الفصل السادس

2.8K 225 10
                                    

بعتذر عن فصل أمبارح❤
                *******************
ـ مش عايزة أشوف وشك تاني يا مصطفى.
نهت كلماتها وهي تخلع دبلتها وتلقيها في وجهه بعنف، سحبت حقيبتها وغادرت المكان بأكمله، بينما هو فجلس في مكانه لا يعلم كيف قال لها ما قاله.
أما هي فكانت تركض في الشارع دون توقف، دموعها غرقت وجهها، كل ذكرياتها السوداء تلاحقها، وفات والديها وتخليه أهلها عنها، ووفات اخيها بعدما غُلقت كل الأبواب في وجهها، والآن خطبها يتركها بسبب أفعالها؟! ويعيرها بإنها بلا أهل؟
هل حقًا هي السبب في كل ما حدث لها؟ هل حقًا هي فتاة سيئة لأنها دخلت رجل غريب منزلها؟ هل حقًا هي تستحق كل ما يقال عنها وعن شرفها؟ هل هي المذنبة؟
مئاات من الأسئلة هبطت على رأسها دفعة واحدة، كانت تركض بكل قواها حتى وصلت لمنزلها، وقبل أن تصعد غيرت أتجاها وصعدت للعقار المقابل لها.
دور واحد وكانت تقف امام المنزل المنشود، طرقت بيد ترتجف حتى فتحت لها كريمة.
تلك السيدة التي تعتبرها أمانها في هذا العالم، وجودها يعوضها عن أمها وعن كل الناس، فور رؤيتها خبطت كريمة على صدرها بفزع وهي تصيح عليها قائلة.
ـ مالك يا حببتي؟ في أيه يا أسيل؟
أرتمت في احضانها دون كلمة، سحبتها كريمة للداخل وجلسوا على الأريكة وهي مازالت في أحضانها.
بعد مرور وقت ليس بالقليل خرجتها من حضنها وسألتها:
ـ ممكن افهم في إيه؟ مالك؟
تنهدت ثم بدأت في سرد كل شيء، من بداية نوح الذي ظهر لها من العدم، حتى مصطفى التي فكت خطبتها معه منذ دقائق، أنتهت من سرد كل شيء وبكت من جديد، ربتت كريمة على ظهرها دون أن تعقب على أي شيء، لكن قطع ذلك الأجواء أسيل وهي تقول بنبرة حانقة من حالها:
ـ أنا اللي غلطانة يا كريمة، واستاهل كل اللي اتقال عليا، أنا هروح وأطرد نوح ده من البيت كله، ويروح مطرح ما يروح، أنا مليش دعوة بيه، كفاية البلاوي اللي حصلت ليا بسببه.
هكذا قالت بحزم وهي وتنهض من مكانها.
بينما كريمة فمسكت يدها وجعلتها تجلس من جديد وهي تقول لها بحكمة:
ـ يعني الولد ميعرفش حد في الدنيا غيرك وعايزة تتخلي عنه يا أسيل؟ أنتِ عرفه لو أنتِ مش معاه كان زمانه مرمي في الشارع، فكرتِ لو مكنتيش شوفتي له شغل كان زمانه دلوقت مش لاقي ياكل، فكرتي في كل ده يا أسيل؟
- طب ودلوقت هو شغال، يبقى كفاية بقى لحد كده.
هكذا قالت وهي غير مقتنعه بما تقوله من الأساس، نظرت لها كريمة بثبات وسألت:
ـ سيبك من نوح وحكايته يا أسيل، أنتِ بتحبي مصطفى؟ أكلمه وأقرصلك ودانه وأخلي يجي على بوظه يصالحك؟
نهضت بعصبية وهي تصيح في وجهها بغضب:
ـ تكلمي مين يا كريمة؟ تكلمي مصطفى اللي بسلامته بيعايرني بموت أهلي؟ تكلمي البني آدم اللي شايف خاطبته وحده مش تمام!
رفعت كريمة عيونها لها وضغطت على يدها فجلست من جديد، هبطت دموعها رغبًا عنها، نظرت لها بحسرة وواصلت:
ـ تعرفي أني عمري ما حبيته يا كريمة.... أنا... أنا يوم ما أتخطبت له، أتخطبت عشان أخلص من كلام الناس، كلام الناس اللي مش بيرحم، كلام الناس اللي... اللي من يوم موت أخويا وهو بياكل فيا وفي سُمعتي، كأن مينفعش بنت تعيش لوحدها في منطقة شعبية! كأنها لو منغير رجل هتمشي على حلّ شعرها، لكن وجود رجل في حياتها أكيد هيحكمها، حتى لو وجوده زي عدمه! بس قدام الناس هي في رقبة رجل! ده أنهي منطق وعقل يا كريمة؟؟ أنهي منطق بجد؟ عارفه؟
نظرت لها بأهتمام فواصلت:
ـ أنا اللي غلطانه، أنا اللي غلطانه عشان رميت دماغي لتفكرهم، مشيت وراهم وربط نفسي برجل ميعرفش حاجة عن الرجوله، وأهو... مع أول مشكلة لقيته بيقولي ما هما عندهم حق!
