بعيداً عن الأرض✔️

By Judy_abbott_

43.2K 2.4K 911

‎التفت يراقب الشمس و هي تغيب بعيداً بين الأفق بينما كان الهدوء الذي حل في الأرجاء لا يشوبه إلا صوت صراخها و ب... More

بعيداً عن الأرض
||الفصل الأول||
||الفصل الثاني||
||الفصل الثالث||
||الفصل الرابع||
||الفصل الخامس||
|| الفصل السادس ||
||الفصل السابع||
||الفصل الثامن||
||الفصل التاسع||
||الفصل العاشر||
||الفصل الحادي عشر||
||الفصل الثاني عشر||
||الفصل الثالث عشر||
||الفصل الرابع عشر||
||الفصل الخامس عشر||
||الفصل السابع عشر||
||الفصل الثامن عشر||
||الفصل التاسع عشر||
||الفصل العشرون||
||الفصل الواحد و العشرون||
||الفصل الثاني و العشرون||
||الفصل الثالث و العشرون||
||الفصل الرابع و العشرون||
||الفصل الخامس و العشرون||
||الفصل السادس و العشرون||
||الفصل السابع و العشرون||
||الفصل الثامن و العشرون و الأخير||

||الفصل السادس عشر||

560 48 10
By Judy_abbott_

تلقى دانيل الإذن بدخول غرفة المكتب الخاصة بوالده ألفريد. ألقى عليه التحية ثم جلس على الكرسي أمام المكتب.

أخذ نفسًا عميقًا ثم قال متمنيًا داخله أن يمر الأمر بسهولة وألا تحدث معارك.

«أبي، هل يمكننا التحدث حول شيء مهم؟».

أكمل ألفريد جملته التي كان يكتبها على الدفتر أمامه ثم ترك القلم ونظر إلى دانيل متسائلًا عن الموضوع الذي يرغب بالتحدث به هذه المرة.

«ما الأمر؟».

استجمع دانيل كل ما لديه من شجاعةٍ وهو يقول باندفاع:

«بشأن فيوليت».

لم تكن نظرات ألفريد الحادة التي كادت تبتلعه شيئا لم يتوقعه من والده فهو يعرف تمامًا رد فعله عند الحديث عن فيوليت تحديدًا. لم يستطع كبح دقات قلبه التي تسارعت مع نظرات والده القاتلة والتي أحدثت ارتجافًا في جسده.

«سأتصرف معك بسلمية وأذكرك بموقفي من مناقشة أمر فتاة لا تهمك معي».

كانت أخر كلمات ألفريد هي ما جعلت جسده ينتفض بشدة ليردف باندفاع غاضبًا من كلمات والده:

«كيف يكون الحديث عن شقيقتي كما تصف؟».

ارتخت ملامح ألفريد قليلًا وهو يدرك أن ابنه لا يعرف عن أي شيء إلى الآن فلا يستطيع لومه على أي حال فقال بجدية تامة وهو يفرج عن مكنون صدره:

«ليست شقيقتك».

كانت هاتان الكلمتان كفيلتان جدًا بجعل جسده يقشعر ولقلبه بأن يسقط بين قدميه، شعر بضيقٍ شديد. ضيق لم يشعر به في حياته من قبل، إنها الصدمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولكنه لم يستطع النطق بشيء فقد شلت عضلة لسانه مع باقي جسده فأتبع والده وهو يراقب رد فعل ابنه بدهشة:

«كدت تبلغ الثامنة عشر وتعرف بأنك ستتولى الكثير من الأمور المهمة والسرية عاجلًا أم أجلًا ويجب أن تعي تلك الحقيقة جيدًا حتى أنك يجب أن تكون على استعداد تام للتخلص منها عندما يطلب منك».

لم يكن يعي ما ينطقه والده فهو حتى لا يستطيع استيعاب أنها ليست شقيقته حتى يستوعب ما يهذي به والده بعد هذا، لم يكن يعرف ما عليه قوله ولكنه قال كأنه ينطق ما يحدثه به عقله مباشرةً:

«هل تخبرني بهذا بعد مرور كل تلك الفترة وأنا موقن بأنها شقيقتي؟ إنها حتى أقرب إلي من شقيقتي جوليا لا بد بأنك تمزح معي أو أنك لست بكامل وعيك».

