بعيداً عن الأرض✔️

Judy_abbott_ tarafından

43.4K 2.4K 915

‎التفت يراقب الشمس و هي تغيب بعيداً بين الأفق بينما كان الهدوء الذي حل في الأرجاء لا يشوبه إلا صوت صراخها و ب... Daha Fazla

بعيداً عن الأرض
||الفصل الأول||
||الفصل الثاني||
||الفصل الثالث||
||الفصل الرابع||
||الفصل الخامس||
|| الفصل السادس ||
||الفصل السابع||
||الفصل الثامن||
||الفصل التاسع||
||الفصل العاشر||
||الفصل الحادي عشر||
||الفصل الثاني عشر||
||الفصل الثالث عشر||
||الفصل الرابع عشر||
||الفصل الخامس عشر||
||الفصل السادس عشر||
||الفصل السابع عشر||
||الفصل الثامن عشر||
||الفصل التاسع عشر||
||الفصل العشرون||
||الفصل الواحد و العشرون||
||الفصل الثاني و العشرون||
||الفصل الثالث و العشرون||
||الفصل الرابع و العشرون||
||الفصل الخامس و العشرون||
||الفصل السادس و العشرون||
||الفصل الثامن و العشرون و الأخير||

||الفصل السابع و العشرون||

695 49 23
Judy_abbott_ tarafından

حطت إحدى مراكب كوكب جليزا على أراضي كوكب الأرض، تحديدًا في مكان ألبرت السري. لم يكن من الصعب على ألبرت كثيرًا إقناع الجميع بالرحيل عن كوكب جليزا وخارج جدران قصر فيكتوريا الذي تملكته الأحزان والذكريات الأليمة تحديدًا. كانت عملية إقناع توماس ووليم هي الأسهل؛ فلم يكن أحد منهما يحب البقاء على هذا الحال، ورغم أن وليم كان يسعى للابتعاد عن مشاكل جدته واشتباكها مع والدته، إلا أن رضوخ جنيفر لما قاله ألبرت كان دافعًا كبيرًا لجعله يوافق فلقد كانت والدته هي العائق. كان ألبرت يعلم منذ البداية أن داخل إرورا شيء دفين غير الذي كانت تحاول إظهاره من عدم مبالاة لما يحدث، فلقد علم أنها من النوع العنيد جدًّا والمتمرد أيضًا.

استطاع توماس إقناعها أيضًا رغم أنها تشجارت معه بسبب أفكاره السابقة ومنعه إياها من التدخل في مثل هذه الأمور من قبل. كانت إرورا واقعيًّا بحاجة إلى تحفيز فقط، فهي تتمنى منذ زمن أن تحدث تغييرًا وبدا ذلك هدفًا أكبر بعد وفاة شقيقتها. أن تصبح فيكتوريا الحاكمة والمتحكمة بكل شيء هو أمر لن تتقبله أبدًا؛ فلن تتحمل فكرة الاستعباد مجددًا. دافع جنيفر كان رغبة منها بحماية إرورا ووليم من شرور والدتها وإيقافها عند حدها والبحث عن حياة يعمها السلام. احتاج ألبرت إلى جهد مضاعف حتى أقنع ليوناردو بفكرة الرحيل، فقد كان متشبثًا بيأسه إلا أن قصة والده حركت داخله شيئًا كما آلمته، أقنعه ألبرت أنه من الواجب عليه إتمام ما بدأ به والده، فلقد كان هدفه الأساسي هو حماية العالم من شرور فيكتوريا، ذكره أن عليه إيقاف فيكتوريا من أجل فيوليت ومن أجل والدته فوجده يوافق على مضض بعد تدخل كل من توماس ووليم.

كان هناك هدف واحد يوحدهم وهو إيقاف فيكتوريا، إلا أن ألبرت ما زال يطمح وبشدة للانتقام من الحكومة.

جلس الجميع في كوخ ألبرت الصغير ليبدؤوا بمناقشة ما يجب عليهم فعله بالضبط، قال ألبرت بعد أن رفع ناظريه عن شاشة الحاسب:

«الأخبار تقول أن هناك عدة مناطق قد استحوذ عليها جنود فيكتوريا». صمت قليلًا ثم أتبع: «أخاف أن تتصرف الحكومة بجنون».

«ماذا تعني؟». سأل توماس وهو يراقب ملامح ألبرت المرتبكة.

«أعرفهم تمامًا، لن ينتظروا طويلًا حتى تستحوذ فيكتوريا على كل شيء». زفر ألبرت بحيرة ثم تابع: «سيقدمون على شيء مجنون ولن يهتموا حتى بعدد الضحايا، إن فعلوا فلن تنتهي هذه الحرب أبدًا».

«وما الذي علينا فعله الآن؟». قالت إرورا بضجر فلقد أغاظها حديثه بطريقة الألغاز وهي لا تفهم أي شيء مما يقوله.

«علينا أن نوقفهم بكل تأكيد.»

نظرت إرورا نحوه باستنكار ثم سألت:

«نحن الستة سنوقفهم؟»

تجاهل ألبرت نبرة إرورا المتهكمة وأجاب بجدية:

«أقترح أن ننقسم إلى مجموعتين، لست متأكدًا مما إن كان لا يزال لدي القدرة على دخول المنطقة الخاصة بحكومة كوكب الأرض، ربما لن يستطيعوا أن يعوا وجودي بعد الآن لذلك آمل أن يكون هذا ممكنًا». صمت قليلًا يفكر ثم أردف: «لدينا أسلحة من التي جلبناها معنا من القصر ولدي أنا سلاح أيضًا لذلك بإمكاننا اقتحام مقر المسؤولين بهدوء، لن يهتموا كثيرًا بحراسة مقرهم إن شددوا الحراسة على الحدود الخارجية وبمجرد دخولنا سنتعدى مرحلة الخطر».

بتر ليوناردو حديث ألبرت قبل أن يستطيع إكمال خطته ليقول:

- ألا تظن أنهم سيمنعون دخول أي أحد وأنهم سيضعون حراسة أيضًا على بوابة الدخول؟

- لن يفعلوا لأن لا حاجة لهم أن يهدروا طاقات في أماكن لا تستحق، البوابة التي دخلنا منها هي بوابة سرية أساسًا لذلك هي مهجورة وبعيدة عن أنظار سكان مدينة الأحلام الخاصة بعوائل المسؤولين والأشخاص المهمين، بالإضافة إلى كون الأمن الخاص بها معقدًا ويستحيل على شخص لا يملك إذنًا بالدخول أن يدخل، لذلك ستجد جميع ضباطهم يحمون البوابات الرئيسية والأماكن المكشوفة.

اكتفى ليوناردو أن أومأ لألبرت ليستأنف حديثه قائلًا:

«أعتقد أنه من المناسب لو ذهبت أنا و ليوناردو وتوماس وإرورا في مهمة اقتحام مقر المسؤولين، وسنحاول عندئذ معرفة ما يدور في رأسهم ونمنعهم من عمل أي شيء مجنون. أما وليم وجنيفر فأعتقد أنه من الأفضل لو حاولا التأثير على فيكتوريا أو حتى البقاء معها لمراقبتها، أعتقد أن وليم يستطيع أن يؤثر على فيكتوريا أو حتى يردعها عن فعل أي شيء مؤذٍ حتى نستطيع أن نتصرف.»

«ولكن كيف عسانا نؤثر على جدتي؟ أنت تعرف جيدًا أنها لم تكترث لأحد عندما أخذت شقيقتي وأذت والدتي». قال وليم ساخرًا، فلم يكن ما اقترحه ألبرت منطقيًا أبدًا بالنسبة له، فلو اكترثت جدته ولو مرة واحدة لأحد لما فعلت ما فعلته.

«والدتك ما زالت نقطة تأثير قوية على فيكتوريا، وإلا لما اكترثت واضطربت بشدة عندما اكتشفت والدتك الحقيقة وكادت توقف كل شيء من أجل ألا تنهي جنيفر حياتها. أنت كذلك حفيدها الذي تنتمي إليها وتحمل الدماء الملكية في نظرها.»

تنهد وليم وهو يحدق بالأرضية، لم يكن يستطيع أن يجد تفسيرًا لتناقض جدته وكيف عساه يؤثر عليها.

«أقترح أن تستعطفاها بدايةً وأن تنضما لصفها، ثم عندما يحين الوقت ستقفان في وجهها». قال ألبرت مستأنفًا حديثه.

نظرت جنيفر نحوه باستنكار ثم أجابت بحدة:

«لن أستطيع أبدًا أن أقف في صفها حتى لو كان تظاهرًا، ضميري لن يسمح لي و صورة فيوليت لن تفارق مخيلتي.»

ابتسم ألبرت بشيء من الضجر ثم قال:

«هذا ما ستفعلينه من أجل ابنتك، لماذا لا تحسنون التخطيط؟ ماذا ستكسبون إن استمررتم بالعناد والعيش في طيات الماضي؟ لقد مر كل شيء وانتهى، وإن كنتم حقًّا تريدون تقديم شيء للبشرية بأكملها فعليكم أن تقدموا بعض التضحيات، أتفهّم تمامًا ما فقدتم ولكن هذا لا يعني أن العالم قد انتهى.»

