الثالث عشر

1.8K 167 9
                                    

تقدم نوح للأمام ثم همس لها قائلًا هو الأخر:
ـ طب أصبري بس لحد ما تعدي على خير.
تابعوا ذلك الرجل حتى وصلوا لساحة كبيرة مُغلفة بالزجاج الشفاف، وهناك كان يوجد حجرة بجانبها لافتة مكتوب عليها مخزن المُعدات، لمعت عيون أسيل حين وقعت عينيها على تلك اللافتة.
وقبل أن تسحبها قدميها وتترجل نحوها فاقت على صوت ذلك الرجل وهو يقول لهم وهو يبتعد عنهم قليلًا.
ـ تعالوا ورايا.
تابعوا بالفعل وتقدموا بعض الخطوات حتى وقفوا أمام مرحاض كبير، أشار لجهة السيدات ثم تكلم قائلًا:
ـ اتفضلي، هتدخلي تلاقي في ست جوة، هتاخدي منها اللبس بتاعك، ألبسي وتعالي.
وأنت أدخل هنا هتلاقي حد جوة هيديك يونيفورم الشغل.
وبالفعل دخلا كلتيهما للمرحاض وبدلوا ملابسهم، غابوا لدقائق حتى خرج نوح أولًا ثم أسيل، وبدون تعقيب ترجل الرجل للأمام، مشى بضع خطوات ثم وقف في منتصف الساحة وقال لهم وهو يُشير لشخص أن يأتِ:
ـ شايفين الساحة اللي وقفين فيها دي؟
تقدم شخصٍ ما ووضع أمامه مُعدات النظافة ثم وقف بجانب نوح وأسيل، نظر له ذلك الرجل ثم واصل حديثه قائلًا:
ـ عم صبحي هيكون معاكم عشان تعرفوا هتنضفوا أيه بالظبط وأزاي، ودي الحاجة اللي هتستعملوها، بعد أذنكم.
ثم تركهم ورحل، نظرت أسيل لنوح ولم تعقب بشيء، وذلك الرجل الذي يدعوا صبحي لم يتحدث هو الأخر، فقط أشار لمعدات النظافة وقال لهم:
ـ ورايا.
ومن هنا بدأت مهامهم في نظافة المكان، مكانٍ واسع لحدٍ كبير، ولكن رغم مساحة المكان لكنه كان فارغ تمامًا، كان لا يوجد به أحد غيرهم، حتى ذلك الرجل الذي وصلهم للعم صبحي أختفى من أمامهم بعدما إتجه نحو ذلك الباب الزجاجي وخرج منه.
  ساعات مرت عليهم هكذا وذلك المكان لم ينتهي! من الواضح إنه مكان بلا نهاية! وذلك الرجل الذي يمثل لهم ظلّهم غير قادرين على الفرار منه أو الأبتعاد عنه حتى!
فاض الكيل بأسيل، مالت على نوح وهي مُنهكة من شدّة التعب وهمست له:
ـ وبعدين يعني، هو أنا جاية أتعاقب هنا؟ أنا تعبت يا عم أنت.
ـ يعني أعمل أيه؟! أنا كمان تعبت يا أسيل.
أرتفع صوته في أخر كلماته وهو يرمي تلك المنشفة على المكتب بتعب.
نظر له الرجل وهو يضيق عينه ثم سأله بتعجب:
ـ في حاجة؟
ابتسمت أسيل بتوتر وقالت:
ـ أبدًا، بس أصل هو عايز يروح الحمام ومش فاكر هو فين، ممكن بس توريهوله؟
بدل الرجل نظراته بين أسيل ونوح ثم هتف قائلًا:
ـ تعالى معايا، وأنتِ كملي المكتب ده وبعدين أعملي الأرض اللي حوالين المكتب ومتتحركيش من مكانك غير لما أرجع.
وهكذا نجحت خطتها! أخذ نوح وأبتعد عنها، أما هي فَفي لمح البصر كانت تبتعد عن ذلك المكان وتترجل نحو مخزن المُعدات، لم تعلم كيف تذكرت مكانه في ذلك المتاهة التي تمشي بها! ولكنها على كل حال وصلت لجهتها في أسرع وقت، وقفت أمام الغرفة وظلت تنظر حولها برعب، عجبًا فذلك المكان رغم إنه كبيرًا جدًا بدرجة مهولة لكنه فارغ من البشر بمعنى الكلمة! حتى الغرف تعتقد إنها فارغة هي الأخرى!