اندفعت الدماء إلى وجه الفريد وقد سيطر عليه الغضب ليقول بانفعال:

«ما الذي يجعلك تتعلق بها إلى هذه الدرجة؟ ألا ترى بأنك تسيء الأدب معي؟».

نظر دانيل إلى والده بحنق شديد ثم قال:

«لأنها شقيقتي كما هي جوليا ولأصدمك بالحقيقة إنها أفضل من جوليا بالنسبة لي ولا يهمني تلك الحقيقة على كل حال هي ابنة زوجتك».

احتدت نظرات ألفريد أكثر واتسعت عيناه وهو يستمع إلى دانيل ثم قال محاولًا كبح غضبه:

«ومن قال لك هذا الكلام؟».

«هي من قالت لي، هي تعرف كل شيء».

لم يشأ ألفريد أن يقول أنها ليست ابنة ساندرا؛ فهو لا يعرف ما سيقوده جنون دانيل إليه فالتزم الصمت وقال بحزم شديد:

«ستبتعد عنها على أي حال ولن تقترب منها أكثر من هذا وأحذرك من الحديث عن هذه الحقيقة حتى يحين الوقت المناسب».

انتفض دانيل من مكانه وصرخ بثورة عارمة:

«هي شقيقتي وسأقترب منها ولن أسمح لا لك ولا لغيرك بأن يمسها بسوء وسترى ذلك».

وما إن أنهى جملته التي جعلت والده يتجمد في مكانه وهو يرى جنون ابنه وحنقه الشديد اتجه نحو الباب بخطوات سريعة حتى كاد يحطم الأرضية الخشبية بخطواته ولكن والده قاطع رحيله بمناداته:

«دانيل أنت تسيء الأدب كثيرًا لا تجعلني». ولكنه لم ينتظر حتى يكمل والده جملته المهددة تلك فاتجه نحو الباب وصفعه بقوة وهو يخرج حتى كاد يحطمه.

تنهد ألفريد بغضب وتمتم لنفسه قائلًا:

«هأنا أواجه مشكلةً جديدة، ماذا فعلتِ بي يا ساندرا؟».

****************************

نهض ليوناردو من سريره عندما شعر بأشعة الشمس التي تسربت من أطراف الستائر الرمادية. كانت الغرفة التي قضى فيها ليلته هذه المرة تختلف كثيرًا عن الغرفة في قصر فيكتوريا الفخم. كانت غرفةً صغيرةً جدًا لا تتسع سوى للسرير ومساحةٍ صغيرة أمامه ولكنه على أي حال لا يهتم مطلقًا لتلك التفاصيل بقدر ما يهتم لما يشعر به فهو يشعر بالارتياح هنا أكثر بكثير. استطاع أن يشعر بالراحة نحو ألبرت بوقتٍ قصيرٍ جدًا. خرج من غرفته فقابل أشعة الشمس التي أضاءت المكان بأكمله ولكن ألبرت لم يكن موجودًا، تقدم نحو غرفة الجلوس ثم نظر إلى يساره ليجد الباب الزجاجي مفتوحًا. نظر إلى ألبرت الذي كان يجلس خارجًا ووجهه مقابلُ للأشجار التي تحف الحديقة الخارجية للمنزل. راقب شعره البني الفاتح الذي بدى ذهبيًا تحت أشعة الشمس الساطعة وقد لاحظ دخان السجائر المحيط به. نزل الدرجة الفاصلة بين المنزل وواجهة الحديقة الخارجية ثم اتجه نحو ألبرت الذي كان مسترسلًا بالتحديق بالمزروعات التي تحف السور من الداخل بينما حمل السيجارة بين أصابعه والكوب في اليد الأخرى. تقدم نحوه ثم قال:

«هل تسمح لي بمشاركتك الجلوس؟».