خرجت كل ما يقبع بداخلها ثم أرتمت في أحضانها وواصلت بكاء، بينما كريمة فربتت على ظهرها وهي تقول لها بحنانها المُعتاد:
ـ أحمدي ربنا أن ربنا شال الغمامه اللي كانت على عينك يا أسيل، أحمدي ربنا أن ربنا ظهره ليكِ في الموقف ده، أحمدي ربنا يا نور عيني ومتزعليش أبدًا.
خرجتها من أحضانها ومسحت دموعها بأناملها وهي تواصل:
ـ وبالنسبة لنوح خليكِ جمبه، هو محتاجك يا أسيل، ساعديه وشوفي هيكون الحل أيه عشان يرجع لحياته، حسب كلامك أخته هتموت عليه، لازم تساعديه على الأقل عشان خاطر أخته اللي ملهاش غيره.
في تلك اللحظة تذكرت أخيها يوسف، تذكرته وتذكرت كم كانت مُتعلقه بهِ، وكيف الدنيا سلبته منها بكل قسوة، تذكرته وتخيلت تلك الفتاة وهي مكانها، وإنها الآن بالتأكيد تشعُر بنفس شعورها عندما فقدت أخيها، مسحت دموعها وقالت وهي تنهض من مكانها:
ـ هعمل كده يا كريمة فعلًا.
رفعت وجهها لها ثم واصلت:
_ كريمة.... شكرًا عشان وقت ما بحتاجك بلاقيكِ موجودة، شكرًا عشان حضنك دايمًا مفتوح ليا.
نهت كلماتها وهي تبتسم لها بإمتنان، بينما كريمة ختمت المشهد بعناق حار وهي تهمس لها وتقول:
ـ بطلي هبل يا أسيل، أنتِ بنتي يا هبلة، ونوح متدخلهوش البيت تاني غير لما تكون ليلى عندك وتكونوا فاتحين الباب، أو أبقي رني عليا أطلع لكم..
ابتسمت لها وهي تهز رأسها بالموافقة، ودعتها وذهبت لمنزلها، وفور وصولها للمنزل رمت جسدها على الفراش بملابسها وذهبت في نوم عميق.
                        *******************
بيننا عند ليلى؛ فوصلت نوح لمنزل أسيل ثم أخذت سيارة أجرة وذهبت لمنزلها، فور دخولها المنزل أستقبالها والدتها وهي تسألها:
ـ عجبك الشغل؟
ابتسمت بداخلها بسبب أهتمام والدتها لأول مرة لأمر يخصها، لكن لم تستمر تلك السعادة طويلًا، تبخرت عندما لحقها سؤال والدتها التالي وكان:
ـ عرفك هتقبضي كام؟
ابتسمت بسخرية ثم تختطها ودخلت غرفتها وتقول لها:
ـ ألف ونص يا ماما مبدائيًا، وفي حوافز لو جبت عملاء من خلالي.
كانت ابتهال تقف على باب غرفة ليلى وتتابعها بعيونها، عند سماع كلمات ليلى تركتها وتوجهت للمطبخ وهي تقول لها:
ـ يعني أنسى أي زيادة على كده؟ وهي كلها ألف ونص اللي هتجيلي بيها كل أول شهر! يا فرحتي بيكِ.
لم ترد عليها، أكتفت فقط إنها تتمتم في نفسها قائلة:
ـ كالعادة، كل اللي يهمها الزفت اللي بجيبه ليها!
وقبل أن تشرد الذهن جاءت والدتها لها من جديد وهي تضيق عينيها وتسألها.
ـ صحيح، في شباب في الشغل عندك؟
قلبت عينيها بملل وقالت.
ـ آه يا ماما، كل واحد يا حاله متخفيش.
ـ طبعًا مش محتاجة أوصيكِ، صح؟
هزّت رأسها لها أشارة منها إنها تحفظ التعليمات جيدًا، تركتها أمها من جديد.
لمحت ليلى شقيقتها رهف تجلس على الفراش التي امامها وتمسك في يدها هاتفها، وبعدم أهتمام سألتها وهي مازالت تمسك هاتفها:
ـ عجِبك الشغل؟
غمرتها السعادة للحظات، نهضت وجلست بجوارها وقالت لها بحماس:
ـ أوي أوي يا رهف، شوفت مستر حبيب، طلع رجل عسل أوي رغم أنه يبان قفوش بس هو طيب، الشغل بقى بنتصل ب...