«فقط من أجل فيوليت وإرورا ووليم أبنائي». قالت جنيفر بشيء من الانكسار، لقد كانت تحاول جاهدة أن تصدق أن الحياة لم تنتهي بعد، وأن إرورا ووليم ما زالا موجودين، لكنها ما زالت تشعر بألم مفارقة جزء لا يتجزأ من روحها.

لم تكن إرورا تفهم سبب عدم تفاعلها مع مشاعر جنيفر نحوها، كانت لا تشعر بشيء اتجاه كلماتها العميقة والصادقة. كانت تكن لها الاحترام بما أنها والدتها الحقيقية التي عاشت معذبة منذ أن فقدتها هي وشقيقتها، ولكن الأمر ما زال بالنسبة إليها مجرد قصة عابرة حدثت في الماضي. لا تعرف ما مصدر تعلقها بفيوليت رغم أنها دخيلة في حياتها كما هي جنيفر، لكنها كانت تشعر كأن روحها مقترنة بروح فيوليت، شيء عميقٌ غادرها مع وفاتها. ذلك الشيء الذي جعلها تحيا طوال سنواتها السابقة والذي غادرها مع مفارقة فيوليت الحياة، أليس الأمر في قمة الغرابة؟

«إذن سأغادر الآن برفقة وليم ووالدته كي أوصلهم إلى أقرب موقع من المنطقة التي تتواجد فيها فيكتوريا الآن، وأوقن تمامًا أن لا أحد سيؤذيهم لأن المكان محاط بحراس فيكتوريا فقط الذين يستطيعون التعرف على وليم ووالدته. البقية سينتظرونني هنا حتى أعود ثم ننطلق.»

كان وحده ألبرت من يخطط ويطرح الخطط، أما الجميع فاستمر بالإنصات إليه على أمل أن تنتهي الحرب، ولكن لم يكن هذا ليحد من خوف بعضهم من فكرة الرحيل في سبيل هذا الهدف.

***************************

كانت إرورا تراقب شروق الشمس من نافذة سيارة ألبرت، كان الشروق جميلًا وقد أحبته دومًا وراقبته منذ أن كانت طفلة صغيرة في كوكب كيبلر ولكن هذه المرة كانت مختلفة عن كل المرات. كانت تشعر كأن الشمس ستشرق لآخر مرة رغم أنه أجمل شروق شاهدته على الإطلاق، فقد كانت الشمس جميلة هنا على كوكب الأرض. كانت السيارة تسير على طريق محاط بالمزروعات على كلا الجانبين حتى دخلوا داخل غابة محاطة بالأشجار حجبت ما بدأ يظهر من أشعة الشمس في الأفق. طلب ألبرت منهم جميعًا أن يغيروا ثيابهم حتى لا يلفتوا الأنظار ويثيروا ريبة سكان مدينة الأحلام، فاضطرت إرورا لارتداء ملابس شقيقتها التي تركتها في الحقيبة قبل أن تغادر. كانت ملابس شقيقتها جميلة للغاية وغريبة بالنسبة لها أيضًا، لقد شعرت وهي تنظر إلى نفسها في المرآة أنها بدت جميلة في أول مرة في حياتها، بدت أنثى أول مرة. ارتدى كل من ليوناردو وتوماس ملابس تخص ألبرت ولقد بدا توماس مختلف الهيئة كما ظل هو يحدق بها طويلًا بعد أن ارتدت ملابس شقيقتها، فلقد بدت حقًّا كأنها شخصٌ آخر. كان المكان حولهم هادئًا يعيش في سلام تام، إلا أن ألبرت وصف لهم ما رآه من مظاهر حرب وخوف حول المناطق التي استحوذت عليها فيكتوريا، كما أنه استطاع الحصول على بعض المقاطع التي نشرت في نشرات الأخبار. اقتحم جنود فيكتوريا منازل الناس بهمجية وثار السكان الخائفون، أغلقت المتاجر ومراكز التسوق وماتت ظواهر الحياة. توقفت الشركات والأعمال وأغلقت المدارس كما حظر التجول في الطرقات. السكان في حالة ذعر شديدة بلا حول ولا قوة.

كان ألبرت مضطربًا جدًّا، فلولا ما حصل مع ليوناردو واضطراره للبقاء معه في ظروفه الصعبة لما سمح لفكتوريا أبدًا أن تتجاوز حدودها، ولكنها فعلت وانتهى الأمر ولم يعد بمقدوره فعل شيء.

وصلوا إلى البوابة ثم قام ألبرت بوضع بطاقته لتفتح البوابة بعدئذ ويستطيعوا الدخول بالسيارة. تابع ألبرت قيادة السيارة في طرقات شبه مهجورة تشبه التي قبلها، حتى بدأت الأضواء تنبعث عندما اقتربت السيارة من طرقات المدينة. بدأت الأبنية العالية تظهر أيضًا، لاحظ ألبرت أن نشاط المدينة ليس كما اعتاد أي يراه فلقد كانت المدينة أقل إضاءة والمتاجر المفتوحة أقل أيضًا، كما أن زحمة الطرقات قليلة رغم أن نشاط السكان يكون كثيرًا في فترة شروق الشمس؛ فهم يقضون جلّ أوقاتهم بالاستمتاع ليلًا ثم يعودون إلى بيوتهم مع شروق الشمس في العطل حتى ينام أفراد الشعب باكرًا من أجل وظائفهم الصباحية.

ركن ألبرت السيارة بجانب أحد أرصفة الشوارع ثم التفت لينظر إلى إرورا وتوماس ثم قال:

«لدي خطة تستوجب منكما أن تكونا بطلاها.»

ظهرت علامات الاستغراب على وجه إرورا فلم تكن تدري أنها ستفعل أي شيء مهم في هذه المهمة، خاصةً أنها تجهل كل شيء يخص هذا المكان، وهذا ما يجعلها في رأيها غير قادرة على تقديم أي دور مهم.

- أنا وليوناردو معروفان لدى موظفي مبنى المسؤولين، فيستحيل علينا الدخول هناك.

- وما الذي يمكننا فعله؟

قالت إرورا بعد أن عقدت حاجبيها باستنكار فلم تكن تفهم خطط ألبرت المجنونة.

«أنتما تستطيعا الدخول دون شك أحد بأمركما.»

*********************

رمقت الموظفة كلًّا من توماس وإرورا عندما كانت منشغلة بمتابعة شاشة الحاسب أمامها، وما هي إلا دقائق قليلة حتى نظرت نحوهما لتقول:

«لا يمكنني إدخالكما الآن فلم أجد أي موعد لكما مع السيد برنالد.»

جلس توماس على الكرسي أمام مكتب الموظفة ثم قال بصوت خافت:

«نحن هنا بأمر سري وضروري ومستعجل جدًّا، سيغضب منك السيد برنالد حتمًا إن لم تدخلينا الآن إلى مكتبه.»

اضطربت تعابير وجه الموظفة قليلًا ولكنها عادت لتقول بارتباك:

«ولكن سيدي، لا أملك الصلاحية لإدخالكما الآن مهما كانت الأسباب.»

حاول توماس المحافظة على هدوئه وبرودة أعصابه وهو يقول لها مبتسمًا:

«هل تسمحين لي أن أحدثه هاتفيًا وأطلب منه إذنًا بالدخول؟»

امتعضت ملامح الموظفة ولكن لم يكن منها سوى أن التقطت سماعة الهاتف أمامها وبدأت تضغط على بضعة أزرار، ثم بقيت تنتظر قليلًا ريثما تحصل على رد.

أغلقت الموظفة سماعة الهاتف ثم قالت بملامح مرتبكة:

«أعتذر، ولكنني لم أتلق أي رد، يبدو أن السيد برنالد لديه اجتماع الآن.»

«سيدتي، رجاءً أن تعلميه بوجودي وغرضي من القدوم إلى هنا، إنه أمر طارئ جدًّا بخصوص الظروف الصعبة التي نمر بها». صمت قليلًا ثم أتبع: «أخبريه أن لدي معلومات خطيرة عن المدعو ألبرت».

كانت الموظفة مرتبكة جدًّا فلم يكن بإمكانها معرفة ما عليها فعله، ولكن إن كان ما جاء من أجله هذا الشاب مهم جدًّا وظلت تمتنع عن إدخاله سيوبخها السيد برنالد عندئذ ويسبب لها الموضوع الكثير من المشاكل وهي لا ترغب بهذا، نهضت من كرسيها ثم اتجهت نحو باب المكتب لتطرقته ثم انتظرت قليلًا حتى جاءها الإذن.

كان برنالد يجلس مع المسؤولين حول طاولة الاجتماع، كان عليهم أن يخططوا للكثير من الأمور بعد فكثرت اجتماعاتهم معًا.

نظر برنالد نحو الموظفة بغضب شديد ثم قال بصوت عالٍ محتد:

«كم مرة علي أن أخبرك أن لا تقطعي علي اجتماعاتي؟»

ارتعدت الموظفة لتجيبه بتلعثم:

«آسفة سيدي، ولكن هناك شخصين خارجًا يلحان في طلب الدخول، ويقولان أن لديهما معلومات خطيرة تخص الوضع الراهن وأخبارًا عن شخص اسمه ألبرت».

تجمدت أطراف برنالد وبقي يحدق بالموظفة دقائق قليلة ثم أجاب دون تفكير وبلهفة:

«أدخليهما.»