تجاهله لحظات وهو يعيد السيجارة إلى فمه ثم نفث دخانها وارتشف قليلًا من فنجان قهوته. انحنى إلى الأمام ثم ضغط على السيجارة في صحن فنجان قهوته وما إن انتهى حتى نهض من مكانه عائدًا إلى الداخل. ظن ليوناردو لحظة أنه قد تجاهله وغادر ولكنه عاد يحمل كرسيًا خشبيًا ووضعه أمامه ثم عاد حيث يجلس. أمسك ابريق القهوة الفضي ثم سكب القليل في الفنجان وقدمه لليوناردو. لم يكن ليوناردو يحب القهوة أبدًا حتى في أيام التدريب المكثف في كوكب كيبلر لم يكن يشارك زملائه في شربها قبل بدء يومٍ شاق. فتح ألبرت علبة سجائره وأخرج واحدة أخرى ثم وضعها بين شفتيه، قرب العلبة نحو ليوناردو فعبر هو عن رفضه بأخذ واحدة. أشعل ألبرت السيجارة ثم قال وهو يبتسم:

«ذكرتني بأيام شبابي عندما كنت مؤدبًا مثلك».

تجاهل ليوناردو ما قال ثم أردف:

«كم سيجارةً تدخن في اليوم الواحد؟».

استغرق قليلًا وهو ينهي سيجارته الثانية ثم قال وهو يستمر بالتحديق بما حوله:

«عشرون في الأيام العادية وفي الأيام التي تشبه الأمس ما بين الخمسة والعشرين إلى الثلاثين».

عقد ليوناردو حاجبيه باستنكارٍ ثم قال وهو يشاهده يخرج الثالثة دون أن يكترث:

«هذا كثيرٌ جدًا أنت تقضي على صحتك».

ابتسم ألبرت ثم نظر نحوه بعينيه الزرقاوين وقال:

«وماذا سأفعل بصحتي؟». أخرج السيجارة من بين شفتيه وهو يشير بها نحوه ثم أكمل: «لولا هذا لفقدت عقلي منذ زمن طويل».

اختار ليوناردو الصمت أمام كلمات ألبرت، لا يود أن يفتح مواضيعًا تثير مشاعره وأحاسيسه فهو يتفهم ما يشعر به ويجعله رافضًا للحياة بهذه الطريقة.

«لا تفكر كثيرًا بكوني مدخنًا من الدرجة الأولى فربما أجعل منك مدخنًا ولا أقلع عنه لقد فات الآوان».

ابتسم ليوناردو وهو يراقب ألبرت الذي أشعل سيجارةً أخرى ثم قال:

«لا فائدة».

«لا تحاول أفضل أن تعتاد». قال وهو يرتشف ما تبقى من فنجان قهوته ثم قال مشييرًا إلى فنجان قهوة ليوناردو الذي لم يلمسه: «حسنًا الدخان مضر وماذا عن القهوة؟ كيف تستطيع أن تقضي صباحك دون شرب القهوة؟».

«لا أحبها».
«إذًا أنت شخصٌ نكديٌّ بامتياز ولا تعرف كيف تستمتع بوقتك».

هز ليوناردو رأسه وهو يبتسم ثم قال:

«نعم، أنا كذلك».

«إذن لن تغادر كوكب الأرض إلا وأنت مدخنٌ ومدمن قهوة». قال ألبرت ممازحًا.

«سأقول لك أنا هذه المرة لا تحاول».

اتسعت ابتسامة ألبرت وهو يقول بتحدي:

«سنرى».

عم صمتٌ لحظات بينما كان صوت زقزقة العصافير وحده ما يصدح في هذا المكان الصحراوي.

«هل أجبروك على تنفيذ هذه المهمة؟». قال باندفاع قاطعًا الصمت بينهما.

ازدرد ليوناردو ريقه بغصةٍ ثم قال وهو ينظر إلى الحجر التي يفرش أرضية الحديقة الأمامية:

«شيءٌ من هذا القبيل».

