الحادي والعشرين

1.6K 175 6
                                    

ـ حجر الطاقة، معرفتش أجيبه منين، وبصراحة كده معرفش هجيبه لأهلك أزاي، أنا زهقت منك وتعبت!
ختمت جملتها وهي تصرخ في وجهه! بينما هو فخبط على وجهه بيأس ثم هتف:
ـ يادي النيلة، أنا زهقت بجد!
ضحكت كريمة عليهم ثم قالت وهي تمسك كوب الشاي في يدها والابتسامة مرسومة على وجهها:
ـ أنا عارفة هتلاقوا فين الحجر ده.
ـ فين؟
هكذا سألوا في نفس واحد، بينما كريمة فأرتشفت من الكوب بتستماع وقالت:
ـ الست جمالات، ست مبروكة وليها في الأحجار الكريمة والحاجات الحلوة دي، هتعرف تدلكم عليه.
ـ دجاله يا كريمة؟ هتودينا لدجالة يا يشيخة!
هكذا صرخت أسيل في وجه كريمة!، بينما كربمة ففزعت منها وأرتدت للخلف، بينما نوح فخبط على وجهه بيأس ثم هتف:
ـ هو معلش بس، يعني إيه دجالة؟
ـ يعني وحدة بتخرج العصفورة من تحت الطاقية، ورجليها بتقلب معزة بعد الضهر.
هكذا سخرت، بينما نوح فكان صدق بالفعل! نظر لكريمة بفزع وقال:
ـ هتودينا لوحده بتنور في الضلمة ولا إيه يا كريمة؟
نهضت كريمة من مكانها وهتفت بتهكم:
ـ بقولك إيه هو ده الحل اللي عندي، أقولك حاجة خليكوا بعد كل ده قاعدين كده.
أشاحت أسيل بوجهها بتذمر، بينما كريمة فجلست من جديد وقالت لها وهي تستعمل يدها في التعبير وقالت:
ـ وأصلًا دي وحدة مبروكة، عارفه طُرق الأحجار الكريمة، وملهاش في الدجل والكلام ده زي ما أنتِ فكرة، هي بتعالج الناس بالروحانيات، وبتستعمل الأحجار الكريمة في شغلها.
ـ طب ما نجرب يا أسيل، هي جت على دي!
نهضت من مكانها بعتراض ثم هتفت:
ـ ولحد أمتى يا عم نوح؟ لحد أمتى هنقعد نجرب؟
نهض هو الأخر، وقف أمامها وهتف برجاء:
ـ أخر مرة يا أسيل، أخر مرة صدقيني.
تنهدت بقلة حيلة، جلست من جديد وهتفت وهي تبدل نظراتها بين كريمة ونوح وقالت:
ـ وعنوان الست دي فين يا كريمة؟ لما نشوف أخرتها!
                        *******************
ولكن في مكانٍ أخر، وبالتحديد في تلك العيادة التي تذهب لها ليلى.
كانت ليلى تسند ظهرها على ذلك المقعد المخصص للمرضى أمام فريدة طبيبتها النفسية، بعدما قصّت لها أخر ما حدث بينها وبين سفيان صمتت، كانت فريدة تنظر لها، وتنتظهرها أن تواصل حدثها؛ فهي تعلم أن ليلى لديها المذيد، وبالفعل وبعد صمت دام لدقائق واصلت ليلى قائلة:
ـ دلوقت أنا كرامتي وجعاني، يعني هو كان بيتعامل معايا عشان يعملني كبري؟ ولما عرف أن أسيل بتحب حد تاني جاي يقولي متقولهاش! ده طبيعي يعني؟ بس عارفه؟ أنا اللي غلطانة، أنا اللي قربت منه زيادة عن اللزوم.
ـ تجربة يا ليلى، مخسرناش حاجة، عادي.         
هكذا قالت لها الطبيبة، تنفست الصعدأ ثم قالت:
ـ بس أنا حاسه أني برجع لورا بسببه، بقيت بغسل أيدي كتير تاني، بقيت خايفة، خوفي إنه هيمشي ويسبني بقى أكبر من الأول! الأحساس ده بيذيد حتى بعد ما عرفت أنه مش بيحبني!