وهكذا بدأت في سرد كل شيء حدث معها، كانت تحكي لها بحماس شديد، لكن الأخرى كانت تستقبل كلماتها بعدم أهتمام، أقسم أنها لم تستمع لحرف واحد من ما قالته، أخيرًا فاقت ليلى من تلك الدوامه، وشعرت إنها تحدث حالها ليس إلا! نظرت لها بحزن وسألت!
ـ أنتِ معايا؟
رفعت وجهها لها، ألقت بهاتفها بعيد وقالت وهي تُعدل من جلستها وتستعد للنهوض:
ـ  آه آه، بقولك أيه يا لولو أنا هروح ألبس عشان نازله.
نظرت لها بتعجب وهي تنهض وتتجه لخزانة الملابس، فسألتها:
ـ رايحة فين؟
كانت أستقرت على أختيار طقم، نظرت لها وهتفت قائلة:
ـ هقابل صاحبتي، هكون رايحة فين يعني؟
قالت ما قالته ثم تركتها وأتجهت للمرحاض لكي تبدل ملابسها.
بينما ليلى فنظرت لأثرها بحزن، دائمًا تتمنى لو كانا هما الأثنين مُقربين من بعضهم كأي شقيقات، الفرق بينهم ليس كبير، فرهف تكبرها بأربع سنوات فقط، دائمًا ترى أي أختان في سنهم يكونوا مقربين من بعضهم كالاصدقاء، كم تمنت أن تصل علاقتهم لهذه الدرجة، ولكن تعتقد أنها ستظل أمنية للأبد، فَرهف دائمًا بعيدة عنها، تتجاهلها بشكل غير طبيعي، تعيش مع حالها وهاتفها طول الوقت، لا يوجد مكان لها في حياة ليلى من الأساس، ويمكن هذا أكثر شيء يحزنها بعد أفعال والدتها.
                        *******************
أما في مكانٍ وزمان مُختلفين، كانا يامن وزين يجلسون للمرة الثانية في منزل دكتور عبد الغني، كانا يقصوّن عليه ما حدث، وأن بالفعل عادت ذاكرة نوح كما قال لهم، وختموا حدثهم بسؤالهم له وهو هل يوجد حل لكي يعود نوح لعالمهم مرة أخرى؟
كان ينظر لهم بتفكير، كل شيء يحدث لا يُصدق، ولكن هو بالفعل حدث! نهض من مكانه وترجل نحو المطبخ، كان يُجهز لهم أكواب من الشاي، صبّ لهم الشاي وهو يقول لهم:
ـ الآلة اللي أتسببت في نقله أختفت، ومفيش حاجة هترجعه غير إنه يصنع آلة جديدة، أنتوا قولتوا هو أتنقل في سنة كام؟
وجه حديثه لهم وهو يجلس مرة أخرى على الأريكة، نظر يامن لزين ثم أجابه:
ـ 2022.
ابتسم وهو يترشف من الكوب وقال:
ـ جميل، عنده فرصة يصنعها، المعدات معظمها هتكون متوفرة عنده، قولولي الأول أنتوا لما صنعتوا الآله اللي أختفت عملتوها أزاي؟
بدأ يامن وزين  في شرح كل شيء فعلوا، وكل ما أحتاجوه وقتها، وما هي الأشياء التي وقفتهم وقتها، ساعات مرت عليهم وهم يتناقشوا حول صنع تلك الآلة، وختموا حدثهم بتلك الورقة المكتوب فيها كل شيء مطلوب لكي يصنعوا الآلة.
نظر لها زين بسخرية ثم هتف قائلًا:
ـ أنا مش مقتنع أن كل الحاجات دي هتكون موجودة عند نوح، وأصلًا هو هيعرف يعملها لوحده! أنا مش مقننع بجد.
ـ يعني اللي حصل لصاحبكم هو اللي يقنع عيل صغير؟
هكذا سخر مِنه دكتور عبد الغني وهو ينهض ويأخذ أكواب الشاي ويتجه بها للمطبخ.
بينما يامن فربت على ساقه الأيمن وهو يقول له:
ـ وأيه من اللي بيحصل يتصدق يا زين؟ خلينا نجرب مش هنخسر حاجة، تعالى نروح عندي البيت ونجرب نكلمه تاني عشان نخلي يجهز الحاجة في أسرع وقت.
كان دكتور عبد الغني يستمع لحدثهم، عاد لهم من المطبخ وهتف قائلًا وهو مُكتف ساعديه أمامه.
ـ المُعدات اللي بدلناها مش سهل يلاقيها على فكرة، يعني الموضوع هياخد وقت، وخصوصًا أنه في زمن تاني، يعني أعتقد أنه هيكون في خطر كمان.
