الفصل الأول

10.1K 505 16
                                    

ـ أيوا يعني أنت مين يا بني؟ ده بيتي، أنت واخد بالك؟
ـ معرفش قولتلك، وياريت تهدي عشان تفهميني أنا فين.

تلكّم فمها، لسانها عجز عن الرد، حقًا هو الذي يسأل أين هو!
هل منطقي أن فتاة تستيقظ مِن نومِها على وجه رجل غريب يجلس في منزلها؟! بل في غرفة نومها!
عندما رأته صرخت وبدأت في الأستغاثة ولكنها هدأت عندما رأته يصرخ هو الأخر فيها ويسألها مَن هي!
بالفعل شعرت أن يوجد خطأ في الأمر، هل إن كان هو لِصّ؛ سيصرخ بهذا الشكل لكي ينفضِح أمره؟ وما هذا الهدوء الذي يجلس فيه؟
على أي حال فهي تداركت الموقف سريعًا، سحبت سكيـ ـنٍ صغير كان بجانبها وبدأت أن تُهديِدهُ بهِ، ولكن الأخر لم يخاف! لم يرتعب! فقط سألها مرة أخرى أين هو!
شعرت أن رأسها تدور بها، جلست على الفراش وهو مازال يجلس أمامها على الأريكة، كانت ترفع في وجهه السكيـ ـن وهي تتحدث معه، وأخر شيء قاله لها "فهميني أين أنا!"
ثار غضبها من جديد بسبب كلماته وبرودةً أعصابه!
نهضت من مكانها بعنف وأقتربت منه وهي في يدها السكيـ ـن ثم صرخت فيه قائلة:
ـ أنت هتستعبط؟ أنت جاي في بيتي وتقولي أنا فين، أنت عبيط يعني؟! ولا حرامي وبتستهبل؟
كان السلاح قريب من وجهه للغاية! بَعَد بجسده للخلف ثم قال في محاولة لتهدائتها:
ـ يعني هو أنا لو حرامي؛ هقعد أستناكِ تصحي لية؟ ما كنت سرقت ومشيت!
أقنعها رده! هي بالفعل أستيقظت ورأته يجلس أمامها وكأنه منتظرها أن تفيق!
بعدت عنه قليلًا ثم هتفت قائلة وهي مازالت ترفع في وجهه ذلك السلاح:
ـ  عندق حق فعلًا، أقنعتني يا اسمك اية.
نهضت ثم صرخت في وجهه مرة أخرى بحِدةً:
ـ يبقى متحـ ـش بقى، الحقوناااي، هيتـ ـرش بيا.
هكذا صرخت وهي تتشبث  في ملابسه بعنف بيدها اليُمنى، وبيدها اليُسرى ترفع في وجهه السكيـ ـن.
بعد وجهه عنها بخوف ثم صاح عليها قائلًا:
ـ يا بنتي متحـ ـىش إيه، اللفظ ده أتلغي بقاله عشر سنين مالك؟ صلي على النبي بس وأرمي البتاعة دي.
ضيقت عينيها بسبب سخريته عليها، لم تستطع تمالك اعصابها، نظرت للسكـ ـين ثم قربته منه أكثر وهي تصرخ فيه مرة أخرى:
ـ  كمان بتستهبل! أنت مين يلااا أنطق؟
من الواضح أن الأخر ملل بسبب تصرفاتها المتهورة هذا! نهض بعنف ثم مسك يدها بحدة وأخذ منها ذلك السلاح وألقاه بعيد عنها وهو يقول لها:
-هو ممكن تهدي بقى؛ عشان تعرفي تساعديني؟
خافت مِنه، كشّت في حالها وابتعدت بجسدها قليلًا، ولكنها أستوعبت ماذا قال للتو.
حقًا هو مَن يُريد المساعدة؟ لِصّ في منزلها ويريد المساعدة مِنها! لم تصمت كثيرًا؛ فصاحت مرة أخرى وهي تلوح بيدها امام وجهه في الهواء:
ـ أنا اساعدك! أنت عبيط يابني؟
- يا بنتي أنا مش عبيط، في إيه؟ وليه بتغلطي فيا؟
قال ما قاله بجديّة شديدة! بينما صاحت هي بسخرية شديدة وهي تجلس من جديد قائلة:
-يولاا... لا لا، قول كلام غير ده يا رجل.
-أقول إية؟!
هكذا سأل ببساطة!
بينما هي؛ فصرخت في وجهه للمرة الألف وهي تنهض وتقترب منه من جديد لكي تتشبث في ملابسه وتقول:
ـ يا عم أنت متعصبنيش، قولي دخلت هنا ازاي؟
أجاب عليها بنفس الهدوء وهو ينظر ليدها التي مسكت ملابسه مرة أخرى وقال:
ـ والله ما عارف. 