نفث ألبرت دخان سيجارته وهو ينظر إلى ليوناردو وحاجبيه معقودين من أشعة الشمس التي أزعجت عينه ثم قال مبتسمًا:

«حان دوري للعب دور المحقق، أود أن أعرف عنك بقدر ما عرفت عني».

هز ليوناردو رأسه ونظره ما زال معلقًا على الأرضية. صمت لبرهةٍ ثم أخذ نفسًا عميقًا وقال:

«كنت في سجون جوزيف عندما جاءت فيكتوريا وتعاملت معي كأنها المصباح السحري».

ابتسم ألبرت وهو يستمع إلى جملة ليوناردو الساخرة ثم قال:

«إن هذه المرأة ماكرة جدًا، تراها وهي تعيش أجواءها مع الأزهار الجورية فتظنها ملاكا».

«إنها فعلًا تتحول إلى ملاك حتى تصل إلى رغباتها ولكنها لا تلبث أن تتحول إلى شيطان ألعن من جوزيف بكثير».

التفت ألبرت يحدق نحو ليوناردو ثم قال:

«لماذا كنت في سجون جوزيف ذاك؟»

«قبل تسعة عشر عامًا كنت أعيش ضمن عائلة، كانت والدتي تحيطني برعايتها. كانت حنون جدًا مع أن زوجها الذي كان من المفترض أنه والدي يسيء معاملتها جدًا يضربها ويهينها. كانت سجينة منزلنا المقيت فقط لتعد الطعام وتخدمه في كل شيء كأنه ملك وهي جارية تعمل لديه. لم تكن أجواءً عائلية أبدًا ولكنها هي فقط من كانت تشعرني بأنني طفلها المدلل. في أحد الأيام تجاوز جدًا حدوده وضربها ضربًا مبرحًا عندئذٍ كانت هي في طاقة تحملها الأخيرة أتذكر كم كانت متعبة حينئذٍ فما كان منها سوى أن صرحت بحقيقة أنني لست ولده. لم أتأثر حينئذٍ لأنني كنت أمقته جدًا ولم يكن ذلك الخبر صادمًا بقدر ما كان مريحًا بالنسبة لي. جن جنونه وحمل السكين يريد قتلها وهي خرجت من المنزل وبدأت تستغيث بالناس حتى حاولوا إبعاده عنها وبعدئذٍ أرسلوها إلى جوزيف».

مرر ليوناردو أصابعه بين خصلات شعره البني القصير بعصبية وهو يتذكر ما حفظته ذاكرته الضعيفة في الصغر ولكن تلك الذكرى قد أنهت طفولته حينئذٍ. لم يلحظ ألبرت سقوط ما تبقى من سيجارته من يده وهو يستمع إلى القصة التي يسردها ليوناردو وكأنها حكايةٌ خيالية.

«وماذا بعد؟». قال ألبرت بفضول.

«بعدئذٍ لم أرَ والدتي». قال ليوناردو بغصة ثم أردف مكملًا: «تخلى عني ذلك الرجل عندئذٍ وتم نقلي إلى مجمعات التدريب طبعًا لم يكن جوزيف ليضيع شابًا من بين يده فهو سيستفيد مني بإرسالي إلى كوكب جليزا كحارس تحت يدي فيكتوريا. كنت طفلًا ولكن المدربين هناك لم يعتادوا التمييز ما بين طفلٍ صغيرٍ في السادسة من عمره وصبي في الثانية عشر. كنت الأضعف بينهم لكنني بت الأقوى وصار الجميع يهابني وعندما اشتد عودي خططت لاقتحام السجون السرية حيث كان يقال أن والدتي هناك فكُشفت من قبل حراس جوزيف».

صمت ليوناردو وهو يشعر بتحديق ألبرت نحوه فرفع نظره عن الأرضية ونظر نحوه ثم قال وهو يبتسم:

«وطبعًا كل ما هو ممنوع من قبل جوزيف فهو محرم بلا شك. أبرحني حراسه ضربًا ثم وضعوني في الزنزانة نفسها التي ادعى جوزيف أنه قتل والدي داخلها».