نظروا لبعض ولم يعقب أحد بحرف واحد، فقط شكروا دكتور عبد الغني وذهبوا لمنزل يامن لكي يتواصلوا مع نوح من جديد.
                        *****************
كانت أسيل تتحدث في الهاتف مع ليلى، وبعد إلحاحها على أسيل إنها تحكي لها ما حدث معها ومع مصطفى بدأت بالفعل قص كل شيء حدث، استقبلت الأخرى خبر إشكال خطبتها بصدمة، شهقت بفزع ثم صاح فيها قائلة:
ـ فشكلتي خطوبتك عشان واحد متعرفهوش يا أسيل؟؟ أنتِ أتجننتي! ليه يا أسيل؟ ليه؟
تنفست الأخرى الصعداء وهي تغمض عينيها لكي لا تنفعل، ونجحت أن تسيطر على أعصابها، فتحت عينيها ثم هتفت قائلة :
ـ عشان زهقت يا ليلى، المشكلة مش مشكلة نوح، المشكلة مشكلة عدم ثقة وشك، أنا... أنا شكيت أن مصطفى بيعاني من وسواس الشك يا ليلى، أنتِ متخيله؟
ـ وسواس الشك مرة وحدة! أنتِ مأفورة أوي يا أسيل بجد.
هكذا أتهامته ليلى، بينما الأخرى فصاحت فيها بغضب:
ـ مأفورة أيه يا ليلى؟ سيبك من نوح واللي بيعمله من يوم ما شافه، نسيتي لما كنت بحكيلك أنه بيطب عليا في الشغل بدون مقدمات عشان يعرف أنا بكلم زمايلي الولاد ولا لاء؟ ولو شاف أي حد منهم بيسلم عليا كان بيخرب الدنيا، طب بلاش، مش فاكرة يوم ما كنت بحكيلك ده بيتصل بيا اساعة 3 الفجر ويقفل تاني، ولما اقوله بتتصل ليه وبتقفل يقولي اتصلت غلط، أقطع دراعي يا ليلى أنه كان بيتصل عشان يشوفني أنا فعلًا نايمة ولا أنتظار وبضحك عليه، طب بلاش، الأسئلة الكتير اللي ملهاش تفسير، أنتِ كلمتي مين انهاردة؟ حد ضايقك؟ حد عاكسك؟ حد وحد وحد... أيه كل ده ومش مصدقة أنه بني آدم مريض!
شعرت بضيق صديقتها، فسألتها بأهتمام:
ـ طب مادام أنتِ وخده بالك من بدري، ليه مسبتهوش من يوم ما زهقتي واتأكدي؟ أو كنتِ أستحملتي يا أسيل زي ما استحملتي كل ده.
ضحكت الأخرى بسخرية وقالت:
ـ يمكن كنت بسكت عشان  خايفة من كلام الناس يا ليلى، بس.. بس كنت غبية أوي، مفكرتش لو أستمريت معاه كان ممكن يحصل أيه، متخيلتش حياتي كانت هتبقى جحيم أزاي وأنا عايشة مع واحد مفيش بيني وبينه بربع جنية ثقة! ويمكن اللي حصل من كام يوم والموقف اللي شوفته بوضوح أوي هو ده اللي فوقنّي.
-يلا الحمد لله يا حبيبي، وربنا يبعد عنك أي شر، وأهم حاجة أنك مبسوطة دلوقت ومش زعلانة.
ابتسمت على كلماتها وقالت:
ـ مرتاحة بشكل لا يوصف بجد، بقولك إيه يلا أنا هقفل، عايزة حاجة؟
ودعت صديقتنا وأغلقت المكالمة، ثم نهضت وترجلت نحو المطبخ، كانت تعبث بهِ لعلها تجد فيه أي شيء تأكله، الكسل متمكن منها لأقصى درجة، وقفت أمام الثلاجة الفارغة، كانت تنظر لها بملل ثم هتفت قائلة بسخرية:
ـ يترى أكل أيه؟ يخرب عقلي من كتر الأكل اللي في التلاجة مش عارفه أكل أي ولا أيه.
نهت كلماتها وهي تمد يدها وتأخذ أخر أربع بيضات كانوا في الثلاجة، خرجت شيء تسلق فيه البيض وهي تقول بحنق:
ـ مش فاهمة أنا أمتى ربنا هيتوب عليا منك بقى؟ حاسه قربت أفقص كتاكيت من كتر ما باكلك يحرقك!
هكذا كانت تحدث نفسها وهي تضع البيض على النار، شعرت بشيء في جيب جيب الچاكت الذي ترتديه لحد الآن، تحسست ذلك الشيء المعدن وخرجته وهي تنظر له بغباء، فَهي منذ عودتها من عملها وهي بملابسها، تذكرت إنها أخذت الساعة من نوح وخبتها في جيبها عندما دخل عليهم حبيب، ضحكت كالبلهاء وهي تنظر للساعة ثم تمتمت قائلة:
ـ بقى أنتِ أخر اختراعات المستقبل! ياه يا عبصمد، تفتكري في منك كتير عندهم؟ طب في حاجة أعظم منك وصله ليها؟
كانت تحدثها وهي تبعث فيها بعشوائية، وأثناء عبثها ظهر أمامها يامن وزين، فزعت منهم ورجعت يدها بالساعة للخلف سريعًا، فكانت تعبث بالساعة وهي قريبة من وجهها بشكل عجيب!
نظرت لهم بفزع ثم صاحت فيهم:
ـ أنتوا مين أنطقوا؟
نظروا لها الشابان بغباء ثم صاح زين:
ـ هي الساعة بتعمل معاكِ أيه؟ وفين نوح؟
-آه آه، أفتكرتكم أنتوا شوية الكريم كراميل اللي نوح كان بيكلمهم الصبح، ومستر حبيب طب علينا في المكالمة، صح؟
هكذا قالت بمشاكسة وهي ترقص لهم حاجبيها  بطريقة مُضحكة،  ضحك يامن ثم هتف متسائلًا:
ـ  هو أنتِ أسمك أيه؟
-أسيل يا عسلية وأنت؟
كاد أن يرد لكن اوقفه زين وهو يهتف بحنق:
ـ أيوا يعني الساعة بتعمل معاكِ إيه؟ شكلك سرقيتها منه.
سقط فكها امامها بسبب كلماته، نظرت له والشرار يتطاير من عينيها ثم صاحت فيه:
ـ بقى أنا يوم ما اسرق أسرق ساعة من الواد المقشف ده؟ عارف  لولا أنك مستخبي وراه الشاشة دي لكنت قسمتك نصين ياض.
جحظت عين الأخر، نهض بغضب وهو يريد أن يمسكها من خصلاتها بأي طريقة! فهتف بغضب صاخب:
ـ عارفه لولا أنك مش قدامي كنت دفعتك تمن اللي قولتي ده، بس صبرك عليا، أنطقي فين نوح؟؟
نظرت له ببرود وقالت وهي تجلس على الكرسي في المطبخ: طب شوف مين هيقولك فين نوح، وعشان تعرف تتنطط عليا تاني يا مقشف، صبرك عليا، قال أنا اللي كنت بعكسك!
وقبل أن ينهرها من جديد كان أخذ يامن من يده  الساعة وتكلم هو:
ـ هو ممكن كفاية خناق؟ أسيل ركزي معايا الله يكرمك، حقك عليا هو زين عصبي كده على طول، قوليلي فين نوح؟
نظرت حولها بملل، رجعت بنظرها لزين الذي مازال يظهر مع يامن في المكالمة، رمقته بنظره أستحقار ثم هتفت قائلة.
ـ  شايف الناس الذوق بيتكلموا أزاي يا تور؟ أبقى علمه والنبي متسبهوش يتكلم مع الكائنات الرقيقة تاني.
-كائنات رقيقة؟ هما فين دول؟
هكذا عقب زين على حدثها بسخرية، نظرت له بغيظ وهي تريد أن تمسك فيه وتتشاجر معه من خلال الساعة!
نظرت له بتوعد ثم صاحت بعصبية:
ـ  تصدق وتؤمن بالله هاين عليا أكسر الساعة على نفوخك ياض، ياض مالك ومالي ياض؟؟؟
خبط يامن على وجهه بنفاذ صبر ثم صاح على يامن بعصبية طفيفة:
ـ  ما تهدى يا زين مش كده، الحق عليها إنها بتساعد صاحبك يعني؟
-دي بتساعده دي؟ والله العظيم شكلها حرمية وسرقت منه الساعة.
-لا بقولك أيه أنت مصمم تفورلي دمي، يابن الجذمة البيض! هكذا صاحت وهي تنظر للبيض الذي أصبح وحده في تلك "الحلة" فالمياة جفت من حوله والحلة كانت على وشك الأحتراق.
صاحت بكلماتها وهي ترمي الساعة على الطاولة التي أمامها، رهلت نحو البوتجاز سريعًا وأغلقت النار وهي تُسبهم، نقلت بنظرها بين البيض الذي فسد  وبين الساعة، نظرت على الساعة بشر ثم رهلت نحوها ومسكتها من جديد، نظرت لهم بشرار يتطاير من عينيها ثم صاحت فيهم بعصبية:
ـ  عجبكم كده؟ كنت هولع في البيت بسببكم؟
ضحك زين عليها، فهم كانا متابعين الموقف منذ ثم قال بسخرية:
ـ تستاهلي عشان تتعلمي تقصي لسانك شوية، وبعدين في حد يحرقك بيض! حتى البيض بتحرقيه! وهتولعي في البيت بسبب بيضتين!