بالتأكيد رُفِع ضغطها بسبب حديثه، استنشقت الهواء لكي تُهداء من نفسها،  غمضت عينيها ثم فتحتهم وقالت بهدوء بعض الشيء وهي تجلس من جديد بعيد عنه:
ـ طب بلاش دخلت ازاي، قولي أنت مين؟
نظر حوله لثوانٍ ثم هتف بقلة حيلة:
ـ معرفش برضه.
لم تستطيع تمالك أعصابها، صرخت في وجهه بحدة تملكت مِنها وهي تُشيح بيدها أمام وجهه بعصبية:
ـ أنت هتجنني!
-لا، بس أنا معرفش فعلًا.
ـ هو أنا لية حاسه إنك تايهة في بيتنا؟!
هتفت بها بسخرية شديدة، بينما هو فلمعت عينه فاجأة، ثم هتف وكأنه عثر على كنزًا! وقال:
ـ فعلًا، أنا ممكن أكون تايهه.
رمقته بنظرة غبية ثم قالت:
ـ دة على اساس أن شقتي سوق الجمعة!
ولكن جاءها رد ذلك الشاب بتلقائية كادت أن تجلطها وهو يقول لها:
ـ بس يوم الجمعة ملوش سوق، هو أنتِ جاية من أنهي عصر يا بنتي أنتِ!
صاح بأخر كلماته بعصبية طفيفة! نظرت لحالها بجهل ثم هتفت حانقة بصوتٍ منخفض:
ـ أنا اللي من أنهي عصر!
رفعت عينيها له ثم نظرت له بشرار وواصلت بصياح:
ـ هو أنت خارج من سبيستون ولا حكاية أهلك إيه معايا ياض!
نظر لها بغباء ثم تسأل ببراءة الأطفال وهو ينهض:
ـ  بغض النظر أني مش فاهم أنتِ بتقولي إيه أصلًا، بس هتساعديني يعني ولا إيه؟
تجاهلت حديثه؛ لكنها أردفت بحنق هي الأخرى وهي تتابعه بعينيها:
ـ يا بني اساعدك في إية؟ مش لما اعرف أنت مين ودخلت بيتي ازاي!
تحرك بعض الخطوات للأمام ثم عادهم مرة أخرى في محاولة منه لتذكر أي شيء، بينما كانت الأخرى تنظر له وهو يتجول في غرفتها بفك كاد أن يلامس الأرض، جلس على الأريكة مرة أخرى وهو يهتف بيأس:
ـ مش فاكر.
- يعني إية لامؤخذه؟
ضيق عيناه، وبملامح متعجبه سأل:
ـ أية؟
-اية أنت؟
-يعني إيه لامؤخذة اللي أنتِ قولتيها؟!!
نظرت له وقد أدركت انه يستخف بها لكي تعطي له الأمان ويعمل بها كما يريد، نهضت فاجأة وتشبثت بسترته وهي تصرخ في وجهه بحدة وشرار يتطاير من عينيها:
ـ بقى أنت ياض جاي تتهجم على البنات يا حيوان عشان تسرح بدماغهم، وبعدين تعمل فيهم كل الفحائش؟!
نظر لإيديها بسخرية، ابتسم نصف ابتسامة ثم قال وهو يفلت يدها من سترته للمرة التي لا يعلم عددها:
ـ وأنا لو عايز أعمل فيكِ حاجة هستناكِ لما تصحي!
للأسف أقنعها رده! فلتت يدها منه ونظرت له بملل ثم جلست من جديد وهي تقول:
ـ يعني أنت مين برضه؟
تنهد ثم رجع ظهره للخلف وقال وهو يمسك رأسه بتعب:
ـ معرفش، كل اللي أعرفه أني فتحت عيني لقيت نفسي هنا في الأوضة دي، وأنتِ نايمة، وكل أساس البيت هنا غريب وقديم!
نظرت له بغباء ثم هتفت بملل:
ـ يعني جيت من الهوا ولا إية؟
ثم استدارت له فاجأة وقد أدركت للتو ما قاله؛ فَأكملت وهي تصيح عليه بضيق:
-ثم أنا عفشي قديم! ده أنا فرشه شقتي على الموضة يا معفن ياللي مش عارفين وقعت عليا من انهي مصيبة، قال بيتريق على بيتي قال؟
نظر لها ببلاه لثوانٍ حتى قال بشمئزاز:
ـ أنتِ لسانك طويل ليه؟ أنا بقول الحقيقة على فكرة!
