الرابع والعشرين

1.6K 167 4
                                    

ـ مالك يا أسيل في إيه؟
الرؤية كانت تتشوش أمام عينيها رويًا رويدًا، رفعت يدها وأشارت نحو قدمها اليسري دون أن تنطق، نظر نحو قدمها سريعًا وكانت تنزف بشكل غير طبيعي، ومكانها متورم بشدة، بينما وجه أسيل كان يبهت أكثر مع مرور الوقت.
كان نوح يجلس بجانبها عاجز عن التفكير وكل شيء! خائف أن يلمس الجرح لكي لا يوذيئ الوضع، خرّج لها مياة لكي تشرب منها، وعندما أرتشفت منها تقيأت فورًا، حقًا كان لا يعلم ماذا يفعل! مسح لها وجهها وجلس بجانبها عاجز عن التفكير، خمسة عشر دقيقة فاتوا عليهم وهم على نفس الوضع، ولكن مهلًا؛ فنوح شعر أن جسد أسيل أترخى منه! نظر لوجهها سريعًا تحت ضوء القمر وكان تحوّل للون الأصفر الباهت، أما هي فكانت لم تشعر بالدنيا من حولها من الأساس!
نظر لها بفزع، ضمها له وهو يشعر أن قلبه سيخرج من بين ضلوعه، صرخ بأعلى صوت وهو يضمها له ثم همس:
ـ أسيل في إيه يا أسيل؟؟؟ أسيل فووقي مالك؟
هبطت دموعه، كان جسدها أرتخى تمامًل، وهو يشعر أن أحد يقيد يده، لا يعلم ماذا يفعل، فقط نظر حوله في تلك الصحرا ثم صرخ صرخة مداويّة قائلا:
ـ حد يلحقني، هتموت مني! حد يلحقني، يا ناس!
ظل هكذا عشر دقائق تقريبًا، كان يصرخ بجنون لعل أحد يسمعه، كان فقط الأمل، عاجز عن الحركة وعن التفكير، استسلم للأمر وجلس بجوارها وهو يضمها له، كان يقرأ لها قرأن لعل الله يشفيها من عنده بمعجزة إلاهية! ولكن... ولكن مهلًا، من هذا؟ كان رجل يأتي من بعيد، في يده شيء مثل اللهب لكي ينوّر له الطريق، وذلك الرجل يتقدم منه ببطئ، رفع نوح وجهه له، كانت الرؤية مشوشة بسبب الظلام، ولكن ذلك الرجل أقترب منه حتى أصبح يقف أمامه مباشرةً، قرّب ذلك اللهب من وجهه ثم هتف:
ـ مين أنت؟ وبتعمل إيه هنا؟
نظر له نوح دون تصديق، وكأن الله أرسله له من السماء لكي ينقذها! نظر لأسيل ثم هتف بنبرة مبحوحة من أثر البكاء:
ـ الحقني يا عم الحج، ألحقني هتموت مني.
قرّب اللهب من وجه أسيل، عقد جببنه ثم سأل:
ـ حصلها إيه؟
ـ تعبان قرصها.
أومأ برأسه ولم يعقب، بينما نوح فصرخ له من جديد قائلًا:
ـ ابوس أيدك الحقني هتموت مني، دي...دي بقالها كتير بتنزف، كده هتتصفى!
ـ هاتها وتعالى ورايا.
نهى كلماته وتقدم خطوات للأمام، بينما نوح فنهض وحمل أسيل فورًا وتابعه، كان لا يعلم هل ذلك الرجل سيساعده بحق؟ أم ذلك فخ سيضعه فيه! ولكن لا مجال للتفكير، فحياة أسيل أصبحت بين يد الله.
وقف ذلك الرجل عند خيمة كبيرة، أشار على وسادة كبيرة كانت موضوعة على أريكة خشبية  أمام التخيُّم وقال:
ـ أستنى هنا.
وبالفعل وضع نوح أسيل على تلك الأريكة وجلس على الأرض بجوارها، غاب الرجل لدقائق ثم خرج وفي يده حقنة! نظر له نوح بتعجب ثم سأل:
ـ أنت هتعمل إيه؟
ـ ده الترياق بتاع السم يا والدي، هات الشعلة ونورلي خليني أشوف فين وريدها، بس الأول خليني أضمملها الجرح عشان النزيف ده، يلا هيِّم.
