-26-

2.8K 135 112
                                    

جالسا في غرفة مظلمة.. مربط الأيادي والأرجل..
لا شيء تلمحه عيناي سوى بصيص ضوء لا أدري منبعه..
لا أعلم ما الذي أتى بي إلى هنا.. ولا كيف ولا متى..
لكنني ألمح الآن عيناها الحادة بتلك الندبة التي تزين يمينها تحت ذلك الضوء وهي تقترب مني..
الشرر والحقد والكره يتطايرون من خلف جوهرتهما الزرقاء..
أيعقل أنها تود الانتقام!!..
هاهي تنزل جالسة على إحدى ركبتيها، متكئة بكورعها على ركبتها الثانية.. ليتضح لي وجهها أكثر.. إنها لا تشبه أختي..
ثم نطقت بصوت دب الرعب في قلبي.. - أنا ذنوبك الي بترتكبها بإسم الدين!..

انتفضت من سريري بهلع، ثم جلست متكئا عليه.. مسحت بكلتا يداي على وجهي، لأتمتم ببعض المعوذات والأذكار حتى دبت بعض الراحة في قلبي..
نظرت على يميني.. إلى الطرف الأخر من السرير، أين كان يفترض أن تتواجد رغد الآن.. لأشعر بحرقة طفيفة في عيناي جعلتهما يدمعان..
كم أنني حقير وأناني!!..

ثم نظرت على شمالي.. أين كانت تتوضع تلك الصورة التي تحمل بداخلها الكثير من الحب..
صورتي أنا ورغد وأثير وأيار حين كنا صغار..
كنت هنا في الرابعة عشر من عمري بينما كانت هاته الجميلة التي تقف بجانبي بسعادة ممسكة بيد حبيبتها الصغيرة في الثانية عشر من عمرها.. تلك السعادة التي قتلتها بهاتان اليدان المتسختان..
كم أصبحت أقرف نفسي!!..

في الحقيقة هاته الصورة لم يكن مكانها هنا.. لقد كانت يوما ما في الأسفل.. أعني في منزل والدي، لطالما أحب هو تلك الصورة التي جمعتنا سويا في يوم عيد الفطر ذاك.. ورغم أنه كان حزينا بسببهما.. إلا أنه كان يردد على لسانه دائما كلما نظر لها.. "لقد افتقدت ابنتي أيار"
سابقا لم يكن يهمني شيء من هذا.. حتى بعد وفاته، قمت برميها مع بعض الخردوات اللاتي لا فائدة منها.. واليوم ها أنا أضعها أمامي.. لأنه وببساطة..

نحن البشر لا ندرك قيمة الشيء إلا بفقدانه!..

نهضت من سريري لأمارس روتيني الصباحي المعتاد.. وبعدما غير ملابسي قررت أن أزور رغد في مستشفى غزة للطب النفسي.. اتصلت بأثير لأسألها ما إذ كانت تود أن تأتي معي فوافقت..

نزلت إلى سيارتي وانطلقت بها إلى منزل أثير أولا كي اصطحبها معي، ثم من هناك أكملنا وجهتنا نحو حي النصر أين تتواجد هي..

~ أيار ~
وقفت متكئة على جدار الغرفة مقابلة إياها واضعة إحدى يداي في جيب بنطالي أتأملها بهدوء وهي مستلقية على ذلك السرير الأبيض.. كان وجهها شاحبا متعبا.. معصم يدها ملفوفا بشاش أبيض بعدما.. قطعت شريان يدها ليلة البارحة!..

سمعت صوت استدارة مقبض الباب لأدير وجهي ناحيتها فأرى الياس وهو يدخل مرتديا مئزره الأبيض رفقة طبيبة أخرى.. حياني من بعيد ثم اقترب مباشرة من ميسم وراح يتفحصها في حين بقيت أنا أنظر إليهما إلى أن انتهى من عمله، لأقترب منهما وأسأله.. - هي منيحة؟..

سجن في الهواء الطلقWhere stories live. Discover now