كانت تتفوه بكلمات غير مفهومة مرتبكة، ولكن فريدة كانت تفهمها جيدًا، خلعت نظارتها ثم عقبت على حديثها قائلة:
ـ بصي يا ليلى، دلوقت أنتِ خلصتي نص مشوار علاجك، أنتِ حبيتي سفيان عشان قبلِك بعيوبك، وده بالنسبالك كان مختلف، وفي النفس الوقت لأنك خايفة أنه يمشي؛ فكنتِ بتحاولي تخففي تصرفاتك اللي أنتِ عارفه أنها بتضايق الكل، عشان ميتضايقش منك ويمشي، أنتِ اللي علقتي نفسك بيه! أنتِ اللي وهمتي نفسك إنه بيحبك، مع أن محصلش منه أي تصرف يدل على حبه ده! بس المهم الموضوع كله جيه في مصلحتنا زي ما شرحتلك، ولكن دلوقت السؤال المهم، هل عشان هو مش بيحبنا يبقى نهدّ كل حاجة؟ ليلى متستهلش أنها تحافظ على اللي وصلت له؟ كل اللي حاولتي توصلي له في الفترة اللي فاتت هتهديه بسبب واحد؟
ـ لا أنا عايزة أحافظ عليه يادكتور، عايزة أكمل عشان نفسي.
هكذا هتفت ليلى وهي تحاول جاهدة أن تسيطر على دموعها، ابتسمت لها فريدة ثم قالت:
ـ براڤو عليكِ، هنكمل اللي بدأناه، عقلنا خلاص أقتنع أن في حاجات أنتِ مش ملزمة تعمليها، وأقتنع أن سفيان مش حق مكتسب عشان يفضل معانا! هو ممكن يمشي، وده مش معناه إن حياتنا هتقف، هنحاول نجرب حاجات جديدة الفترة الجاية، عشان تشغلك أكتر، وتنسي كل حاجة بتضايقك، زي بالظبط ما عملتي الفترة اللي فاتت.
صمتت ثم واصلت بخبث وهي تنظر لها بترقب:
ـ وعلى فكرة كلام سفيان معناه أنه فعلًا مكنش متأكد من مشاعره لصاحبتك، أبقي أديله فرصة كده، بس متدلكيش عليه برضه، مفهوم؟
فهمت ليلى مغزى كلماتها، ابتسمت لها ثم أعتدلت في جلستها، شكرتها ثم ودعتها وخرجت من غرفة الكشف، بل من العيادة بأكملها وعادت لمنزلها.
                  *******************
ولكن في مكانٍ مختلف، كان مصطفى في إتجاههُ لمقهى شعبي، مقهى يقبع في منطقة عشوائية، يجلس عليها قُطاع الطُرق والبلطجية؛ فهو قرر إنه سيأخذ حقه أيّن كان الثمن!
كان يمشي ويتحدث في الهاتف مع ذلك الرجل، ومن الواضح إنه تائهه في المكان، كان يتحدث معه وهو منفعل.
ـ يابني عمال أدخل من شارع وأخرج من شارع، أنت فبن زهقتني!
....
ـ مكنتش عارف يعني أنت اللي تجيلي بدل ما أجيلك الحتة المعفنة دي.. آهههه.
وهكذا دوّيت صوت صرخته! كان يخطّي الطريق دون أن ينتبه له ودون مقدمات كانت تصدمه سيارة، حتى أفترش الأرض في الحال.
أجتمع الأناس في الحال عليه، بينما هو فكان يمسك قدمه اليسري ويده اليمنى ويصرخ بألم، صاحوا جميعهم أن ينقلوه على المشفى سريعًا، وبالفعل أتنقل للمشفى، بعد الفحوصات والأشاعات كان وضع يده وقدمه في الجبس الطبي، كان مصطفى يستلقى على الفراش ويكون ضمادات طبية في وجهه، جاء له الرجل الذي صدمه بالسيارة، كان ينظر له بأسف، وبتردد قال له:
ـ ألف سلامة عليك، ألف سلامة، وحقك عليا.
ـ حقك إيه وزفت إيه؟ عجبك اللي حصلي بسببك ده؟
هتف بها بعصبية شديدة حتى ألآماته رأسه، سند بظهره مرة أخرى ثم واصل:
ـ عجبك اللي أنا فيه ده؟
ـ ما أنت اللي مكنتش بتبص قدامك!
ـ يعني العيب مني! طب غور، غور بقولك.
وقبل أن يغادر هتف قائلًا:
ـ بس حاسب على المستشفى الأول ياض.
وبالفعل غادر الرجل المشفى بعد ما دفع له حسابه بأكمله، تعويضًا له عن ما حدث له بسببه.
خرّج مصطفى هاتفه وأجرى مكالمة لعمر صديقه، وطلب منه أن يأتي له على عنوان المشفى.
بعد وقت ليس بالقليل كان جاء له، وفور رؤيته لمصطفى ضحك عاليًا وهتف:
ـ هو إيه اللي حصل؟ ترلة داست عليك؟
ـ بطل ظرافه ياض.
هكذا هتف له بحنق، نظر له ومد يده له بهاتفه وقال:
ـ خد كلم الرجل ده، وعايزك تروح تقابله يا عمر، هو كان مستنيني وكده هيفتكرني طنشته.
عقد جبينه وسأل:
ـ ده مين ده إن شاء الله؟
ـ واحد هياخدلنا حقنا من أسيل.
صُدم الأخر، نظر له بحنق ثم دفع الهاتف في وجهه وهو يهتف قائلًا:
ـ يا شيخ ما تتلم بقى، ربنا يعمل فيك إيه تاني عشان تبعد عن البت؟
ـ يووه، مش هتساعدني يا عمر يعني؟
ـ يا مصطفى أبعد عن أسيل بقى، ربنا علمك درس وأنت رايح تتفق مع بلطجي عشان تفوق، وبرضه مفوقتش! سلام يا مصطفى، سلام.
وبالفعل ختم كلماته وتركه غادر! كانت كلماته تتردد في عقله، هل ينسى الموضوع بالفعل؟ هو محق، هو كان يريد أن ينتقم وبالفعل بلغ عنها وكل شيء أتهدّ فوق رأسها، إذن ماذا يريد؟
وأثناء تفكيره هذا دخل عليه طبيب، فحصه ثم طمنه على حاله وقال له إنه يستطيع أن يترك المشفى في أي وقت، شكره وأعتدل في جلسته لكي يستعد للخروج، ولكنه لا يعلم كيف سيمشي بهذا الحال! شعر بالعجز، حقًا صعبت عليه حاله، هل لا يوجد أي شخص يسند عليه في وقت الشدة؟ هل كل أصدقاءه تبخروا في الحال! ترقرقت عيناه بالدموع وهو يحاول أن يسند بجسده على الفراش لكي يقف لكنه فشل! وقبل أن يجهش في البكاء كان عمر يدخل من باب غرفته من جديد، ابتسم له فور رؤيته، أقترب منه وسنده وهو يقول:
ـ أنا كنت تحت ببعتلك دكتور على فكرة عشان يجي يكشف عليك ويقولي هتخرج أمتى، أكيد مش هسيبك في ظروف زي دي، بس أبعد شيطانك عنك يا مصطفى وخلي أسيل في حالها.
ابتسم لها وعانقه دون تعقيب على كلماته، مسح دموعه التي هبطت ثم أومأ له بالأيجاب، ربت الأخر على كتفيه ثم سانده حتى خرجوا سويًا من تلك المشفى.
                   *******************
وفي منزل ليلى، وقبل وصلها، كانت رهف تجلس بجوار والدتها وتتناول حبات الفشار وهي تشاهد التلفاز بستمتاع، كانت ابتهال كل حين والأخر تنظر لها ثم تعود النظر للتلفاز، ألتقطت رهف حبات الفشار ووضعتها في فمها ثم قالت موجه حديثها لوالدتها:
ـ هو في حاجة يا ماما؟ عايزة تقولي حاجة؟
وهكذا أعطت لها التصريح لكي تتحدث معها، أستدارت لها ثم قالت:
ـ بصي بقى في عريس متقدملك.
نظرت لها سريعًا وهي ترفع لها حاجبيها بتعجب، عادت بنظرها للتلفاز مرة أخرى وسألت:
ـ وده مين إن شاء الله؟
ـ سامر بن خالتك عزة، شافك أكتر من مرة وقال لخالتك عزة تكلمني، وجت فتحتني في الموضوع امبارح.
مسكت رهف جهاز التحكم وأغلقت التلفاز، استدارت لها ثم هتفت قائلة:
ـ بجد يا ماما شافني؟ ولا بتقولي كده عشان اوافق أقابله؟
نفت سريعًا برأسها وهي تأكد لها قائلة:
ـ صدقيني شافك والله، وعايز يجي يتقدم كمان، ها قولتي إيه؟
رأسها أنقلبت؛ فهي منذ زمن وترفض جواز الصالونات، أو ذلك الزواج الذي يأتي عن طريق معرفة الأقارب أو المعارف، ترفض ذلك المبدأ رفضًا قاطعًا، مقتنعة  أقتناع تام أنها ليست سلعة لكي يأتي شخص يعاينها وفي نهاية الأمر تعجبه أو لا!
