القصة التاسعة

39 8 1
                                    

أنَا والمَريض

-في أحَدِ الليالي والأوقات في خَفَرِي داخِلَ المَشفَى صادَفَنِي صوتٌ غريب، سيرٌ في ردَهاتِ المشفى خطواتٌ خفيفة تسيرُ بتوجُّس، ذهبتُ لأرَى مَن وماذَا حصل رأيتُ جمعًا مِنَ الذينَ اودَت بِهُم الحَياة، مِنَ الذين رُمُوا بآخرِ رصاصَةِ رحمةٍ باقية.

-ذهبتُ لمَصدَرِ الصوتِ اذ بي أجِدُ ولدًا لا يتجاوزُ عُمرُهُ الخامِسَةَ عَشر، رأيتُهُ يسيرُ في دوّاماتٍ لا أعلَمُ ما نِهايتُها وحولَهُ عِلاجُ مرمّيٌ مِن جَميعِ الجوانِب، والواضِحُ أنَّهُ كانَ يُعانِي إكتئابًا شديدًا معَ حالةٍ مِنَ الهذيانِ وفقدانَ الوَعي، في أثناءِ ذلِك أعطيتُهُ عِلاجًا ليهدأ واجلستُهُ في سَريرِهِ ليرتاح، اسمَعُهُ يُدندِنُ بكلماتٍ تتكرَّر: (لَستُ المريضَ إنَنِي الضحيّة).
-مَضَت على مُراقَبتِي لَهُ ثلاثَ ساعاتٍ او ما يُقارِبُها، حتّى أفاقَ ورأى كُلَّ شيء وكأنَّهُ يراهُ اوّلَ مرّة

-اردَفَ قائلًا ما خَطبِي لِمَ أنَا هُنا ومَن أنتِ؟، أينَ عائلَتِي لقَد تركتُهُم في السيّارة ولا أعلَمُ ماذا حدَث
-أجبتُهُ:  لا تَقلق كُلُّ شَيءٍ سيكونُ على ما يُرام، في الواقِع إنَّنِي أحترِقُ بِداخِلي المًا على هَذا الفَتى لكِن وظيفَتِي تتطلَّبُ أَن أكونَ صلبةً لا تُكسَر او تَلين فآلافُ الموتى نودِّعُهم يوميّا كأنَّهم شُهبٌ تساقَطَت في يومِ رَقصِ النُجوم
-جلستُ اتحدَّثُ مَعَ الفَتى أُنصِتُ ماذا يقولُ وما حصلَ له

-أخبرنِي ما هوَ هدفُكَ مِن هذا العالَم
-قال:  كُنتُ أتمنّى أن ابلُغَ سِنًّا أستطيعُ لمَّ عائلَتِي ببيتٍ هادئٍ دافئ أُساعِدَ أكبرَ قدرٍ أستطيعُ إنقاذه مِن رُفاتِ هَذا الكَونِ السَحيق، لكنَّكُم تنعَتونِي بالمَريض إنَّنِي خائفٌ وأريدُ القضاءَ على خَوفِي بمُغادَرةِ هَذا العالَم

-لا تقلق لستَ مريضًا، أنَا اليومَ صديقَتُكَ ورُبَّما لستُ اقلَّ مِنكَ مِنَ الأحداث، رُبَّما أنَا المريضة ولستَ أنت

-ماذا تقصدين؟  لا يبدو على سيماكِ مُحيّا مَرضٍ أو شيءٌ مِن هَذا القَبيل
-اجبتُه: صحيحٌ إنَّنِي بإبتسامةٍ دائمَة لكِن يا عزيزي إنَّ ما يُبقيني في هذا العالَمِ هوَ حبَّةُ دواء، كُنتُ مِثلكَ أرغَبُ بأن أكونَ البطلةَ الازليّةَ لِمَن حَولِي لكِن في يومٍ وليلة رأيتُ نَفسِي في أروِقةِ المُستشفيات بيني وبينَ الموتِ حَدُّ الشَعرة، لِذا لا تَقلَق يا عَزيزِي أنتَ لا تحتَاجُ شيئًا ولستَ مريضًا هَذا العالَمُ في ظُلمٍ ودَمثٍ قانٍ، إمضِ ولا تَقلَق ستكونُ خيرًا للعالَمِ وتَقبّل ما يحدُث وعِش اوانَكَ قبلَ استعجالِكَ للمَوت.

-بَقيَ الفتى صامتًا مُندهِشًا مِن قَولِي، بَعدَ مرورِ أيّامٍ شُخِّصَ على إنَّهُ بدأَ بالشِفاءِ ويستطيعُ المُغادرَةَ في ايِّ وقتٍ يشاءُ مِن مُدلهمّةِ المشفى القاتِمة
-بعدَ مرورِ أشهُرٍ تلقيتُ باقةَ وردٍ ورِسالةٌ مكتوبٌ فيها:
يا صَديقَتِي إنَنِي اليومَ الحياة
ابصرتُ نوري بينَ الممات
صنعتُ العُجابَ مِنَ الذِكريات
اريتِينِي العالمَ بعدَ السُبات
حتّى وإن رفضَ واقِعي لنَ أغدوَ مِنَ الأموات
إنَنِي عرجونُ السماءِ ورَغبَةُ الحياة
إنَّني الضوءُ وماءٌ كالفُرات
لَن أكونَ يومًا مِنَ الأموات..

_هُدى عَلي

...Where stories live. Discover now