قُطّاع طُرق

372 28 13
                                    

تقدّم أحمد من مرام ليرمقها بنظراتٍ آسفة، أشاحت بنظرها عنه ليشعر بالذنب الشديد، و لكنه تحدث بصدقٍ:-

«مكنتش أعرف والله، Your dad 'والدكِ' لسة باعتلي message 'رسالة' من ربع ساعة بس، علشان كدا ملحقتش أقولك، هو تقريبًا called آسر 'هاتَف'، بس آسر مردش»

استشفت مرام الصدق بنبرته و لكنها عزمت على أخذ موقف منه، فهو إن لم يعلم بقدوم والدها فقد ترك المنزل منذ الصباح دون إخبارها بوجهته، كما أن والدها ليس من مُحبي أحمد كثيرًا، فإن هاتفه فتجزم أن جميع الطرق قد باءت بالفشل معه للخروج من المطار بمفرده.

فهو بمدينة لم يراها منذ سنينٍ عدة، فمن المؤكد أنه لا يعرف أي أحد بها، كما أن الطرقات و الأماكن مجهولة بالنسبة إليه.

نظر إليها والدها بحنانٍ أبويّ و لكنها حاولت تجاهله، فهو لم يكترث لأمرها منذ جاءت إلى مصر، لم يهاتفها و لو لمرة، و حينما حاول التواصل معها كان عن طريق رسالة تحذيرية إليها و إلى آدم.

تحدث والد مرام بحنانٍ و اشتياق:-
-Tu me manques tellement!
'أفتقدتُكِ كثيرًا!'

لم تستطع مرام تركه يتحدث دون الرد عليه، فعلى كل حالٍ هو لا يزال والدها، فأردفت بحزنٍ دفين:-

-Tu m'as trop contrôlé, et tu ne m'as pas donné la liberté qu'ont les gens de mon âge.
'لقد تحكمت بي كثيرًا، كما أنك لم تعطني الحرية الكافية التي يتمتع بها من في سني.'

حدق بها لبعض الوقت ثم أتاها رده بعفوية و اشتياقٍ لها:-

-J'ai toujours eu peur de toi, ma petite fille, car je te vois grandir de jour en jour, mais mon esprit refuse de comprendre cela, alors je crains pour toi les brises brûlantes de ton beau visage.

'لطالما خفت عليكِ كثيرًا صغيرتي، فأنا أراكِ تكبرين يومًا بعد يوم، و لكن يرفض عقلي استيعاب ذلك فأخشى عليكِ من نسمات الهواء اللافحة لوجهكِ الجميل هذا.'

فغر آدم فاهه بعدم فهمٍ ليسخر قائلًا:-

-ما خلاص يا عمو دا أنتوا طلعتوا فرنساويين جدًا! كنت هعيط بالذات بعد كلمة توچور دي.

كانت تلك هي الكلمة الوحيدة التي علقت بذهن آدم، فهو يعرف الفرنسية بل و جيد بها كذلك، و لكن حينما يتعلق الأمر بممارسة اللغة أو الاستماع إليها من المتحدث الأصلي بها، فيصبح الأمر شديد الصعوبة و يصعب ترجمة الكلمات.

-Oh, Adam أنت مش شايف الـ momentدي full of feelings!

'اللحظة، مليئة بالمشاعر'

حدق بها و هو يكتم ضحكاته مردفًا:-

-حالًا بقيت أنا مفسد اللحظات و المشاعر و الأحاسيس، لما أنا اللي بفسد البتاع اللي جمبك دا اسمه اي!

قالها ثم أشار ناحية آسر الذي حدق به ببلاهة غير مدرك تمامًا أن آدم يقصده بحديثه، فهو على كل حالٍ لا يستطيع فهم ما يتحدث بشأنه، أما عن آدم فقد قصد آسر بإفساد اللحظات من بعد إفساده لذلك اليوم حينما ظهر هو من العدم آخذًا منه مرام.

-what did he say?!

أدرك آسر من نظرات آدم المتكررة نحوه أنه محور الحديث ليسأل ذلك السؤال بتعجب.