«هذا مريع». قال ألبرت بعد صمت ليوناردو وعلامات الدهشة باديةٌ على وجهه، لم تكن تفاصيل السجن والضرب وما شابه هو ما أثار صدمة ألبرت بل تلك التدريبات والظروف العائلية الصعبة التي يعيشونها من اضطهاد بتلك الطريقة.

«لو لم أكن الآن هنا لكنت إما ميتًا أو أتلقى عقابًا قاسيًا جدًا بسبب ضربي لحاكم كوكب كيبلر بنفسه».

نظر ألبرت نحو ليوناردو بدهشة ولكن ما لبثت نظراته المصدومة تلك أن تحولت إلى ابتسامة تتسع أكثر ثم أصبحت ضحكة عالية. راقب ليوناردو ألبرت وهو يضحك بشدة دون أن يستطيع التحكم بتلك النوبة المفاجئة. حاول كبح ضحكته ثواني وهو يسأل ليوناردو وما زالت ابتسامة واسعة تعلو ثغره:

«كيف ضربته؟».

نظر نحوه لحظات ثم قال:

«سددت له لكمة». وما إن قال تلك الكلمة حتى انفجر ألبرت بالضحك من جديد وكل ما كتم ضحكته قليلًا عادت لتصدع بصوتٍ أعلى في أرجاء المكان الهادئ.

«أقسم». قال دون أن يستطيع إتمام جملته بسبب الضحك ثم أتبع وهو يكتمها: «لم أضحك هكذا منذ أكثر من عقد».

ضرب ألبرت ليونادرو على كتفه بخفة ثم قال مبتسمًا:

«كنت أعرف منذ رأيتك بأنك بطل».

ابتسم ليوناردو على مضض ثم قال بغصة أحرقت قلبه وهو يعيد نظره نحو ألبرت:

«لو كنتُ بطلًا لما بقيت والدتي تسعة عشر عامًا في سجون جوزيف وأنا حيٌّ أرزق».

شعر ألبرت وكأنه يشاركه حزنه ربما لأنه يتفهم عجزه هذا وسبق أن عانى من الشيء نفسه وهو يهرب بعيدًا بعد أن علم بوفاة شقيقته، ذلك الشعور المؤلم أن تقف مكتوف اليدين تنتظر لحظة الانتقام بصمت وروحك تذبل مع كل إشراقة شمس يومٍ جديد. فكر لحظة أن ما يعانيه ليوناردو أكثر ألمًا مما يعانيه في الانتظار المميت وهو يدرك تمامًا أن كل لحظة من وقته تعني بأن والدته تتأذى أكثر وتتعذب أكثر دون أن يستطيع فعل شيء ولكن على الأقل هو يحمل الأمل بمقابلتها أما هو فيوقن تمامًا أن أحبابه لن يعودوا مجددًا إلى الحياة.

نظر ألبرت نحو الجالس بجانبه ثم وضع يده على كتفه وقال مواسيًا:

«أنت بطل لا مجال للمناقشة في هذا، بطلٌ لأنك تحديت كل شيء من أجل والدتك التي لا تحمل من أثرها سوى ذكرياتٍ متناثرة أما ما يمنعك من الوصول فهذا شيءٌ لا تستطيع أنت التغلب عليه. البطولة هي أن تفعل كل شيء تستطيع فعله وأن تضحي من أجل شخص تحبه». صمت قليلًا ثم أتبع: «ضع وسام البطولة على صدرك وتباهى به».

كلمات ألبرت جعلت ليوناردو يشعر بالراحة وقد زالت بعض الأعباء التي تكدست على صدره منذ سنوات طويلة فقد اعتاد أن ينعته الجميع بالمنبوذ وأن يستحقره كل من يراه. كان يستغرب شخص ألبرت الذي ينصب في قالبٍ غير قالبه الداخلي ليبدو قاسيًا وباردًا جدًا بينما داخله قابلٌ للذوبان في أي لحظة، دموعه حاضرةٌ في أي لحظة هو فقط يدعي القوة لا أكثر لأن طيبته أوضح مما يتخيل.

