القصة الرابعة

54 8 1
                                    

بدأتُ يوماً جديد في المصحى .. أدخُل ساحةِ البناية ، وبينما أنا أسيرُ بدأتُ أُحدّث نفسي .. أنا مُتعَبٌ حقاً من الطاقات السلبية التي تُصيبُني كالأسهُم كُلّ يوم ..
لفحني هواءٌ عليل جعلَ أفكاري التشاؤمية تتجه إلى مكانٍ أفضَل ..
لا ، لا تقُول إنّها طاقةٌ سلبية ، إنّها مُساعدة ومن القلب والروح والعقلِ لهؤلاء الذين قذفَتُ عليهم الحياة حجارها .. ولم يُنصفهم أحدٌ ويعتني بهم ، لا تكُن أنتَ كالذين شوّهوهم ..
أفقتُ من فكري ، فوجدتُ نفسي أمامَ الكافتريا أطلبُ كوبَ قهوة ..
وبعدَ أن صارَت بينَ يدي قررتُ أن أجلُسَ قُربَ النافذة المُطلّةِ على البناية ، وبينما أحتسي كوبَ قهوتي رِحتُ أُراقِبُ بعضاً من المرضى ..
لمحتُها من بعيد ، كانَت هادئة كعادتها ..
غارقةً في صمتِها ، ولسكوتِها والهدوء الذي يُحيطُ بها إذا اقتربتَ منها تكُون قادر على سماعِ دقاتِ قلبها ..
وجدتُ قدماي تشدّاني للذهاب إليها .. فإنّ وجهها شاحبٌ اليوم أكثر من ذي قبل ..
وأراها مُستيقظةً على غيرِ عادتها ..
دنوتُ منها ،
شعرتُ أنّها أحسّت بوجودي لكِنّها لم تكترث ..
_صباحُ الخير صغيرتي جُمانة
_.....
_أراكِ مُستيقظة على غيرِ عادتك .. هَل ترغبين في إحتساء القهوة ؟
_....
_جُمانة ، بدأ صوتي حنوناً لها لكي أجعلها تخرج عن الكبت الذي داخلها، عزيزتي ألَم نتفق أنّنا أصدقاء وألّا تخفين عنّي شيء ..؟
تكلّمي ..
_....
اقتربتُ منها أكثر ، وقطفتُ زهرةً من الحديقة التي تجلس بجوارها .. ووضعتُها بينَ خصلاتِ شعرها ..
_ما بكِ عزيزتي ؟ حدثيني ..
_هَل ستُحقق لي ما أُريد ؟
_نعم عزيزتي ، أي شيءٍ تطلبين فهوَ تحتَ أمركِ ..
_أيّ شيء ..
أومأتُ لها إيجاباً ،
_أُريدُكَ أن تجعَل أُمّي تأتي إليّ ..وتأخذني معها ..
شعَرتُ بأنّي بدأتُ أفقد توازني قليلاً ، ولكِنّي حاولتُ ألّا أجعلها تشعُر ، فإن والدتِها لا تُريدُ سماع أي شيء عنها فهيَ مسجونةً بسببِ قتلِها لوالدِها وتعتقِد بأنّ حبها لجمانة ومحاولةِ حمايتها من تعنيفِ والدها هو السبب فكرِهتِها ..
_ولكِن عزيزتي تعرفين بأنّ والدتكِ توفيَت ، قُلتُ كاذباً ، ..
_....
_جُمانة عزيزتي لماذا تريدين والدتك الآن ؟ هَل أنتي مشتاقةٌ إليها ؟
_أنا أُريدُ قتلها والتخلّصِ منها وجعلها تلحَق والدي المجرمِ أيضاً ..
_حسناً وماذا تستفادين ..؟
_أشعُر براحةِ وبإطفاءِ هذا البُركان المُتراكمِ بداخلي ..
_هَل كانتَ تؤذيكِ ؟
_كانتَ تجعلني أموتُ كُل يوم وأنا حية ..
_وبعدَما تتخلصين منها ؟
_أتخلّصُ منّي أيضاً ..
وبلّلَت الأرض دموعها الحارة ..
أخذتُها بينَ أحضاني ومسحتُ على شعرها ..
وقلتُ لها لا تخافي ، كُل شيءٍ سيتحسّن ..
صُعِقتُ من جنونها وصراخها ،المُفاجيء ..
_أنتَ لا تفهم ، ولا تعلم ، من أنتَ اصلاً لكي تكذبَ عليّ وتُشفِقُ عليّ ..
أنتَ مريض وحقير ..
فقَدَت السيطرة كُلياً ، وتألّمتُ على حالها ..
وناديتُ الممرضاتِ سريعاً ، وقامَن بتهدئتِها ..
ونامَت تلكَ الهادئة الصاخبة والدموعُ تُحيطُ عينيها ، والألم يُشوّهُ ملامحَ وجهها .
_كوثر

...Where stories live. Discover now