البارت السادس عشر

Start from the beginning
                                    

اعتراه الغضب الشديد،  وتجهمت ملامحه من سيل كلمات الطبيب عما تعرضت له تلك الصغيرة التي رجمتها الحياة بسياط القسوة...
بينما هي بدأت في استعادة وعيها،  تفرج الجفون عن آسر مقلتيها،  ليزعجها الضوء فترفرف بها عدة مرات حتى تضح لها الرؤى،  ليداهمها ألمًا في نصفها السفلي،  يذكرها بكل ما حدث معها،  رفعت ذراعها الخالي بوهن تحتضن رحمها بنشيج صامت تبدل لنحيب وشلالات هادرة من الدمع..
جعلهم ينتبهون لها...
اسرع الطبيب نحوها مهدئًا لها لكنها لم تهدئ بعد، ذاك الألم يفتك بها، ليس ألم جسدها، بل ألم ظنونها انها خسرت صغيرها وقد اختلط كابوسها بالواقع وتمثل لها زوجها في الطبيب، فأخذت تحاربه بشراسه، في محاولة لإنقاذ صغيرها من براثنه..

فما كان على ركان  إلا أن يتقدم نحوها، حينما همّ الطبيب بالاقتراب اكثر برغبة احتواء جسدها وتكبيلها، شيئًا ما بداخله رفض ذلك، ربما يرجع لطبيعته لا يعلم، فأردف بغضب وهو يندفع إليهما قائلًا للطبيب بشراسه:-
- انت بتعمل إيه!..
أجفل الطبيب من نبرته تلك، وبرر له فعلته تلك،  ثم طلب منه المساعدة حتى يتمكن من تهدئتها دون اضطرار لحقن مهدئ قد يضر بها ، فقد صار نحيبها انهيارًا قد يؤذيها هي والصغير، لذا حاول هو ان يلجمها بتحفظ، إلا أنها كانت تقاوم بشراسه، جعلته يقيدها بذراعيه، بينما يهمس لها قائلًا:-
  - أهدي شوية، انتِ بأمان وطفلك بخير، انتِ كده اللي بتأذيه...
كانت بعالم آخر، تشعر بالألم لفقدان الصغير والذعر من خاطرة العودة له مرة اخرى، فتصيح بنبرة مغلفة بالجنون:-
  - قتله، هو قتل أبني، ابني راح وسابني ليه!، وهو هيرجعني لعنده، أنا مش عايزة ارجع، الموت اهون عليا من الرجوع عنده، خلوني اروح لأبني عشان ارتاح، سبوني اموت، انا مش عايزة اعيش...

ألم فتك به لرؤية انهيار صغيرة في عمر الزهور قد ذبلت وتسعي للفناء،  فما كان منه إلا أن يهدأها بضعف قد تملك منه قاطعًا وعدًا لها أرغمه عليه قلبه الوهن والذي اشفق عليها  قائلًا:-
  - مش هترجعي له!  وعد مني مش هرجعك ليه!، بس أهدي عشان ابنك يكون بخير ...

وعدًا قطعه في لحظة ضعف، وعدًا عليه أن يصدق به وسيفعل مهما كلفه الأمر، سوف ينقذ تلك الصغيرة آثمة كانت ام بريئة!، سوف يساعدها وينتشلها من تلك الظلمات... 

استكانت هي للحظة بين يديه بعدما تسرب اليه كلماته الدافئة وصوته الحاني،  وتحول انهيارها الى نحيب صامت، وهي تنتبه أخيرًا له، تطالع ملامحه القريبة للغاية منها، حتى أصابت قلبها رجفة ما أن أدركت انه هو ولا غيره...

اجفل ركان حينما التقت عيناه بتلك الحدقتين الزمردتين، شاعرًا برجفه اصابته ما أن تدارك قربه منها وتلامسه لجسدها، فانتفض مبتعدًا عنها ، شاعرًا بالاضطراب، فلأول مره يقترب من انثى بهذا القدر عاد شقيقته وميار...

لم يهدأ نحيبها،  بل زاد بقوة وهي تحمد ربها على نجاة صغيرها وهناك وجلًا بتملكها من زوجها والأكثر المًا كان لرؤيته لها هكذا!، ترى ما الذي يظنه بها!...

"حدث بالخطأ "سلسلة "حينما يتمرد القدر"  بقلم دينا العدويWhere stories live. Discover now