الفصل العشرين.

1.5K 169 7
                                    

ـ يعني هنسيب شوية العيال دول يعلموا علينا ونسكت يا عمر؟ هي دي أخرتها؟
هكذا هتف مصطفى والشرار يتطاير من عيناه، بينما الأخر فكان يستمع له بمشاعر متضربه، نظر له وأجاب:
ـ عايز تعمل إيه يا مصطفى؟ مش كفاية أن أنت اللي بدأت أصلًا، وأنت السبب في الحوار كله!
حقًا تذكر أن هو السبب الرئيسي في كل ما حدث من الأساس، بينما مصطفى فهتف بتذمر قائلًا:
ـ يعني كان عجبك القرون اللي لبستهالي دي؟ يعني خلاص يا عمر مش عايز تاخد حقك؟ بقى حتت بت تعملك ملطشة كده عادي؟ يا عم لو أنت موافق بالأهانة اللي حصلتلك أنا مش موافق وهعرف أخد حقي من شوية العيال دول.
من الواضح أن حديثه حماسه بشده! لذلك نظر له بشر هو الأخر وهتف:
ـ هتعمل إيه؟
مسك كوب الشاي من جديد، أحتسى منه الجديد ثم هتف:
ـ نخطفهم ونديهم العلقة التمام، وناخد حقنا، وتسبلي أسيل أخد حقي منها.
كان يتحدث والشر يقفز من مقلتيه! وقبل أن يرد عمر بدأ أن يفكر في الأمر بشكل عملي أكثر؛ فهو ليس له عدأ مع أسيل من الأساس! وما حدث كان لأنها تظن إن هو السبب في معرفة الشرطة بخطتها، ولكن عندما عُلِمت الحقيقة تركته وكانت مواجهتها بشكل مباشر مع مصطفى، إذن ما دخله هو بكل ذلك العبث؟ ولماذا يريد أن يُدخِل حاله في متاهات لأجل الولا شيء!؟
فاق من شروده على صوت مصطفى وهو يقول له:
ـ بس عرفت هنعمل إيه، أحنا هن..
ـ بقولك إيه يا مصطفى أنا مليش دعوة بالحوارات دي، الحوار كله برا عني أصلًا!
هكذا هتف عمر بحنق وهو ينهض من مكانه، بينما مصطفى نظر له بصدمة من رد فعله المفاجئ ثم قال:
ـ في إيه يا جدع؟
ـ سلام يا مصطفى.
وتركه وغادر المقهى! بينما مصطفى فكان الغيظ يتطاير من عينه أكثر، ولكنه كان عاجر عن التفكير!
وخُتم ذلك اليوم وهو يحاسب على مشروباته ثم عاد لمنزله وهو مازال يفكر كيف سأخذ حقه من أسيل، ولكن تفكيره لم يأتي بفائدة!
                        *******************
ـ بيتي، رجعت بيتي مش مصدقة!
هكذا هتفت أسيل وهي ترمي بجسدها على الأريكة، بينما نوح ففعل مثلها وهو يعقب على حديثها ساخرًا:
ـ ليش حال كنتِ في البيت من كام يوم! أومال أنا أقول أيه؟
ابتسمت له نصف ابتسامة وقالت:
ـ الصراحة أنت أتمرمط معانا أنا عارفة.
ولكنها واصلت بتهكم:
ـ وبعدين ما كله من الحاجات اللي عايزها الله!
كانت ليلى وسفيان يجلسون على الكراسي بجوارهم، نظرت لهم ليلى وهي تنهض من على ذلك الكرسي اللذي جلست عليه فور دخولها لمنزل أسيل وقالت:
ـ بس صداع بقى أنت وهي، أنا عايزة أنام، ورجلي... رجلي هتموتني ياللي منكم لله، يلا سلام.
ـ أستني، أستني أجي أوصلك.
هكذا هتف سفيان موجهًا حديثه لليلى، نظرت له ليلى وقالت:
ـ لا مفيش داعي.
ـ لا لا أزاي يلا.
قالها بعدما نهض من مكانه، بينما ليلى فنظرت له وقالت:
ـ يا بني اسم...
ـ ما بس صداع بقى، وأنتِ يا ختي ما تسيبي يوصلك، هي أول مرة!
هكذا قطعت أسيل ليلى بتهكم، ابتلعت ليلى كلماتها وترجلت مع سفيان في صمت، ودعهم سفيان وليلى، وقبل أن يغلقوا الباب خلفهم كانت كريمة تمسك الباب من يد سفيان وتهتف بسعادة بالغة:
ـ نوح، نوح أنت رجعت يا حبيبي.
ضحكت ليلى وقبلتها ثم لوحت لهم وترجلت مع سفيان للأسفل.
دخلت كريمة لمنزلهم ورحبت بهم كثيرًا، بعد الترحيب والتحية جلست بينهم وبدأت تسأل نوح ماذا حدث له، وماذا جرى له.