هل يصدقه؟ أم يكذبه ويأخذ أسيل ويهرب من امامه؟ ولكن النتيجة واحدة في النهاية، وهي موت أسيل! ولكن إذا صدق ذلك الرجل؛ إذن يوجد أحتمال أن أسيل تُنجى!
نهض من مكانه سريعًا، أخذ الشعلة وأقترب من ذلك الرجل، من الواضح أن الرجل كان يعرف جيدًا ماذا يفعل، نظف لها الجرح حتى وقف النزيف، ثم مسك يدها وأخذ يبحث على وريد لها حتى عثر عليه، مسك تلك الحقنة وأعطاها إياها.
نظر لنوح ثم قال له:
ـ ساعة وهتكون زينة، لكن عايزين نعملها جمدات عشان حرارتها هتعلى دلوقت.
ـ طب.. طب في هنا مياة ساقعة؟
ـ في مياة، بس مفيش حاجة قطن.
ـ طب هاتلي مياة يا عم الحج وأنا هتصرف.
وبالفعل نهض الرجل لكي يجلب له مياة باردة، بينما هو فخلع التيشرت الخاص بهِ، جاء الرجل ومعه وعاء فيه مياة باردة، رأى نوح وهو يبرُم التيشرت الخاص بهِ نظر للوعاء ثم وضع التشيرت فيه، و بدأ أن يفعل لها جمدات مياة باردة وذلك الرجل يجلس بجواره يتأمله، بعد نصف ساعة من الصمت، نهض ذلك الرجل وربت على كِتف نوح وقال:
ـ متقلقش يا والدي، هتكون بخير.
ـ بجد؟
هكذا سأل بعيون تلمع بالدموع، ابتسم له وجلس بجانبه من جديد ثم قال:
ـ بجد، مَرَتك؟
ابتسم من بين دموعه، وقال:
ـ حببتي، لو كان ينفع كنت أتجوزتها.
ـ وإيه المانع؟ أوعى تكون معشمها وخليت بيها؟
ـ خليت بيها! دي اكتر وحدة شالتني، وكانت سندي، أكتر وحدة كانت هي عكازي لما حسيت نفسي عاجز في الدنيا، نفسي أعوضها واخدها معايا، لو هترضى هخدها معايا وهتجوزها، لكن هي مش هترضى!
ـ لو بتحبها حاول معاها يا والدي، ولو هي بتحبك هتوافق تروح معاك لأخر الدنيا.
ابتسم له ومسح دموعه، بالطبع ذلك الرجل لم يفهم عن ماذا يتحدث، ولكن على أي حال هو بالفعل سيحاول معها أن تأتي معه لعالمه، هو يحبها بحق، ولا يريد أن يتركها! ولكن هي تفيق!
فاق من شروده على سؤال الرجل وهو يقول له:
ـ وأنت بتعمل إيه هنا في الليل يا والدي؟
نظر له سريعًا وتذكر ليان وزين ويامن، وتذكر أيضًا الحجر! مسح دموعه ثم أجاب عليه قائلًا:
ـ كنت بدور على حجر الزمرد، متعرفش يا حج الاقي فين؟
ـ يووه، ده موجود في جبل خطر قوي، كيف كنت عايز تروحوه بطولكم لهنا؟
عقد نوح جبينه وسأل:
ـ خطر أزاي؟
ـ كله حيات وعقارب، محدش بيعرف يقرب منه واصل.
ـ طب أنا عايز أوصله يا حج، متعرفش أوصله أزاي؟
نظر ذلك الرجل له بتقيّم، وبعد ثوانٍ من الصمت سائل!
ـ وهو ده بقى مهم أوي بالنسبالك يعني؟
ـ اوي اوي يا عم الحج، ده... ده لو ملقتوش حيات ناس كتير هتبوظ بسببي.
ـ للدرجادي؟
ـ وأكتر.
ابتسم له ثم نهض من مكانه وقال وهو يستعد للرحيل:
ـ طب نام أنت دلوقت ولما الصبح يطلع هتصرف، بس أستريح أنت يا والدي.
ابتسم له نوح ولم يعقب، تابعه بعيونه حتى اختفى ذلك الرجل من أمامه، مر عليه ساعة أخرى على نفس الحال، بالفعل حرارتها أرتفعت قليلًا لكنها أنخفضت في الفور بسبب الجمدات، ولكنها حتى الأن لم تفيق، أطمئن نوح على أسيل ولو قليلًا، مسك يدها وطبع قبلة صغيرها على كف يدها ثم غمض عيناه لعله يغفل ولو لساعة واحدة.