التزم المسؤولون الصمت وهم يتابعون برنالد ورد فعله.

دخل كل من توماس وإرورا بهدوء وانتظرا حتى خرجت الموظفة وأغلقت الباب ثم اقتربا من طاولة الاجتماع بثقة.

«في الحقيقة، لدي معلومات سرية وخطيرة جدًّا سيد برنالد.»

لمعت عينا برنالد وقد تسارعت نبضات قلبه وهو ينتظر ما سيقوله توماس، فقال له بنفادذ صبر:

- هيا، قل ما لديك بسرعة.

- هل تسمح لي بالاقتراب منك سيد برنالد؟ أريد أن تسمع وحدك ما سأقوله، أريد أن أهمسه لك في أذنك.

«هيا اقترب». قال برنارد دون تفكير، فقد كانت أعصابه على وشك الاحتراق لم يكن لديه أي صبر لتحمل فاجعة جديدة، ولكن لعله خبر مفيد.

اقترب توماس منه ثم انحنى جانب أذنه وقبل أن ينطق بأي شيء سحب سكينًا من جيب بنطاله ووضعه أمام رقبة برنالد، وما إن فعل ذلك حتى أخرجت إرورا مسدسها ووجهت فوهته نحو رأس برنالد.

«اللعنة!» قال بصوت مرتفع وغضب شديد فلقد أفجعته المفاجأة، لم يكن يصدق ما يحدث أبدًا.

همس توماس في أذنه فورًا: «اطلب من أصحابك أن يتخلصوا من أسلحتهم وألا يتحركوا أبدًا وإلا كلفهم هذا حياة رئيسهم».

تغير لون وجه برنالد و ارتعد وهو يستمع إلى ما قاله توماس، وقد تجمدت أطراف جسده وهو يحس ببرودة السكين على عنقه، فقال وهو بالكاد يبتلع غصته:

«لا تتحركوا وارموا بأسلحتكم بعيدًا.»

ظهرت معالم الخوف والرعب على وجه المسؤولين الخمسة ثم قاموا برمي أسلحتهم بعيدًا بعدما امتعضت ملامح جورج بشدة، فقال باحتدام:

«من أنتم أيها القذرون؟ من أرسلكم لـ...»

ولكن توماس بتر جملته قائلًا بصوت عالٍ وبملامح غاضبة:

«لا أريد سماع أي شيء، حتى الكلام سيكلفكم الكثير.»

اقتربت إرورا منه لتوجه فوهة مسدسها نحو رأسه ثم قالت بنبرة هادئة:

«أم أنك تفضل أن تقتل على أن تبقى صامتًا؟»

ارتجف جسد جورج وهو يستشعر فوهة المسدس تقترب من رأسه فقرر التزام الصمت ببساطة، فلم يكن أحد منهم مستعدًا لخسارة حياته، كانوا يخافون الموت بشدة خاصة إن كان اغتيالًا أو قتلًا.

«ستهاتف الآن جميع الموظفين لتأمرهم بالانصراف ومغادرة حراس البوابة دون أن يغلقوها.»

تكدرت تعابير وجه برنالد وهو يستمع لما يقوله توماس فهذا يعني هلاكهم، لا يمكن أن يسمح بهذا أو أن يوافق على طلبه.

«لا أستطيع، سيثير الأمر ريبتهم وستقعون في مشاكل».

نظرت إرورا نحوه بحدة ثم قالت ساخرة :

«حقًّا! ألهذه الدرجة تكترث لأمرنا؟» أتبعت بنبرة صوت حادة: «نفذ دون نقاش وإلا...».

وقبل أن تكمل إرورا تهديدها قرب توماس سكينه من رقبة برنالد وشد عنقه أكثر إلى الخلف، فما كان منه سوى أن أمسك سماعة الهاتف بأصابع يده المرتجفة وأمر الموظفة أن تطلب من جميع الموظفين وحراس البوابة المغادرة فورًا، وقد كان صوته مختنقًا جدًّا حتى ظنت الموظفة أن شيئًا خطيرًا قد حدث يخص الأخبار الأخيرة.

مرت حوالي نصف ساعة حتى غادر جميع الموظفين وحراس المبنى، ولم يطل انتظار كل من توماس وإرورا طويلًا حتى حضر ألبرت واقتحم غرفة الاجتماع بطريقة جعلت المسؤولين يظنون أن أحدًا حضر ليخلصهم وأن ما حدث مجرد تمرد بسيط سينتهي، لكن فاجعة برنالد خاصةً برؤية ألبرت كانت كبيرة جدًّا فلم يتوقع هذا أبدًا.

«أنت!». قال بنبرة مهشمة وتعابير الغضب والحنق الشديد بادية على وجهه، فإلى متى سيعايش هذا الكابوس الذي لاحقه سنوات؟

«نعم أنا، أنا ذلك الشاب الذي ظننتم أنكم ستتخلصون منه بسهولة، لقد عدت الآن من جديد لأنني مُصر جدًّا على تدميركم وجعلكم تدفعون ثمن جميع جرائمكم بلا استثناء. لقد حان وقت الحساب يا أسياد». قال ألبرت وهو ينظر نحوهم بحقد شديد.

بدا الارتباك واضح على وجوههم وهم يستمعون إلى كلمات ألبرت، فقد بدؤوا يصدقون فعلًا أن أمرهم قد انتهى.

«إذن حدثونا عن مخططاتكم، كيف ستشاركون في الحرب؟»

ابتسم جورج ساخرًا ثم قال:

«سنشارك طبعًا، وستكون مشاركة عظمى لن يستطيع أحد الصمود أمامها.»

لم يكن من ألبرت سوى أن ابتسم هو الآخر وقال:

- أعرف عزيزي، فأنا أحفظكم أفاعيلكم جيدًا ولهذا جئت هنا لأخيركم، إما أن تختاروا حياتكم الثمينة أو تلك الخطة التي لن تغير من مصيركم شيئًا.

- ستغير الكثير، وإذا كنت تبحث عن إجابة وتريد أن تعرف ما خيارنا فسأعلنه الآن.

قال وهو يصك على أسنانه بغضب شديد حتى كاد يبتلع حروف كلماته ثم أتبع ونظراته تزداد حدة:

«نحن لن نتخلى عن خطة قذف المناطق التي يحتلها الأعداء بمدافعنا مهما كلف الثمن، وافعل ما يحلو لك، فبكل الأحوال لن تستفيد شيئًا من قتلنا.»

رفع ألبرت حاجبيه باستنكار ثم قال:

«ومن قال أنني سأمنحكم الموت الرحيم؟ سأجعلكم تتعذبون كما عذبتم الكثير من الأرواح.»

صمت قليلًا ثم نظر نحو برنالد وأتبع: «ما رأيك سيد برنالد بكلام خادمك هذا؟».

كان جورج على وشك فقدان أعصابه؛ فتلقيبه بالخادم قد هز كبرياءه بشدة ورغب أن يقتل ألبرت حالًا لولا شعوره بقرب فوهة المسدس من منتصف رأسه.

«لا مجال للتراجع ولقد أعطيت أوامري للضباط، وما هي إلا بضع ساعات حتى تتحول المناطق إلى حطام وتتناثر أشلاء كل من فيها.»

كانت هذه المرة الأولى التي يعجز بها ألبرت عن التحكم بغضبه الشديد فوجد نفسه يهجم على برنالد وعيناه على وشك افتراسه، فقد كان هذا يمسه بشدة، لم يكن يتحمل أن يدفع كل أولئك الأبرياء حياتهم ثمنًا لجشع وظلم الحكام، لم يكن قادرًا على مراقبة من هم أمثاله. لاحت أمامه صورة سيارة شقيقته وزوجها بعد أن انفجرت وتناثرت أشلاء جثث من كانوا يركبونها. لن يسمح لهم بتكرار هذا، فقال لبرنالد وأنفاسه تتسارع:

«ستوقفهم حالًا والآن ودون...»

لكن برنالد بتر جملته وقاطعه وهو يرفع حاجبيه برود وعلى وجهه ابتسامة ساخرة:

«لن أفعل.»

ارتجف جسد ألبرت وشعر أنه على وشك الانهيار وعقله لا يتوقف عن التفكير بكل المآسي التي مر بها وما سيحدث إن تكررت من جديد، كان يتخيل الكثير من الصور البشعة لأشلاء متناثرة تشبه أشلاء جثة شقيقته وأطفالها الصغار. كانت صغيرة أمام الموت، ابتسامتها لم تفارق مخيلته طوال تلك السنوات لقد كانت حنونًا جدًّا، كانت شقيقته الصغرى التي وجد عندها المرح والسعادة دومًا. كانت طفلة شقية استمرت بإيقاعه في المشاكل مع والديه لأنها تحب المرح والمغامرة وكانت دومًا ما تسلم من العقاب. تذكر ابتسامتها الخبيثة والمرحة من خلف ظهر والديها وهي تشهد توبيخهما إياه. لم يكن يرغب أن تنجرف ذاكرته أكثر من هذا فقد خشي أن يفقد قدرته على التحكم بدموعه أمام برنالد، وبينما كانت صوت ضحكات شقيقته المرحة هي وأطفالها تسمع في أذنيه أخرج مسدسًا كان قد وضعه في جيب معطفه ثم همّ بالضغط على الزناد سريعًا بعد أن وجه فوهة المسدس نحو رأس برنالد. لم يكن يعي ما حدث ولم يكن يملك القدرة على إيقاف نفسه. لم يبق سوى صدى صوت الرصاص مسموعًا لدى الجميع وقد ارتعدت ملامح المسؤولين وبدت ملامح الصدمة على وجه توماس وإرورا فقد طلب منهم أن لا يقتلوا أحدًا منهم.

