الفصل الثامن

2.6K 212 5
                                    

-بس، بس قولت.
هكذا صاحت فيهم كريمة بصرامة، تنهد كل منهم وصمتوا.
ترجلت كريمة للأريكة وجلست عليها، نقلت نظراتها لهم حتى هدأوا وجلس كل منهم بجوارها.
كانت أسيل تكتف ساعديها امامها بتذمر، بينما نوح أشاح بنظره بعيدًا عنهم.
هُنا وتكلمت كريمة أخيرًا.
-هو ممكن أفهم في أيه؟
نظر لها نوح سريعًا برجاء وهتف قائلًا:
ـ مش راضية تساعدني يا ست كريمة، يرضيكِ؟
نظرت كريمة لأسيل وتكلمت من جديد:
ـ ليه يا أسيل مش راضية تساعديه؟ من أمتى يا بنتي وأنتِ بتبعدي أيدك عن أي حد عايز مساعدتك؟ مش هي دي أسيل اللي أعرفها أبدًا.
نظرت لها أسيل وهي تكاد أن تنفجر ثم صاحت:
ـ أساعده ازاي يا كريمة بس أنتِ مش فاهمة حاجة.
نهت كلماتها وأشاحت برأسها بعيد، نظرت لها كريمة بعصبية طفيفة ثم هتفت:
ـ طب ما تفهميني! ولا هو بعد اللي حصلك مع مصطفى هتبعدي أيدك عن مساعدة الجدع اللي ميعرفش حد غيرك!
نهضت أسيل بنفاذ صبر ثم صاحت من جديد:
ـ يا كريمة ده عايزنا نجيب مُعدات من الجيش يا كريمة، عايزنا نسرق الجيش!
نظرت لهم كريمة بجهل ثم هتفت:
ـ يعني أيه!
أشاح نوح بوجهه بعيدًا ثم هتف بتذمر موجهًا حديثه لأسيل:
ـ يعني هو بمزاجي! ما هو ده بديل المُعدات اللي قالولي عليها.
نهضت أسيل بعصبية هي الأخرى ثم هتفت:
ـ يا عم  أنت متجننيش، أنت عارف أنا لو مشيت وراك وسمعت كلامك أيه اللي هيحصل؟
تسأل بجهل:
ـ أيه؟
-هنتحبس يا أبن المجنونة.
هكذا صاحت عليه بنفاذ صبر، بينما كريمة فنظرت لهم بملل ثم قالت وهي تنهض هي الأخرى:
ـ أهدي يا أسيل مش كده، أسمعيني كويس، أنتِ هتحاولي تشوفي لنوح حل، أنا عارفة إنك ممكن تتصرفي يا أسيل.
لم ترد عليها أسيل فقط كتفت ساعديها من جديد وصمتت.
بينما كريمة فرفعت رأسها لها بأناملها وقالت:
ـ أوعديني أنك هتحاولي يا أسيل.
أشاحت بوجهها بعيدّا بعدم رضا، وقبل أن تعترض كانت تهتف كريمة من جديد:
ـ ها يا أسيل، أتفقنا؟
-حاضر يا كريمة حاضر.
تهللت ملامح نوح؛ فنظر لها سعيدًا وهتف:
ـ شكرًا أوي يا أسيل، شكرًا بجد.
-وشكرًا يا كريمة يا قمر أنتِ.
نهى كلماته وهو يطبع قبلة على جبيّن كريمة ثم رهل سريعًا لخارج المنزل وهو يهتف ويقول:
ـ هروح أفرح يامن وزين بقى.
وتركهم وغادر! بينما أسيل فكانت تنظر لأثره بجهل، وكريمة كانت تضحك على أفعاله، نظرت لها أسيل بحنق ثم هتفت:
ـ عجبك كده يا كريمة!
قهقهت كريمة عاليًا ثم قالت:
ـ والله غلبان يا أسيل، تحسي أنه زي العيل الصغير.
ابتسمت رغبًا عنها وقالت:
ـ عندك حق، ساعات بحس أنه أبني أصلًا! معرفش أيه أخرتها معاه.
أنتهت من كلماتها وهي تتنهد وتجلس من جديد، بينما كريمة فترجلت نحو الباب وهي تهتف قائلة:
ـ اخرتها زي الفل بإذن الله، وربنا مش هينسى وقفتك معاه، يلا همشي أنا.