طمأنته مرام بنظراتها ثم عادت ببصرها إلى والدها الذي بادلها نظرة حنونة، حتى و إن كانت بعض المشكلات بين مرام و والدها قد حُلت إلى أن والدة مرام لن تتنازل عن كبريائها بتلك السهولة، فما رأته رفقة ذلك الرجل ليس بالهيّن أبدًا.

عرضت مرام على والدها الذهاب معها إلى منزل والدتها و لكنه رفض الأمر سريعًا، فهو لا يريد الذهاب للمكوث بمكانٍ صاحبته نفسها لا تُرحب بتواجده بين جدرانه.

قاطع آدم تلك الأجواء المحتدمة بعدما لاحظ تغير نبرة والد مرام حينما يدور الحديث حول والدتها قائلًا بابتسامة جذابة:-

-يلا يا مرام، مش هنفضل في المطار أكتر من كدا، لازم نروّح!

أدركت مرام جيدًا مقصده من ما قاله، فهو يحاول جاهدًا إصلاح الأوضاع كلما ساءت، لذلك أعطته نظرة ممتنة لينظر لها بلا بأس.

أخبرت مرام والدها و آسر بما قاله آدم ليتوجه كلًا من آدم و أحمد إلى سيارة آدم، و مرام و والدها و آسر رفقتهما إلى سيارة أجرة قد أخذوها بغرض إيصال والد مرام إلى منزله المتواجد جوار أحد شركاته، فسيارة آدم التي أخذها حينما هاتفته مرام لم تكن بالكبيرة لتتسعهم جميعًا.

سار آدم خلفهم بالسيارة محاولًا تجنب أي حديثٍ سيدور بينه و بين أحمد، سواء أن كان عن عمدٍ أو لا، فلقد كان أحمد سبب مكوثه بالمستشفى لبضعة أيامٍ بعدما تشاجرا سويًا.

تحدث أحمد بصوتٍ مرتفعٍ نسبيًا؛ كي يتمكن آدم من سماعه:-

-أنا آسف.

اكتفى بتلك الكلمتين اللتين قد لخصتا ما يدور بداخله، لم ينتوي آدم على الحديث إليه، و لكنه رأى أن صمته و عدم الرد على أحمد يعد بحد ذاته إساءة بحق أحمد، و هو لا يقبل أن يُسئ أحد إليه بتلك الطريقة، لذلك قد قام بالرد عليه بنهاية المطاف.

-ولا يهمك، حصل خير.

ابتسم له أحمد بامتنانٍ، فهو قد قبل اعتذاره على أي حالٍ، و قبل أن يتحدث أحمد مجددًا لاحظ آدم سيارة تقترب كثيرًا منهم، حاول الابتعاد عنها و لكنها سدّت بوجههم الطريق لتتوقف سيارة آدم و كذلك التي يستقلها مرام و والدها و آسر.

نزل عن تلك السيارة السوداء المهترأة ستة شُبان يُغطون وجوههم جيدًا ليتحدث أحدهم:-

-طلع الفلوس اللي معاك يالا!

كان صوت ذلك الشاب من خلف نافذة السيارة بعدما رفع عليّ تلك الآلة الحادة بحوزته، وضعتُ يدي بجيبي بحثًا عن محفظتي حينما ارتسمت على وجهه ابتسامة راضية عمّ أفعله.

بمنزل والدة مرام

تجول الطرقات بقلقٍ شديد، خرجت ابنتها منذ وقت طويل و هي لا تعلم عنها أي شئٍ حتى الآن، حاولت الاتصال بها لمراتٍ عديدة إلا أنها لا تجيب، أخذت تقضم أظافرها بتوتر و العديد من السيناريوهات داخل ذهنها.

فليس من عادة مرام البقاء لكل تلك الفترة خارج المنزل، حتى أنها قلقت على أحمد كثيرًا، و خشيت أن يكون مكروهًا ما قد حلّ به، أعادت الاتصال بمرام مرة ثانية و لكنها لا تجيب.

لم تستطع فعل أي شئٍ سوى البقاء و انتظار ابنتها، فعلى كل حالٍ لن تجدها إن غادرت المنزل بحثًا عنها.


-رأيكوا في البارت؟!🥺❤

عارفة إني اتأخرت، و إنه مش طويل للدرجة بس عندي امتحانات الفترة دي ❤

اثنان على واحدWhere stories live. Discover now