«لذلك هذه المهمة تعني لي الكثير لأنها إما تجعلني أحقق مرادي وأستحق لقب البطل كما قلت أو أن أفشل وأخسر والدتي ونفسي».

«حارب وحاول ولكن إن فشلت فلا تصبح مثلي». قال وهو ينظر إليه بجدية ثم أتبع موضحًا: «كنت أتمنى لو استطعت النسيان ولكن هم من أجبروني وكأنهم يعرفون أن فكرة الانتقام مؤلمة جدًا».

هز ليوناردو رأسه بتفهم دون أن يعرف كيف يجيب، هو لا يجيد الحديث والمواساة كما يجيدها ألبرت. دام الصمت دقائق حتى قطعه ألبرت قائلًا:

«سيكون عليك مقابلة أكبر المسؤولين حتى تبدأ مرحلة تنفيذ خطتك».

******************************************

دخلت ساندرا غرفة فيوليت بعد أن طرقت الباب. رأتها تقف أمام مرآة تسريحتها وهي تجمع شعرها الكستنائي على شكل كعكة وقد ارتدت بنطال جينز مع سترةً رمادية بأكمام طويلة وياقة مرتفعة فلقد حل الخريف وأصبح الجو باردًا. كانت ساندرا لا تحرم نفسها من مراقبة فاتنتها الصغيرة وهي تستعد للخروج، تحب بساطة إطلاتها رغم أنها لا ترتدي ملابسًا بذلك التواضع إلا أنها تحترم رغبات فيوليت بارتداء ما تحب وتثق باختياراتها لأنها توقن بأن جميلتها يليق بها كل شيء. هل كانت ستحصل على طفلة بجمال فيوليت لو منحت فرصة الإنجاب؟ ربما نعم لأنها كانت جميلةً في عمر فيوليت ولكن هي لا تعرف تمامًا هل كانت ستحب مولودها بقدر ما تحب فيوليت؟ لا إجابة لديها حقًا فكل ما تعرفه أنها عاشت الأمومة بكل تفاصيلها مع طفلتها المدللة والتي أسمتها على اسم أجمل أنواع الزهور المحببة إليها. إنها حتمًا بجمال الورود الأرجوانية، إنها كل شيء بالنسبة لها ومن دونها تفقد كل شيء لن تتحمل رؤية صغيرتها تذبل أبدًا فهي ستسقيها من روحها إن لزم الأمر. التفتت فيوليت بعد أن انتهت من ترتيب شعرها وقد تركت خصلتان لتنسدلان أمام أذنها. طالعت والدتها التي لم تتحرك من أمام الباب وهي تراقبها، ابتسمت لها ثم قالت بنبرة حاولت أن تكون مبهجة:

«صباح الخير لأغلى إنسان على قلبي».

ظهرت ابتسامة واسعة على ثغر ساندرا وهي تستمع لصوت يشرق يومها الممل وقد نبض قلبها بفرح وهي ترى فيوليت تقترب منها ومع اقترابها تداعب رائحتها الزكية أنفها.

عانقت فيوليت والدتها ثم همست بحزن:

«آسفة أمي لجعلك تقلقين».

«لا أريدك أن تعتذري فقط أشرقي يا زهرتي لتبتسم الحياة لي».

دمعت عينا فيوليت وهي تستمع لكلمات والدتها ولكن كيف تشرق وهناك من يحجب الشمس عنها ويخنقها؟

ابتعدت ساندرا عن ابنتها ثم ضمت وجهها بكفيها وقالت:

«ألن تعودي لغرفتك؟ لقد رتبتها لك وأعددتها كما كانت».

امتعضت ملامح فيوليت وهي تتذكر أحداث ذلك اليوم المقيت وهي ترى غرفتها محطمة ومبعثرة. تلك الغرفة التي عملت على إضافة لمسة لها كل فترةٍ وجيزة ووضعت فيها قطعًا من ذكرياتها منذ أن كانت طفلة، لن تعود كما كانت أبدًا.