نهضت أسيل وودعتها ثم ترجلت لغرفتها، جلست على فراشها بتعب شديد، تشعر أن رأسها على وشك الانفجار بسبب التفكير.
عقلها شارد لا تعلم من أين تبدأ، وكيف ستصل لمكان ذلك المُعدات.
قفز في رأسها سفيان، فكرت أن تتصل بهِ وتسأله، من الممكن أن يساعدها لتصل لمكان ذلك المعدات.
وبالفعل بحثت على رقمه وأتصلت بهِ، ثوانٍ وجاءها صوته وهو يجيب عليها.
-أزيك يا أسيل
-زي الفل، وأنت؟
-بخير، في حاجة؟ مش متعودة تتصلي بيا.
هكذا سألها، تنحنحت بحرج ثم قالت بتلعثم:
ـ بص بقى، أنا... أنا محتاجة حاجة، ومعرفش فين مكانها، وعايزاك تساعدني.
-حاجات أية دي؟
زفرت ببطئ ثم هتفت:
ـ معدات، معدات معينة محتاجة أعرف فين مكانها.
عقد جبينه بتعجب ثم سأل:
ـ معدات أيه دي؟
- بدور على اسطوانة تبيلر يا سفيان، تعرفها؟
صمت لثوانٍ ثم هتف من جديد:
ـ تبيلر! عرفها طبعًا، دي أسطوانة خطيرة جدًا، وكانت مُستخدمة لصنع آلة ضاخمة جدًا، وحاليًا متخزنة، أنتِ عايزاها في أيه؟
تنهدت ثم أردفت:
ـ عارفه يا سفيان، بص هو نوح في كلية الذكاء الأصطناعي، وعايز يخترع مشروع، ده مشروع تخرجه يعني، وأساس المشروع هو الأسطوانة دي، ممكن تساعدني وتقولي ممكن ألاقيها فين؟
صمت لثوانٍ ثم هتف قائلًا لها:
ـ طب أستني هعمل اتصال وأرجع أكلمك.
غلق معها الهاتف ثم أتصل بإحدى أصدقائه، وبعد التحدث معه لدقائق عاود الأتصال بها من جديد.
جاءهُ ردها في نفس الثانية وهي تسأله بلهفة:
ـ ها عرفت حاجة؟
-بصي أنا صاحبي شغال مع القوات المسلحة، في تصنيع مُعداتهم، سألته عليها وقالي إنها متخزنة عندهم، وأن بسبب خطورتها وأهميتها صنعوا منها نموذج تاني، لكنه أصغر في الحجم والسُمك، وفعلًا نجحوا في أختراع النموذج التاني، ودلوقت الأسطوانات دي موجودة في مخزن** المشهور في تخزين أدوات الجيش، وعليه حراسه كبيرة جدًا، لأن المخزن ده بيضم أكبر المشاريع اللي هيستعملوها في الفترة الجاية في حاجات مختلفة.
وبتركيز سألت:
ـ قالك المركز ده فين؟
تعجب من سؤالها ولكنه أجاب عليها وقال:
ـ آه قالي إنه على حدود سينا بس معرفش يعني فين بالظبط، ليه يا أسيل؟
سمعت كلماته وتمكن اليأس منها، خبطت على وجهها بيأس ثم هتفت:
ـ لا كنت بعرف عشان أبلغ نوح أنه يصرف نظر عن الأسطوانة دي، يلا شكرًا يا سفيان بجد.
تصبح على خير.
وقبل أن يجبها كانت أغلقت الهاتف وألقته بعيد عنها بملل، مسكت الغطاء بعنف ثم حاوطت جسدها بهِ وظلت جالسه وهي في احضان غطاءها حزينة وعقلها مازال شارد منها.
                        *******************
بينما عند سفيان؛ فكان ينظر للهاتف الذي غُلق في وجهه بغيظ شديد، كان يسب نفسه بكل سبّات العالم، قال لها كل المعلومات بعدما ظل يُلح على صديقه حتى أجابه على اسألتها؛ لكي في النهاية تغلق الهاتف بهذه الطريقة!
ليس ذلك ما كان يريده؛ فهو لم يصدق حاله إنها أتصلت بهِ أو إنها فكرت فيه أول شخص عندما كانت تريد شيء، ذلك الشعور الذي غمره بالسعادة عندما لمح اسمها على هاتفه، لا يعلم يفرح بتلك الخطوة، أم يحزن بسبب أنهاءها بهذا الشكل المُهين له!