أرهفت الحس على ذلك الباب لكي تتأكد من عدم وجود أشخاص بالداخل، وحقًا هي لم تُيقن أن الغرفة فارغة، ولكن لا يوجد وقت! فتحت الباب ببطئ ودخلت الغرفة سريعًا وأغلقت الباب خلفها، وحقًا أقل ما نقول إنها وقفت منبهرة أمام تلك الأشياء المبهرة! كانت غرفة كبيرة جدًا، بها مجسمات متعددة لأشياء مختلفة، هُنا مجسم لأختراع ما، وهُنا مكيّنة نادرة، وكل ذلك الأشياء موضوعة داخل صندوق زجاجي شفاف وبجواره يد  من المعدن تظن إنها أداة لفتح الصناديق، وبجانب كل صندوق كان يوجد لافتة مكتوب عليها أسم الجهاز وتعليماته ومميزاته ووظيفته!
فاقت من حالة الذهول هذا وترجلت في انحاء الغرفة لكي تبحث عن تلك الأسطوانة المنشودة، دقائق حتى عثرت عليها أخيرًا، لمعت عيونها بفرحة وأقتربت منها سريعًا، قرأت تلك الافتة وتأكدت إنها هي الأسطوانة بالفعل، وتأكدت إنها ستساعدهم بحق لكي يعود نوح لعالمه، ولكن مهلًا، هل إذا فتحت الصندوق سيضرب الأنذار وينفضح أمرها؟ على أي حال؛ لا يوجد وقت للتفكير، الرجل على بعد خطوات منها، دقائق لا اكثر وينفضح أمرها.
نظرت للصندوق ثم أخذت نفسًا عميقًا، غمضت عينيها وعَدت بصوت مهموس.
ـ واحد، أتنين، تلاتة.
مع انتهاء العد مسكت المقبض وفتحت الصندوق بترقب شديد، كان الخوف يتسلل لِأورتدها رويدًا رويدًا، حتى شعرت أن جسدها بأكلمه أصبح قطع من الثلج!
لم تهتم لخوفها، فقط مع فتح الصندوق وعدم أصدار صوت الأنذار أنتشلت الأسطوانة من الصندوق الزجاجي بسرعة كبيرة، والتي كان حجمها يشبه حجم الأسطوانة البلاستيكية! 
أخذتها ودستها في أمدعتها سريعًا وهي تتمتم قائلة لنفسها:
ـ بقى حتت البتاعة دي اللي عاملين عليها الفرح ده كله! منك لله يا نوح الكلب.
ـ مين هنا؟؟؟؟
ـ أحيه اتفضحت!
هكذا صاحت داخل نفسها وهي تسمع صوت أقدام تدخل عليها الغرفة!
                        ******************
ولكن قبل ذلك التوقيت بوقت ليس بقليل، كانت ليلى مازالت تجلس على فراشها تفكر في حديث والدتها، تلك الكلمة الملعونة التي تتردد في بالها دون رحمة، وسواس، تذكرت كم مرة نعتوها الناس بموسوسة! هل هي حقًا هكذا؟ هل يوجد لديها هوس كما قالت لها والدتها؟ منذ شجارها مع والدتها في الأمس وهي غير قادرة على السيطرة على عقلها! تتذكر كل شيء تفعله، وتتذكر كل موقف سخيف قابلته مع اصدقائها بسبب وسواسها كما يقولون!
مسكت الهاتف وقررت أنها تبحث عن أي شيء يخص ما تعاني منه.
فتحت محرك البحث ووقفت عنده، لا تعلم ماذا تكتب، ولكنها قررت أن تكتب كلمة هوس في محرك البحث، وهنا وقد ظهر لها أشياء كثيرة.
ـ هوس النظافة.
ـ الوسواس القهري.
ـ هوس التنظيم.
ـ الوسواس القهري وأنواعه.
حملقت عينيها غير مصدقه أن يوجد شيء بهذا المصطلح بالفعل!
وبيد مرتجفة ضغطت على أول أختيار لها، وهو هوس النظافة.
كان مقال طويل يتحدث فيه عن أشياء كثيرة، وأهمها.
ـ الهوس يعد نوع من انواع الوسواس القهري، وبه عدة انواع ويتنوع في المستويات، ومنهم؛ وسواس النظافة والتظيم، والروتين، والخوف من الأفتقاد، ويعد ذلك المرض بمثابة مرض نفسي وليس عضوي، وإذا كنت تعاني من أي هوس من مما سبق وتم شرحه فعليك أن تتوجه لطبيب في أسرع وقت.
وهكذا أنتهت من قراءة المقال! كل شيء تحدث عنه هي تعاني منه! هل معنى ذلك أنها تعاني من الوسواس القهري؟
هي تعاني من هوس النظافة، وأيضًا التنظيم، والروتين!
ألقت هاتفها بعيد وكوبت رأسها بين يديها بتعب، لا تصدق ما قرأته عن حالها، هل من المفترض أنها تذهب لطبيب مكاذيب الأن؟
هل هي كانت صاحبة مرض نفسي وهي لا تعلم؟
رأسها على وشك الأنفجار، رفعت رأسها ونظرت للساعة، كانت دقت التاسعة صباحًا، نهطت سريعًا من فراشها وبدلت ملابسها وهي تصيح أنها تأخرت على حبيب!
