-20-

3.6K 142 105
                                    

بقيت في المنزل لوحدي في ذلك اليوم، كان قد حل الليل ولم يعد بعد لا طلال ولا آيار، لم يكن يهمني أمر طلال وسبب تأخره.. لكن ما آثار قلقي هي آيار التي غادرت بعد ما رأته عندما جاء طلال للغرفة..
عدة أسئلة تخللت دماغي.. أين تكون قد ذهبت؟.. ولما تأخرت هكذا؟.. ما عساها تفعل في مثل هذا الوقت!!..

وكأن نوع من الحديث اللامباشر حدث بيننا، لمحتها تفتح باب الحديقة وتسير بين تلك الأضواء الخافتة لتصل إلى المنزل فتختفي وراء بابه..
سمعت صوت طرق أقدامها على الدرج يقترب لأتجه نحو الباب، انتظرت أن تطرقه.. ولا أدري لما!..
وما إن قرعت الباب حتى فتحته لها، نظرت لي بعينان محمرتان يملؤهما الحزن لتقول بصوت مبحوح.. - بدي المفاتيح..

- فوتي.. أجبتها بهدوء لتصرخ في وجهي.. - قلتلك بدي المفاتيح!!..

ابتلعت ريقي بهلع لأجيب.. - ماشي.. لحظة..

دخلت واتجهت إلى غرفتي لأحضر لها المفاتيح، ثم عدت إليها لأجدها لاتزال تقف في مكانها متكئة على الجدار، مددت لها المفاتيح بيدي لتأخذهم وتنزل دون أن تنبس بكلمة..
تنهدت بقوة وتمنيت لو أنها تعلم ولو القليل عما يحدث بداخلي!!..

بقيت أترقبها وهي تنزل الدرج لتختفي عند نهايته..
عدت إلى غرفتي وجلست أمام الشرفة أتأمل تلك السماء السوداء المزينة بتلك النجوم الصغيرة التي كانت تتبعثر في شتى نقاطها المختلفة..
كانت شبيهة بتلك النجوم، وكانت حياتي أشبه بتلك السماء السوداء!!..

لحظات لأسمع صوت موسيقى هادئة معزوفة بالجيتار لا أدري مصدرها، أركز في مصدر الصوت قليلا لأدرك بأنه صادر من غرفتها.. ثم يليه صوتها وهي تغني بعذوبة وصوت هادئ بعض الكلمات الروسية لأغنية أدري أنها تعشقها.. Колыбельная - Rauf Faik - تهويدة..

- خذيني.. أحبيني.. أويني..
ذلك الغطاء الذي صنعناه معا..

خرجت من غرفتي ونزلت الدرج لأجد باب منزل والدي مفتوح، دخلت بهدوء كي لا تشعر بي في حين بدء صوتها يقترب وهي تردد نفس الكلمات.. - خذيني.. أحبيني.. اويني.. ذلك الغطاء الذي صنعناه معا..

وقفت أمام باب غرفتها الذي تركته مشقوقا حيث يسمح لك برؤية القليل.. لكنني استطعت رؤيتها وهي تجلس أمام الشرفة ممسكة بذلك الجيتار لتكمل الأغنية..

- أتذكر تلك الليلة حين أغلقتي عيناكي..
باب الجدة مفتوح..
ومدخل الدرج الذي نزلناه سويا..
الحديقة، الاثام، الحب، الذكريات وأغاني الحب..
أريد أن أكون معك دائما..
أرجوك تذكريني!..

رافقتك للمنزل تحت أصوات العصافير..
حين كنتي تغطين في النوم بحضني..
وأنا أطرق باب جدتي..
ثم مشيت الممر كله وأنت لاتزالين نائمة..
لا تستيقظي حبيبتي..
أخبرتني..

أغمضت عيناي بعدما اتكئت على مقبض الباب بيدي، شعرت وكأن كلماتها تعاتبني على محو ذكريات ذلك الماضي الجميل..
كيف عساي أخبرها بأن ما حدث كان يؤلمني كذلك!.. وربما بالأضعاف.. كيف عساي أخبرها بأنني أعشقها.. بأنني لم أنساها قط.. بأنها لا تزال تسكن قلبي كما كانت.. بل وأكثر!!..
أفتح الباب.. ليقترب صوتها أكثر مني وهي تكمل..

سجن في الهواء الطلقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن