هل هو كابوس ؟ .... أم أنها النهاية المنطقية لكل انسانة ميتةٍ مثلها .... نالت الفرصة مرة لتنجو من مجتمع صارم .... لتضيعها مرة بعد مرة حتى انتهى الأمر بها هنا .....جالسة على فراشٍ غريب , مقيدة به كالجواري .... تنتظر مصير أفضل قليلا من المصير الأول .....توقفت عن المقاومة تماما وهي تدفن يدها المرتجفة في حجرها .... و يدها الأخرى ممدة بجوارها ....جسدها ساكن ..... الا أن صدرها هو من لا يزال في سباقٍ مع أنفاسها المنهكة ...... حتى أن صوت لهاثها كان الصوت الوحيد الذي يعلو في هذا الوقت ......منتظرة .... منتظرة ...... لا أمل في الفرار ..... لقد انتهى الأمر ............................................................ .................................................. .................................................بعد فترةٍ طويلة أو قصيرة ... لا يهم حقا فقد اختفى احساسها بالزمن , وجدت باب الغرفة يفتح ليدخل جاسر مبتسما بقسوة و لمحة ترقب ... يكاد يلتهمها بنظراته و كأنها كائن صغير نجح في اصطياده .....و ينتظر التهامه ....أغلق جاسر الباب خلفه و اتجه اليها ليخرج مفتاحا صغيرا من جيبه ... ثم تناول يدها و فتح اسوارة القيد , وهي مستسلمة تماما وقد نال منها التعب مناله ......و جذب يدها لتقف أمامه ساكنة ... تنظر لعينيه باستجداء الى أن قال أخيرا بخفوت( كل شيء أصبح معدا ... و نحن في انتظارك الآن )ابتلعت ريقها بضعف و دون أن تحيد بعينيها الكسيرتين عن عينيه .. همست بصوتٍ لا يسمع و أملٍ مات قبل أن يولد( جاسر ...... أتوسل اليك , انتظر الى أن اخبرهم ..... اقسم لك أنني سأقبل بك , لم أعد أصلح لشخصٍ غيرك )ابتسم جاسر بقسوة .... و ارتجفت لمرأى الشر في عينيه , و حينها أخفضت نظرها خوفا من نظراته التي ارسلت الرفض و استحالة الثقة فيها من جديد .....قال جاسر أخيرا( لقد انتظرت طويلا بما يكفي حتى اعتقدم ان بإمكانكم خداعي و سلب ما يخصني ...... و كان ذلك خطأ كبيرا .... ما أملكه , يبقى ملكي الى أن أقرر العكس )سكتت حنين وهي تؤمن أن النهاية حلت و أن المصير قد تقرر و أنه قد آن الأوان ليحص جاسر على أملاكه التي اشتراها بثمنٍ بخس فيما مضى , ..... قال جاسر بعد فترة صمت طويلة( هيا تعالي ........ لقد جلبت لكِ ملابسا عديدة و أثواب , افتحي الدولاب و انظري اليها ...... )رفعت نظرها اليه دون أي تعبير أو مشاعر , فحثها للذهاب الي الدولاب ... و فتحه لها .... لترى عدة أثواب قليلة معلقة ... لكن على ما يبدو أن اختيارهم كلف مجهودا ضخما لتناسبها .......ظلت حنين واقفة تتأمل الأثواب الملونة المتراصة أمامها كممثلين في مسرحيةٍ ساخرةٍ منها و مما آل اليه حالها ......كان جاسر هو المتقدم ليختر لها ثوبا أبيضا هفهافا ... ناعم بشكلٍ مؤلم ..... ليفرده أمام كتفيها وهو ينظر اليها مبتسما بغموض ليقول( هذا مناسب ...... مناسب لعقد القران )نظرت الي الثوب الأبيض في يده ... ثم رفعت عينيها اليه وهي تهز رأسها نفيا بضعف لتهمس؛( لا .... ليس مناسبا ..... ليس مناسبا إطلاقا )لم يرد عليها جاسر للحظاتٍ طويلة .... لكن الأبتسامة تجمدت من فوق شفتيه ... و تصلبت عضلات فكه , ليقول بعد فترة بجفاء( ومع ذلك سترتديه ........ هيا فلا وقت لدينا )أمسكت حنين بالثوب على مضض ثم رفعت عينيها اليه لتهمس دون حياة( اخرج من هنا أولا ............... )رفع جاسر رأسه و هو يضحك عاليا مما جعله الشيطان بعينه في نظرها .... و لم تتكلم الى أن انتهى من تسليته و نظر اليها مختتما ضحكاته .....ثم قال أخيرا مبتسما بعبث وهو يمد يده ليداعب ذقنها( حنين ...... لما هذا الخجل المفاجىء , الذي لا داعي له ..... أنتِ زوجتي مما يزيد عن عشر سنوات , كنت في لحظاتٍ منها أقرب اليكِ من أنفاسك ........ لا حبيبتي , لا مجال لتركك قبل عقد القران و لن أدير ظهري فربما قررتِ ضربي على رأسي بشيءٍ ما )شددت حنين قبضتيها على الثوب بينما عينيها تلمعانِ ألما و انكسارا .... لكنها ذهبت ببطءٍ و ضعف الى نهاية الغرفة و بدأت في خلع ثوبها .... حينها توهمت أن شيئا ما ظلل نظرات جاسر لكنه استدار قبل أن تتاكد .... وهو يتشاغل بالنظر الي شاشة هاتفه مرة و ساعة معصمه مرة دون أن ينظر اليها .... مما أعطاها بعض الراحة الدخيلة على لحظات عذابها .....لحظاتٍ مضت لم يسمع فيها جاسر سوى حفيف انسدال الثوب ذو القماش الشفاف الهفهاف و بطانته الحريرية على جسدها الى أن انتهى الصوت ....... فأخذ نفسا ساخنا عميقا قبل أن يسمع همسها الآتي من البعيد( لقد ........ انتهيت )رفع نظراته ببطءٍ اليها ..... لتتسمر على المخلوقة الواقفة أمامه طويلا و قد احتبست أنفاسه في صدره دون أن يجرؤ على إصدار حركة ..... كانت تبدو كمخلوق سحري .... ليست عارضة ازياء او ملكة جمال ......لكنها كانت تبدو بطلةٍ غريبة من الهشاشة و الإنكسار منحتها نعومة تفتت الحجر ..... بشعرها الأسود الطويل النائم على كتفيها و ظهرها و تنفلت خصلاته الأقصر طولا على جانبي وجهها بحزن .....ومن تحته الثوب الأبيض الشفاف بمكرٍ دون أن يظهر جزءا من جسدها الصغير .... يضيق عند خصرٍ شديد النحول يستفزه ليطوقه بذراعيه رغما عنه ..... لينسدل بعدها بإتساعٍ ناعم حتى كاحليها ......عيناها الزيتونيتان تنظرانِ اليه بإنكسارٍ يصرخ اليه ليداويه ..... ووجهها الشاحب ببشرته الشفافة أكمل صورتها الأثيرية .....ابتلع جاسر غصة في حلقه وهو غير قادر على إبعاد عينيه عنها .... الى أن تنحنح قليلا وهو يقول بخشونة ...( هيا لتعدلي شعرك المشعث ........ )اتجهت حنين بصمتٍ و استسلام الى المرآة و ثوبها يتطاير بنعومةٍ حول ساقيها خلبت لبه ......أمسكت بالفرشاة الموضوعة أمامها و أخذت تمررها بشرود في شعرها الحزين وهي تتطلع الي صورتها طويلا .... كثيرا ما كلمت صورتها في المرآة و التي تكاد تكون صديقتها الوحيدة ......لكن الآن صديقتها كانت شخصا غريبا عنها تماما ..... لا تعرفها اطلاقا ...... و تقريبا كرهتها وودت لو تهرب منها ......اقترب جاسر منها , ليقف خلفها تماما ..... ومد يديه ليمسك بخصرها , يتنشق رائحة شعرها لينخفض الى عنقها الناعم .... وهي كالتمثال تتفرج على صورتيهما في المرآة و لاحظت للمرة الأولى أنه قد بدل ملابسه بقميصٍ أسود و بنطالٍ يماثله مما جعله مظهره أكثر خطورة ..رفع جاسر عينيه الى عينيها في المرآة و تشابكا طويلا .... قبل أن يقول بخفوت( أنتِ لا تقومين بذلك رغما عنكِ يا حنين .......... )لم ترد عليه وهي تتطلع اليه في المرآة بصمت ... بينما تابع هو بصوتٍ أجش( لقد ظُلمتِ كثيرا .... ولم يكن أنا من ظلمك , فلا تبذلين جهدا في محاولة القاء اللوم علي ).... ظلت صامتة وهي تستمع اليه و هو يكمل بجوار اذنها ...( سنوات طويلة , كنتِ فيها لعبة يلهون بها و ينقلونها من يدٍ لأخرى ...... حتى أن أحد لم يبذل جهدا للتأكد من تحررك بالفعل أم لا )ثم خشن صوته قليلا وهو يتابع( و هذه المرة كدتِ أن تلقين بنفسك الى ما لا يحمد عقباه جزاءا على خدعتك الصغيرة ....... في سبيل نيل رضاهم و مكانة لديهم و التي لم تكوني لتناليها أبدا ....... لو أرادو لمنحوها اليكِ من قبل ..... من سنواتٍ عديدة )لم تصدر عنها حركة سوى أن اهتزت حدقتاها ألما ..... و ازدادت نبضاتها تصرخ دون أن يظهر عليها .....حينها أخذ نفسا عميقا و اعتدل في وقفته وهو يقول بحزم و قوة( هيا لننزل ... فهم في انتظارنا )ثم مد يده ليمسك بكفها يقودها الى ....... الى زواجهما الذي تأخر طويلا .......................................................... .................................................. .................................جلست حنين ببطءٍ و ارتعاش وهي تضم قبضتيها ... تنقل نظراتها بين الحضور , و المكون من المأذون و شاهدين خشنين مبتسمين لصاحب عملهما .......و كأنها مغيبة تماما , تطير على سحابةٍ من الأوهام و الغفلة .... كانت تردد ما يسألها المأذون و يعيده عليها ... و عينيها أسيرتي عينيه ..... عينيه تبرقانِ انتصارا و زهوا ..... وكأنه سيبتلعها في دوامة نظراته الحارقة أثناء ترديده بصوته العميق المخيفو في لحظةٍ انتهى كل شيء ..... مباركة و تهنئة و انتهى كل شيء , هل هكذا تم توثيق الزواج ؟ ..... هل حقا بمثل تلك البساطة , انه حتى اسهل من المرة الأولى ....... الأنها بلغت سن الرشد و أصبحت ولية نفسها ؟؟ ..... دون أبٍ أو عم ....نهض الجميع .... و نهضت حنين و هي لا تكاد تشعر بشيء الى أن انصرفو و بقت هي مع جاسر .....وقفت تنظر اليه و ينظر اليها .......لقد حصل عليها أخيرا ..........لقد أصبحت ملكه أخيرا .... لقد كانت ملكه منذ زمنٍ بعيد , الا أن أحد الآن لن يجرؤ على الإنكار بكلمة .... خلال يومين ستصبح قسيمة الزواج في جيبه ...... و أما هي .... فها هي في بيته و طوع يمينه .....اشتعلت نظراته اشتعالا ....... و برقت بزهو المنتصر , لم يكن يظن أن شيئا ما من الممكن أن يشعره بشعورٍ كالذي يشعر به الآن ......لقد حصل عليها .... و ابتسم بقسوة و انتصار مذهل ..........همست حنين اخيرا بخوف و رهبة( ماذا ..... سيحدث الآن ؟ هل ..... ستعيدني لأهلي الآن ؟ ...... )ابتسم جاسر بأكثر شراسةٍ وهو يدخل يديه في جيبي بنطاله ينظر اليها نظراتٍ مفترسة .... و تركها للحظاتٍ تحترق أعصابها الى أن قال أخيرا( بالطبع لا ...... لن أتخلى عنكِ لهم كالمرة الأخيرة , فقد ذقت الأمرين ..... ستبقين معي و سنواجههم معا في الغد , فإما أن يتقبلون زواجنا و إما فلهم حرية الإبتعاد عنا )

بأمر الحبWhere stories live. Discover now