البارت السادس والثلاثون

11.6K 601 91
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم
حدث بالخطأ
سلسلة "حينما يتمرد القدر"
بقلم "دينا العدوي
البارت السادس والثلاثون
🌺🌺
الآن آن الأوان للقاء
بعد سنون تجرعت فيها مر الفراق
تضعضع فيها قلبًا كُبل بالغرام ولم يختار الافتراق
لينتزع منه عشقه، فتتصدع حصونه وينهار..

الان حان وقت النهاية لعجاف سهاد الليالي
ألتاع فيها القلب عشقاً وشوقًا، يضرم بعظام صدرًا
يصيح بأنين صامت، أنا لست بخاطًا،
لما بعينيك أمسيت خائن لعهد العاشقين.!.
منك انتزع عشقي، وارتضيت كالسبايا بالألم رفيق دربي 
اسيرة دمع عيني، ابكي على اطلال حبًا سكن الوريد
والشوق كان نارًا تحرقني الى أن بات قلبي رمادً..

والآن قد ولى الزمن الحزين، والفرح إتي لا محالَ
بلقاك يا عشق قلبي الوحيد، تأتيني بعد سنون عده
مانحًا أياي املًا، بقربًا يحيي رماد قلبي ولنبدأ من جديد
وقلبي كفيل ان يثبت لك عشقه ويمحي عنه وصمه
مثبتًا لك وفاءه بعهد العاشقين ...
ـــــــــــــــــــــــــــ
القدر نافذ لا محال، يتخذ قرارًا بالفراق وعليك أن تخضع راضًا بما كتب لك، وقد يجزيك عقبها بقربًا يرمم كسور القلب
فأرتضى بما كُتب لك وثق أن كل ما تمر به يكون خير، هذا ما أيقنت به، فقد توالت على قلبي ما ظننته يومًا رزايا، لأدرك عقبها انها ما كانت سوى انفراجات لأبواب خير يبتهج لها القلب..
ــــــــــــ
قادت سيارتها تتجه حيث العنوان الذي أعطتها اياه جود، لتكن في لقاء مع المجهول، تشعر بقلبها يرتعد بين جنباته وجلًا، وكأنه يترقب أمرًا جلّ طال انتظاره، هناك شعور خفي يجثم على روحها، ويجعلها في اوهج تخبطها..
ماذا يحدث معها ولما هذه المشاعر المتناقضة التي تعتريها!،  ليس وكأنها ستلقاه هو الوالد المجهول، هي فقط ستعلم كيف تتواصل معه،  إذًا ما بال قلبها يطرق بقوة هكذا!..

اوقفت سيارتها أمام البناية المعنيه، ترجلت منها واغلقت بابها، وعينيها مصوبه عليها، اخذت شهيقًا تحس ذاتها على التقدم، لتخطو خطواتها نحوها، تدلف اليها وتستقل المصعد، ضاغطه على زر الدور المعني حتى وصلت أمام الشقة..
وقفت لثوانًا امام بابها وقلبها تعالت خفقاته بقوة،  تنهدت قبل ان تمتد يديها بارتجافه نحو جرس الرنين ضاغطه عليه.، ثوانًا وفتح الباب وظهر هو، جحظت عيناها بصدمه لرؤية من أمامها، ليست أمرأة كما توقعت، انما شاب في مقتبل عمره، بملامح غربيه، بشرة بيضاء وشعرًا بني وعينين خضروتين يهتف متسائلًا بلكنة مميزة توحي لمن أمامه بعدم اعتياده للتحدث باللغة العربية :-
  -انتِ مين! ومن تريدين؟
توقفت الكلمات بحلقها، وهي تطالع هيئة هذا الذي أمامها وخاطرة أنه هو تمر بعقلها، كان عليها توقع وجوده، فمن المؤكد أنه عاد من اجل زوجته التي اختفت، امتعضت ملامحها بينما ارتجف قلبها ورفض عقلها تطرُقه لتلك الخاطرة بأن هذا هو المجهول، فهو ليس إلا غرًا يصغرها بالعديد من السنوات، والآن لقد تجسدت مخاوفها امامها وباتت حقيقه، هي توقعت هذا من سن جود الصغير، لكن ليس لحد هذا العمر، انه في اوائل عقده الثالث، انتباها النفور من تلك الخاطرة، ان تخبره ويكون بينهما رابطًا ما، فماذا سيقول عنها المجتمع من حولها، فلن تشرح لكل شخصًا تراه عما حدث من خطأ جمع بينهما، ماذا سيقول عنها المجتمع سوى غاوية لشابًا يصغرها بسنوات عدة!..
