البارت التاسع والعشرون

Start from the beginning
                                    

استمع لها رحيم للحظات  ممتنع عن الحديث بعد محاولة للجم  غضبه، وخمد حريق روحه، حتى تغضنت ملامحه بعلامات الدهشة وخاطرة جهلها عما حدث والدها به تطرق رأسه فاردف قائلًا بنبرة جاهد لتكون هادئة قدر الامكان، لكن دونًا عنه حملت بين طياتها بعضًا من الغضب:-
  - هو عمي ما كلمكيش يا وفاء
  تقطيب حاجبيها وعلامات الجهل والاستغراب التي ارتسمت على محياها اكدت له أنه لم يفعل!، والتي سرعان ما تحولت لخجل وارتباك بعد ان ضربتها عاصفة الادراك بما يقصده من حديث والذي يحمل منحنى واحد فقط وهو الرفض، فتلعثمت قائلة:-
  - ما كلمنيش عن إيه يا رحيم!
  ارتبك رحيم وزاغ ببصره عنها للحظات، فلم يرد لتلك المواجهة ان تتم هكذا، حتى لا يجرح كبريائها، إلا يكفيها ما عانته حتى تُكسر للمرة التالية من رفضه لها، لكنه الان مضطر للتوضيح لها، فصمته سبب له ضرر قد يهد عالمه، لذا جاهد كثيرًا لأخراج كلمات مناسبه لا تجرح كبريائها، فأخذ عقله يجول باحثًا عن احدى الطرق واختيار الكلمات المنمقة لأعلامها برفضه وقرر زواجه من اخرى، وظلا لدقائق هكذا حتى اردف قائلًا بنظرة ثابته:-
- وفاء أنا مش هقدر اتجوزك، ودا مش لعيب فيكِ بالعكس انتِ بنت الف واحد يتمناها...
بهتت ملامح وفاء وارتسم الحزن على محياها، وخفضت بصرها وهي تشعر بالهزيمة والانكسار وصمت سحيق دام في اجواء معبقه بالتوتر بينهما لثوانًا، قبل ان ترفع رأسها وتوجه بصرها له وتهمس قائلة:-
- عشانها!، بتحبها يا رحيم مش كده!، باين اوي عليك في نظرتك ولهفتك عليها، عمومًا ربنا يهنيك، واتمنى انها تقدر تعامل عمران كويس وتعوضه عن وفاة مامته وحنانها..
تقبلها للإمر ورقتها في الحديث بكلمات صادقه نابعه من نياط قلبها اشعرته بالذنب اتجاهها، فوفاء لطالما كانت طيبه نقيه القلب ومحبه للجميع، لذا أراد التخفيف عنها بالبوح لها بهواية سارة ورغبته بلم شمل اسرته الصغيرة، حتى تتيقن ان رفضه لها ليس لشيئًا بها انما لقدرًا أراد لكل واحدًا منهما طريقًا منفصلًا عن الاخر، لذا اردف قائلًا:-
  - وفاء ما تقلقيش على عمران من معاملة سارة ليه، لأن مفيش ام هتعامل ابنها اللي تحرمت منه سنين وما صدقت رجع لها وحش..
  استحالت ملامح وفاء ألى الدهشة وعدم الاستيعاب، ليستطرد رحيم بالحديث قائلًا:-
  - ايوه يا وفاء ساره بتكون أم عمران الحقيقية!..