الموضوع مثير للحنق! ولكن الأمر مختلف الأن؛ هو رأها بالفعل، فالأن الأختيار مطروك لها، هي التي ستعاينه! حقًا الأمر غريب لكنه لذيذ؛ فما العائق الأن؟
فاقت من تفكيرها على صوت والدتها وهي تسألها من جديد:
ـ ها أخليه يجي؟
ـ ماشي يا ماما، بس لو مرتحتش متتكلميش معايا تاني في الموضوع ده، أتفقنا؟
هكذا قالت لوالدتها بصرامة، ابتسمت ابتهال بسعادة ثم عانقتها بفرحة، أنضمت لهم ليلى التي وصلت للتو من عيادة فريدة، ابتسمت لهم وألقت التحية عليهم ثم جلست بجانبهم وهي تهتف متسألة:
ـ في أكل؟
ـ هقوم أحضرلكم الغدا.
ثم نهضت وإتجهت للمطبخ، بينما ليلى فألتقطت جهاز التحكم، ومعه حبات فشار، وقبل أن تسألها لماذا التلفاز مُغلق، بادرت رهف وهتفت قائلة:
ـ أنا جالي عريس!
هتفت بها بسعادة وابتسامة مرسومة على محياها، تعجيت ليلى من نبرة صوتها، ومن تلك الابتسامة، نظرت لها وهي ترفع لها أحدى حاجبيها وعقبت قائلة:
ـ هي أول مرة ولا أيه؟ ما على طول بيجيلك عرسان أيه سبب الأنشكاح ده؟
أنحرجت من حالها، دارت ابتسامتها سريعًا وأردفت:
ـ أصل المرة دي العريس مش جاي من طرف حد يا ليلى.
ـ أومال؟
ـ هو شافني.
ابتسمت الأخرى على شقيقتها، فالأن فهمت لماذا هي سعيدة؛ فهي تعلم جيدًا أسباب رفض شقيقتها للجواز بتلك الطريقة التقليدبة، أعتدلت في جلستها وسألتها:
ـ شافك فين؟
رفعت كتفيها بجهل وأردفت:
ـ معرفش، بس امي بتقول إنه شافني وكلم مامته عشان تكلمني، أنتِ أي رأيك؟
ربتت ليلى على كف يدها بحنان ثم قالت لها:
ـ هو جواز الصالونات مش وحش يا رهف زي ما أنتِ متصورة، ياما في ناس عرفت بعض صالونات وحبوا بعض جدًا، وياما في ناس أرتبطوا عن حب وسابوا بعض مع أول مطب؛ فده مش مقياس أبدًا، أنا أه معاكِ أن طريقة أن حد يجي البيت يعاين ويتفرج وفي الأخر تعجبه العروسة او لا ده اسلوب زبالة، لكنه أوقات بيظبط! ما علينا المهم دلوقت أن هو اللي شافك وهو اللي طالب، يعني الأختيار هيكون ليكِ مش لي هو، وده أحسن.
ـ بالظبط كده، يعني أدّي لنفسي فرصة؟ مش كل الرجالة وحشة صح؟
هكذا سألتها كأنها فتاة مراهقة وخائفة من فكرة الأرتباط!
رسمت ليلى ابتسامة هلى محياها وأردفت:
ـ عمر ما كانت كل الرجالة وحشة، زي ما مش كلهم حلوين! أحنا اللي مسؤلين على أختيارنا؛ فحاولي على قد ما تقدري إنك تختاري صح.
أومأت لها بالموافقة؛ فهي محقة، ليست كل الأختيارت خاطئة، وليست جميعها صواب؛ فالأختيار يكون لنا في النهاية.
                        *******************
ولكن عند زين؛ فبعدما أنتهى من جلسته مع اصدقاءه ودّعهم وذهب لكي يقابل بحر في ذلك المقهى الذي أعتادوا أن يتقابلوا فيه حديثًا.
ـ على فكرة أنا عايزة أقولك حاجة.
هكذا قالت له بعدما جلسوا سويًا على تلك الطاولة، نظر لها وهتف:
ـ قولي يا ستي.
فركت في يدها بتوتر بعض الشيء، رفعت رأسها له ثم قالت:
ـ أنا كتت عايزة أعرفك أني من يوم ما قربت منك وأنا سبت شغلي في النايت، يمكن أول لما قربنا من بعض في الجامعة؛ حسيت أني عايزة أكون نضيفة، مش عايزة أكون خايفة من حاجة، وأنا كنت بخاف لتشوفني وأنا شغاله هناك! عشان كده سبت الشغل، ولكن كنت بروح كل فترة والتانية لما بكون متضايقة، يعني تقدر تقول عندي أمتنان للمكان اللي ياما شال أحزاني، لكن كان لازم أقولك أني سبت الشغل من بدري!
السعادة غمرته فور سماعه لكلماتها، ابتسم لها ثم هتف لها قائلًا:
ـ وأنا مبسوط أنك خدتي الخطوة دي من نفسك يا بحر.
مسك كف يدها ثم واصل:
ـ وعلى فكرة كنت عايز أقولك حاجة بخصوص الفرح وكده.
توترت، جاء في ذهنها إنه سيتركها! لا تعلم لماذا فكرت في ذلك ولكنها توترت! نظرت له بتركيز وسألت:
ـ إيه؟
شعر بتوترها، ابتسم لها بحب ثم هتف:
ـ مفيش يا ستي، كنت عايز بس أطلب منك أننا نأجل الفرح شوية صغيرين، أصل يعني نوح شكله بإذن الله هيعرف يرجع قريب، وبصراحة نفسي يجي ويحضر فرحنا، كفاية محضرش فرح أخته وأخوه!
ابتسمت له من كل قلبها، كانت تحسد هؤلاء الأخوة على محبتهم لبعضهم، حضنت كف يده ثم هتفت بسعادة:
ـ طبعًا يا حبيبي، مفيش أي مشكلة، وبإذن الله يرجع، قولي هو وصل لإيه دلوقت؟
ابتسم لها ثم بدأ أن يسرد لها ما وصل له نوح بكل حماس وسعادة، وهي كانت تستمع لحديثه الغير مقنع على الإطلاق بهتمام شديد!
                        *******************
كانت أسيل ونوح وكريمة يمشون في شارع جانبي متطرف في منطقة عشوائية، تلك المنطقة التي تقبع بها تلك السيدة التي تدعو جمالات! فبعد إلحاح نوح وكريمة عليها وافقت إنها تذهب لها، كانت تقبع في منطقة عشوائية، حارة ضيقة بها مباني قديمة عتيقة، وهناك أطفال متسولون يركضون هنا وهناك.
كانت أسيل تنظر حولها بتقزز، وحال نوح لم يختلف عنها! ولكن كريمة لم يهمها أي شيء من ذلك، فقط كانت تترجل بحماس شديد لمقابلة تلك السيدة، وقفت كريمة عند عقار عتيق، رفعت رأسها ونظرت له ثم مسكت يد أسيل.
بدلت أسيل نظراتها بين العقار ونوح، وبتوتر هتقت قائلةً:
ًـ إيه يا كريمة البيت المهجور ده، يخرب بيتك يا نوح أنت والمصايب اللي بتيجي من وراك!
هكذا هتفت بمتعاض، بينما نوح فدفعها للأمام وهو يصيح عليها بحنق:
ـ يعني هو بمزاجي، أتنيلي بقى.
ـ يلا أنتِ وهو بلاش لعب عيال.
هكذا صاحت فيهم كريمة، وبالفعل ترجلوا جميعهم لمنزل السيدة، والذي كان يقبع في الدور الأول، كانت شقة قديمة، الباب مفتوح على مذراعية، ومع دخولهم كان أمامهم أريكتين، يجلس عليهم أمراتان من الواضح أنهم ينتظروا أن يقابلوا السيدة، وهناك تجلس امرأة سمينة ترحب بكل من يدخل الشقة، ترجلت نحوهم وحيّتهم بوِد، ابتسمت لها كريمة ثم سألتها على السيدة جمالات، أشارت لهم نحو الأريكة لكي يستريحوا.
كانت أسيل تدور بعينيها في المكان تحاول ان تكتشفه، تشعر إنها داخل أحدى الأفلام المصرية القديمة! مالت على كريمة ثم سألتها:
ـ هو بجد ده حقيقي؟ يعني أحنا مش فلم؟ ولا دي ولية نصابة وهنلاقي دلوقت البوليس داخل علينا وبيرمينا في البوكس؟
هنا وتوتر نوح! نهض فاجأةً ثم صاح بخوف:
ـ بوكس إيه، لا بقولكم إيه أنا مش ناقص!