لاحظت ساندرا صمت فيوليت والذي ينم عن حزنها وعدم نسيانها لما حدث ثم قالت ممازحة:

«حسنًا من أجل عطورك الثمينة سأقوم بشراء مجموعة أغلى لك».

ابتسمت فيوليت لما قالته والدتها فهي حقًا لا تهتم كثيرًا لقيمة العطور التي تحطمت بقدر ما تهتم لقيمتها المعنوية لها فهي تحب العطور وكل من يحبها ويعرف أنها تحبهم يقدمه لها كهدية. استطاعت ساندرا أن تعرف ما يدور في خلد فيوليت فهي تعرف تمامًا كيف تفكر وتعرف قيمة أشيائها الخاصة. نظرت إليها ثم قالت بتردد:

«ألم يحن الوقت يا جميلتي لتعقدي صلحًا مع والدك؟».

أشاحت فيوليت بنظرها بعد أن أثارت تلك الفكرة حنقها فهي لن تتحمل المزيد من المشاجرات والبعد عنه هو أفضل حلٍ تملكه الآن.

زفرت فيوليت بضيق ثم قالت:

«أمي دعي هذا الموضوع جانبًا أرجوكِ». صمتت قليلًا ثم أردفت بنبرة متهشمة: «لم يعد أمر المشاجرات المستمرة شيئًا محتملًا بالنسبة لي، أنا حقًا أصبحت غير قادرة على التحمل».

«ولكن». قالت ساندرا لكن صوت رنين هاتف فيوليت قد قطع جملتها تلك.

أخرجت فيوليت هاتفها من جيب بنطالها ثم قالت وهي تنظر إلى شاشته:

«إنها رسالة من دانيل هو ينتظرني خارجًا».

حملت حقيبتها ثم قبلت والدتها بعد أن ودعتها.

***********************************

نزلت ساندرا من الطابق العلوي بعد أن شاهدت فيوليت وهي تغادر مع دانيل إلى جامعتها. التقت نظرات ألفريد الذي كان يجلس على كرسي طاولة الطعام على الجانب الأيمن من الدرج. تجاهلته وهي تتجه نحو الصالة على الجهة اليسرى فسمعت صوته الحاد وهو يناديها بعد أن لاحظ تجاهلها:

«ألن تلقي التحية حتى؟».

تجمدت في مكانها لحظات ثم التفتت وقالت ببرود:

«لست مضطرةً لفعل ذلك فحتى أنت لن تستحسن فكرة الحديث مع زوجتك المزعجة».

بقي يحدق بها دون أن يجيب، لم يكن يرغب بفضح اشتياقه لرؤيتها فقال بنبرة ساخرة:

«أرجو أن لا أكون قد أزعجت صغيرتك المدللة بحضوري».

رمقته بحنقٍ ثم قالت بامتعاض:

«وبما نعم أزعجتها إن كانت قد رأتك، بالمناسبة متى حضرت؟».

رفع حاجبيه باستنكار وقد شعر بالغيظ ثم قال متجاهلًا ما قالته في البداية:

«منذ أمس، واضحٌ جدًا بأنك لم تعودي تهتمين لأمري فلقد أصبحت نكرة بالنسبة لك».

كان أكثر ما يجعل ساندرا تنفعل هي كلمات ألفريد بشأن اهتمامها به والتشكيك في ذلك فرغم تظاهرها بعدم الاكتراث فهي تتأثر كثيرًا بابتعاده عنها وتفتقده دائمًا.

«ألا تسأم أبدًا من الحديث عن الشيء نفسه في كل مرة؟». قالت بانفعال وقد احتد صوتها.

هو يعرف تمامًا أن قوله هذا يثير حنقها ويفقدها محاولتها بتجاهله فلهذا هو يستمر بقول هذا لها ولأنه حقًا يمقت تجاهلها له من أجل فيوليت.

«حتى تسأمي أنت من معاملتي بهذه الطريقة».

«أنت من تجبرني على معاملتك هكذا، ألا تلاحظ بأنك تتصرف باندفاع ودون أي اتزان؟ عاطفتك تتحكم بك أكثر من عقلك ففور شعورك بالغضب تبدأ بإحراق كل شيء حولك بلهيب غضبك».