التفت ألبرت ثم نظر نحو جورج بعينين حمراوين ثم قال:

«والآن، هل ما زلت مصرًا على موقفك؟ أم تحب أن نجرب طريقة جديدة في قتلك؟»

ارتجف جسد جورج وقد كان عاجزًا عن أخذ نفسه حتى، فقد أرعبه مشهد قتل برنالد أكثر مما تصور أنه سيفعل، فأجاب متلعثمًا وقد بدا عليه الخضوع التام:

«صدقني، لا أملك أي صلاحية لأمرهم، هم يتلقون أوامرهم من برنالد فقط وأنا مجرد متحدث، القرار قرار برنالد وأنت قتلته.»

«حسنًا». قال ألبرت وهو يحاول تنظيم أنفاسه ثم نظر نحو توماس الذي تراجع بعيدًا عن جثة برنالد ثم قال وهو يناوله الحبل الذي في يده: «أريدك أن تقيدهم في كراسيهم لنتركهم هنا ينتظرون مصيرهم المؤلم».

حالما همّ كل من إرورا و توماس بتقييدهم بالكراسي بجانب بعضهم بعضًا بدأ جورج يتوسل بنبرة منكسرة:

- أرجوك، لا عللاقة لي بكل هذا، أنا مجرد خادم كما قلت ولا أقدم أي شيء، ليس لي سلطة، أرجوك، اعف عني فأنا لا أريد أن أموت.

- كان يجب أن تقنع نفسك بهذا الكلام قبل أن تنطق بالتراهات، والآن ستدفعون الثمن جميعكم على الاشتراك في كل تلك الجرائم، وما هي إلا دقائق حتى نترككم هنا في الظلام ونقفل باب هذا المكتب ثم نحرقه وتستمتعوا أنتم بالنار التي أحرقتم بها قلوب ضحاياكم وبالعذاب الذي سببتموه لهم.

تحول المسؤولون إلى متوسليون وقد بدؤأوا ينوحون وهم يطلبون العفو من ألبرت، معتقدين أنه سيحرقهم في غرفة المكتب المغلقة وهم مقيدون، ولكن كل ما أراده ألبرت هو أن يتركهم يذوقون مرارة انتظار العذاب.

*****************************

قرر ليوناردو بعد فترة انتظارٍ قصيرة في سيارة ألبرت أن يخرج، كان في أمسّ الحاجة لأن يتمشى في الطرقات وكأنه يبحث عن شيء ما. لم يكن يتوقع أن يجرفه الحال إلى هذه الدرجة ويبتعد عن السيارة كثيرًا. كان يصر على عدم مرافقة ألبرت رغم محاولته جاهدًا أن يقنعه وأن يجعله يستسيغ فكرة الانتقام ليشهد نهاية المسؤولين، لكنه في الحقيقة لم يكن يهتم ولم يكن حتى جزءًا من رغبة ألبرت تلك. لم يعرف كيف وصل إلى رصيف بوابة الجامعة، كان بعيدًا عنها قليلًا. وقف في المكان الذي وقفت فيه سيارة فيوليت آخر مرة التقاها هناك، تلك المرة التي وثقت فيها به واستنجدت به لتبتعد عن الخطر وتنقذ نفسها من الموت، فلم يكن منه سوى أن سلمها للموت بيديه. تذكر عندما كان يلمحها بسيارتها صباح كل يوم، ومنذ أن نشأت بينهما صداقة صارت تلوّح له كلما مرت بجانبه. كانت ترغب بمساعدته عندما شعرت أن لديه مشاكل تمنعه من أن يكون كأي شاب يتمتع بحياته، أرادت مساعدته لكنه أراد الغدر بها من أجل مصالحه الخاصة. لم يكن قادرًا على تحمل الألم الذي اجتاح صدره، فلقد أدرك توًّا أنه كان يبحث عنها وهو يجول الطرقات حتى قابله هذا المكان ليصفعه بالحقيقة. بينما كان يحدق في الفراغ شعر بأحد يسحبه من الخلف، كان أصبح معصمه مقيدًا وقد شعر فجأة بشيء يتمدد أمام عنقه. لم يكن يعي ما حدث وهذا ما جعله غير قادر على صد هذا الهجوم المفاجئ.

«أين هي فيوليت؟»

لم يحتج وقتًا طويلًا ليدرك من هو صاحب ذلك الصوت، وكيف ينسى؟ إنه دانيل الذي أثار غضبه في أول يوم له في الجامعة، كأن باستطاعته أن ينسى. ولكن ذلك السؤال قد شل عقله وتفكيره تمامًا، جعله في حيرة من أمره وقد سأل نفسه السؤال نفسه «أين هي فيوليت؟»، هل استطاع عقله أن يستوعب أنها رحلت إلى الأبد أم ما زال يبحث عنها في طيات النسيان؟ لقد كان يعتقد أنه سيقابلها من جديد هنا أمام الجامعة ولكن كان المكان خاليًا.

شده دانيل ثم قرب السكين من عنقه وقال بحنق شديد:

«لماذا لا تجيب؟ أين ذهبت بفيوليت؟ أعرف كل شيء، أنت من اختطفتها.»

لم يفكر ليوناردو بالإجابة ولم يكن حتى يعتقد أن لديه إجابة، لمح سيارة تقف بجانب الرصيف ثم خرج منها ألبرت برفقة إرورا وتوماس. راقب ألبرت وهو يقترب منه بسرعة وما كان من دانيل عندما لمحهم يقتربون سوى أن ابتعد جارًّا ليوناردو معه، وما إن أصبح ألبرت قريبًا منهما حتى صرخ دانيل:

«لا تقتربوا وإلا قتلته.»

نطق ليوناردو عندئذ أخيرًا قائلًا:

«لا تقتربوا؛ الأمر يخصني أنا ودانيل فقط». لقد كان ليوناردو يدرك حال دانيل تمامًا، فبرغم كل شيء كانت فيوليت شقيقته في وقت من الأوقات، وقد فقدها فجأة، ولكن ألم يعلم بالحقيقة بعد؟

بدأ دانيل دون أدنى إرادة منه التحديق بملامح إرورا التي وقفت خلف ألبرت، ارتخت يده التي تحمل السكين قليلًا وهو يتذكر كلام فيوليت عندما كان يجلس معها ذات مرة: «لا أعرف لماذا تجتاحني رغبة غريبة لقص شعري».

راح يطالع ملامحها جيدًا وقد تيقن أنها فيوليت فعلًا؛ فهي رغبت بقص شعرها من قبل فربما فعلتها، ورغم أن ملابسها وهيئتها أثارا استغرابه إلا أنه لم يهتم سوى أنه وجدها أخيرًا. مشاعر من الغبطة اجتاحته وقد شعر بالراحة أخيرًا بعد أن أرقه القلق، فما كان منه سوى أن ألقى السكين من يده واتجه نحوها وقال بلهفة وعيناه تعبر عن شوقه الشديد:

«فيوليت!»

لم يستوعب أحد ما أصاب دانيل فجأة، أما ليوناردو فقد احتاج قليلًا من الوقت حتى يدرك ما حصل، لقد اعتقد دانيل أن إرورا هي فيوليت وهذا ما جعله يلقي السكين من يده ويتجه نحوها بلهفة.

تراجعت إرورا إلى الخلف بعد أن أصبح دانيل قريبًا منها، وقد كان ينوي معانقتها إلا أنها قاطعت حالته تلك وقالت بنبرة متلعثمة والحزن باد على ملامح وجهها:

«لست فيوليت.»

ربما لم يكن دانيل بحاجةً لاعترافها ذاك فقد أدرك فعلًا أنها ليست هي منذ أن اقترب منها وهمّ بمعانقتها، فلا يمكن أن يكون عاجزًا عن معرفة كل تفصيل في ملامح شقيقته فيوليت والذي لم يكن متشابهًا تمامًا مع ملامح وجه إرورا. شعر بالخذلان وربما لم يكن الخذلان فقط الشعور الذي واجهه، انكسر من جديد وشعر بالألم الشديد في قلبه، شعر بالألم ذاته الذي شعر به عندما لم يجد فيوليت، عندما اختفت من حياته.

لم تعرف إرورا ما الذي أصابها وقد استمرت تحدق بدانيل، كأن الآن فقط قد وصلها نبأ وفاة شقيقتها. قالت بصوت مبحوح والدموع تنهمر من عينيها بحرارة:

«فيوليت ماتت ولم يعد لها وجود، أنا لست فيوليت ,لكنني جزء منها.»

لم تعرف كيف خرجت تلك الكلمات، منها فهل أدركت توًّا أن فيوليت جزء منها؟ وإن لم يكن، فهل حزنها على وفاتها بهذه الطريقة منطقي؟ لماذا وجدت نفسها تتلهف للاقتراب منها عندما رأتها على فراش الموت؟ لماذا تشعر بالفراغ الآن؟ لا يمكن أن تنكر حقيقة كون فيوليت جزءًا منها وقد رحل.