                        *******************
كانت ليلى تجلس في ذلك المقهى ومعها سفيان، كان صوت ضحكاتهم يدوّي في المكان، ليلى تشعر إنها سعيدة، سعيدة بشكل لا يوصف! وأيضًا سفيان يشعر براحة، يريد أن يفصح لليلى عن مشاعره ولكنه يخشى أن تسخر منه! أو يظهر أمامها على إنه الفتى المراهق الذي لا يعلم حقيقة مشاعره!
ولكنه نفض من عقله  تلك الفكرة وقال لها:
ـ ليلى مش واخدة من حاجة؟
ضحكت بخفوت وقالت:
ـ حاجة إيه بقى؟
ـ يعني انا لحظت أنك مبقتيش بتنضفي أيدك زي الأول، خدي بالك من الحوار ده؟ أنا من أول ما عرفتك وأنتِ بتحبي النضافة جدًا والترتيب وكده، لكن لحظت الفترة الأخيرة أن الحاجات دي اختفت! مخديش بالك؟
هل حقًا لاحظ ذلك الأمر الصغير؟ هل هو مهتم لأمرها لهذه الدرجة؟ كان قلبها يتراقص بسبب أهتمامه بتفاصلها الصغيرة، تلك التفاصيل التي لا أحد يهتم لها من الأساس! سعيدة حتى لو كان نتيجة ذلك الأهتمام هو الأفصاح عن حقيقة مرضها! ابتسمت له برفق ثم أردفت قائلة:
ـ عشان أنا كان عندي الوسواس القهري يا سفيان.
ـ بجد؟
ـ اه.
ـ كان؟ يعني إيه؟
ابتسمت له وأردفت:
ـ يعني أنا في مرحلة التعافي دلوقت، مريت بحاجات كتير ودلوقت مش فاضل غير القليل.
أقترب الأخر من الطاولة بهدوء، وضع يده أسفل ذقنه وسأل بهتمام:
ـ أحكيلي أكتر، هو الوسواس ده كنتِ بتحسيه بي أزاي؟ وأزاي عرفتي تتعالجي منه؟ بجد أنتِ قوية! قوية أوي يا ليلى.
كلماته حفزتها بشكل غير طبيعي، ابتسمت بتساع ثم هتفت بتوضيح:
ـ بص الوسواس عمتًا هو بيكون  بالظبط كأن في شخص بيتحكم فيك، الشخص ده هو اللي بيقولك روح أعمل كذا، هو اللي بيقولك اتعصب ده القلم مش في مكانه، وعشان أنا ضعيفة، أو كنت ضعيفة، كنت بسمع كلامه! وده كان غلط، الدكتورة قالتلي أن كل ما بسمع كلامه؛ كل ما أنا بخليه يسيطر عليا أكتر، وبس بقى، عرفت أن ده مرض ولازم أتعالج منه، ومشيت مع خطوات العلاج لحد ما وصلت للمرحلة دي.
حقًا كانت تتحدث عن مرضها بفخر! من يصدق أن التي تتحدث الأن هي تلك الفتاة التي كانت تخجل من تصرفاتها الهوسيّة!
كان سفيان ينظر لها بفخر كبير، ليس على أحد أن يمر بكل ذلك بمفرده! حقًا هي قوية، ابتسم لها باتساع وهتف قائلًا:
ـ بجد أنتِ شاطرة، شاطرة أوي أوي.
ـ تعرف أكتر حاجة مبسوطة أني أتعفيت منها إيه هي؟
هكذا سألته دون مقدمات، نفى برأسه وقال:
ـ إيه؟
ابتسمت له من قلبها، ثبّتْت عينيها عليه وقالت:
ـ أني مبقتش بتعلق زيادة، الأول كنت بقعد أعيط وأكتئب لما بقرب من حد! كنت بفتكر أنه هيمشي، هيزهق مني ومن أفعالي الغريبة وهيمشي! حتى لو أنا مش بعمل حاجة تخليه يمشي!