وفي نهاية الأمر زفر بضيق وظل يعبث بالهاتف بملل، وجد رسالة نصية من رقم ليلى، تعجب منها، نظر لها ثم ضغط عليها وقرأها، وكان محتواها.
-ازيك يا سفيان، حبيت أشكرك على توصيلة انهاردة، وكمان شكرًا على كلماتك اللطيفة اللي قولتهالي.
ابتسم وجاءت على باله فكرة لطيفة، تحمس لها وقرر في تنفيذها، مسك الهاتف وبعد الضغط على حروف لوحة المفاتيح كان كتب لها.
- العفو يا بنتي على أيه، والكلمات دي حقيقة على فكرة مش مجاملة خالص.
تخلخل بداخلها شعور السعادة والرضا عن حالها، كانت الابتسامة تشق وجهها، ضغطت على الحروف سريعًا وكتبت له:
ـ  هتيجي بكرا الشغل؟ أنت ساكن فين صحيح؟
وهكذا بدأ الحديث بينهم ولم ينتهي، ولكنه أنتهى بعد ساعة تقريبًا من حديثهم المتواصل، نهوا حديثهم بإنها غدًا ستنتظره لكي يذهبوا للعمل سويًا، بما إنها من غد ستذهب بمفردها دون أسيل، نظرًا لأن منزل أسيل بعيد عن منزلها وعن مقر الشركة.
كانت سعيدة جدًا بسبب حديثها معه، يمكن لأن تلك المرة الأولى التي تحادث فيها شاب ويغازلها ويقول لها إنها ناجحة!
فهي كانت تحتاج لمثل تلك الكلمات؛ فثمة كلمات تحيّنا من جديد، وبعضها يسبب لنا الموت بالبطيء!
فهذا الذي يُسمى بسحر الكلمات!
ولكن لم تستمر تلك السعادة طويلًا؛ فهتمدها لها رهف عندما دخلت الغرفة وكانت تعبث في أشياء ليلى بكل عشوائية، ويمكن أن نقول أن ذلك الفعل هو أكثر الأشياء التي تثير غضب ليلى من الأساس.
كانت رهف تقف أمام المرآة وتضع من المرطب على يديها، انتهت ثم أنتقلت إلى عدة اشياء أخرى، ولكن مع أنتهاءها لأستعمال أي شيء كانت تتركه مفتوح لا تغلقه ولا تضعه في مكانه.
لمحتها ليلى وهي تعبث بأشياءها، أعتدلت في جلستها ثم صاحت عليها بعصبية:
ـ هو أنتِ بتعملي أيه يا رهف؟ ممكن ملكيش دعوة بحاجاتي!
نظرت لها رهف بملل وهي ترطب يديها ثم هتفت:
ـ في أيه يا ليلى، هو أنا هاكلها؟
قالت كلماتها وهي ترطب يديها وأمامها العبوة مازلت مفتوحه غير مبالية للتي تُشيط غضبًا بسبب أفعالها.
بينما ليلى فنهضت بعصبية شديدة ورهلت نحوها وهي تلتقط منها بعنف تلك العبوة ثم صاحت عليها بغضب:
ـ هو أنا كام مرة قولت متستخدميش حاجاتي!
ضيقت رهف عينيها ثم هتفت:
ـ هو أنا هاكلها، ولا عشان حاجاتك هتذليني بيها؟
-يا ستي بلا أذلك بلا مذلكيش، حاجاتي محدش يجي جمبها، مش تكوني مهملة وعايزة تستخدمي حاجات غيرك كمان!
هكذا صاحت ليلى على رهف، بينما رهف فنظرت لها بتحدٍ ثم صاحت على والدتهم وهي تقول.
-يا ماما، يا ماما تعالي شوفي بنتك اللي مبقاش عجبها حاجة، لا وكمان بتقول عليا مهملة!  لا بجد أنا قرفت.
أتت ابتهال على صوت رهف، نظرت لهم بستفهام وسألت:
ـ في أيه؟
وقبل أن تجيب رهف كانت ليلى تصيح بعصبية وهي تمسك يد رهف وتتجه بها لباب غرفتها:
ـ لا بقولكم أيه أنا مفيش دماغ، أطلعوا برا وأنصبوا الصوان مع نفسكم.
