تابعوا حسابي لمتابعة كل جديد
.
.
.
.
في اليوم التالي ............
اصطحبها علي الى شاطئ عجيب ..أروع الشواطئ في مرسى مطروح وأكثرها سحرا على الإطلاق ..وربما في ساحل البحر المتوسط بأكمله
جلس الإثنان في صمت يتأملان ذلك الجمال الرباني الساحر
البحر بكل درجات الزرقة يعانق سماء صافية تتراقص فيها قطع السحب التي تلمع تحت أشعة شمس ساطعة الضياء
كان مشهدا يخلب الألباب ويأخذ القلوب بروعته
قالت سارة بتأثر : لم أكن أعلم أن في مصر مثل هذا الجمال
تنهد علي وقال بنشوة : سبحان الخالق المبدع ,كلما نظرت الى صنع الله واهب الجمال للكون ..أستشعر قدرة الله وعظمته , تلك القدرة التي تنحني لها الجباه وتخر النفوس ساجدة
أصابتها قشعريرة غريبة من كلماته وقالت بحنين : الحياة جميلة للغاية , كيف يستطيع أي انسان له قلب وعقل أن يفسد ويدمر مثل هذا الجمال؟
طالت لحظات الصمت والتأمل لفترة طويلة حتى قطع علي الصمت أخيرا والتفت اليها قائلا :هل فكرت ماذا ستفعلين في أبحاثك؟
قالت بهدوء : لم أفكر بعد ,ولكن الحل الوحيد أمامي هو أن أبدأ من جديد وأبحث عن عينات للدراسة
قال بلهجة تسيل منها السخرية سيلا : عينات ملتحية ؟ وربما سيدات منتقبات أيضا؟
عقدت حاجبيها وقالت بضيق شديد : الا ترى أن أسلوبك لاذع أكثر من اللازم؟
ظهر على وجهه الأسف وقال بلهجة معتذرة : آسف , ولكني ضد الحكم على الناس من خلال مظهرهم وملابسهم
عقدت حاجبيها وقالت بدهشة غاضبة : ومن قال لك أننى أفعل ذلك؟
قال بشئ من الحدة : أنا لا ألومك , فالعالم بأجمعه الآن يربط بين المظهر الإسلامي والإرهاب, فكل منتقبة هي في عيونهم ارهابي متنكر وكل ملتحي يحمل تحت ملابسه حزاما ناسفا
قالت بحدة : قلت لك من قبل أنني لست بهذه السطحية فالمظهر لا يعني شيئا بالنسبة لي ,بل يعنيني الفكر والعقيدة التي يحملها صاحبه
صمت قليلا وظهر على وجهه الغضب , ثم تمالك نفسه سريعا واستعاد هدوءه وقال : أتريدين رأيي الشخصي؟ ان أردت معرفة كيف يصنع الإرهابي يمكنك الذهاب الى جوانتانامو أو أي معتقل آخر أمريكي سري في أي دولة في العالم يمتلئ بأشخاص لم يحاكموا ولم تثبت ضدهم سوى تهمة واحدة ,أن مكتوب في بطاقات هوياتهم ..مسلم
صمتت قليلا ثم قالت بعد تفكير : نعم .أعلم تماما أن هناك علاقة وثيقة بين الظلم والقهر وبين الإرهاب ..ولكني أدرك أن هناك أمور أخرى أشد تأثيرا على عقل الإنسان
هز رأسه بعصبية وقال بابتسامة ساخرة : نعم..وهذه الأمور تتعلق بالإسلام
هتفت بحدة : لا تتعلق بالإسلام بقدر ما تتعلق بالهوس العقائدي والمعتقدات الخاطئة...اذا أردت أن تصنع ارهابي فالظلم والقهر وحدهما لا يكفيان,بل يجب أن تسيطر على عقله وتجعله يؤمن أن الخلاص الوحيد من الظلم والشر في العالم هو العنف والإرهاب وقتل الآخرين
تنهدت بحزن وقالت بتأثر بالغ : الدليل على ما أقول ,جريمة رأيت آثارها بعيني وقمت بدراستها
لم يقاطعها علي عندما صمتت قليلا وابتلعت ريقها وقالت : (فى أحد الأعوام فى اليابان قام ستة من الشباب اليابانيين ينتمون لجماعة متطرفة تسمى جماعة (أوم)بنشر غاز السارين داخل ستة قطارات مختلفة لمترو الأنفاق في طوكيو)*..أتعلم ما هو السارين؟
عقد حاجبيه وقال باهتمام كبير : غاز الأعصاب؟
هزت رأسها وقالت بألم : نعم ..قاموا ببساطة مميتة بقتل العشرات واصابة المئات بتأثير الغاز المدمر..لقد ذهبت الى اليابان بنفسي والتقيت بمجموعة من الضحايا مازالوا على قيد الحياة والتقيت أيضا ببعض من المنتمين لهذه الجماعة التي تحمل أفكارا غريبة وشاذة ,كانوا يعتقدون انهم بقتلهم الأبرياء سيطهرون العالم من الشرور والآثام..الغريب أن الستة الذين قاموا بارتكاب تلك الجريمة الرهيبة كانوا من أفضل العقول في اليابان وحاصلين على أفضل المراكز ,وبعضهم كان في جامعة المتفوقين..أتصدق هذا؟
قال بجدية وتأثر : نعم أصدق,أصدق أن أي عقل خالي من العقيدة الصحيحة يمكن ملئه بمعتقدات فاسدة والسيطرة عليه وتوجيهه للشر بكل سهولة