بدى وكأنها تحارب شياطينها التي تحثها على الهرب الأن
كانت في حربًا دؤوب بين الرحيل والبقاء، بين الهرب والاعتراف، بات عقلها بين شقي رحه، مخير بين دربين
كلاهما لم يروقان لها، ترى فيهما عتمه وشقاء، وكادت ان تتراجع عما جاءت من اجله، لولا قلبها الذي غص محذرًا أياها مما سوف تختار، تعلم أن طريق العودة خطر  وقد تخسر به ما تاقت له، فلن يحميها احدهم من والدتها،  فهي ما ان تريد شيء حتى تفعل المستحيل للوصول له،  وحينها لا أدم ولا ظافر قد يحميها من طرقها الملتوية وشرور عقلها، لذا بدأ عقلها يستعب أنها ليست مخيره، بل مجبره على اختيار الأفضل والأمن لطفليها وهو قرب والدهما، مهما كان يكون، فهو سيحميها حتى لو لم يرغب بهما، فحياته تتعلق باكتمال حملها وانجابها سالمه، ذكرها بهذا تلك النزعة الخبيثة التي توارثتها من أمها، والتي حاولت وئدها إلا انها لم تستطع، فقامت بقمعها واخفاءها في اقصى اعماقها، فلا ترغب بها ان تتملك قلبها وتصبح شبيهة أمها، لكنها تحررها من قيدها كلما شعرت بالتيهه والخطر، فتتجلى نفسها الخبيثة امامها تحلل وتفكر وتخضع الاخرى لها..
كانت غارقه في شرودها، قبل أن ينتشلها الاخر من بؤرة جحافل عقلها، ملحًا في سؤاله، ومع الحاح الاخر مستفهمًا عن هويتها أردفت قائلة بكلمات غير مترابطة:-
- أنا جود اللي عاطتني العنوان، هي عند أدم أبو طفلها واناــــــــــ..
ما أن نطقت بأسم جود حتى قاطعها الاخر بلهفه قائلًا:-
- جود انتِ عارفه جود فين!، هل هي بخير!، طيب هي فين!،  وأنتِ مين!..
كانت تطالعه بتيهه وصدمه مازالت تكتنفها، فرؤيتها له كانت كمن هوت مطرقه على رأسها فجأه ما تركت بها عقل أو تركيز ولهفته تأكد لها ظنونها أنه هو الزوج المعني، والد طفلها المجهول،  فتلعثمت حروفها وهي تأردف قائلة:-
-أنا الزوجة الاخرى اللي حصل معها الخطأ،  والمفترض ان أنا حامل منك..
توسعت عيناه بصدمه وبدى عليه عدم الاستيعاب لوهله متذكرًا حديث شقيقه عن فشل عملية الاخرى، كما اخبرته جود، لتنحدر نظراته حول ذاك الانتفاخ بمنطقة رحمها الملحوظ والذي لم ينتبه له بغمر تشتته،  ثوانًا وبدأ عقله يستعب ما تفوهت به من أمامه، فأشرقت ملامحه، وأفترت شفتاه عن ابتسامه وطل الفرح من مقلتيه، وهتف بنبرة مغلفه بالسعادة:-
-انتِ حامل بجد، يعني حامل بأبن آسر، يعني آسر هيكون اب وهيخف ويقوم بالسلامة!..