عصبها رده، نظرت له بغيظ ثم صاحت:
ـ ما لو مكنتش كلت دماغي مكنش زمانه أتحرق، أقولك حاجة؟ غور بقى من هنا وشوف مين هيوصلك لصاحبك.
نهت كلماتها وهي تعبث بعشوائية في الساعة حتى أغلقت المكالمة في وجههم.
فور أختفائهم من على الشاشة أنفجرت ضاحكة عليهم بشر! فعلى الرغم من كل ما حدث، وحرق دمائها والبيض لكنها استمتعت جدًا!
نظرت للبيض وطرقت على رأسها فكرة وقررت تنفيذها.
أخذت البيض وبدأت في تجهيزه، فكان قد نضج بما يكفي! فهو لم يفسد بسبب جف الماء حوله، وجدت علبة جبنة صغيرة في الثلاجة؛ فخرجتها في طبق ووضعت بجانبهم الملح والفُلفل الأسود والعيش، وضعت كل الأشياء على تلك الصينية وقررت أن تصعد لنوح ويتناولوا سويًا الغداء، بما إنه جاء من العمل وبالطبع هو لا يمتلك نقود لكي يشتري له طعام، وبالطبع هو جائع الآن.
أخذت صينية الطعام وصعدت له، طرقت على الباب عدة طرقات حتى فتح لها بوجه عابث، من الواضح إنه كان نائم، لم تهتم لمظهره، دخلت دون إذن ووضعت الصينية على الطاولة التي كانت أمام الأريكة، ترجل نحوها بعدما فتح الباب وثبّته لكي لا يُغلق، نظر للطعام وقال لها بتعجب:
ـ أي ده؟
ابتسمت وهي تجلس على الأريكة وقالت:
ـ قولت أكيد جعان، والصراحة أنت بقالك 3 أيام هنا وأنا معبرتكش ولا مرة بأكل، فحسيت إنها إهانة ليا يعني.
ضحك عليها ثم جلس بجانبها، وقبل أن يشكرها سبقته هي وتقول:
ـ وياريت متشكرنيش، لأن اللي عاملاه ميستهلش الشكر، ده شوية بيض كانوا هيتحرقوا وهيولعوا في البيت، والأكل كله حيله بيض وجبنة، كلك نظر بقى البني آدم آخر الشهر.
قهقه عاليًا على تلقائيتها الشديدة، مسك العيش وبدأ في تناول الطعام فهو حقًا جائع! ثم قال:
ـ على فكرة بقى دي أكلتي المفضلة أصلًا، وبعدين مش كفاية إني جيت على بالك يا بنتي؟ حقيقي أنا كنت جعان.
ابتسمت ولم ترد، ذلك الشعور الذي غمرها الآن لم تشعر بهِ من قبل! فشعورها إنه مسئول منها مازال يسيطر عليها، تشعر إنه أبنها!
كسر هو ذلك الصمت عندما سأل:
ـ وكنتِ هتحرقي البيت أزاي بقى؟
تذكرت ما حدث، نظرت له بغيظ ثم صاحت فيه بتهجم:
ـ بسبب صحابك يخويا.
لم يفهم، عقد حاجبيه فقط، بينما هي فخرجت الساعة ووضعتها أمامه وهي تواصل حديثها قائلة:
ـ صاحبك اللي ملقاش بربع جنية رباية كان عمال يغيظ ويغلط فيا لحد ما نساني البيض اللي على النار!
قهقه عاليًا مرة أخرى، توقف عن الضحك ثم سأل:
ـ مين فيهم؟
- كان بيقوله يا زين، شبه التور كده بينطح.
-زين! ده زين ده نسمة يا بنتي.
لوت شفتيها ساخرة ثم قالت:
ـ نسمة آه، ده البجح بيقولي أني حرامية وسرقت الساعة منك يا نوح! بقى أنا حرامية؟
هكذا سألت وهي تكاد أن تبكي! نظر لها سريعًا ونفى برأسه وهو يقول لها بآسف:
ـ لا طبعًا، حقك عليا بجد، هو أكيد اعصابه مشدودة شوية بس.
شعرت إنه أتحرج، فغيرت مجرى الحديث وهتفت بمزاح:
ـ خلاص يا عم أنت مالك أنت، هو اللي مترباش نعمله أيه بقى؟
-هو ممكن اسألك على حاجه ومتقوليش عليا فضولي؟
نفضت يدها من آثر العيش وقالت:
ـ  اسأل يا عم.
قلب عينه في الغرفة كلها بتوتر ثم نظر لها، حك دقنه ثم هتف قائلًا:
ـ هو خطيبك كان عايز أيه؟ قصدي يعني عملته أيه؟ أتصالحتوا؟
نهضت وهي تلملم بقايا طعامهم، وضعت الصحون الفارغة على بعضها وهي تقول:
ـ لا، فركشنا خالص.
