البارت الثالث والثلاثون

Começar do início
                                    

نفض رأسه بجنون،  ينهر ذاته عن منحنى زخم افكاره،  فزوجته لم ولن تنساه،  هي تعشقه مؤكدًا ولن توجه مشاعرها لغيره، حتى لو كان فصيح اللسان ك ظافر، يجيد الغزل والتعامل مع النساء، فيجذبهن له بسهولة ويسر، إلا أنها غيرهن وحبها له لن يندمل،  بل هو مترسخ بين طياتها، وإلا ما انتصر وتغلغل بأعماقه،  هي فقط تشعر بالامتنان له، وتشكره لمجيئه وتبجحه أمامها بفعلته،  ليجد ذاته يشتعل غيرة رافض هذا الامتنان أيضًا،  بل رافضًا لأي شعور منها له، وفي خضم شروده، كانت الممرضة تغادر الغرفة، تارك أياه وحده برفقتها، مانحه أياه الخصوصية التي يرغبها ،  كما اعتادت في المشفى، فما ان يأتي، حتى يطالب بمغادرتهن ...

تحرك نحوها،  يستدير حول الفراش حتى بات أمامها،  اغمضت عيناها بقوه ما أن  شعرت به،  في تلك اللحظة تحديدًا لا قدره لها على مواجهته ورؤيته..
كانت عيناه تناظرها بعشقًا جارف، يتغلغل بين طياته وهو ينحني بجزعه العلوي وجثى أمامها، حتى بات وجهه مقابلًا لوجهها انفاسه تلفح بشرتها يطالعها بينما يعيش بدوامته الخاصة بذهنه القلق،  بأفكار متضاربة لا تفارقه وترجمه بسياط الخوف من تسربها من بين يديه كالرمال الناعمة، الخوف لعودته لما كان عليه قبلها،  والذي سيكون اضعاف مضاعفه إذا فقدها،  قلبه لن يصمد مجددًا خاصةٍ لأدراكه أنها تملكته وانتهى، لذا شعر باحتياج لها بتلك اللحظة ان تطمئنه،  أن تنهي صخب دواخله،  وتمحي الخوف الذي يقتات منه، فهمس بأسمها بنبره خافته،  تعالت تدريجيًا بعدما تجاهلتها،  بتصميم لنيل ما رغب،  قائلًا  بألحاح عليها أن تجيبه، ألحاح يتصارع معه رغبة بالتراجع للانتصار خوفًا من سماع ما لا يرضيه ويهشم قلبه،  إلا ان روحه التي تسعى للراحة كانت لها الانتصار،  فأردف قائلًا:-
  - عارف إنك سمعني، ومش محتاج منك غير انك تطمنيني عليكِ، انك بخير وعارفه أنا مين!..
  لم تحتمل استمرارها بتجاهل،  خاصة وقد لمس قلبها بنبرته القلقة المعذبة، فدومًا كان ومازال نقطة ضعفها، وجدت نفسها رغمًا عنها تفرج عن جفونها وتجيبه بهمسًا خافت:-
  - انا بخير يا ركان، بس تعبانة ومحتاجه ارتاح..
  شعر ركان برجفة الفرح بقلبه وخفقت أنفاسه لدى سماعه لحروف اسمه تنطق من فاها، والتي كانت كشعاع أمل في غمر اليأس طمأنته  فلم يستطع كبح تلك البسمه التي ارتسمت على محياه وهو يأردف سألاً برغبة للتأكيد:-
  - انتِ قولتي اسمي يعني فاكرني وعارفه أنا مين بالنسبة ليكِ..
كانت عيناه تشع بريق سعادة، وقد تلاشت كل مخاوفه وتبددت بهمسها الشجي الذي لم ينتبه له، فقد كل ما اهتم به هو حروف إسمه وتأكيد ترسخها بعقلها وقلبها، الذي لم يتناسيا وينفيا..
طالعته هي بعدم استعاب لحالته البائسة التي ابدلتها بحديثها المقتضب، ودهشتها ردت فعله الفرحة، قبل ان يباغتها بقبله على وجنتيها، ببنما يأردف قائلًا:؛
_  الحمد لله انك بخير، متعرفيش كنت خايف وقلقان اد أيه وانتي دلوقت طمنتي قلبي ومحيتي كل خوفي وقلقي، ربنا يديمك نعمه بحياتي...
أتسعت عيناها بصدمه وتوردت حتى اختفى وجهها بحمرة الخجل، كغروب طغى سماء أخر، وتعال خفق وجيب قلبها بجنون،  من كلماته لها وقبلته المفاجئة والتي ظنت أنها تنال اولى قبلتها منه، على غراره هو الذي نال بعضها سرقه في غفوتها العقلية،  وكم ود لو نال الأن  ما رغب ولكنه اكتفى، رغم أسرى جيوش صدره التي تريد ان تنطلق وتعترف بما يجيش بها، وشلال شوقه الذي يتوق ليتفرغ بنيل وصلها، فتشرق شمسه مبدد ظلامًا كان بغيابها،  إلا أنه اكتفى بقربها فقط،  متحكمًا برغبته بها، مراعيًا الأن وضعها...