تشتت عقلها اكثر  والخطوط تتشابك بعقلها محدثه عقدة صعب عليها فهمها، فكررت الاسم تطالعه بعدم استيعاب:-
  - آسر، هو أنت مش آسر!..
  اعقب موضحًا وابتسامته ملئ فاهه قائلًا وهو يتنحى جانبًا ليسمح لها بالدلوف، واللهفة لأخبر شقيقه ووالده تغمره:-
  - لأ، أسر اخويا الكبير، انا تيام اخوه، أنا اسف اتفضلي ادخلي
  بس انتِ ما تتصوريش سعادتي دلوقت اد ايه بحملك وبمعرفتنا بمكان جود، لأن آسر حالته مدمره من وقت اختفاءها...
تفككت ُعقد الخيوط المتشابكة برأسها والآن تجلت الصورة لها، أن هذا ليس ألا الشقيق الاصغر للوالد المجهول لطفلها، تنهدت بارتياح وقد تفهمت سعادته التي توضح مقدار حبه لشقيقه، لذا أمأت برأسها متفهمه، وشعورًا غريب بدأ يداهمها، جعلها تتيبس موضعها، فقد بدأ قلبها ينتفض بقوة غريبة،  حتى أن أنفاسها بدأت تتسارع بقوة مما دفع الأخر للحديث قائلًا لحثها على الدلوف:-
  - اتفضلي اسر فوق بيرتاح، هطلع أناديه، هو هيفرح أوي لما اقوله اننا لقينا مكان جود وكمان أنك حامل لأننا ما نعرفش..
 
انتزعت ذاتها من تلك المشاعر التي داهمتها و وجعلت قلبها يخفق بوتيرة مسرعة، واعقبت موضحه وهي تتوشح ببعض القوة للدلوف قائلة بنبرة مغلفة بالجمود، وقد قصدت بها اظهار أنها بموضع قوة لا ضعف وأنهم من بحاجه لها وليس هي:-
  - جود وضحت لي كل حاجه، وعارفه انكم فاكرين إن العملية فشلت، وعارفه كمان حقيقة مرض اخوك واحتياجه للجنين..
جمودها بالحديث وقوة نبرتها آثار انتباه تيام الذي مرت عيناه عليها بتقيم لتلك الأنثى التي أمامه، وقد استفزه مغزى حديثها معه، ولا يدري انها مجرد قوة زائفه تقصد بها الاحتماء خلفها، اغتمت ملامحه بعدما كانت تتهلل سعادة وبجمود متبادل أشار لها بالولوج، فأذعنت له وخطت الى الداخل، وكاد ان يغلق الباب إلا انها هدرت به تمنعه قائلة وقد اجتاحها بعض الخوف: -
  - اظن ما يصحش تقفل الباب..
تفهمها تيام واماء لها وهو يترك الباب منفرجًا، بينما شعر بأنه لا يستغيثها، ثم اردف قائلًا:-
  - اتفضلي ارتاحي وأنا هطلع انادي آسر..
   امأت له وتحرك هو للأعلى وقد بهتت فرحته للحظات من جمود تلك المرأة قبل ان يبتسم بعدم اهتمام لها، فالأهم هو عثورهم على جود وحملها بصغير اخيه الذي سيكون أنقاذه..
**
بالدور العلوي بالشقة، كان آسر بغرفة جود السابقه،  ممدًا على فراشها،  يشعر بالأعياء والقلق عليها، ضغط رأسه بأنامله شاعرًا بألم لا يفارقه من كثرة التفكير بها وبحالها،  قلبه يتمزق ألمًا وقلقًا عليها...
انقبض قلبه فجأة، وتعالى وجيبه وشعر بشيء مبهم يغزوه، فأغمض عينه ينشد تهدأت ثورة قلبه المفاجأة له إلا أنه آبى أن يهدأ او يخفض من وتيرة نبضاته، فثمة شيء يشعر به مبهم يجعله يثور ولا يهدأ...
