بهتت ابتسامة أثير .... لكنها كانت على إستعدادٍ تام على إتباعه لآخر العالم لو اقتضى الأمر ... يبدو أنها قد هوت و قُضي الأمر ...  


سارت أثير بجوار مالك في ذلك الحي الضيق القديمة بيوته .... ومن تفرعٍ لآخر أكثر ضيقا كانت تتبعه في صمت و هي تتطلع حولها ....ذلك الحي البحري رغم قدمه الا أن سحره لا يزال طاغيا عليه .... و رائحة البحر القوية تتخلل أنفاسها لتنعشها و تهدىء من توترها و نبضات قلبها .....إنها من أكثر الناس تهورا حتى أنها قد تصل الى حد الحماقةٍ أحيانا .... وها هي تتبعه الى أحد الأحياء القديمة دون حتى أن تمانع أو أن تسأله .... لكن ما تعرفه هو أنها اصبحت تثق به ثقة عمياء , دون أن تعلم السبب لتلك الثقةوصل بها مالك الي بيتٍ قديم من قدم الزمن الذي مر على هذا الحي ... لكنه جميل و يحمل طابعا خاصا ... توقفت قليلا عند مدخله وهي تنظر الى مالك الذي ابتسم اليها و سبقها داخلا فتبعته الى الداخل بصمت ....و كانت هناك سيدتانِ واقفتانِ تتحدثان و تتضاحكان عند جانب البيت كلا منهما تحمل حقيبة منزلية تحوي بعض مشترايتها حيث التقت جارتها ككلِ يوم فلا تكتفيانِ من التسامر عند الباب أو من الشرفات .... ... لكنهما توقفتا عن الكلام قليلا وهما تنظرانِ بإهتمام الى مالك و أثير أثناء دخولهما ......وقف مالك أمام الباب الخشبي القديم ذو الشراعتين الحديديتين و النافذة الزجاجية ... و خلف تقف أثير متوترة و هي لا تعلم من سيقابلا تحديدا ....فجأة فُتح الباب ..... لتطل منه سيدة مبتسمة بطبيعية و كأن الابتسامة هي ملمحا منحوتا من ضمنِ ملامحى وجهها ....سيدة في الأربعينيات ... ملائكية الوجه الذي يبدو شديد الرقة بشحوبه الطبيعي .... و يلتف حول رأسها شالا مربوطا خلف عنقها الا أنه لم يخفى مقدمة الخصلات الشقراء الداكنة التي تخللتها بعض الشعيرات البيضاء فزادت مظهرها هشاشة و نعومةبعض الخطوط الدقيقة هي فقط من دلت على عمرها بصعوبة ....اتسعت ابتسامتها قليلا و رقت عيناها و شعت حنانا وهي ترى القادم فقالت بمودةٍ و نعومة( مالك ؟؟ ..... يا أهلا .. يا أهلا ..... طالت غيبتك هذه المرة )ابتسم مالك وهو يقول برقةٍ بالغة( كيف حالك يا أحلام ...........)فتحت أحلام الباب وهي تقول ببشاشة( ادخل ... ادخل , لكنى لازلت مكسورة الخاطر منك .... حتى مكالمة الهاتف اصبحت عسيرة عليك ؟؟ )دخل مالك ... ثم توقف وهو ينظر خلفه الى أثير المرتبكة ... ومنها نظر الى أحلام ليقول برقة( معي صديقة جلبتها لتتعرف اليكِ ........)قالت أحلام بمودةٍ وهي تميل ناظرة الى أثير بفضول( مرحبا بك و بصديقتك ...... )دخل مالك وهو يشير لأثير أن تتبعه ... فدخلت بخجل و هي تبتسم لتلك السيدة الجميلة .... و كبيتٍ من البيوت القديمة , كان ذو سقفٍ مرتفع للغاية و جدرانِ خضراء فاتحة اللون ,,,و أرائك مغطاةٍ بأغطيةٍ مفصلة ذات نقوشٍ وورود .....