ضحكت كريمة على شكله، مسكته من ذراعه وجعلته يجلس من جديد وهي تقول:
ـ يا بني بتهزر! متخفوش بقى ده أنتوا شوية عيال صحيح!
لوت أسيل شفتيها بسخرية ثم سخرت قائلة:
ـ ما اللي ميعرفش يقول عدس!
أنتهوا من مشاجراتهم الطفولية هذا وصاحت عليهم السيدةأن جمالات تنتظرهم، مسكت أسيل يد كريمة بقوة وترجلت خلفها وكان نوح يتابعهم، دخلوا عليها الغرفة، ولم تكن مثل ما تخيلتها أسيل!
فكانت غرفة عادية بها أساس بسيط، مثل مكتب صغير وأمامه كرسيين وأريكة بجانبة طاولة مستديرة، جلست أسيل وكريمة على الكراسي وتلك السيدة جلبت لهم كرسي ثالث لكي يجلس نوح، تنحنحت كريمة ثم بدأت هي بالحديث قائلةً:
ـ بصي بقى يا ست جمالات، أنا عارفة أن ليكِ في الأحجار الكريمة والحاجات دي، وبتعرفي تجبيها كويس، وبنتي محتاجه حجر مهم أوي، وأنا قولتلها محدش هيعرف يجيبه ليكِ غير الست جمالات.
ابتسمت لها السيدة، نظرت لأسيل ثم سألتها:
ـ عايزة حجر إيه؟
بدلت نظراتها بينهم بتوتر ثم نظرت للسيدة من جديد، وبتوتر وقلق أجابت عليها قائلةً:
ـ حجر الزمرد، عندك؟
عقدت السيدة حاجبيها بتعجب، شبكت يدها في بعضهم ووضعتهم على سطح المكتب ثم سألتها:
ـ وعايزاه في إيه؟ ده حجر نادر جدًا!
ابتسمت لها أسيل بمتعاض ثم أردفت:
ًـ هعمل بيه مشروع، ولازم الحجر يكون موجود، هتعرفي تساعديني؟
لم يعجبها السيدة لهجة أسيل، أشاحت بوجهها بعيدًا ثم هتفت قائلًة:
ـ الحجر مش عندي، ولو عندي مستحيل يطلع لحد، طلبكم مش عندي.
شعر نوح أن أخر أمل أمامه يضيع من بين يداه، نهض سريعًا ووقف بجوار تلك السيدة وقال راجيًا:
ـ يا ست وحياتك الموضوع حياة أو موت، لو تعرفي تساعدينا متبخليش علينا، أحنا غلابة وأتمرمطنا بجد!
كانت أسيل تنظر له بفم يكاد أن يلامس الأرض! هل هذا هو نوح! ولكن مهلًا فأسلوب الأستعطاف هذا نجح معها! رق قلبها له، نظرت له ثم قالت:
ـ مفيش حل غير أنكم تروحوا تجيبوا الحجر بنفسكم، ده لو يهمكم أوي يعني.
نظرت لها كريمة سريعًا ثم هتفت:
ـ أوي أوي يا ست جمالات.
نظرت السيدة للأسفل في درج مكتبها، وضعت يدها وخرّجت منها ورقة صغيرة، قرأت ما فيها ثم هتفت وهي تنظر في الورقة:
ـ الحجر موجود في وادي اسكيبت على بعد... متر، يعني ممكن نقول يومين سفر من هنا لهناك، ده لو عرفتي توصلي للوادي أصلًا، لأنه ده في منطقة صحراوية خطر شوية، والجبل اللي جواه الحجر، هو خطر أكتر، فيه زواحف كتير وكده، لكن يعني في أحتمال إنكم تعدوا.
رفعت وجهها من على تلك الورقة وابتسمت ببساطة! بينما أسيل فنظرت لها وهي تكاد أن تبكي بحق ثم هتفت قائلة:
ـ يومين في قلب الصحرا! أحيه يا عم أحيه!

يتبع....
#الفصل_الحادي_والعشرين
#رحلة_عبر_الزمن
#NORA_SAAD

رحلة عبر الزمنWhere stories live. Discover now