**
أنهى أدم اجتماعه مع بيجاد الحديدي الذي ما أن هاتفته زوجته حور حتى اسرع بالأجابه عليها، غير مبالي بالجمع حوله، يدرك قلقها عليه الذي يستحوذ على عقلها وقلبها كليًا ما أن تجاهل المكالمة او تأخر الرد عليها، لذا ما أن يصدح هاتفه بالنغمة الخاصة بها حتى يجيب عليها قاطعًا ما كان يفعله مهما كان يكون، يجيبها بلهفه وحب لا يخجل من اظهارهما أبدًا، يخبرها بمكان تواجده ولا يهتم بأراء من حوله المستغربين لنبرته التي تتبدل تمامًا معها، تصبح حنونه مغلفه بالمحبة، مما جعل نادر يبتسم حينها ويهمس لعاصي قائلًا:-
  - واضح أن بنتك مسيطرة جامد يا  poss  وطبعًا بالتأكيد دي..
طفرت ابتسامه على فاه عاصي الذي وجه بصره على بيجاد بنظرة سعادة وراحه لسعادة ابنته ومحبة زوجها لها، ثم وجه بصره نحو نادر قائلًا بنبرة مازحه:-
  -- عايز الصراحة السيطرة نابعه من الشيطان وبنته والله، انما انا وبنتي غلابه وتعبنا جامد على ما نلنا الرضى..
قهقهه نادر بشدة على حديث عاصي قائلًا:-
  - وأنا اللي كنت مفكر إنك انت كمان مسيطر، طلع متسيطر عليك..
  ابتسم عاصي قائلًا:-
  - يا بني في الحب مفيش حاجه إسمها مسيطر او متسيطر عليك، في حاجه اسمها انك بتحب بكل كيانك، فبتحاول تسعده بشتى الطرق، بتخاف على زعلة وبتفرح لفرحه، كل همك بيكون ان تشوف البسمه على شفايفه والراحة والسعادة بتلمع بعينيه..
  ثم استطرد متذكرًا حياته مع جنيته:-
  - ومفيش أجمل من مشاعر الحب المتبادلة، انك تحب شريكك ويحبك بالمقابل، تلاقي منه حب واهتمام، الحب عامل زي الوردة اللي لازم ترعوها وتسقوها انتم الاثنين عشان تنمو وتزدهر مش تموت وتذبل، ما تفكرش انك تاخد وبس وتكون بخيل في مشاعرك، شايف بيجاد الحديدي دا اللي قدامك شايف بيكون مع الناس كلها حاجه ومعها هي حاجه تانيه خالص، كل تفكيره سعادتها، وفي المقابل هي كمان كل تفكيرها سعادته وراحته..
  ابتسم نادر مومئًا على حديثه قائلًا:-
  - يا سيدي ربنا يهنيهم ويهنينا أحنا كمان، أنا عن  نفسي فاهم كلامك دا، ما تتصورش انا تعبت وعانيت اد ايه عشان اوصل لقلب سيدرا واشوف نظرات الحب ليا في عينيها..
ابتسم عاصي بتهكم فليس هناك احد عانى مثله في مسعاه لعشقه ونيل قلب ابنة الشيطان جفاء القلب..
وعلى سيرة ابنة الشيطان صدح هاتفه بنغمتها المميزة لديه، التمعت عيناه بوميض الحب وأجاب هو الاخر بلهفه على محبوبته...
كل هذا كان تحت مرأى أدم الذي كان حديثهم يخترق قلبه  وليس مسامعه، مؤلمًا أياه بقوة،  وهو يسمع منهما كيف سعى وحصد عشق من يحب، الا هو فشل فشلًا ذريعًا، ترى هل العيب به!..
قطع شروده بيجاد الذي انهى المكالمة وعاد يودعهم حتى يذهب لحور التي اخبرته انها بالأسفل وقد اوصلها السائق لهذا العنوان كما اخبره، فنهض عاصي هو الاخر وتحركوا للخارج ومعهم ادم الذي قام لتوديعهم هو ونادر..

"حدث بالخطأ "سلسلة "حينما يتمرد القدر"  بقلم دينا العدويWhere stories live. Discover now