سرد لها كل شيء وقع فيه ومع كل حدث يسرده كان يدعي على أسيل! وأسيل لا تعقب، فقط تشيح بيدها في الهواء بتذمر وتبعد وجهها عنه، هكذا أستمروا حتى أنتهى من قص كل شيء حدث معه، كانت كريمة تضحك على الأشياء العجيبة التي وقع فيها، ومع انتهاءه ربتت على ساقيّه قائلة:
ـ المهم أنك رجعت لينا تاني يا بني، وأديك وسطنا أهو.
ـ عندك حق يا كريمة، وإن جيتي للحق برضه رجعت بفضل الهانم.
قال جملته زهو ينظر لأسيل، وابتسامة لطيفة رُسمت على ثغره، نظرت له أسيل وهي تضيق عينيها ثم هتفت بتذمر:
ـ يكش يطمر فيك.
ضحك الأخر عليها ثم نهض وهو يتثأب ثم قال:
ـ طب هطلع أنا بقى أنام شوية، بقالي اسبوعين مش عارف أنام.
ـ هبقى أشوف حاجة ناكلها كده وأجي أخبط عليك تاكل.
ـ ماشي.
أنتهى من حديثه ثم صعد لغرفته، بينما كريمة فنظرت لها بفخر وهتفت قائلة:
ـ براڤو عليكِ، كنت عارفة إنك هتعرفي ترجعيه.
ـ والله يا كريمة ربنا سترها معانا، يمكن عشان هو عبيط وأهبل!
ضحكت كريمة على كلماتها، لكنها توقفت عن الضحك فاجأة، نظرت لها وبتردد قالت لها:
ـ على فكرة أنا في حاجة مقولتلكيش عليها.
ـ خير يا كريمة؟
ـ حبيب سأل عليكِ كتير، أيام ما كنتِ مع نوح، كان بيجي يسأل عليكِ، وفي كل مرة مكنش بيلاقيكِ كان بيعدي عليا وبيسألني عليكِ وكنت بقول أي كدبة، وأخر مرة جيه أمبارح، وبرضه مكنتيش موجودة راح زعق معايا وقعد يتخانق، وأتضريت أقوله على اللي فيها.
ضربت أسيل على خديّها، نظرت لها وهي على وشك البكاء ثم هتفت قائلة:
ـ يلهوي يا كريمة كل ده حصل! مقولتليش ليه؟ وبعدين.. وبعدين هو الكلام ده يتصدق طيب؟ هيفتكرنا بنشتغله طبعًا.
رسمت على شفتيها ابتسامة مصطنعة وقالت:
ـ ما هو فعلًا مصدقش، ودماغه سوحته بقى إنك ماشيه مع نوح، وقال لتكون هربت معاه، أنا لحد هنا ومستحملتش، وقولت لازم أعرفه اللي حصل بدل ما دماغه تروح لبعيد، وعشان يصدق قولتله أن الأسطوانة اللي كنتوا بتدورا عليها دي معاكِ وكده.
ـ أحيه يا كريمة أحيه.
هكذا هتفت أسيل وهي تضع يدها على رأسها، تشعر أن رأسها تدور بها.
ربتت كريمة على كتفيها ثم نهضت وهي تقول لها:
ـ أهدي يا بت في إيه، حبيب بيحبك وأصلًا هو واثق فيكِ، كلامه ده من خوفه عليكِ مش أكتر، روحي نامي يلا وأنا هروح أجهزلكم حاجة تاكلوها أنتِ والواد اللي فوق ده وأجيلك تاني.
ابتسمت لها أسيل ثم عانقتها بإمتنان، نهضت من مكانها وودعتها، بعد غلق أسيل للباب إتجهت نحو غرفتها دون تردد، بدلت ملابسها سريعًا ثم رمت بجسدها على الفراش وفي ثوانٍ كانت تسابق الأحلام.
                        *******************
رجعت ليلى لمنزلها، لم تقابل أحد، لا تعلم أين هُم والدتها وشقيقتها، ولكن لا يهمها من الأساس.
ترجلت نحو غرفتها وبدلت ملابسها لملابس نوم مريحة، جلست على فراشها ودموعها بدأت في الهبوط في صمت، لا تعلم هل تتجاهل أن سفيان دون أن يقصد دهس كرامتها وكبرياء أنوثتها؟
هل تأخذ خطوة للخلف في علاقتها معه؟ أم تتجاهل كل شيء وتستمر في علاقتها معه كما كانت، وتنسى ما قاله لها من أجل مرضها؟
فهي حقًا لم تنسى إنه هو السبب الرئيسي في تعافيها تدريجيًا من مرض الوسواس القهري، ومن هنُا أخذتها رأسها لذكرى ليست بعيدة، تلك الذكرى التي قابلتها عندما عُلِمت بطبيعة مرضها، وعندما تقبلتها، وأيضًا عندما أقتربت أكثر وأكثر من سفيان!

رحلة عبر الزمنWhere stories live. Discover now