«فيوليت ماتت». أحدثت هذه الجملة صدى في رأس دانيل إلا أنه عجز عن تحليلها أو فهمها أو بالأحرى لم يكن يريد فهمها، ورغم هذا شعر أن كيانه يتفتت وهو يقف يراقب دموع إرورا دون أن يستطيع النطق بأي شيء. لا يمكن أن تموت فيوليت وهي تحيا في قلبه، هو ينتظرها ويتمنى لو كانت فقط ابتعدت عن إزعاج والده. ابتعدت فماتت ساندرا، ثم ماتت هي كأن ساندرا عرفت الحقيقة من قبل وانتحرت قبل أن تواجه تلك الحقيقة المرة، شعر بنار تحرق قلبه وتؤلمه، كان يود الصراخ ولكن هل سيداوي هذا ألمه؟ شعور بالغضب اشتعل بقلبه فجأة، غضب من الشخص الذي تسبب بإبعاد فيوليت ثم بقتلها، ودون تخطيط، التفت دانيل ثم هجم نحو ليوناردو بجنون وأمسكه من عنقه ثم صرخ في وجهه:

«أنت السبب، أعلم هذا، أنت من أردت أن تبعدها وتقتلها لتنتقم مني!»

سحبه كل من توماس وألبرت بسرعة بعيدًا عن ليوناردو ولكنه استمر بالمقاومة محاولًا الإفلات منهما، وفي أثناء ذلك تجمد ليوناردو مكانه يراقب دانيل دون أن يفعل شيئًا وكأنه هو أيضًا عاد ليعيش لحظة وفاة فيوليت من جديد.

«ليوناردو ليس السبب ولكنكم أنتم السبب، والدك وبقية المسؤولين». صرخ ألبرت بغضب شديد ثم أردف: «ألم تعلم أن والدك رغب بقتل فيوليت؟ ولولا هربها لكانت جثتها مقتولة مرمية الآن هنا، كنت أرغب أن أرى رد فعلك على هذا عندئذ».

تجمد دانيل مكانه وتوقف عن المقاومة ثم نظر نحو ألبرت وقال باستنكار:

«والدي مَن أراد قتل فيوليت؟ وما علاقة المسؤولين؟»

«نعم، والدك، وقد هربت فيوليت منهم، فيوليت لا تنتمي إلى هذا الكوكب بل جاءت إلى هنا على مركبة فضائية منذ حوالي عشرين عامًا، والمسؤولون أرادوا قتلها منذ البداية.»

كانت هذه الفاجعة بالنسبة لدانيل حتى تذكر ما قاله والده في آخر شجار دار بينهما: «فيوليت ليست شقيقتك، هي لا تنتمي إلينا ولا تنتمي إلى عالمنا، إنها مجرد لقيطة لا نعرف إلى أين تنتمي، ضممتها إلى أسرتي للتغطية على فضيحة ذلك اليوم، هي ليست ابنة ساندرا حتى». لم يكن يتوقع أن والده قد قصد بعالم آخر كوكبًا آخر.

«لم أعرف أي شيء». قال بتلعثم ثم أتبع: «لقد دخلت بيت والدي بعد رحيل فيوليت، لقد كان في حالة يرثى لها وقد نُقل إلى المستشفى، كما أن زوجته وجدت مقتولة ويبدو أنها انتحرت. ساندرا هي زوجة والدي وهي من ربت فيوليت وكانت متعلقة بها جدًّا وهذا ما جعلني أعتقد أن فيوليت قد اختطفت».

ذعر ليوناردو من خبر انتحار مربية فيوليت التي كانت بمثابة أمّ لها، لقد كان كلاهما يعاني وقد وجدا الموت السبيل الوحيد للتخلص من العذاب.

تنهد ألبرت بعد أن شعر ببعض الضيق ثم قال:

«لم تختطف بل هي من هربت بملء إرادتها وماتت في سبيل أن يستطيع سكان كوكب جليزا العودة إلى موطنهم كوكب الأرض، ولكن حاكمة كوكب جليزا دنست تلك الغاية و...».

لم يستطع ألبرت إكمال حديثه فقد قاطعه دانيل عاقدًا حاجبيه بانزعاج ثم قال:

«أنا لا أفهم شيئًا مما تقوله ولا يهمني كل هذا، كل ما كان يهمني هو فيوليت وفيوليت قد رحلت إلى الأبد وانتهى كل شيء بالنسبة لي، وحتى تلك الحاجة التي تجعلني أرغب بالتحدث معكم.»

أنهى كلماته ثم بدأ يمشي مبتعدًا، ولكن ألبرت صرخ من مكانه باأنفعال:

«الحرب بدأت وبرنالد طلب من الضباط أن يضربوا المناطق المحتلة بالمدافع بعد وقت قصير من الآن، سيموت جميع سكان تلك المناطق عندئذ ، هل كانت فيوليت لتقبل بمراقبتك تلك المصيبة وأنت مكتوف الأيدي؟». صرخ بصوت أعلى بعد أن لاحظ ابتعاد دانيل: «فيوليت ماتت من أجل أن يعم السلام وأنت الآن ستكتفي بالحزن على رحيلها دون أن تخلد غاية رحيلها».

توقف دانيل مكانه دقائق وقد كانت الدموع تغطي وجنتيه، ولكن لم يكن بمقدوره الوقوف أكثر مكانه وكأن هذا يزيد من ألمه، فتابع طريقه دون أن يلتفت خلفه من جديد.

*****************************

كان المكان يعج بالضباط والحركة والضجيج، وقد اصطفت المدافع بجانب بعضها بعضًا في صف واحد. كان هذا التجمع الكبير على حدود مدينة الأحلام المطلة على المناطق التي استحوذت عليها فيكتوريا، كانت المدافع المتحركة موجودة أيضًا ومجهزة لبدء الحرب. كان الضباط يرتدون بدلات رمادية وقد حمل كل واحد منهم بندقية على كتفه.

«نحتاج إلى رؤية القائد». قال ألبرت بعد أن استوقف أحد الضباط.

«التواجد هنا ممنوع، كما أن القائد مشغول ويجب أن تغادروا من هنا فورًا». قال الضابط بجفاء وقد همّ باستدعاء من يطردهم، إلا أن ألبرت قال باأندفاع:

«لقد مات رئيس المسؤولين، السيد برنالد.».

تغيرت ملامح الضابط على الفور وقد بدا عليه الارتباك والذعر، فقال قبل أن يستعجل بالرحيل:

«ابقوا هنا، سأعلم القائد بوجودكم.»

طلب الضابط من أحد زملائه البقاء معهم ريثما يعود. كان توماس في حالة ذعر من التواجد في هذه الأجواء كما أنه كان يخشى مما سوف يحدث عند حضور القائد. لم تمر فترة طويلة حتى حضر القائد، كان يتقدم بخطوات ثابتة وعلامات العبوس باديةٌ على وجهه، كان ضخم البنية، تقدم نحوهم ثم قال:

«ما الذي جاء بكم إلى هنا؟ ماذا تريدون؟»

قال ألبرت بثبات وهو ينظر إلى عيني القائد مباشرة بتعابير وجهه الباردة:

«لقد قُتل السيد برنالد وكان قد طلب مني إعلامك أنه يأمرك بإيقاف الهجوم على المناطق المحتلة.»

كان توماس وإرورا يرمقان بعضهما بعضًا، وقد بدت تعابير الرهبة على وجه توماس الذي بدأ قلبه يخفق بتسارع فور حضور القائد، كان يستغرب من شجاعة ألبرت بالحديث معه كأنه يفرض كلامه.

«لم تصلني أي معلومات أو أوامر مؤكدة لذلك لن أستطيع التوقف، ثم ما دليلك على كونك مكلّفًا بإعلامي؟ أم أنك جاسوس أو خائن؟»

«لقد مات برنالد ولم يعد مَن أمركم موجودًا، يجب أن توقفوا هذه العملية فورًا». قال ألبرت بانفعال دون أن يفكر، وقد أصابه حنق شديد من التحدث مع قائد الضباط وقد رغب بقتله فهو لا يختلف كثيرًا عن المسؤولين.

«لا أود سماع أي شيء آخر، لقد أثرتم ريبتي وسأطلب من الضباط أن ينقلوكم إلى السجن حتى أتأكد أنكم لستم جواسيس أو خونة.»

صرخ ببعض الحرس عندئذ وطلب منهم إبعادهم بعيدًا. شد أحد الضباط ليوناردو من ذراعه وعندئذ لم يجد مانعًا من أن يدافع عن نفسه كما كان يفعل من ذي قبل؛ فلم يرغب أن يستسلم بضعف منذ هذه اللحظة، لم يعد الأمر بحاجة للخضوع أبدًا. داهم ليوناردو الضابط الذي سحبه بلكمة أطرحته أرضًا، ولكن هجومه وتحرره من قيودهم لم يدم طويلًا فتكاثر عدد كبير من الضباط حوله، راحت إرورا عندئذ تقاوم أيضًا لتتحرر من قيود الضابط الذي قيدها، ولكن أمسكه أحد الضباط أمسكها من عنقها ثم وضع فوهة المسدس في إلى رأسها مباشرة. أطرح مجموعة من الضباط ليوناردو أرضًا ووضعوا المسدس إلى رأسه أيضًا كما فعلوا مع إرورا، ثم مع ألبرت وتوماس تحسبًا لحصول محاولة تمرد أخرى.