  ثم شرع بسرد إليها اسرار ماضي جهل عنه حتى قريبًا، لتكون ردة فعل وفاء هو الحزن الذي بدء يرتسم على محياها ويصل لشغاف قلبها الذي شفق على تلك الام المكلومة التي عاشت هذا الكم من الالم الذي بدء بانتهاك جسدها واستباحته عنوه ثم حرمانها من صغيرها، فذرت عيناها عبرات الشفقة عليها وبداخلها ايقنت أنها تستحق ان تنل السعادة بعد هذا الكم من الالم، فتمنتها لها من كل قلبها
مع انتهاء رحيم من السرد، فهتفت معبره له عن اسفها قائلة:-
  -أنا آسفه يا رحيم، انا تسببت لك بمشكله كبيره بدون قصدي، بس أنا مستعده اكلمها وافهمها حقيقة الأمر، إلا ان رحيم رفض هذا قائلًا لها أن هذا ليس مهمًا،  بينما برأسه  يعلم سارة جيدًا وانها لن تستعب ولن تصدق بل ستلقي عليه المزيد من التهم، خاصة لفقدانها الثقة فجميع من حولها لما عانته، كما انه يرغب بتأديبها على سوء ظنها الدائم به وتعليمها ان تثق به وانه فقط سينتظر حتى يتزوجها وحينها سيكون لكل حادث حديث، فرغبت وفاء بالذهاب والعودة إلا انه رفض ذهابها الأن واصر عليها البقاء للغد، فقد تأخر الوقت لذهابها وغادر مستأذنًا الذهاب ألى عمله، لتبقى هى وشعور الذنب ينخر بقلبها لما سببته بدون قصدًا منها، فاتخذت قرارها بمحادثة سارة، ولا تدري ان بحديثها معها قد تزيد الامور تعقيدًا ..
***
قاد أدم سيارته في هدوءً تام لنوم تلك البلوة التي سقطت على رأسه، وللغريب كم بدت في عينيه ك ملاكًا وهي نائمه، فدونًا عنه كانت حدقتيه تسترق بعض النظرات لها من حين لأخر، ويري نقاءها الذي ينعكس على محياها وكأنها كتاب بلا شفرات، بمجرد رؤياها تمس القلب وتبث بداخلك رغبه لاحتوائها وحمايتها، فتنهد زافرًا وهو يستعجب خفايا القدر الذي قادها أليه دونًا عن غيره لتحمل بطفله،
وهكذا ظلا حتى وصل الى القصر واوقف سيارته وهمس بأسمها بخفوت  وهو يلكزها بخفه محاولًا ايقاظها، الا أنها تململت بتعنت، ف رقَ قلبه واستنكر ايقاظها من نومها، فكم بدى عليها التعب والارهاق، لذا ترجل من سيارته وفتح الباب المجاور لها وحملها بين يديه ودلف بها الى القصر،  متجه بها الى احدى الغرف بالطابق العلوي،  لكنه ما ان ولج بهو القصر الذي تجلس بداخله كلًا من والدته وزوجة عمه وشقيقه وزوجته حتى ألتفتت أليه الانظار  المتعجبة والمندهشة لرؤيته يدلف حاملًا لفتاه مجهولة، فكانت والدته اول السألين المتعجبين قائلة:-
-مين دي يا ادم وليه شايلها كده!..
  بينما صمتت كلًا من سيدرا التي خمنت هويتها وسناء التي تجمدت ملامحها وتغضنت بالارتباك والصدمة وهي تدرك هوية الفتاة، وشعرت بأنها على وشك الخسارة والسقوط في هوة سحيقة مظلمه، ان صح ما ضرب عقلها من معرفته بما حدث من خطأ وقبوله لها ولطفلها بينهم، إلا أن ادم  تابع السير وهو يأردف قائلًا بينما يستقل الدرج صاعدًا-
  - ثواني وهرجع اشرح لكم كل حاجه
   وصعد ألى اقرب غرفة لغرفته ودلف اليها،  ووضع جود الغارقة بالنوم بالفراش وقام بتدثيرها، ثم رماها بنظرة شارده مع تنهيدة مثقله، ؤش7وتحرك خارج الغرفة حيث الاسفل للإجابة على أسالتهم، لكنه تراجع مقررًا الحديث مع زوجته اولًا، لذا غير اتجاهه حيث غرفتها القابعة بها...
**
كانت جالسه على فراشها، تشعر بالتوتر يعتريها من كل ما يحدث حولها، زخات من المصائب هوت على رأسها وأكبرها معرفة والدتها بحملها بطف لًا ليس من زوجها، وثورتها عليها وطلبها المجحف بالتخلص من ذاك الجنين، وهذا بالطبع ما لن تفعله، لكنها تخشى والدتها كثيرًا، تخشى خبثها ودناءة أفعالها لكي تحصل على ما ترغب...