- ما هو ده اللي أنتِ فالحة فيه، قلة الادب وطولة اللسان، لكن  غير كده مفيش.
كانت تلك كلمات ابتهال، أنتهت من كلماتها ثم دفعت ليلى بعيدًا عن الباب وخرجت من الغرفة، ثم تابعتها رهف وهي تتمتم معترضة على ما يحدث، غلقت الباب خلفهم وهي مازالت تستمع لكلماتهم السامة.
دائمًا يغضبوها ولا يهتموا لِمَ سبب الغضب، ما العجيب فإنها تحب التنظيم؟ هل أجرمت لأنها تكره العشوائية، ولا تحب أن احد يستخدم أشيائها؟
دائمًا ينهروها بسبب وبدون سبب، وهي حقًا تعبت منهم ومن أفعالهم المستنفزة لطاقتها، عادت لفراشها وتكورت عليها وأعطت لدموعها حق التحرر.
                        *******************
بينما رهف فبعدما أنتهت من ذلك الشجار تركتها أمها وغادرت المنزل لكي تجلب طلبات من السوق.
بينما هي فجلست على الأريكة وأخذت تتصفح المنشورات على تطبيق الفيسبوك، وأثناء تصفحها أتت لها رسالة من خالد صديقها وكان محتواها.
-أنتِ وحشتيني أوي على فكرة.
ابتسامة عريضة شقت وجهها عندما قرأت الرسالة، ضغطت على المحادثة وبدأت أن تكتب له:
ـ وأنت أكتر.
وبعد عدة رسائل بينهم، ومرور بعض من الوقت كان خالد أرسل لها رسالة  أخرى مُريبة بعض الشيء وكان محتواها:
ـ هو أنتِ ليه مش بتبعتي ليه صور ليكِ؟ أوعي تكوني لسه مش واثقة فيا.
توترت من كلماته، فهي تعلم أن تلك الكلمات خلفها شيء خطأ، لم ترد عليه في نفس الدقيقة، فقط أنتظرت لبضع دقائق حتى كتبت له:
ـ ما صوري على الأنستجرام يابني وأنت شوفتها.
- بس مشوفتش صور ليكِ بلبس البيت يا رهف، يعني مثلًا مش بتاخدي رأيي في ترينج جيبتيه، أو فستان جديد أو أي حاجة من دي، وحقيقي أنا حاسس أنك لسه خايفة مني! طب قوليلي أزاي هاخد خطوة زي أني أكلم أهلي عليكِ وأنتِ أصلًا لسه موثقتيش فيا!
تلكّم لسانها، لا تعلم ماذا تقول له، من الواضح أنه إستاء من تصرفها الطبيعي! هي تعلم أن ذلك الفعله خطأ، ولكن... ولكن هي تحبه، ولا تريد أن يحزن منها أو يبتعد عنها لأي سبب؛ فكفى إنه الرجل الذي نظر لها وأعجب بها في تلك المرحلة من العمر؛ فهي تشعر أنها كبرت لحدٍ مُخيف، وكل ذلك بسبب تقدمها في السن ولم يتقدم لها أحد لطلب الزواج منها أبدًا خلال الفترة الأخيرة، وحقًا هي تشعر أن العمر مر وهي كما هي، لم تدخل في علاقات بسبب مخاوفها التي كونتها بسبب والدتها! حتى في الماضي عندما كانت صغيرة في السن كانت ترفض أيضًا الزواج بسبب مخاوفها! حتى أصبحت الآن تشعر إن سيأتي اليوم الذي ستموت وهي بمفردها فيه؟ ستموت قبل أن تشعر بمعنى الحب، قبل أن تستمتع بكل شعور لطيف مع الجنس الأخر، ذلك المشاعر الذي سمعت عنها من خلال اصدقائها وقرأتها لها في الروايات فقط، ولكن الآن هي تريد أن تشعر بذلك الشعور، وهي تثق أن خالد يحبها بحق، فلماذا لا تعطي حالها فرصة لكي تخرج من تلك البقعة التي وضعت حالها فيها.
خرجت من شرودها على رسالة أخرى من خالد وهو يقول لها.
-ردك وصلني يا رهف، حقيقي أنا حبيتك، وحبيت وجودك، بس مش هقدر أكمل مع وحدة خايفة مني! سلام يا رهف.