صُدم من ردها، نهض سريعًا، وقف أمامها ثم هتف بجديّة شديدة:
ـ فركشتوا مع بعض بسببي يا أسيل؟ ليه؟ طب... طب أنا ممكن أروح أكلمه على فكرة، هشرح له كل حاجة وهختفي من حياتك، أنتِ كتر خيرك شوفتي ليا شغل، وأنا هسيب المكان هنا وأشوف أي أوضة تانية، من فضلك هاتي رقمه خليني أكمله وأفهمه.
ابتسمت على هيئته المتوتره القالقه، أخذت الصينية وقالت وهي تتجه نحو الباب:
ـ الموضوع ملوش علاقة بيك، الموضوع أكبر منك بكتير يا نوح.
- أنا مش فاهم حاجة!
هكذا هتف وهو يتابع خطواتها، ابتسمت له بخفة وقالت:
ـ مش هتفهم، عشان هي حكاية مكلكعة، متشغلش بالك أنت، روح كلم صحابك وشوفهم كانوا عايزين أيه.
وقبل أن تتركه قال لها:
ـ طب هينفع تحكيلي الحكاية دي؟
صمتت ولم ترد، وبعد صمت دام لثوانٍ وهي واقفة في مكانها أمام الباب قالت:
ـ يا بني هتروح مني فين؟ شكلك مطوّل في حياتي، يعني حكايتي مصيرك هتعرفها.
قالت كلماتها ثم لوحت له وتركته ونزلت درجات السلم، أما هو فترجل خلفها بعدما لوح لها هو الأخر وودعها، ظل يتابعها بعدما هبطت السلم، غلق الباب وسند بظهره عليه وعقله شرد، يفكر فيها وما يحدث لها بسببه، بل بسبب شخص هي لا تعرفه من الأساس! هكذا ظل شارد الذهن حتى نسي أن يتواصل مع أصدقائه!
                        *******************
أما في مكان أخر، كانت رهف تُجهز حالها لكي تذهب لموعدها؛ فَهي تحادث شاب على موقع التواصل الأجتماعي"الإنستجرام" واليوم  قررت إنها تقابله، جاءت تلك المقابلة بعد إلحاح شديد مِنه، كانت في بداية الأمر ترفض أن تقابل شاب لا تعرفه؛ بل أي شاب في العموم، ولكن في نهاية الأمر خضعت لإلحاحه! أختارت فستان من اللون الأزرق وجعلت لشعرها الحرية دون قيود، وضعت بعض من مساحيق التجميل ثم نظرت لحالها في المرآة وهي تبتسم برضا، كانت تقول لحالها إنني جميلة الآن، ودعت والدتها وليلى بعدما قالت لهم إنها ستقابل صديقتها، هبطت من المنزل وفي خلال نصف ساعة وصلت للمكان المنشود، كانا مُتفقين إنهم سيتقابلوا في حديقة في وسط البلد، وصلت وجلست على تلك الأريكة الخشبية، فتحت هاتها وسألته أين أنت، فأجابها إنه وصل ويبحث عنها، دقائق حتى تعرف عليها ذلك الشاب.
كان شاب في اوائل الثلاثينات تقريبًا، نحيف بعض الشيء، يرتدي قميص أسود وسروال من القماش رمادي ويتوسطهم حزام جلدي من اللون الجملي، وشعره أسود مموج، وعيناه بُنيه، يمسك في يده عقب السجارة، تعرف عليها من خلال وصفها لملابسها، تقدم منها وفور رؤيتها ابتسم ومد يده ليصافحها.
خجلت منه، ابتسمت بحرج ومدت يدها من بعيد لكي تصافحه، لكنه فاجأها إنه مسك يدها وكان يتحسسها بشكل غير طبيعي! ظل يمسك يدها وهو يتحدث معها عن أحوالها وهكذا، اتحرجت وتنحنحت وهي تقول له:
ـ أيدي طيب!
تركها فورًا وأرتد للخلف وهو يقول لها بآسف:
ـ أنا آسف، سرحت فيكِ بجد.
خجلت من جديد، أشاحت بوجهها بعيدًا ولم تنطق، بينما هو فكان يتابع نظراتها، ضحك وهو ينظر لها ثم قال:
ـ بس على فكرة أنتِ حلوة أوي، أحسن من الصور بكتير، ومش باين عليكِ السن!.
-وأنت كمان.
هكذا همست بخجل ثم جلست من جديد، بينما هو فواصل بغزل:
ـ بس أكيد مش هاجي جمب حلاوتك حاجة، قوليل بقى تاكلي أيه؟
قالها وهو يجلس بجانبها، بينما هي فنظرت له بتوتر ثم هتفت قائلة:
- أي حاجة، خالد أنا مش عايزة أتاخر.