عينيها ترقرقت بالدموع لكنها واصلت:
ـ لكن أنا كنت بحس أنه هيهزهق مني ويمشي لأي سبب، كأني بالظبط بقول لنفسي أنا مستهلش أن حد يكون معايا! وده مش صح، أنا أستحق كل شيء جميل، أستحق أن اللي في حياتي يستحملوني  ويتحملوا تصرفاتي، ويتقبلوني زي ما أنا! أستحق الاقي قلب يحبني بكل لخبطتي! بكل شيء حلو ووحش فيا! أنا أستحق قلب نضيف شبه قلبي يا سفيان.
ختمت كلماتها وهي تشهق بعنف وتضع يدها على فمها، بينما سفيان فكانت يده تزحف على الطاولة حتى عرفت طريقها، مسك كف يدها بحنان وهمس لها قائلًا:
ـ ميتهيأليش أن قلبي نضيف زي قلبك يا ليلى، لأن قلبك شبه الجوهرة النادرة، عشان كده صعب تلاقي قلب نادر شبه، ولكن هل أنتِ تسحميلي أكون أنا الشخص اللي يستحق القلب النادر ده؟ وأكون أنا الشخص الفايز بأغلى ماسة في الكون؟
سحبت يدها من يده سريعًا، توترت بشدة! وجنتيها تصبغت باللون الأحمر، ظلت تنظر حولها يمين ويسار وهي تتمتم بصوت خافت قائلة:
ـ مين؟ إيه؟ أنت بتقول إيه؟، بص أنا.
لم تجمع جملة واحدة، ظلت على هذا الحال حتى سحبت حقيبتتها وقالت:
ـ أنا عايزة أروح... سلام.
وفرت من أمامه هاربه! بينما هو؛ فظل ينظر في أثرها بصدمة، ولكن ثوانٍ حتى أنفجر ضاحكًا عليها، وعلى تصرفاتها العبثية!
                        *******************
دعنا نعود مرة اخرى لأسيل ونوح، كان نوح غفل بجانب أسيل.
أشرقت الشمس وفاقت أسيل، كانت رأسها ثقيلة بشكل مبالغ فيه، لا تعلم إين هي، ولكنها رأت نوح يجلس بجانبها وساند رأسه عليها وكف يده يحضن كف يدها، نظرت له لثوانٍ ثم سبحت يدها في شعره برفق، دقائق مرت عليها هكذا حتى دخل عليها ذلك الرجل وهو يتنحنح ثم هتف قائلًا:
ـ يارب يا ساتر، حمدالله على سلامتك يا بتي.
وضعت يدها بجانبها فور ظهور ذلك الرجل، ابتسمت له بتوتر وسألت:
ـ أنت مين؟ وإيه اللي جابنا هنا؟ وأنا إيه اللي حصلي؟
استيقظ نوح على صوتها، نظر لها والابتسامة عرفت طريقها دون مجهود ثم هتف بلهفةً:
ـ أنتِ كويسه؟ حاسه بحاجة؟
ـ لا كويسة، أنت كويس؟
نظر لها وهو يشعر أن روحه ردت له، لمس وجهها بأنامله برفق وهمس قائلًا:
ـ بقيت كويس يا أسيل.
ـ طب يالا يا وِلد خلونا نتحرك على الجبل.
هكذا هتف الرجل بتسعجال، اعتدلت أسيل في جلستها ثم سألته:
ـ أنت هعرف تودينا يا حج؟
ـ أيوا يا بتي، بس همّوا يلا.
هكذا قال لها ذلك الرجل، بينما نوح فتذمر وقال وهو يعتدل في جلسته هو الأخر:
ـ مش هتروحي معانا، أنتِ تعبانة، هتخليكِ هنا وأنا اللي هروح معاك.
ـ لأ أنا كويسة أهو.
نظر لها نوح وبدأ أن يفحص جرحها بدقة وهو يقول لها:
ـ كويسة إيه بس، أنتِ نزفتي لما قولتي يابس! وأصلًا المنطقة خطر، مش مستعد أنك تروحي مني! كفاية اللي حصلك.
ـ وأنا مش هسيبك لوحدك، وبعدين أنا بقيت كويسة خلاص.
هكذا هتفت وهي تنهض من مكانها، وقبل أن يعترض نوح من جديد قال ذلك الرجل موجهًا حديثه لنوح:
ـ متخفش يا والدي قرصة الحيّة بتروح مفعولها بمسافة ما تاخد الترياق، وأنا روحت وآمّنت المكان، لما سبتك بليل روحت أمّنت المكان من كل حاجة ممكن تأذينا، هِم يلا مفيش وقت!
