القصة الخامسة عشَر

32 7 1
                                    

(بين أنياب الضياع )

لطالما تمنيت أن أكون مُعالجاً نفسياً ولكن لم أكن أعلم بأن القدر سيُساق بي ليكون صديقي أحد هؤلاء الضحايا؟

المكان بارد جداً تتخبط به الوحدة بخيلاء،كنتُ أظن سابقاً بأن أنفراده وتحديقهُ في الفراغ أمراً طبيعياً لم أكن أعلم بأنه يُعاني من ذلك الأكتئاب صمتًا،يالي من صديق سيئ كيف تركتهُ هكذا ينجرف دون أن أنتشله لقد فات الأمر على مثل هذا الكلام لن يُجدي اللوم شيئًا
حاولتُ الأقتراب منه ولكن هُناك شعوراً بي يرتجف لا أعلم أن كُنت خائفًا عليه أم منهُ مُضطرب!إخترقَ مسامعي  غيثُ أنفاسهُ الاهثة بين سُحب السكون تَتابعاً بمسيرها نحو قلبي ليرتعب حُزنًا.

-مرحبًا ياصديقي لقد أحضرت لكَ معي الحلوى التي تُحبها ،هل يمكنني الجلوس بجانبك.
نظر إلي  لينعكس شخصهُ بناظري من تحت ذلك الضوء الخافت المُعلق بسقف الغرفة،فلمحتُ تلك الدماء المتدفقةُ في سماء عيناه كأنها بِحارٌ من الحُزنِ تفجرت لتُنشر أشلاء جمراتها في فضاء المُقلتين،حملقت  به بأسى!بدا وكانه عجوزٌ رُمي بين أحضان الكَهل ليرحل عنه الشباب مودعاً زُهور الربيع.

-هل أتيت لتُشفق على حالي أم أتيت مُتفرجاً؟
-ماهذا الهُراء الذي تتفوه بهِ لقد أتيت لِكي أُخرجك من هُنا.
-تُخرجني!أن هذه الجدران أكثر رحمةً من الآخرين رغم صلابتها إلا إنها أشد رقةً من قسوة هذا العالم،فَكلما تعثرتُ بألمي جعلتني بكل ثقلي عليها أتكئ.
-أنكَ مُخدرٌ بين أحضان الأستياء ياصديقي، لا تعلم كم أنا قلقٌ عليك يكاد قلبي أن ينشطر.

-تلك الكلمات تُستنسخ بين
أفواهكم جميعاً،أين كُنت عندما أنجرفتُ بهاوية الضياع؟تتمايل الروح بي لتصطدم كُل يوم بقاع بئر الخوف فأجلسُ وحيداً أذرف الدموع،كثيراً ماكانت نضراتي تستنجد بكم صمتًا لكن لم يكن أياً منكم لها مُبالياً.

-لايزال هُناك أمل فما من ذبول إلا وبعدهُ أزدهار،أرجوك دعني أنتشلك لا أستطيع أن أتركك هُنا وحيداً،يُصارع قلبك الباكي شجى لوعتك أنا آسف عن جميع من خذلك.

-أذهب بعيداً لقد فات الأوان على جمرات الأعتذار،دعوني أرقد هُنا بسلام،أن طيف جنازتي الذي أراه كُل يوم يُدفئني،فلا طاقة لي بالمزيد من الصفعات حتى هذه الرياح الهادئة التي تلتف حولي مُذ أن وطأت قدماي هذا المكان أستقبلتني  نسماتُها محاولةً مُلاطفة بُكاء أحزاني،أما أنتم فلم يَكن شخصكم لدوي صمتي يَستمع.

قبل أن يُتم الحديث أرتجف باكياً ليقوم بأحتضان نفسه بكلتا يديه واضعاً رأسه المُثقل بدوامة هواجسه بين قدميه لينطق بعدها قائلا:أنا لم أعد أعلم  حتى من أكون
جثوت على ركبتاي ليختلط البكاء بصوتي واضعاً يدي على رأسهُ:
أنا هُنا بجانبك أعدك بأنني لن أتخلى عنك كما فعلتُ لشدة غبائي سابقاً،سوف أُعتقك من بين أنياب الضياع.

ختام عبد الصاحب

...Where stories live. Discover now