«جميلةٌ هذه المسرحية التي قمتم بها، ولكنها فاشلة للأسف». قال القائد وعلى وجهه ابتسامة ساخرة، حضر أيضًا مجموعة من رؤساء الضباط وقد كانت علاقتهم قوية بالمسؤولين.

أشار القائد بيده للضابط الذي جلس بجانب ليوناردو وقد كان يحمل مسدسًا، وما إن أشار له حتى سحب المجموعة المتحركة الخاصة بالمسدس إلى الخلف ،عندئذ علم ألبرت عندئذ أنه ينوي قتل ليوناردو فصرخ به قائلًا:

«هل ستقتله لأنه يحاول تحريركم من استعباد الحكومة؟ أنتم الضباط المنفذون للأوامر المغلوب على أمركم. إذا قتلته الآن فسيدمرون المناطق التي يعيش بعضكم بها أو حيث تعيش عائلاتكم، سيموتون جميعًا وستقتلونهم بأيديكم.»

لم يكن باستطاعة الضابط سوى أن يحدق بألبرت ويستمع إليه، رغم أن الأوامر تنهاه عن الانتظار إلا أن الكلمات قد هزته من الأعماق وتحدثت عن الحقيقة التي يعرفها ويحاول تجاهلها؛ لأن الأوامر تمنعه من الاعتراض وتعرّضه للقتل إذا اعترض. كان قلبه ينفطر مع مرور كل دقيقة تؤكد اقتراب موعد تنفيذ الأوامر وقذف المنطقة التي تعيش بها عائلته بالمدافع حيث عاش وترعرع، حيث أصدقائه ومنزله وملامح طفولته.

حدق القائد بالضابط بغضب ثم صرخ به قائلًا:

«ماذا تنتظر؟ اقتله على الفور وإلا قتلتك أنت وهو مرة واحدة.»

أصاب الضابط شيء من الذعر فعاد ليوجه مسدسه نحو رأس ليوناردو بيدين مرتجفتين.

«هل ستبقون مستعبدين هكذا؟ ستموت عائلاتكم وستبقى الحكومة تتحكم بكم». قال ألبرت بانفعال محاولًا التأثير على الضباط من جديد وقد كانت دقات قلبه تزداد سرعة خوفًا من أن يقتل ليوناردو دون أن يستطيع فعل شيء.

أصاب القائد حنق شديد من ألبرت، فالتفت نحوه ثم أخرج مسدسه ووجهه نحوه وقال بنبرة صوت حادة وعيناه تشتعلان غضبًا وغيظًا:

«سأخرسك إلى الأبد.»

أبعد الضباط عندئذ مسدساتهم بعيدًا عن رأس ليوناردو، وتوماس وإرورا، إلا أن الضابط الذي كان يوجه مسدسه نحو رأس ألبرت لم يتحرك أو يغير من وضعيته. لم ينتبه القائد إلى ما حصل خلفه حتى شعر باقتراب فوهة المسدس من رأسه. داهم الضباط الرؤساء الثلاثة الذين وقفوا بجانب القائد.

«لا تحاول أن تطلق النار أو تتحرك وإلا ضغطت على زناد المسدس وأنهيت حياتك سيدي القائد». قال الضابط الذي وجه مسدسه نحو رأسه القائد.

ارتجف جسد القائد وشعر أن قلبه سقط من مكانه، لا بد أنه مجرد كابوس مزعج. قال بغضب شديد:

«ما الذي يحدث بالضبط؟»

همس الضابط له ببرود وقد شعر القائد بأنفاسه الغاضبة:

«انقلاب سيدي، انقلاب عسكري.»

انقلاب عسكري يعني أن كل شيء قد انتهى وقد انتهى هو أيضًا.

«ستندمون جدًّا على ما تفعلون، خاصة عندما تدركون خسارتكم لكل شيء باتباعكم أولئك الحمقى». قال بحنق شديد بعد أن رمى المسدس بأمر من الضابط.

اقترب أحد الضباط ليقول وهو ينظر نحو القائد بحقد شديد وهو محكم قبضته بقوة:

«الشيء الوحيد الذي سنندم عليه هو تأخرنا بهذا الانقلاب وتحملنا العذاب الذي ذقناه منك ومن الحكومة على مر سنوات.»

ابتسم القائد ساخرًا ثم قال:

«لن يتغير شيء، فما هي إلا فترة قصيرة وستجدون من يستعبدكم إذا لم توقفوا القادمين الذين يحتلون مناطق عدة، سيستعبدونكم بطريقة أبشع من ذي قبل.»

لم تطل الأحاديث بينهم كثيرًا فقد أُبعد الرؤساء والقائد من قبل الضباط إلى سجن قريب.

قال أحد الضباط لألبرت: «هناك واحد من الرؤساء يشرف على الضباط الواقفين أمام المدافع». قال أحد الضباط لألبرت.

كان ليوناردو لا يصدق كيف نجا من بين أيديهم للمرة الثانية، كانت خطوة واحدة فقط تفصله عن الموت ولكن هذه المرة فقط تمنى لو أن الضابط قد ضغط على زناد المسدس دون تردد. نعم، كان يتمنى أن يصبح ضحية بدلًا من أن يبقى المجرم الظالم الأناني،. كان لظهور ألبرت في حياته سبب لإنقاذه من الموت المحتم أكثر من مرة، ولكن حالما تذكر تلك المرة التي أوشك فيها جوزيف على قتله تلك المرة فقد تذكر أنه نجا من دون وجود ألبرت في حياته. كان مَن أنقذه شخصًا مجهولًا، كانت فتاة لقد سمع صوتها حينما وقفت في وجه جوزيف ومنعته، وقبل ذلكها جاءت في منتصف الليل لتضمد جرحه دون أن يعرفها.

قالت إرورا: «يجب أن نوقفهم بسرعة قبل أن يبدؤوا.».

قالت إرورا وعندئذها فقط استيقظ ليوناردو من شروده وقد دفعته كانت نبرة صوتها ما دفعه لللاستيقاظ، كأن شيئًا فجأة ربط بين الواقع وما يدور في رأسه من ذكريات «أنا من فعلت». عادت تلك الجملة تتردد على مسامعه، آخر ما قالته تلك الفتاة وقد أوقفت جوزيف عند حده. هل يعقل أن تكون هي نفسها؟ وكيف لم ينتبه من قبل أبدًا؟ هي تعرفه بالتأكيد ولكنها لم تتكلم بشيء. كان عليه أن يستيقظ من شروده بعد أن هم الجميع بالذهاب إلى مكان المدافع. لم يكن معهم عدد كبير من الضباط وقد كان العدد الأكبر موجودًا عند المدافع.

سارع الضباط بالاقتراب نحو الرئيس المشرف وقد كتفوه وهددوه بالقتل وبدؤوا يشرحون لبقية الضباط ما حصل وأن عليهم التوقف. كان أغلب الضباط من عوائل تسكن بتلك المناطق وكانوا مجبرين على إطلاق المدافع خوفًا مما قد تفعله الحكومة بهم، وقد كانوا سعداء بتحررهم من استعباد قائدهم والرؤساء.

جاء أحد الضباط يركض من بعيد وهو يلهث بتعب ثم قال متلعثمًا وهو بالكاد يلتقط أنفاسه:

«مصيبة! الأعداء يقتربون منا وهم يحاولون اقتحام المكان بالهجوم على الضباط الذين يحرسون الحدود، يجب أن نتصرف حالًا!»

تكدرت وجوه جميع المستمعين وقد أدرك ألبرت أن الحرب لم تنته بعد وما زال أمامهم مصيبة كبيرة تدعى «فيكتوريا». إن عجز كل من جنيفر ووليم عن إيقافها فماذا سيفعلون هم؟

«لا نريد سفك الدماء فقط دعوهم يدخلون دون مقاومة». قال ألبرت للضباط الذين انتظروا منه أن يأمرهم بالهجوم والمحاربة، ولكن هذا لن يزيد الأمر إلا سوءًا.

«ولكن إن استسلمنا فسنعود مستعبدين من جديد من قبلهم، لا يمكن أن نسلم لهم زمام الأمور. إن وصلوا إلى مقر المسؤولين فعندئذ لن نتمكن من إيقافهم هناك، باستطاعتهم التحكم بكل شيء وبجميع المناطق». قال الضابط بذعر وقد بات أمر استعبادهم من جديد كابوسًا مرعبًا.

«لن يحدث هذا، دعونا نتصرف دون سفك أي دماء». قال ألبرت محاولًا تهدئة اهتياجهم وخوفهم.

*************************

ظلت جنيفر تحدق بوالدتها طويلًا قبل أن تقول بنبرة منكسرة حزينة:

«يكفي أمي، يكفي أرجوك.»

لكن فيكتوريا لم تنطق بشيء ولم تعر ابنتها اهتمامًا كبيرًا، ربما وصولها إلى كوكب الأرض زاد من إصرارها ولم يعد كلام ابنتها يؤثر عليها كثيرًا ولقد أوشكت جدًّا على الاستحواذ على المنطقة الرئيسية والأهم في كوكب الأرض، وبعدئذ ستصبح حاكمة رسمية لكوكب الأرض.