أنقبض قلبها فور قرأتها للرسالة، خرجت من المحادثة وكان توجيها لمعرض الصور، عبثت لدقائق حتى أستقرت على صورة كانت ترتدي فيها منامة وردية وشعرها كان يُزين كتفيها الظاهرين.
ضغطت عليها ثم على زر الأرسال، وصلت له الصورة ومعها رسالة منها محتواها.
-أنا واثقة فيك يا خالد، وحابه أقولك أني عمري مديت لحد ثقتي زي ما بعمل معاك دلوقت، أنا بحبك، وحقيقي مستعدة أعمل أي حاجة عشان تفضل جمبي، ويجمعنا بيت واحد.
أرسلتها له وهي تأكل في أظافرها بتوتر، لا تعلم إنها حقًا أعترفت له بتلك البساطة! جاءها رده في الحال وهو يقول:
ـ ياربي على القمر، معقول القمر ده هيكون بتاعي لوحدي! أنتِ بجد أجمل الجميلات يا جميلتي!
وبكلماته المعسولة تناست تلك المصيبة التي فعلتها للتو!
                        *******************
ولكن دعنا ننتقل لزمانٍ أخر، كانت ليان تجلس على فراشها وتبكي كعادتها في الأونة الأخيرة.
ولكن قطع أجواءها الحزينة صوت رنين هاتفها، ولكم يكن غير أتصال من يامن.
ألتقطت هاتفها وأجابت عليه بصوت عابث من أثر البكاء.
-ألو يا يامن.
-مال صوتك؟
هُنا وقد انفجرت في البكاء من جديد دون مقدمات، فزع الأخر؛ فسألها بلهفة وقلق عليها:
ـ في أيه يا ليان؟ حصل حاجة مع بباكِ؟
أخذت أنفاسها بصعوبه، وبكلمات متقاطعة قالت:
ـ أنا تعبت يا يامن، تعبت من اللي بيحصل، نوح مش هيرجع، وبابا.. بابا قالي قدامكم أسبوع، الأسبوع خلص ومعرفش أبويا ناوي على أيه! هو كده نوح مشي! مفيش نوح تاني يا يامن؟
كانت تقول كلماتها وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة، كلمات غير مُرتبة وتخرج من شفتيها بطريقة غير مفهومة، بينما الأخر فشعر بالعجز ينهش في قلبه، ماذا يفعل؟ هل يواسيها ويطمئن قلبها إن أخيها سيرجع لهم؟ وهو في الأصل لا يقتنع بذلك؟ ولكن تذكر خوفها من أبيها؛ فهدف دون تردد:
ـ أنا مش هضحك عليكِ يا ليان، بس نوح هنعمل كل اللي في وسعنا عشان يرجع تاني، ومش عايزك تخافي من أبوكِ، طول ما أنا على وش الدنيا مفيش حاجة هتأذيكِ، حتى لو اللي هيأذيكِ ده أبوكِ يا ليان، خليكِ واثقة أني مش هسمح أن حاجة وحشة تحصلك.
هكذا قال لها بقلب عاشق وكلمات صادقة، بينما هي فسمعت كلماته بمشاعر متناقضة؛ فهمست من بين دموعها:
ـ أنا هقفل دلوقت يا يامن، سلام.
وغلقت الهاتف دون أنتظار رده! كانت تتنفس بعنف، تشعر أن شيء خطأ يحدث لها، تلك المشاعر التي تغمرها عندما تتحدث معه تقلقها، لا تنكر إنها منجذبة له منذ فترة كبيرة، ولكن... ولكن لا يُصح لها أن تشعر مثل ذلك الشعور؛ فهو صديق أخيها المُقرب، هل يحق لها أن تعجب بهِ؟ وهل ذلك المشاعر من إتجاها هي فقط أم متبادلة بينهم؟ ولكن هو لم يفعل أي شيء يدل على ذلك، وكلماته المُطمئنة لها تدل على نخوته معها وقلقه على شقيقة صديقه، ليس أبدًا دليل على إعجابه بها!
هكذا كان يأكد لها عقلها وهو يرد على اسألتها الغير متناهية، وفي النهاية أغلقت نور الغرفة وتركت لعقلها العنان.

رحلة عبر الزمنWhere stories live. Discover now