خبطت على رأسها بيأس ثم تمتمت بنرة حانقة:
ـ وقع عليا من أنهي كرتون دة ياربي.
ثوانٍ مرت عليهم  في صمت، حتى كسر ذلك الصمت صوت جرس الباب وهو يصدح في أركان المنزل، نظرت للباب بملل ثم صاحت وهي تنهض من مكانها:
-طيب طيب، جاية ياللي على الباب، في إيه هي الدنيا طارت!
ترجلت خارج الغرفة في لحظات، وقبل أن تُفتح الباب أوقفها ذَلك الشاب وهو يأتي من خلفها ويسألها وهو مازال يقف عند باب الغرفة:
ـ أنسة.
-خير؟
- هو أنتِ عايشة لوحدك؟
نظرت له بستنكار ثم قالت ساخرة وهي تستدير له:
ـ  والله كلك نظر.
قلب عينه عليها ثم على الباب الذي مازال صوته يصدح ثم انفجر ضاحكًّا، نظرت له بتعجب حتى ظنت أنه مريض حقًا، ولكن لم يستمر ظنها طويلًا، نظرت للباب وهي على وشك البكاء؛ فَهي الآن فقط  أدركت لماذا هذا الوغد يضحك هكذا! فَهي فتاة تعيش بمفردها، وجرس المنزل يرن في تمام العاشرة صباحًا، ومعها شاب وبمفردها معه في المنزل!
نقلت نظرها للشاب ولباب المنزل وهي تكاد أن تبكي من أجل ذَلك الموقف، ظلت هكذا حتى هتفت وهي على وشك البكاء:
- احيه!!
هكذا هتفت وهي تضرب على خدّيها بيديها، ترجلت نحو الباب سريعًا ووقفت خلفه ثم سألت بنبرة ترتعش:
ـ  مين؟ مين برا؟
-أنا ليلى يا أسيل أفتحي.
شعرت أن الله أرسل لها صديقتها نجدة من السماء، فتحت الباب سريعًا وسحبتها للداخل في ثوانٍ، وقفت أمامها تحت نظرات صديقتها المُتعجبة وقالت:
ـ أسمعيني كويس، أنا... أنا في مصيبة.
نظرت لها بقلق، مسكت ذراعها وتسألت سريعًا:
ـ  مالك يا أسيل؟ حصل أيه؟ وش... مين ده؟؟؟؟
هكذا تسألت وهي تشير لذلك الشاب الذي خرج من غرفة نوم أسيل للتو.
شاب وسيم بعض الشيء، شعره أسود مموَج، ذو بشرة بيضاء ولحية كثيفة بعض الشيء جعلته وسيم للغاية، وطويل القامة، وذو جسد رياضي.
نظرت له أسيل وهي على وشك البكاء ثم أردفت:
ـ هو ده المصيبة يا ليلى.
-فهميني مين ده يا أسيل.
- معرفش.
هكذا هتفت وهي تترجل نحو الأريكة وتجلس عليها، نظرت لها ليلى بستنكار وقالت وهي تقف أمامها وتضع يدها في خصرها:
ـ  ده أسمه أيه ده؟؟
تقدم منهم الشاب وأردف هو قائلًا:
ـ  الحكاية كلها أن صاحبتك صحيت لقتني قاعد معاها في الأوضة، والحقيقة أنا معرفش أنا جيت هنا ازاي، ومش فاكر حاجة.
لم تستوعب ليلى حرفٍ واحدًا، نظرت لصديقتها وتسألت بتعجب:
ـ  هو الكلام ده بجد؟؟ يعني ده مش حرامي؟ ولا عشيقك؟
رفعت رأسها ببطيء ونظرت لها وآيدت ذلك الشاب قائلة:
ـ ولا عشيقي ولا أعرفه يا ليلى، أنا مش عارفة البني آدم ده اصله أيه، ولا دخل البيت ازاي! وهو مش حرامي!
جلست ليلى بجوارها بقلة حيلة، وجلس أمامهم ذلك الشاب، نقلت ليلى انظارها بين الشاب وأسيل ثم هتفت قائلة:
ـ أحنا لازم نعرف أنت مين، لأنك مينفعش تقعد معاها هنا، ولازم نفهم أنت دخلت ازاي أصلًا!
نظرت لها أسيل ويدها ترتجف بشكل ملحوظ ثم هتفت:
ـ  لو... لو مصطفى عرف هيبهدل الدنيا، هيقلب الدنيا يا ليلى.

رحلة عبر الزمنWhere stories live. Discover now