أصدق أن قلبا لا يمتلئ بالإيمان الحقيقي لن يعرف قيمة الحياة ولن يردعه شئ عن ارتكاب المعاصي والآثام وأبشع الجرائم
من لديهم ايمان راسخ وعقيدة قوية تحميهم يؤمنون تماما أنه لا يجوز لهم الإنتقام من الأبرياء الذين لم يسيئوا اليهم وان العدالة الحقة هي عدالة رب السماء الذي حرم الظلم على نفسه وجعله محرما بين العباد
ان من يعرف الله حقا ويتبع رسوله يؤمن بأن الأصل في الإسلام هو التسامح بل والعفو حتى عمن ظلمنا لأن حياته صلى الله عليه وسلم كانت سلسلة متصلة من التسامح والعفو
أصدق أن من لا يخاف الله..فممن يخاف؟
قالت بتأثر كبير : هل تظن أن الإيمان يمكن أن يحمي قلب الإنسان وعقله من الشر والوقوع فى الخطأ وارتكاب الجرائم؟
قال بابتسامة حانية : وهل تظني أنتي العكس؟
دمعت عيناها خفضت رأسها وأغمضت عينيها وظهر الألم فى ملامحها,فسألها بلهفة : سارة ,ما بك؟ هل تعبت؟
قالت بصوت واهن وهي تمسك برأسها : لا,ولكن الشمس قوية للغاية ,والرمال البيضاء تعكس الضوء المبهر وتلقي به في العين مباشرة
قال بحنان : هل نعد الى البيت لترتاحي ؟
هزت رأسها بالنفي فقال : ما كان يجب أن تنسي نظارتك الشمسية اليوم
أكمل وهو يخلع نظارته عن عينيه : خذي نظارتي
قالت مباشرة : لا انها تغير ألوان الأشياء,وأنا أريد أن أرى كل شئ بوضوح
صمتت قليلا ثم قالت : أظن أنني بدأت أعتاد ذلك النور الساطع.. عجبا,لقد بدأت أرى أشياء جديدة لم أكن أراها من قبل
لا أذكر متى رأيت الشمس ساطعة وقوية بهذه الطريقة؟
ابتسم بحب كبير وأمسك يدها وشبك أصابعها بين أصابعه وعادا يتأملان تلك اللوحة الربانية الخلابة, وبعد طول صمت قالت سارة بصوت يملؤه الشجن : كلما نظرت في المرآه أتساءل من هذه الطفلة التي تبدو لي وتتكلم بلساني وتسكن جلدي؟
الآن فقط عرفتها ..هي نفس الطفلة التي كانت تسير دوما بجوار سيدة ريفية تخفي جمالها بالحجاب وتذهب الى المسجد لتتعلم كيف تقرأ القرآن ,كانت أمنية حياتها أن تحفظ القرآن كاملا ..ولا ينطق لسانها الا بالدعاء أن يحفظ الله طفلتيها
رفع علي حاجبيه وأخذ يتأملها بدهشة عظيمة
نظرت اليه وقالت بغرابة : أنت أول انسان أخبره بذلك
لا ادري لم أنت بالذات الذي أستطيع التحدث أمامه بتلك الأشياء
ابتسم قائلا : هل بدأت تثقين بي أخيرا؟
نظرت الى البحر وقالت بجدية : لم يحظ بثقتي المطلقة فى هذا العالم سوى شخصين اثنين
قال بدهشة : اثنين فقط؟
قالت : نعم فمعيار الثقة عندي يرتبط بالصدق وكلما كان الإنسان صادقا كلما ازدادت ثقتي به..وليس من السهل في هذا الزمان أن تجد الكثير من الصادقين
قال بمرح : بالتأكيد أنا أحدهما
ابتسمت قائلة : نعم,ولكن صدقك شديد الإستفزاز
والثانى ,هو جيف..أقصد د.جيفري باركلي
اختفت ابتسامته وعقد حاجبيه بدهشه : عجبا.كنت أظن الثاني هو أباك
ظهر على وجهها الإرتباك وأدارت عينيها الى البحر لتهرب من نظراته الكاشفة ثم قالت بعد صمت : جيف هو استاذي ومعلمي ساعدني كثيرا عندما كنت في أمريكا
كان أستاذي في الجامعة وكان معجبا بتفوقي وذكائي وساعدني كثيرا في دراستي,وبمجرد أن أنهيت دراستي أوجد لي عمل في المركز وفعل كل هذا بلا مقابل
قال علي باهتمام : يبدو أنك كنت متفوقة للغاية
ابتسمت قائلة بفخر : لقد تفوقت على كل زميلاتي في المنحة رغم أن أغلبهن من عائلات ذات مناصب رفيعة في بلادهن كما أخبرتك ..كنت الأفضل دائما,وهذا ما جعل جيف يهتم بي لدرجة أنني عندما أصبت ببعض نوبات الإكتئاب التي أثرت بشكل ملحوظ على مستوى تحصيلي الدراسي,أرسلني الى طبيب نفسي قريب له وقام بعلاجي بأحدث الأجهزة والتقنيات الطبية الحديثة
وحتى الآن يساندني, وسوف يرشحني لرئاسة فرع المركز فى مصر
اختفت ابتسامته تماما وظهر على وجهه التفكير العميق وأدار وجهه الى البحر شاردا
فسألته بدهشه : علي..هل هناك ما يسوء؟
تنهد بقوة ونظر اليها وابتسم ابتسامة مغتصبة وقال : يبدو أنني بدأت أغار
ابتسمت قائلة : ان جيف هو استاذي ومعلمي ولا شئ أكثر من ذلك
هز رأسه بشرود وعاد ينظر الى البحر وهو يردد : لا شئ أكثر من ذلك ... نعم أصدقك تماما...