-أحنا لحقنا نقعد من بعض! متخفيش يا ستي هي ساعتين وهوصلك.
تخلت عن خجلها سريعًا، وبطريقته استطاع أن يجذبها له أكثر، بينما هي فكانت تشعر إنها أكثر من سعيدة، فَهي فتاة الخامسة وعشرون عام، التي إلى الآن لم تدخل في أي علاقة غرامية على الإطلاق! تشعر إنها حبيسه داخل أفكار المُجتمع ووالدتها، فمنذ وافات والدها والدتها تحظرها من الرجال ومن خداعهم، حتى أصبحت تبتعد وتنفر منهم قبل أن يقتربوا منها من الأساس، ولكن خالد كان حالة خاصة، فَهي تعرفت عليه من بعيد، ليس عن قرب، لذلك لم تخشى منه أو تخجل من حدثها معه، فكل حدثهم خلف شاشة صغيرة، ومنذ فترة وجيزة أصبحوا يتحدثون في الهاتف، اصبحت تتغلب على خوفها تدريجيًا بفضله، وأصبحت تتعلق بهِ دون أن تشعر، ولكن في نهاية الأمر هي سعيدة بتلك التجربة الجديدة.
                        *******************
أنتهى اليوم دون أحداث تذكر على أبطالنا جميعًا، كل شيء كان يسير على أكمل وجه، ومع بداية اليوم الجديد كانت أسيل ونوح وليلى في مقر الشركة وبدأوا عملهم بالفعل، وعلى الجانب الأخر كانت ليان في منزلها تتفادى الشجار مع والدها، ويامن يبحث هنا وهناك على بديل لأهم شيء في نجاح آلة الزمن.
أما زين فكان في الجامعة منذ الصباح، يتسكع هنا وهناك، كان في ذلك المطعم يشتري له طعام، كان خارج ويحمل في يده صينية طعام، كان يمسك بيد طبق كبير من المكرونة، وفي يده الأخرى كانز"بيبسي"
كان يمسكهم وينظر أمامه، عينه مثبته على ذلك المكان الفارغ، وقبل أن يصل إليه خبطت فيه فتاة وكل شيء هُدم!
البيبسي كانت تفترش الأرض بعدما لطختله ملابسه، والمكرونة أنقلبت على الأرض، نظر لها والشر يتطاير من عينه ثم صاح فيها بغضب:
ـ أنتِ عامية!
وضعت يدها على فمها بفزع، وبحرج قالت سريعًا:
ـ ينهار اسود، أنا آسفة!
ثوانٍ ونسى كل شيء حدث، ظل يحملق فيها، أقترب منها خطوة وسأل:
ـ عشق! أنتِ عشق؟ أحنا أتقابلنا قبل كده؟؟؟؟
كانت تقف أمامه غير مستوعبه إنه هو، ودون كلمة أضافية كانت ترهل سريعًا من أمامه.
ظل ينظر في أثرها بتعجب، كان يريد أن يركض خلفها لكنه لم يفعل، في شيء يحدث خطأ!
عشق التي قابلها كانت بهيئة مختلفة، أو تلك الفتاة هي التي بهيئة مختلفة، عشق كانت بشعرها وملابسها تبدو فتاة ليل ليس إلا!
أما هذه فَهي فتاة يبدوا عليها التهذيب، وملابسها مُنسجة، ولا تضع في وجهها شيء على الأطلاق!
قال لحاله إنه بالتأكيد أخطأ، ولكن سريعًا قال لحاله من الممكن تكون هي، وإن كانت هي فأكيد تلك الهيئة التي رأيتها بها في البار هي هيئتها الحقيقة، فَ بتأكيد الجامعة لها قوانين وغير مسموح أن تدخل الحرم الجامعي بملابس غير لائقة، نفض كل شيء من رأسه وترجل نحو المدرج، سبّها في حاله بسبب للأكل الذي أفسدته.
ترجل نحو المدرك، جلس في على ذلك (البنش) وأخذ وضع النوم كعادة، ولكن قبل أن ينام بالفعل سمع دكتور المادة وهو يقف فتاة ويسألها عدة اسئلة، كان صوتها مألوف عليه، رفع رأسه ونظر لها وكانت هي! نفس البنت.
وقبل أن يستوعب إذا كانت هي أم لا سمع الدكتور وهو يسألها عن أسمها، نظر لها بتركيز وهو ينتظر الأجابة بفارغ الصبر.
ولكنه صُدم عندما سمعها تقول له.
ـ حور عبد السلام.
يتبع.....
#NORA_SAAD
#رحلة_عبر_الزمن
#الفصل_السادس
مواعيدنا سبت وتلات يولاد

رحلة عبر الزمنWhere stories live. Discover now