الذعر  تسلل بين جنباتها حتى تملك منها الوجل على صغيرها، فهي تدرك انها ما أن تعلن العصيان عليها، حتى تكون قد فتحت باب جهنم على ذاتها،  لتنال منها ما قد يحرق روحها،  خاصةٍ وهي ما تزال جاهله عن ما قد يأول الحال بينها وبين ادم الذي تخشى من تأثير والدتها عليه بطرقها الملتوية واقناعها له بالتخلص من حملها الشائن، وعند تلك الخاطرة استحالت ملامحها الى الذعر والقلق على صغيرها من سموم افعالها، حتى شعرت بالهلع واتخذت قرارًا بالهرب الى مكان مجهول لا يعلم به احد حتى تنجب طفلها سالم معافي، وما ان انتفضت واقفه من على فراشها، متوجه الى خزانتها لجمع بعضًا من ملابسها، واخرجت حقيبة السفر وتحركت بها،  لتتفاجئ بأنفراج باب الغرفة وولوج ادم الغرفة، فتصنمت موضعها، ترمقه بنظراتها المرتبكة، ما أن رأت بعينيه حديث راغبًا بخوضه، جعل قلبها يرتعد قلقًا، فتوقفت عم تفعلها والتفتت بجسدها  تحجب الحقيبة التي اخرجتها عن مجال رؤيته حتى لا تفضح له،  لكن عين ادم كانت التقطت الحقيبة وانتهى  ...
، ****..
ما أن غادر ادم موقع الكمين، حتى غادر ركان ايضًا عائدًا الى زوجته المريضة، فلم يرد ان يتأخر عليها اكثر، فقد آتى ألى هنا جبرًا والقلق يعربد بداخله عليها، حتى بات يصور له ابشع السيناريوهات عن محاولة انتحارها مرن اخرى وهذا ما حذرته منه الطبيبة، لذا قاد سيارته مسرعًا حتى وصل الى المشفى واستقل المصعد وتوجها لغرفتها، وولجها وقلبه يبتهل ان تكون بخير ولم تصب بمكروهًا، لذا التقط انفاسه الهاربة وهدئ حينما رأها ممده على الفراش كما تركها، والممرضة جالسه على المقعد بجوارها، فتحرك نحوهما وهو يسألها عن حالها، فأخبرته انها ما تزال كما هي منذ تركها..
اومئ لها وهو يقترب منها ويصوب نظراته على محياها، ليصدم من رؤية اثار الدمع العالقة بأهدابها ووجنتيها،  والتي كانت كسهمًا اخترق قلبه فنزف متألمًا،  فانحنى صوبها وأنامله ترتفع برفق تزيلها، وقلبه يؤلمه بقسوة، وخاطره تلوح له انه وحده المتسيب بها لتركها، فهو متأكد انها تشعر به وبما يحدث حولها، ودموعها لأدراكها بتركه لها والذهاب، فما كان عليه إلا أن يبرر لها سبب تركه طالبًا عفرانًا لذنب يفتك به ويورده مورد التهلكة، فهمس قائلًا وانامله تمسد على خصلاتها بلمسه، حانيه، ونظرات محبه:-
  - آسف اني سبتك ومشيت، بس صدقيني غصب عني، ادم كان محتاجني وكان لازم اروح له، ورجعت لك على طوال
ولو انها لم تبدي ردة فعل له،  الا ان همسه اخترق قلبها وليس مسمعها فقط فأراحه وأزال الشك الكامن بداخله...
كل هذا تحت نظرات الممرضة الهائمة نظراتها بهما، لتصدر منها تنهيدة وهي تتحرك الى خارج الغرفة بعدما تركت لهما امانيها لهما  بالسعادة وراحة القلب والبال...