ـ أنت أسمك إيه حج؟
ـ الحج نعمان يا بتي.
ـ وآمّنت المكان أزاي؟
هكذا سأل نوح، ابتسم الحج نعمان له وقال:
ـ في مادة بخرجها من الجبل بتبعد الحيّات والعقارب، وحظكم أن المادة دي كانت لسه عندي، فأنا روحت حطيت منها في الطريق الىي هنمشي منه، متخفوش.
أطمئن نوح ولو قليلًا، نهض هو الأخر ومسك يد أسيل، تقدم الحج نعمان، كان بمشي أمامهم وهم في الخلف يتباعونه.
بعد وقت كانوا قد وصلوا لمكان الجبل، تقدم الحج نعمان وهم مازالوا خلفه، كانوا ثلاثتهم يقفون أمام الجبل، ونوح وأسيل لم يعلموا ماذا يجب أن يفعلوه الأن! ولكن تقدم منهم الحج نعمان ودخل من باب صغير لداخل الجبل، تابعوه دون بهدوء دون تعقيب، وبمساعدته عثروا على حجر الزمرد! كان نوح ينظر له بنبهار، غير مصدق إنه حصل عليه بالفعل!
اخذوا الحجر سريعًا ثم خرجوا من الجبل وبعدوا عن المنطقة الخطر، وقف نوح في منتصف الصحرا وهو يرفع ذلك الحجر الصغير للسماء وهتف وهو غير مصدق حاله:
ـ خلّصنا يا أسيل! مش مصدق!
ـ خلصنا يا نوح.
هكذا هتفت أسيل بملامح باهتة، كان نوح يرقص ويقفز في الصحراء من شدة السعادة، بينما أسيل فكانت تترجل خلفه وهي تقدم قدم وتأخر الأخر كما يقولون، أقترب منها نعمان وقال لها:
ـ على فكرة بيحبك.
تفاجأت بكلماته، نظرت له سريعًا تحاول أستوعاب كلماته، لكن نعمان فكان ينظر للأمام بهدوء، رجعت  أسيل بنظرها لنوح ثم قالت:
ـ واضح، بدليل إنه هيمشي ويسبني!
ـ مش عايز يسيبك، عايز يخدك معاه لكن خايف من رفضك، أوعي تخسري حبه يا بتي، أوعي.
نهى كلماته وأسرع في خطواته امامها، بينما هي فكانت كلماته تتردد في ذهنها، هل حقًا يحبها؟ هل حقًا يريد أن يأخذها معه؟ وإذا كان حديثه صحيح، هل هي على أستعداد أن تترك هُنا وتذهب معه لعالمه؟ رأسها دارت بها، مسكتها وصاحت على نوح، تقدم منها سريعًا وسندها، سألها إذا كانت على ما يرام أن تحتاج لوقت لكي ترتاح، لكنها قالت رفضت، جلسوا على حجارة وأخذوا يتناولون بعض الطعام وتكرعوا العصير الذي كانت أسيل عدّاه لهم في المنزل، وبعد وقت كانوا أستمدوا ولو جزء من طاقتهم من جديد، طلبت أسيل سيارة لكي تأتي لهم على ذلك الموقت، وبمساعدة ذلك الرجل خرجوا على الطريق بعد وقت ليس بقليل من المشي، نظر نوح للحج نعمان وهو يمسك يده وقال له بمتنان شديد:
ـ بجد أنا مش عارف أقولك إيه، أنا هفضل فكرك دول عمري، جِمِيلك في رقبتي لحد ما أموت يا حج نعمان.
ابتسم له ذلك الرجل الطيب، ربت على كتفيه وقال:
ـ أنا معملتش حاجة، خلي بالك من حالك ومن الصبية الحلوة دي، وأوعى في يوم تسبها، سامع؟
ابتسم له ثم عانقه بحرارة، ودعته أسيل أيضًا وشكرته، دقائق حتى أتت السيارة التي طلبوها لكي توصلهم للمنزل، ترجلوا للسيارة ثم لوحوا للحج نعمان وانطلقت السيارة بهم نحو منزل أسيل.
نظر نوح لأسيل وقال:
ـ أنا هتصل بالعيال واسألهم إيه الخطوة اللي بعد كده.
ـ ماشي.
وبالفعل خرّج الساعة وأتصل بيامن، جاءه الرد في نفس الدقيقة، وبعد السلامات والتحية هتف نوح قائلًا:
ـ يامن، دلوقت أحنا معانا كل حاجة، إيه الخطوة اللي بعد كده؟ والحاجات اللي معايا دي هركبها أزاي؟
تنحنح يامن، نظر لليان ثم هتف قائلًا:
ـ لأ، أنا معرفش!
ـ يعني إيه؟
هكذا سأل نوح بقلق! بينما يامن فقال:
ـ معرفش إيه اللي بعد كده، بص أنا هروح دلوقت أقابل زين ونروح لدكتور عبد الغني وهقولك اللي هيحصل، ماشي.
ـ طب بسرعة يا يامن، سلام.
ثم غلق المكالمة، تنهد وصمت، كان يريد أن يقول لها هل ستوافقي أن تأتي معي لعالمي؟ ولكنه قرر إنه سيأجل ذلك الحديث لحين إنتهائه من صنع تلك الآلة.
كان طريقهم طويلًا، بعد وقت ليس بالقليل وقف السائق عند أستراحة في منتصف الطريق وقال لهم إذا كانوا يريدوا أن يحتسون شيء ما لكي يواصلوا طريقهم، وبالفعل جلسوا سويًا في تلك الكافتريا وطلبوا كوباين من الشاي.
كانت أسيل شاردة، فهي هكذا منذ بداية الطريق، وعقل نوح أيضًا كان شارد، يفكر هل يقول لها؟ أم يصمت ويأجل للحديث كما قال ؟ ولكن صموتها أمامه هكذا يؤلمه؛ لذلك لا يوجد مجال للتأجيل، حذم قراره، نظر لها ثم هتف قائلًا دون مقدمات:
ـ أسيل أنا بحبك، بحبك ومش عايز أسيبك! تعالي معايا يا أسيل، تعالي معايا وأنا... وأنا أوعدك أني هعوضك عن كل حاجة.
هبطت دموعها في صمت، لا تعلم ماذا تفعل! بعدت يدها عن يده التي كانت تريد أن تمسكها، نظرت له ودموعها على خديها وقالت:
ـ وأسيب كل حاجة هنا يا نوح؟ أروح لحياة معرفهاش عشان... عشان بحبك؟ طب... طب ما تفضل أنت!
ـ بعد كل ده يا أسيل وأفضل؟ طب... طب وأختى، اختي أسبها لمين؟ أسمعيني يا أسيل، أنا بحبك، صدقيني بحبك ومش عايز أكمل حياتي منغيرك، من فضلك فكري في كلامي!
ـ مش هينفع يا نوح، مش هينفع أختفي! أختفي مرة واحدة! طب كريمة؟ طب ليلى؟ وحبيب؟ هسيب كل دول لمين؟
هكذا هتفت ثم أنخرطت في البكاء، بينما نوح فنظر بعيدًا وهو يحاول أن يمنع دموعه من الهبوط، لابد أن يتنازل أحدهم، ولكن يتنازل عن ماذا؟ يتنازل عن حياته بأكملها؟ هل يوجد شخص مستعد أن يترك حياته من أجل أي شخص في الكون؟
هكذا كانوا  يفكروا أثنتيهم، ولكن بقت الأجابة لديهم مبهمة!
خرجوا الأثنين من شرودهم ومن حالة الصمت هذا على صوت رنين هاتف أسيل، خرّجت الهاتف ولم يكن سوى كريمة، مسحت دموعها ثموأجابت عليها بهدوء:
ـ أيوا يا كريمة.
ـ أنتِ فين يا مصيبة؟
قلقلت الأخرى بسبب نبرة كريمة! فتحت مكبر الصوت ونظرت لنوح بقلق ثم أجابت:
ـ أحنا في الطريق، في إيه؟
ـ البوليس هنا وقالب عليكِ الدنيا يا أسيل، من الصبح رايح جاي عليكِ وعماله أتصل بيكِ مقفول، أنتِ هببتي إيه؟
كانت أسيل على وشك البكاء من جديد! نظرت لنوح ثم خبطت على وجهها بتعب بسبب ما يحدث لهم ثم هتفت قائلة:
ـ تصدق بقى أحية!

يتبع....
#رحلة_عبر_الزمن
#الرابع_والعشرين
#NORA_SAAD

رحلة عبر الزمنOn viuen les histories. Descobreix ara