقد إنقطعت إليك همتي وإنصرفت نحوك رغبتي فأنت لا غيرك مرادي ولك لا لسواك سهري وسهادي ولقاؤك قرة عيني ووصلك مني نفسي وإليك شوقي وفي محبتك ولهي وإلى هواك صبابتي ورضاك بغيتي ورؤيتك حاجتي وجوارك طلبي وقربك غاية سؤلي وفي مناجاتك روحي وراحتي وعندك دواء علتي وشفاء غلتي وبرد لوعتي وكشف كربتي  , فكن أنيسي في وحشتي ومقيل عثرتي وغافر زلتي وقابل توبتي ومجيب دعوتي وولي عصمتي ومغني فاقتي ولا تقطعني عنك ولا تبعدني  منك يا نعيمي وجنتي ويا دنياي وآخرتي.
وهنا إرتفع صوت رؤى وأشجان بالبكاء والنحيب فقد كان صوت نرجس يفتت الصخر لأنه يصدر عن عقيدة صادقة وإيمان راسخ ,  أما ريم فقد إختنقت بعبرتها بصدرها فلم تكن تستطيع مشاركة صديقاتها دعائهن وتوسلهن بالله لأنها كانت قبل قليل تعصبه دون أدب أو خجل!
أما الفتيات الثلاث فبعد إكمال صلاتهن شعرن براحة أكبر عندما وجدن ريم قد رجعت للغرفة.
إتجهت نرجس نحوها وعندما أحست ريم بذلك أغمضت عينيها لتوهم نرجس بأنها قد نامت , وما كان من بطلتنا إلا أن قبلت جبهة صديقتها المسكينة وهي تقول :
إلهي لم تعصك بقصد المكابرة والجحود وإنما هي النفس الأمارة بالسوء فإرحمها وإهدها إلى الطريق المستقيم.

#يتبع

نرجسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن