(إنها فرصتك الأخيرة ........ ففكر بحلولك المتاحة جيدا )  


جلست امامه وهي تطالع شاشة حاسوبها الشخصي ..... كانت في غاية التركيز حتى أنها نسيته تماما , بينما هو و رغما عنه فقد السيطرة على عينيه للمرة الأولى في عمله .... لا يتذكر أبدا أنه اطال النظر بزميلةٍ له قصدا .... لا يذكر أنه دقق النظر لزميلةٍ من حيث شكلها او طريقة ملبسها .....حتى في طريقة جلوسها .... وهي مفرودة الظهر كراقصة الباليه , تضع ساقا فوق الأخرى برشاقةٍ ارستقراطية .... انحنائة خصرها الشديد النحافة يجعل منها رمزا للجمال الراقي بالفطرة .....رحلت عيناه الى عينيها الشديدتي التركيز فيما تقوم به .. بينما حاجبيها منعقدانِ قليلا .... لينحدر بنظره بعد ذلك للوشم القريب من قلبه .... هل هو غباء ؟؟ .... ربما .... لكنه يحب هذا الوشم , وهو عادة ما ينتظر تشاغلها أو شرودها ليختطف بعض لحظاتٍ مسروقةٍ ليطيل فيها النظر للوشم الوردي الداكن ....... هل هو يعطيها مظهر الخطورة ؟؟ ... أم الجاذبية ؟؟ .... أم أنه يضيف اليها لمحة من الحزن و الألم ..... و كأن شفتيها المكتملتين أبيتا أن يتم اكتمالهما فقطعهما ذاك الوشم ليزيدهما جمالا .....وعى عمر لتفكيره المجنون فأخفض عينه بسرعةٍ وهو يزفر مخرجا نفسا مشحونا طويلا .... مما لفت نظرها اليه , فرفعت رأسها اليه في الحال وهي تقول بنعومة خافتة( ما الأمر ؟؟ ..........)انعقد حاجبي عمر بشدةٍ وهو يحاول تدارك الموقف .. ثم قال بجديةٍ وصلابة( لا شيء .... أجهدت عيني فحسب , هل هناك ما تريدين سؤالي عنه بعد ؟؟...... )نظرت رنيم الي شاشتها بتركيز وهي تدقق فيها للمرة الأخيرة تتأكد ... ثم نظرت اليه مبتسمة بوداعة وهي تهمس( لا ... حتى الآن كل شيء على ما يرام , لقد اتعبتك معي )قال عمر بخشونة غير مقصودة( ليس هناك تعب .......حسنا , يمكنك الذهاب الآن , وأنا موجود دائما إن اردتِ سؤالي عن أي شيء )اغلقت رنيم شاشة حاسوبها وهي تقف ببطء ..... تبا لذلك , حتى طريقة نهوضها بها رشاقة .... اي إصابةٍ تلك التي جعلتها تبدو كراقصة باليه .... اوووف ماذا به اليوم ؟؟ ......شاهدها وهي تلملم حاجياتها و توقفت عيناه عند خاتم خطبتها طويلا ..... ودون أن يمنع نفسه قال بهدوء( كيف حال خطيبك ؟؟ ...... )رفعت رنيم رأسها اليه بدهشةٍ و اتسعت عيناها للحظاتٍ ... ثم قالت بصوتٍ خافت( الحمد لله .... بخير )قال عمر بلا تعبير وهو يتلاعب بقلمه( متى تنتويان اتمام الزفاف ؟ ........ )مرة أخرى وقفت رنيم أمامه مصدومة من تلك الأسئلة الودية الا أنها بالنسبةِ اليها جاءت صادمة .... لكنها أجابت بصوتٍ أكثر خفوتا وهي تحتضن حاسوبها بين ذراعيها كتلميذةٍ مرتبكة( لازال أمامنا بعض الوقت و الكثير من الترتيب ..... لا تقلق , العمل لن يتأثر أبدا )نظر عمر الي عينيها مباشرة ثم قال بوضوح( وكيف ذلك ؟ .... هل صارحته بعملك ؟ ....... )ارتبكت رنيم أكثر و اخفضت عينيها و احمر جهها بشدةٍ الا أن عمر رفض التعاطف معها و ظل منتظرا الاجابة ببرودٍ و قسوة .... فتلعثمت رنيم وهي تقول بصدق( سأخبره .... في الوقت المناسب , لا تقلق صدقني .... لن يتأثر العمل في شيء )تحاول أن تجعل الأمر مهنيا و تريد أن تخبره بلطفٍ و تهذيب بأن لاشأن له بأمورها الخاصة ..... لكنه لن يسمح لها و تابع بثقةٍ أقرب للوقاحة( اتسائل كيف حتى تمكنتِ من إخفاء الأمر عليه حتى الآن ؟ ..... بماذا تبررين غيابك ؟ )تجمدت ملامح رنيم وهي تنظر اليه و قد بدأت تتحول الصدمة الى ما يشبه الغضب الا أنه لم يظهر بعد .... فردت بصوتٍ خافت جامد ...( أنا عادة لا .... أنا كنت معتادة على الاستيقاظ وقت المغرب لذا فهو معتادا الا يكلمنى أو القيام بزيارتي قبل ذلك الوقت )جاء دور عمر ليصدم ... وظل صامتا قليلا ثم قال باستهجان( وماذا إن اراد يوما فعل اي شيء عفويا .... كالجري معك صباحا مثلا ... أو اي شيء ..... )من يجري صباحا ؟؟ .... نائل ؟؟ ... تخيلت مظهر نائل وهو يجري على طريق البحر صباحا مرتديا بدلة رياضية ... محاولا الا يلامس أيا من المحيطين به ... يرفع كتفا تجنبا لهذا و يميل على أطراف أصابعه متجنبا لذاك .....لم تشعر بنفسها الا وهي تبتسم تدريجيا حتى افلتت ضحكة من بين شفتيها .... بينما كان عمر يتأمل عينيها الشاردتين و شفتيها الضاحكتين بدلا من أن توقفه عند حده ......لماذا تستلم هكذا بسهولةٍ لتجرأ الآخرين عليها ؟ ........في الواقع كان يشعر بغضبٍ عنيف موجها ضدها , ... منذ أن دار حوارا بينه و بين شقيقته علا و هو يشعر بالغضب على تلك الساذجة ....تذكر علا منذ عدة ليالٍ وهي تسأله عن تلك التي لم يرفع عينيه عنها طوال فترة العشاء العائلي .... و بعد جدالٍ عقيم طويل , اقتنعت علا أنها مجرد زميلة له و أنه لم يكن مثبتا عينيه عليها أبدا ....لذا ابتعدت علا وهي تنوى الإنصراف لكنها و قبل أن تتركه التفتت اليه لتقول بخبث( كنت فقط أسألك لأنني رأيت خطيبها بالصدفة في المكان الذي أقامت فيه صديقتي عيد ميلادها .... و هو لم يكن بمفرده بالمناسبة , كان مع شابةٍ سخيفة للغاية و كانا يتشاجران على ما يبدو ..... و كانت طريقة أمساكه لها غير بريئة على الإطلاق ..... ظنتت أن أمرا كهذا قد يهمك )عاد بتفكيره الي رنيم الواقفة أمامه تبتسم ببراءة .... إنها ليست بريئة , بل هي غبية ...... كيف لها أن تقنع بمثل تلك المعاملة التي تتلقاها من أفطس الأنف ذاك ......منذ أن رآهما معا وهو يشعر بتشنج في معدته كلما تذكره و هو يرفع يده اليها ليصمتها .... و نظراته اليها من رأسها لقدميها تكاد تكون مزدرية ..... كيف لها أن تعمي عن رؤية انطباعاته بينما لأي غريبٍ هي واضحة وضوح الشمس ....مثلها يجب أن توضع في علبةٍ زجاجيةٍ مغلقة .. حفاظا عليها من أذى البشر ......رفع عينيه الى عينيها و كانت تنظر اليه الآن وهي تحاول استنتاج السبب في أسئلته الوقحة ... الا أنه لم يمنحها الفرصة وهو يقول بصرامة( حسنا اذهبي لعملك يا رنيم .... و كما أخبرتك أنا موجود ما أن تحتاجيني ,...... في أي شيء )للحظة تسمرت عيناها على عينيه ... و بهتت مشاعرها وودت لو تصرخ بشيء ... أي شيء .... ودت لو تحتاجه في أي شيء ...... في الواقع تحتاج أن تحتاجه بشدةٍ و يأس .....لكنها أومأت وهي تبتسم له ابتسامة ودودة بها لمسة حزن لاحظها بالتأكيد ..... ثم استدارت لتنصرف بهدوءو بعد خروجها ظل عمر قابعا مكانه و هو يشعر بثقلٍ غريب .... وجودها هنا مزعج ... بالفعل مزعج كما لم يشعر بمثل هذا الانزاعج من قبل ......بعد فترةٍ رفع نظره عن عمله الذي لم يكن شاغلا كل تفكيره ليقع بصره على شيءٍ ملون فوق الطاولة الصغيرة أمام مكتبه .... انه قلمها الوردي ذو رائحة الفارولة و رأس القطة المزغبة .... حسنا يبدو أن عليه إعادته اليها ... اوووف هاهو سيقوم بشيءٍ ثقيل رغما عنه الا أنه يجب ان يعيده اليها فربما تحتاجه .....نهض من مقعده و دار حول المكتب ليلتقط القلم بين أصابعه ... ولم ينسى ان يرفعه الى أنفه ليستنشق رائحته للمرة الأخيرة .... ثم خرج ناويا الذهاب الي مكتبها لكنه في طريقه وجدها واقفة بظهرها في أحد زوايا الممر الطويل ... ممسكة بهاتفها بشدةٍ الي اذنها بينما تغطي فمها بيدها الأخرى ..... كان التشنج يبدو على جسدها كله و لم يستطع سماع معظم ما تهمس بهالا أن الجملة الأخيرة علت قليلا عن الهمس وهي تقول بصوتٍ منكسر متشنج( أرجوك ... أرجوك ... توقف عن التلميح لإصابتي ..... أرجوك ذلك يقتلني ... مالذي جعلك تكلمني في هذا الوقت على أية حال ؟؟ .... إن أردت شيئا من والدي عليك أن تطلبه بنفسك ..... لكن دعني و عاهاتي من فضلك .... هذا ليس مزاحا أبدا )تحرك عمر متقدما في سيره الى أن وصل لمكتبها وهو يغلي غضبا منها ... كم ود لو مد يده من هاتفها ليقبض على عنق ذلك الحقير و يخرجه من الهاتف ليريه قدر نفسه الحقيقي ....دخل مكتبها عابسا غاضبا ... ثم رمى القلم على سطح المكتب , لكنه رأى بجانب القلم مذكرتها مفتوحة على صفحةٍ بها العديد من الرسوم و القلوب .... و عبارة واحدة مكتوبة بخط مائلاقترب منها ليقرأها بوضوح ...... و ضاقت عيناه على الحروف النازفة( وسلمت بأنني لم أعد انثى ..........)لم يعلم الى متى ظل يعيدها و يكررها بداخله ... لكن ما يعرفه هو أنه التقط قلمها الوردي و خط بأسفل عبارتها جملة واحدة( و قد أيقنت بأنكِ غبية ....... يا أكثر النساءِ انوثة و غباءا )ثم القى بالقلم و خرج من مكتبها حاملا غضبه الى حيث أتى ..........

بأمر الحبWhere stories live. Discover now