                        *******************
ولكنودعنا نذهب لمكانٍ أخر، ولكننا لن نذهب بعيدًا، فقط ستأخذنا العدسة لرجال الأمن، كان ذلك الرجل الذي أستقبل نوح وأسيل في بداية دخولهم، وهو أيضًا الذي أخذ مِنهم البطاقات.
كان يتحدث في الهاتف ومن الواضح إنه غاضب!
ـ أنت مين؟
...
ـ يعني أيه الكلام ده؟
..
ـ ألو... ألو؟؟؟
وهكذا أنتهت المكالمة وهو في قمة غضبه، بدل نظراته بين زملائه الذين يقفون معه ولم يفهموا شيء.
أخذ تلك البطاقات التي كانت على المكتب وقال لزميل له يقف بجواره:
ـ خد أكشفلي على الكارنيهات دي بسرعة.
وأنت يا بيه، روح هاتلي العيلين اللي دخلوا ينظفوا المكان من شوية، بسرعة.
هكذا صاح فيهم غاضبًا، رهلوا الرجال سريعًا دون أن يعقبوا، ولكن جاء من خلفه رجل أخر ربت على كتفه متسائلًا:
ـ هو حصل أيه؟
تنهد ذلك الرجل والذي يدعى حسن وقال وهو يستدير لصديقه:
ـ جالي مكالمة أن في ناس دخلوا عندنا نصابين، وأنهم متنكرين في عمال نظافة.
ـ أنت بتقول أيه؟؟ اكيد داخلين يسرقوا حاجة، تعالى معايا بسرعة.
هكذا هتف صديقه بخوف من المجهول! وقبل أن يتحركوا جاء لهم الرجل مرة أخرى، قدم له البطاقات وهو يقول له:
ـ الكارنيهات دي مضروبه!
ـ قدامي بسرعة خلينا نشوف مين المصايب اللي دخلت المكان دي.
وهكذا أنتشر الخبر في المكان، لحظات وكان رجال الأمن منتشرين في المكان بشكل ملحوظ، أما نوح فكان مازال في المرحاض!
لا يعلم يخرج ولا ماذا يفعل، هو متأكد أن أسيل تحركت من مكانها، وشعوره أنهم انكشفوا مسيطر عليه.
ولكنه أخذ قراره أنه سيخرج على أي حال، لأن العم صبحي كل خمس دقائق يصيح عليه وهكذا سيبدأ يشك في أمره.
ولكن لم يساعده الوقت لكي يخرج! فرجال الأمن هم من دخلوا عليه.
ـ هو في أيه؟؟
هكذا سأل عندما مسكه أحد الرجال من تلابيب ملابسه بعنف.
دفعه للأمام بغضب وهو يصيح عليه قائلًا:
ـ قدامي ده أنت يومك اسود ومنيل، فين البت اللي كانت معاك ياض؟؟
ـ معرفش، أنا معملتش حاجة سبوني.
ـ هنعرف دلوقت عملت أيه، أمشي قدامي وأخرس.
خرج من باب المرحاض وهربت الدماء من جسده بسبب كم رجال الأمن الذين كانوا ينتظرونه!
ومع خروجه تقدم منه رجل أخر وقيد يده بعنف وهو يُسب ويلعن بهِ، بينما حسن أقترب منه ودفعه بعنف في صدره وهو يسأله بغضب وعروق نافره:
ـ بقى أنت ياض ضارب كارنيهات عشان تدخلوا هنا! فين البت اللي كانت معاك ياض؟؟؟
ـ كارنيهات ايه؟ أنا معرفش حاجة، ومعرفش هي راحت فين.
ضربه على رقبته من الخلف بعنف ثم دفعه للأمام وهو يهتف ويقول:
ـ خدوه اعملوله كشف خلينا نعرف عامل أنهي مصيبة.
وأقلبوا الدنيا على الزفتة التانية.
ـ الكاميرات جابتها أنها دخلت المخزن، بس ملهاش أثر!
هكذا قال أحد رجال الأمن! وعند سماعه لتلك الكلمات ثار دون شعور، كانت عينه على وشك الخروج من مكانها! نفرت عروق يده وظهرت عروق جبينه! ركض سريعًا في إتجاه المخزن وهو يقول بصراخ صاخب:
ـ أقلبوا عليها الدنيا، وودوا الحيوان ده مخزن التأديب، البت دي متخرجش من هنا، أكيد سرقت حاجة.
ـ يعم أنت مخزن أيه؟؟ انا معملتش حاجة، الله يخرب بيت امك يا أسيل!

رحلة عبر الزمنWhere stories live. Discover now