«جدتي، يجب أن توقفي هذا حالًا، يجب أن توقفي حراسك وتمنعيهم من قتل جنود كوكب الأرض». قال وليم عاقدًا حاجبيه بانزعاج.

نظرت فيكتوريا نحوه ثم قالت:

«اسمع يا وليم، أنت الآن الوريث الرسمي للعائلة الملكية وستحكم بعدي عاجلًا أم آأجلًا، لا أريد منك أن تكون عاطفيًا كوالدتك. ضع العاطفة جانبًا وفكر في كرسي الحكم».

طأطأت جنيفر رأسها ثم ابتسمت ساخرة والدموع تملأ عينيها وقالت بانفعال وهي تحدق بوالدتها بحنق شديد:

«هل تريدينه أن يصبح مثلك؟ بلا قلب وبلا عواطف؟. أتريدينه أن يقتل أحد أحفاده يومًا بدم بارد من أجل الحكم؟ إن كنت قد استطعتِي التحكم بحياتي دون رضاي فلن أسمح لك بالتحكم بحياة ابني». اقتربت منها ثم تابعت وأنفاسها تتسارع: «لن أسمح لك أن تحوليه إلى وحش».

ارتجفت حدقتا فيكتوريا وهي تحدق بتعابير ابنتها المغتاظة والمحتدة ثم قالت:

«هل ترين والدتك التي حاولت تأمين مستقبلك بهذا الشكل؟»

حاولت جنيفر السيطرة على أعصابها وهي تقول ضاغطةً على أسنانها بغضب رغبةً بكتم صوت بكائها:

- بل أراك أسوأ من هذا، أراك الأم التي حرمت ابنتها من سعادتها، حرمتها من زوجها الذي تحبه وطفلتيها، حرمتها من أبسط حقوقها باتخاذ القرار الذي يريحها وراحت تخطط وتخطط حتى تخدع ابنتها وتظهر بأفضل صورة أمامها. هل أنت سعيدة الآن على حساب سعادتي؟ هل حققتِي غايتك وتتلذذتين بحلاوة النصر؟

- لقد كانت لي نية بإسعادك، ظننت أنك ستشكرينني عندما أعيدك إلى موطنك الأصلي لتنعمي بحياة هانئة وسعيدة، ورغم هذا لم تدركي فضلي عليك.

- كيف سأنعم بالسعادة وأنت تحكمين هذا الكوكب؟ نعم، أنت أمي ولكنك لست حاكمة عادلة، لست الحاكمة التي ستوفر الهناء والسعادة لشعبها. لا تستطيعين التفكير بأحد سوى نفسك، كبرياؤك وجبروتك يجعلانك تظنين أنك الأمثل للحكم ولكنك لست كذلك.

تنهدت جنيفر ثم أتبعت بنبرة هادئة مهشمة محاولةً استعطاف والدتها بشتى الطرق: «أمي، اعتزلي الحكم وأنهي الحرب وسأتنازل عن كل شيء، سأنسى أنك ظلمتني وآلمتني ذات يوم وحرمتني من ابنتي. سنعيش معًا في بيت واحد حياة هادئة بعيدًا عن ضجة كرسي الحكم، أعدك أنني سأنسى كل شيء وسأكون سعيدة».

طالعت فيكتوريا ابنتها دون أن تجيب، ولكنها كانت المرة الأولى التي لم تستطع فيها منع الدموع التي اندفعت إلى عينيها وجعلت من رؤيتها أقل وضوحًا، كانت تحب ابنتها ولكن حبها السلطة والانتقام كانا أكبر، لم يكن بوسعها التحكم في هذا أبدًا لذلك لم تكن لتستغني عن ما رغبت به فقالت:

«لا أستطيع، لقد تأخر الوقت، يجب أن يدفع سكان كوكب الأرض ثمن ما عانيناه وما عانيته أنت.»

علمت جنيفر حينها أن لا أمل يرجى أبدًا من والدتها، فمهما استعطفتها ستظل دومًا مصرةً على رأيها وموقفها.

*********************

تجمع الضباط على حدود مدينة الأحلام وقد كانوا يراقبون تقدم جنود فيكتوريا، كان ألبرت هو من أمرهم بالوقوف والانتظار دون أن يهاجموا إلا في حال لم يكن لديهم خيار آخر للدفاع عن أنفسهم، وفي الحقيقة لم يكن أي أحد منهم يدرك ما يرمي إليه ألبرت بالضبط وقد عجزوا عن تحليل موقفه أو خطته. كان توماس وإرورا يقفون برفقة وليم أمام الضباط وقد كانوا ينتظرون هم أيضًا حضور جنود فيكتوريا، استطاع ألبرت أن يستدرج وليم بالسر ليحضر معه إلى هنا، كان هو وليوناردو يقفاون جانبًا يخططاون لبعض الأمور برفقة مجموعة من الضباط.

تقدموا قليلًا باتجاه الحرس لكي حتى كانت تفصلهم بعض المسافة قصيرة عن الضباط،. وقف الجنود حالما لمحواهم لوجود وليم ثم قال رئيس الحرس:

- «لدينا أوامر بالهجوم على جنود كوكب الأرض سيد وليم».

- «وأنا آمركم بالتوقف قليلًا وأمنحكم حرية الاختيار بعد أن تستمعوا إلى شقيقتي إرورا والتي تحمل نفس المكانة نفسا التي أحملها بالضبط ».

ظهرت علامات الصدمة على وجوه الحراس فعدد كبير منهم يعرف إرورا منذ أن كانوا يعيشون على كوكب الأرض. تقدمت إروارا قليلًا وقد كانت تشعر ببعض الرهبة ولم تكن ترغب حقًّا أن تكون المتحدثة، إلا أن ألبرت أصر على ذلك بما أنها أولًا شقيقة وليم أولًا، ثانيًا وكونها نشأت وترعرت في كوكب كيبلر ثانيًا، وهذا ما يجعلها تعرف عددًا كبير من الحرس الخاص بفيكتوريا.

«أنا إرورا، ربما يعرفني عدد كبير منكم فقد نشأت في كوكب كيبلر وكنت موجودة في معسكرات التدريب. أعرف تمامًا أن الغالبية العظمى منكم قد رُحِّل إلى كوكب جليزا دون أدنى إرادة منه وقدتم استُعباده من قبل فيكتوريا،. أعرف أيضًا أن أغلب الشبان الذين كانوا معي في معسكر التدريب رغبوا أن يكونوا من العوائل التي ستستقر في حياتها وألا يصيبهم الحظ سيء فيُختارون للمغادرة. والآن، تريد منكم فيكتوريا المحاربة والمخاطرة بحياتكم من أجل أن تحصل هي على الحكم.»

قال توماس مستكملًا حديث إرورا: «إن قمتم الآن بالانقلاب على فيكتوريا فستحصلون على حريتكم كما حصل عليها ضباط كوكب الأرض من عبودية الحكومة. وكما أخبرتكم فلديكم حرية الاختيار، يمكننا الآن أن نفسح لكم الطريق لتتعاركوا مع ضباط كوكب الأرض الذي يرفضون أن يستعبدوا من قبل فيكتوريا، وعندئذ ربما تدفعون حياتكم ثمنًا لهذا، ووجب إعلامكم أنني أنا وبالسلطة الجزئية التي أملكها أدعمكم بقرار الانقلاب على جدتي فيكتوريا وذلك رغبةً مني بأن يعم السلام دون سفك الدماء».

لم تكن إرورا تتوقع أبدًا أن يكون شقيقها ذو السبعة عشر عامًا بذلك الوعي وقد لفتها أسلوب حديثه جدًّا، شعرت أول مرة منذ أن التقته أنها فخورة لكونه شقيقها.

«من يرغب بضم صوته لنا فليتقدم ويقف إلى جانبنا». قال وليم منهيًا حديثه وقد كان يتابع وجوه الضباط إلا أنهم كانوا متجمدين مكانهم دون أن يحركوا ساكنًا.

مرت فترة قبل أن يخرج أحد الحراس من بين صفوف الحرس الخلفية وينضم إليهم وقد ظن وليم لحظة أنهم فشلوا بسبب خوف وتردد الحراس بالانضمام إليهم، ولكن ذلك لم يدم هذا طويلًا حتى بدأت مجموعات من الحرس تنضم إليهم، فعلى أي حال لا شيء يخسرونه بالانضمام، بل ربما يكتسبون بعض الأمل بالحصول على الحرية.

كان واحد من الحرس يركض بعيدًا بكل ما أوتي من قوة حتى وصل إلى حيث تقف فيكتوريا مع مجموعة من الحرس الخاص، اقترب وهو يلهث ثم قال و هو يحاول التقاط أنفاسه:

«مصيبة يا سيدتي، مصيبة!»

ذعرت فيكتوريا مما قاله الحارس فقالت بانفعال وقد تغيرت تعابير وجهها:

- ما الذي حدث؟ تكلم!

- لقد حصل انقلاب، كان السيد وليم يقف برفقة شاب وشابة وكانا يحرضان الحرس على التمرد والانقلاب عليك و قد تجاوبوا معهما وحلت المصيبة.