عيناه كانت تموجان بأحاسيس آبى عقلها ان يفسرها، وكلماته أشعرتها بالارتباك، وفعلته تلك اطاحت بثبات قلبها الخائن لها، ونقض لعهده لها،  والذي تسارعت دقاته وغرد كطير وجد وليفه ويأبه مفارقته..
فأغمضت عيناها وجلًا من نظراتها التي قد تظهر له سيل مشاعرها الحمقاء،  محاوله التقاط بعضًا من انفاسها الهاربة بحضرته وتنظيم نبضاتها،  فهمست هربًا من حالة الهرج والمرج بقلبها وعقلها الذي سببها لها
قائلة بنبره خافته نابعه من خجلها :-
  - انا تعبانة ومحتاجه ارتاح شوية..
  أماء لها متفهمًا قائلًا :-
  - ما كانش قصدي ازعجك واتعبك،  بس حبيت اطمن..
  صمت للحظات وأردف قائلًا وقد تذكر كلمات الممرضه، فأظلمت عيناه وتبدلت نبرته:-
  - هو انتِ كنتي عايزة تمشي من هنا!
  ترددت فيما تخبره الأن، وكلمات ظافر لها قد ترسخت بعقلها، وكم ترغب بتصديقها، بل اكثر ترغب بالتأكد من صحتها، وانه يعشقها وقد تناسى الاخرى، والسبيل الأوحد لهذا هو بقاءهما هنا، وبذات الوقت تخشى أن يتلاشى الامل وتتحطم هي، وبين هذا وذاك اجبته بما يعتمر قلبها وترغبه حقًا وهو الفرار من هنا قائلة:-
  - كنت عايزة ارجع ببتنا، هنا مش مكاني...
كلماتها تدغدغ قلبه وتبث السعادة بداخله، وهي تنسب منزله لها، وترغب بالعودة أليه، اذًا كانت تقصد العودة لمنزله هو، لا الابتعاد والهرب كما ظن وارتجف رفضًا لهذا..
زفر بارتياح وأردف مبررًا لها:-
  - احنا هنا عشان تكوني افضل، دا رغبة الدكتورة، انك محتاجه تكوني في جو عيله، محتاجه اهتمام وتواجد اكبر حواليكِ، غير كمان أن سارة لسه موجوده في شقتنا وانتي عارفه وضعها هي ورحيم،..
  ثم صمت يأخذ نفسًا واستطرد قائلًا: ـ
-وجودنا هنا مؤقت لحد ما ت
كوني بخير...
  صمتت ولم تعقب، فكيف لها ان تجيبه انها لم ولن تكون بخير في هذا المنزل الذي تسكن به غريمتها، اكثر انسانه بغضتها وكرهها قلبها، تلك التي امتلكت قلبه قبلها وهشمته بقسوة، فلم تجد إلا الصمت والهرب مدعيه الرغبة بالنوم
مما جعله بهتف قائلًا:-
  - طيب أنا همشي دلوقت اروح شغلي اللي اهملته بالأيام اللي فاتت وانتِ ارتاحي.
  كان حديثًا عاديًا،  لم يقصد به شيء، لكن ليس هذا ما فهمته هي بحساسيه مفرطه وكأنه يعلمها بأنها كانت حملًا ثقيل عليه، شتته وجعله يهمل عمله، لذا افرجت عينيه تطالعه بنظرة طل الحزن منها حتى فاض وانسكب، تهتف بنبرة متألمة قائلة:-
  -اسفه ما  كانش قصدي اكون حمل تقيل واعطلك عن شغلك..
ما ان اخترق حديثها مسمعه،  حتى عبست ملامحه وتجل الضيق على سيمائه،  رافضًا ما فهمته من حديثها، فهتف مؤنبًا لها قائلًا:-
  - مين قال انك حمل تقيل، أو اشتكى إنك عطلتيني عن شغلي، لازم تعرفي اني كنت موجود لأن دا واجبي ومكاني معاكِ وقت شدتك قبل فرحك، وإذا انا ماشي فدا لأنك حابه ترتاحي، فقولت استغل الوقت دا واروح..
وهنا تملكها الاحباط  وكأبه التمعت بعينيها، فمجددًا يعلمها ان ما يفعله من أجلها هو واجب وشفقه فقط، كالعادة يرجمها بقسوة،  فأغلقت عيناها هربًا،  تأبى هبوط ايًا من دموعها، رافضه لأظهار مزيد من الضعف له، فلا تريد شفقته..

"حدث بالخطأ "سلسلة "حينما يتمرد القدر"  بقلم دينا العدويOnde as histórias ganham vida. Descobre agora