البارت الحادي والثلاثون

ابدأ من البداية
                                    

طرفت عينيها بدمعة شجن وهي ترجم نفسها بعنفوان على ما اقترفته دون أن تعي، هل كانت عمياء  لا  ترى، أو لعلها تغاضت عنها متظاهرة بالعمى، وهي تقنع ذاتها بزيف ان كل شيء سيكون بخير وستنال عشقه،  لكن  لم يحدث أيًا من هذا،  فقط هو من كان شهمًا،  سعى لسعادتها،  قاتلًا لقلبه، دافنًا لرغباته...
كفكفت دموعها، من ثم توشحت برداء القوة الواهي، تمنح ذاتها وطفلها وعدًا ستفي به مؤكدًا،  من ثم تململت في محاولة للتحرر منه حتى نجحت ونهضت نحو خزانتها تجلب ثيابها بقرار مزاولة حياتها كما كانت باستثناء اصلاح خطأها عبر لفظه من حياتها،  حتى ينال كل ما أراده وتخلى عنه بسببها...
***
ورابعهن كانت تلك القابعة بالمشفى، وقد اصيبت بمرض عضال ليس له من دواء  يسمى" العشق"، احيانّ يكون خبيث ويحول القلب ألى حطام. وهذا كان ما أصابها، عشق خبيث تملك منها وأعياها، فتركها تحيا بقلبًا عليل...

ممده كانت  على فراشها، نظرها مصوب على ذاك الجالس بجوارها على أحد المقاعد غافيًا، تتأمله بنظرات عاشقه، متألمة، والحسرات تتراقص أمام محياها...
تتنفس بغصة مريرة عالقة بحلقها وهي تتسأل لما قدرها مظلم ولم تنل منه العشق، لما لا يراها وقلبها في كل شيئًا يراه!...
إحساس بالضيم والقهر بدأ يلازمها منذ زواجها منه وقربها له، فيا ليته ظلا بعيدًا وما اقترب، فما أقسى قرب مقترن بجفاء القلب يكوي كالجمر ويحرق ثنايا الروح، خاصة وهي تدرك أن كل ما يحركه اتجاهها هو الشفقة المطلقة وليست أي مشاعر غيرها، ويا ليتها تعلم حقيقة مشاعره لها، وان عشقها بالقلب تعمق حتى شغافه، في حرب دؤوب مع ما مضي، حتى انتصر وكأن ما كان قبله أندثر ...
فلو علمت بصراعه اللحظي في أحد المنامات التي بدأت تداهمه منذ محاولة انتحارها وأوشكه على خسارتها، وهو كلما تنسدل جفونه ويغفو، تعاد برأسه وتشعره بذات الذعر وذات الألم وهو يصارعها راجيًا أن لا تتركه، والمؤلم في الأمر أنه يراها في كل مره  لا تستجيب له وترمقه بنظرة معذبه، معاتبه ثم تلقي بذاتها ويهوى جسدها أمام عينيه، وصوته يصدح صارخًا بألم حتى ينهض ذاعرًا، بأنفاس هاربة  تجول عينيه بحثًا عنها بارتياب،  حتى تهدأ روحه برؤيتها سالمه وكأن ضميره يصر على أيلامه ورجمه...

  تمامًا مثلما حدث الأن، فقد تجعد جبينه وبدى عليه جذوة العذاب، قبل أن ينتفض جسده وتنفرج عينه مرتسم الفزع على محياه، حتى وقع بصره عليها فهدأت جوارحه وألتقط أنفاسه الهاربة وتوجه نحوها، بتعابير وجه لو أنها لم تغلق عينيها هاربه ورأتها لتداركت ما يكنه له من عشق تغلغل ووسم قلبه به...
"فيا ليت القلوب تنطق لعلمنا بكل ما تحمله لنا من مشاعر"..
فها هو يطالعها بنظرات تنبعث شرارت العشق منها، تهفو روحه إلي عودتها كما كانت قبلًا، راغبًا بحياة هانئة معها
يفي بها بوعد قد قطعه لها يومًا...

**
تململ ظافر في الفراش بعدما استشعر خلوه منها،  فنهض منزعجًا،  باحثًا بعينيه عنها بالأرجاء بشيء من الذعر  أن تكون غادرت وتركته كما فعلت قبلًا، ألى ان تسللت الراحة بين جنبات روحه حينما استمع لصوت قطرات المياه المنبعث من المرحاض،  فتنهد بقوة ثم زفر انفاسه الهالعه،  وعاود الارتماء على الفراش،  شاخصًا ببصره للفراغ،  مفكرًا فيما اقترفه من خطايا بحق زوجته المحبة،  بندمًا رجمه به ضميره اليقظ...
حتى رأها تخرج من المرحاض وقد ارتدت بالفعل ثيابها،  تتوجه نحو المرأة تمشط خصلاتها، دون أن تعيره أدنى اهتمام وكأنه ليس بالغرفة، قطب حاجبيها بانزعاج وعدم استيعاب لردة فعلها تلك الغير متوقعه، لكنه تجاهل الأمر، عازمًا على تقبل وضعها ايًا كان، فما حدث بالأمس يدرك مدى قسوته عليها...
نهض متوجهًا نحوها،  راسمًا ابتسامه على شفتيه، حتى وصل إليها،  فمد ذراعيه يحتضن خصرها من الخلف وانحنى مقبل وجنتيها قائلًا:-
  - صباح الخير يا حبيبتي،  القمر كده لابس ورايح فين...

"حدث بالخطأ "سلسلة "حينما يتمرد القدر"  بقلم دينا العدويحيث تعيش القصص. اكتشف الآن