تجمدت الدماء في عروق فيكتوريا وشعرت ببرودة، لم تكن تعرف كيف عليها أن تتصرف. إذا انقلبوا عليها فستفشل ويقتلونها حتمًا، ومع قفز هذا الاحتمال إلى رأسها أحست بالدوار وتسارعت دقات قلبها. ستفقد كبرياءها وسيذلونها وهي الملكة فيكتوريا بذاتها. حاولت السيطرة على أعصابها ثم نظرت إلى الحارس بعينين تشتعلان حقدًا وغضبًا وقالت بنبرة حادة:

«خذ معك أحد الحراس المتواجدين هنا وأريدكما أن تطلقا النار على الشابين، ولكن لا أريد أن تصيبوا الشابة إصابة مميتة.»

فكرت فيكتوريا أن إطلاق النار على كليهما سيجعل الحراس يعودون إلى رشدهم ويتذكرون من هي ومقدار جبروتها الذي سيطولهم في كل الأحوال.

ابتعد الحارسان بعيدًا حينما كانت فيكتوريا تسرح بأفكارها، هل ستكون نهايتها قريبًا على يد مجموعة من حراسها؟ هل ستذل على يد مَن خدمها ونفذ أوامرها دومًا؟

استيقظت من شرودها مذعورة عندما شعرت بقرب أحدهم منها ثم بشيء ضغط على جانب رأسها، التفتت قليلًا لتلمح مسدسًا بطرف عينيها. سقط قلبها من مكانه ولم تكن لتستطيع إدراك ما يحدث.

«لقد انتهى كل شيء يا أمي، أنا آسفة، لم تتركي لي خيارًا آخر». همست جنيفر لها.

كانت فيكتوريا على وشك الإصابة بالجنون، ولكن لم يستمر وقوف جنيفر طويلًا حتى تقدما رجلان وأمسكا بذراعي فيكتوريا. رأت مجموعة حرسها الخاص قد تم تقييدهمقُيِّدوا أيضًا فعلمت أنه لا أمل يرجى.

«كيف استطعتِ فعل هذا يا جنيفر؟ أتوجهين المسدس نحو رأس أمك وتساعدين على خيانتها بنفسك؟». قالت فيكتوريا عاقدةً حاجبيها باستنكار.

«لقد قررت أن أستمد منك بعض القسوة، لم تتركي لي خيارًا آخر، حاولت أن أوقفك بشتى الطرق ولكنك لم تهتمي لأمري.».

بدأ الرجلان يسحبانها بعيدًا وقد كادت تصاب بالجنون فصرخت قائلة:

«هذا لن يغير شيئًا، هل تسمعين يا جنيفر؟ لن يغير شيئًا!؟ ابنتك ستُقتل ولن تستطيعي فعل شيء». ابتسمت بجنون ثم أتبعت: «لقد أرسلت من يقتلها ولن تستطيعي اللحاق بها، لن يتغير أي شيء».

لم تعلم جنيفر إن كانت ما تقوله والدتها حقيقةً أم كلامًا تستفزها به، ولكنها لم تستطع سوى أن تسرع إلى حيث توجد ابنتها ودقات قلبها تتسارع بجنون.

******************

«أنت، أطلق النار على الشاب وأنا سأطلق على الشابة». قال الحارس وهو يمعن النظر جيدًا نحو إرورا التي وقفت برفقة توماس مع مجموعة من الحراس.

«حسنًا، ولكن تذكر ألا تصيبها إصابة مميتة.»

وضع الحارس يده على زناد المسدس بينما كان يرجو بألا تتحرك إرورا أي حركة حتى تصيب الرصاصة كتفها، وما إن تأكد من توجه الرصاصة حتى ضغط على الزناد فانطلقت الرصاصة لتصيب كتف إرورا.

صرخت جنيفر من بعيد بعد أن سمعت صوت إطلاق الرصاص وهي تركض رافعةً فستانها الطويل. بدأ الجميع يقتربون من إرورا التي بدأ كتفها ينزف بغزارة وقد اهتز توازنها و بدأت تتأوه، ولكن قبل أن تزيد التجمعات أطلقت رصاصة أخرى وزاد ذعر الحراس والضباط الواقفين حتى بدؤوا يبحثون عن مصدر إطلاق الرصاص.

أصابت الرصاصة صدر توماس حتى طرح أرضًا من شدة الألم، لم يكن بوسعه التوازن أو الوقوف على قدميه وقد بدأ يفقد القدرة على الرؤية بوضوح، شعر بالدماء تدفق من جسده وقد زاد هذا من خوفه وألمه.

اقتربت جنيفر نحو إرورا وهي تبكي بشدة وقد انهارت أعصابها تمامًا وهي ترى الدماء المتدفقة من كتفها. زاد الضجيج جدًّا والجميع يتجمع حول جنيفر وتوماس. كان توماس يقف إلى جانب إرورا قبل إطلاق الرصاص وهذا ما جعلها تنظر حولها بحثًا عنه، خاصةً بعد أن سمعت صوت إطلاق رصاص من جديد. نظرت إلى توماس الذي استلقى على الأرضية لتسقط فسقطت الدموع على وجنتيها، كان ألم كتفها ورؤيتها لتوماس المصاب سببًا في بكائها.

زحفت على ركبتيها مستندة على يدها السليمة وهي تقترب من توماس، شهقت باكية ثم قال بصوت مبحوح:

«توماس!»

استقرت عيناها على مكان إصابته فازداد خوفها، راقبت قميصه الكحلي الداكن والذي زادت الدماء من دكون دكانة لونه. صرخت بالمتجمعين وقد نسيت كونها مصابة:

«يجب أن نضمد جرحه حالًا، هيا، فليضمد أحدهم جرحه!».

«إرورا». قال توماس أنفاس متقطعة: «لا داعٍي، أعلم أنني سأموت، أرى الموت أمامي كما أراك تمامًا».

حدقت إرورا نحوه وقد شعرت بالألم الشديد ثم قالت بغضب:

«لا، ستكون بخير، أنا واثقة، لكنك تفعل هذا بي دومًا.».

كان شعور توماس بالألم يتضاعف وقد كان يشعر أن مكان الإصابة يحترق، كان يريد أن يواسي إرورا ولكنه لم يكن بمقدوره الحديث وكأن طاقته تنفدذ.

«إرورا...». قال بعناء ثم أغمض عينيه متألمًا «لا تبكي».

كان يريد أن يقول لها أيضًا أنه يتألم أكثر بكثير عندما تبكي وأنه أراد الحرية من أجلها دومًا لا لنفسه، كان يريد أن يخبرها كم هو نادم على خيانتها في ذلك اليوم الذي وضع السلاسل الحديدية حول معصميها، أراد أن يخبرها أن لا شيء استحق منه أن يفعل هذا ولكن نيته كانت حمايتها دومًا، حمايتها لأنه رأى فيها العائلة التي فقدها، صديقة الدرب التي رافقته منذ أن كان طفلًا. ولكن لم يكن بمقدوره قول كل هذا، لم يكن بمقدوره سوى إغلاق عينيه لكي يتفادى الألم، لكنه وجد نفسه عاجزًا جدًّا إلى درجة تجعله غير قادر على فتحهما من جديد وقد بقي يسمع شهقات بكاء إرورا التي جثمت على صدره وجعلت من مفارقة روحه جسده شيئًا أصعب وأكثر ألمًا.

تعالت شهقات بكاء إرورا بعد أن أدركت أن توماس قد رحل إلى الأبد، وقد كانت جنيفر تحاول مواساتها وإقناعها بأهمية تضميد جرحها بأسرع ما يمكن.

أبعد ألبرت عينيه بعيدًا عن إرورا التي استمرت بالبكاء والتف يراقب الشمس وهي تغيب بعيدًا بين الأفق. كان الهدوء الذي حل على المكان لا يشوبه إلا صوت صراخ إرورا وبكائها. أدرك ألبرت أن غياب شمس هذا اليوم ليست سوى إشارة على غياب كل شيء متعلق في الماضي، وغدًا عندما تشرق شمس نهار جديد سيبدأ كل شيء جديد في مستقبل جديد لا يشبه الماضي أبدًا.

«إن الليل طويل ومظلم، ولكن لا بد من شروق الشمس يومًا.»

********************************************************

Okumaya devam et

Bunları da Beğeneceksin

1.1K 128 6
بياضٌ شابته زُرقة، هكذا أنتَ لي. عميقٌ، نقيٌّ قلبُك كحجرِ واماس.. 💙✨ قِصَّةٌ قصِيرةٌ مُشاركة في القَلم الأوَّل مِن مُسابقةِ قَلم فانتازِي. • ملحوظ...
4.2M 140K 20
طفله متعرف شنو الحياه ضامتلها. وتوكع بناس حاقدين وبعدين تصفا الكلوب ويبلش الحب تعالو نتعرف عليهم ونشوف قصتهم. كامله
1.2K 275 32
ﹾ٭ۦ٭ﹾ‏ إعلان ﹾ٭ۦ٭ﹾ‏ _لاتفعـل إرجوك لا لا تفعل كلا لاتوقدها ارجوووووك لاتموتنـنا سإفعل ماتريد فقط اتركنيُ لاتذهب لاتذهببببب أنا خائفةةةة لاتتركني...
25.6K 3.3K 37
2024/2/2 #أبنة الشيطان القصه# لاتناسب الاعمار الصغيره 🚫