جلس مالك و أثير الى أقرب أريكةٍ ...... فاتقربت أحلام لتجلس أمامهما و هي تتطلع لأثير بحب فقال مالك( هذه أثير يا احلام ...... صديقتي وعزيزة علي )ابتسمت احلام اكثر .... و هي تتطلع لوجه اثير الذي احمر خجلا , فهمست احلام؛( مرحبا مرحبا بها ....... ما أجملها يا مالك )ازداد احمرار وجه أثير اكثر ....و خاصة ومالك ينظر اليها مبتسما وكأنه يؤكد على كلام أحلام .....ثم لم تلبث أن دخلت في حالةٍ من الرقة و المودة خلال الساعة التي تلت ..... حيث بدأت الأحاديث بين مالك و أحلام و بعض الطرائف حتى أن أثير لم تستطع أن تمنع نفسها من الضحك في كثيرٍ من القصصلكنها كانت تنظر اليهما وهي لم تعلم بعد ما درجة القرابة بينهما ......ما استنتجته هو أنها أحد جيران مالك حين كان يسكن هنا قديما .....و أنها تعيش وحيدة ... ليست تماما حيث تأتي تلك السيدة التي أعدت لهما القهوة و قدمت لهما الحلوى .... يبدو أنها تأتي الى أحلام يوميا لتؤنس و حدتها ...لكن اليست لها أسرة أو عائلة .... إنها جميلةٍ و ناعمة و أكثر هشاشة من أن تبقى بمفردها طويلا ....رن هاتف مالك أثناء حديثه الرقيق الباسم مع أحلام , فاستأذن منهما وهو يأخذ هاتفه ليخرج قليلا من باب البيت المفتوح و يتكلم بحريةٍ عند أعلى السلم ....بقت أثير جالسة مكانها وهي تتلاعب في حقيبتها الصغيرة على ركبتيها .... تنظر الى أحلام فتجدها هي الأخرى تراقبها مبتسمة بحنان فائق .... فتبتسم لها أثير وهي تخفض نظرها بخجل كطفلةٍ صغيرة ...رفعت أثير عينيها تنظر حولها و كأنها تتفرج على البيت من جديد و هي تشعر بجوٍ حالم يحيط بجدران هذا البيت القديم فيعطيه غموضا غريب .....لكنها فجأة ثبتت نظرها على صورةٍ صغيرة في اطارٍ مذهب موضوعة على طاولةٍ صغيرة بين الأريكة و المقعد ..... للوهلةِ الأولى رمشت بعينيها ... اليست تلك هي نفس صورة الطفلة التي أراها مالك لها ؟؟ ....نست أثير نفسها تماما وهي تنظر الى الصورة بتمعن ... حتى قالت أحلام بهدوء( إنها نوار ..... ابنتي )أجفلت أثير و ارتبكت ... لكنها ابتسمت وقالت بتردد( إنها جميلة جدا ........ أين ..... أين هي الآن ؟؟ )لم تختفي ابتسامة أحلام ... و لم تختفي الخطوط الدقيقة على جانبي عينيها الحنونتين و هي تهمس برقة( لقد رُدت الأمانة الى خالقها ...........)للحظةٍ لم تستوعب أثير ما سمعته .... ثم انتفضت بداخلها , ... يالهي تلك الطفلة الجميلة , تحت التراب الآن ..... رفعت عينيها المصدومتين من الصورة الي أحلام لتهمس بندم( أنا آسفة ..... أنا آسفة جدا ..... لم أكن أقصد أن ........ )ابتسمت أحلام برقةٍ حزينة و هي تقول بتأكيد( إنها في مكانٍ أفضل منا بالتأكيد .............. )نعم .... نعم .... و أثير خير من تعلم ذلك , فهمست مواسيةٍ بتأكيد( نعم ..... إنها في مكانٍ أفضل بكثير ......... )الا أن في قلبها كانت تدور دوامة غريبة .... من عطفٍ و حيرة و فضولٍ و كأن للقصة أبعادا أخرى ....

بأمر الحبWhere stories live. Discover now