بينما هو تابع حديثه معها، يخبرها عن خروجها غدًا وأخيرًا من المشفى وعن قراره بخضوعها للعلاج النفسي، وان عليها ان تتعافى مسرعًا حتى تبدأ دراستها بكلية الطب كما حلمت هي سابقًا وكما كان مخططًا هو لمفاجأتها بها لولا ما حدث، ولا يدري أن هناك خطط أخرى قد رسمتها هي من اجل حياتها هي وشفيقتها الصغرى والتي تشمل التخلص من كل ما يؤلم قلبها، ويجعلها هشة، ضعيفة،  حتى لو فتك الحزن بها ونخر روحها عقبها، ستتعلم ان تحيا وتقوى من اجل مسؤوليتها اتجاه شقيقتها....
***
ببهو القصر كان الجميع جالسًا منتظرًا هبوط ادم وتفسيره
عن هوية تلك الفتاة وسبب وجودها هنا، بينما سناء كان يعتلي ملامحها جمود وتصلب نقيض لثورة متقده بداخلها، وشيطانها بدأ يهتاج بداخلها ويجول بحثًا عن خطه ما تحسبًا لما قد يصدر من فاه أدم، وسيدرا التي صمتت ونظرها مصوب على سناء بقلق من شرودها واقتتام عينيها الذي يوحي بما يدور بخلدها من نوايا خبيثة، والتي ان اقدمت على فعلتها سوف تمسى كعواصف هوجاء مخلفه دمارًا  .....*
***
في الغرفة ساد صمت سحيق لثوانًا من قبل ادم ونيرة التي بهتت ملامحها صدمه وتفاجئ بوجود ادم الان امامها، الا انها حاولت لملمت ذاتها وتوشحت برداء القوة الواهية وهي تتأهب لما قد يلقيه عليها من كلمات، بينما ادم توقف موضعه ونظره مثبت عليها او بالأصح على ما تخفي خلفها وقد سيطر الغموض على سمائه، فلم يعكس لها مدى تأثره ولم تتبين عي مقدار الألم الذي سببته له، فقد بدأ قلبه ينغزه صراخًا، كانه استيقظ فجاه يتدارك معاناته، فاعتصر نفسه يتضرع الرحمة منه، لينهي الامه ويقضى على ما هو بين نياطه من خب مقيت، سام لم ينل منه الا الوجع...
افرج ثغره عن شبه ابتسامه تتقاطر منها الاوجاع، وتابع تحركه نحوه بجسد متصلب لا حياه به، يجذب منها الحقيبة التي تواريها خلفها منه قائلًا بنبرة تقطر حزنًا وخيبه:-
_كنتٍ بتعملي ايه يا نيره!، ورايحه على فين!..
صمت ساد من قبلها مع ارتجاف جسدها وتهدل كتفيها وانحناء وجهها بخجلًا منه،  تمنع نفسها عن رؤية نظراته التي تجلدها لومًا...
مد يديه يرفع وجهها بأنامله، فلم يعتاد رؤيتها هكذا، بل يعتاد شموخها وقوتها،  فهاله رؤية العبرات تتسقط من مقلتيها وهي تأردف بضعف قائلًة:-
  - انا اسفه يا ادم بس مش هقدر،  مستحيل اتخلى عن ابني او اسمح انه يتأذى عشان كده لازم امشي من هنا، ماما، انت مش هترضوا بوجوده ولو انت رضيت هي هتأثر عليك وتقنعك، فعشان كده لازم امشي، لازم اهرب لمكان بعيد احميه فين..
  لما لا يتوقف قلبه عن الوجع!،  لما لم يعتاد سموم كلماتها التي تجلده بها!، اي رجلًا يكون هو في عينيها!، لتظن به شيئًا هكذا!، هل تراه رجل متحجر القلب قد يجبرها على التخلص من طفلها وهو يدرك أنه فرصتها الوحيدة لتكون أمًا، أم أنها تراه ضعيف الشخصية تؤثر به الكلمات ليتأثر بوالدتها وكلماتها!..

"حدث بالخطأ "سلسلة "حينما يتمرد القدر"  بقلم دينا العدويWhere stories live. Discover now