عرف ألفريد بأنها أصابت، هذا لا يعني بأنه عاطفي ولكن غضبه جنوني وهذا يثير استيائها كثيرًا ولكن نطقها لتلك الكلمات بطريقة تهكمية أشعره بالحنق الشديد وزادت من غيظه فقال باندفاع وهو يضرب الطاولة أمامه:

«على كل حال لست مضطرة لتحمل غضبي الجنوني أو جنوني بذاته حتى فأنا سأبتعد عن حياتك الخاصة برفقة طفلتك المدللة التي أفقدتك وعيك وأنستك من أنا وماذا كنت بالنسبة لك، فقط دعيها تبتعد عن دانيل فأنا أدفع ثمن غلطتك بتحمل جنونه وثورانه».

حاولت ساندرا تجاهل ما قاله في البداية لأنها لا ترغب بمناقشته مرة أخرى ولكنها استنكرت اتهامه لها فيما يخص ابنه دانيل فقالت باستهزاء وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها:

«من شابه أباه فما ظلم».

كانت هذه الضربة القاضية بالنسبة له فدفع الكرسي بغضب وهم بالمغادرة بعد شعوره بأن الدماء تغلي في عروقه وهو عاجزٌ عن كبح جنونه وهيجان مشاعره فإما أن يحطم البيت أمام ساندرا أو أن يخرج.

انقبض قلبها وهي تدرك بأنه على وشك الإنفجار وما زاد من استيائها هو قراره بالرحيل فهي تعرف تمامًا بأن قلبها سيحترق حال مغادرته فقالت بعد أن وضع يده على مقبض الباب:

«ألفريد». صمتت قليلًا وهي تراقب تجمده دون حراك ثم أخذت نفسهًا عميقاُ وأردفت: «ألفريد أرجوك حاول أن تفهمني».

لم يلتفت لمواجهة عينيها فهو حتى لا يريد أن يظهر لها استكانة مشاعره وانطفاء غضبه حال سماعها تناديه باستسلام.

«أنت أكثر شخصٍ يعرف كم كنت أحب الأطفال وكم كنت أحلم بأن أحظى بطفل يملأ حياتي بالألوان هذه أنا لا أستطيع فعل شيءٍ حيال هذا الأمر ولكن كان هناك قدري الذي يحرمني من حلمي. تعرف أن قدوم فيوليت كان متزامنًا مع الفترة التي أخبرني الطبيب بها بانقطاع الأمل وأنت أكثر من يعرف كيف كانت حالتي النفسية عندئذٍ». اختنق صوتها لحظات وقد تغلفت عيناها بطبقة شفافة من الدموع «أنت تعذبني بمحاولاتك المستمرة بتذكيري بحقيقتي وحقيقة أن فيوليت لن تكون ابنتي الحقيقية أبدًا وسترحل وتتركني في أي لحظة وتستمر بلومي كأنني سبب تعاستك، أنا».

لم تستطع إكمال جملتها وهي تشعر بالاختناق الشديد كأنها على وشك الانفجار ودموعها تنهمر بلا توقف فلقد صرحت بالحقيقة التي تهابها وتكتمها بقلبها وهذا يجعل كل حواسها تتفاعل مع وقع تلك الحقيقة مما يسبب لها شعورًا لا يطاق ولا يحتمل من الألم.

لم يستطع ألفريد منع نفسه من الاقتراب نحوها وهو يستمع لصوت بكائها، تقدم نحوها وعانقها دون أي مقدمات ربما هو يلومها لأنها نقطة ضعفه وليس بسبب فيوليت.

قالت باكية وهي تبادله العناق:

«حبي لها يختلف عن حبي لك أرجوك تفهم هذا الأمر».

لم يجبها وهو يحاول تهدئة بكائها المرير.

**************************************

Continue Reading

You'll Also Like

17.5K 2.3K 27
2024/2/2 #أبنة الشيطان القصه# لاتناسب الاعمار الصغيره 🚫
471 35 5
" ليتني صدقت حلمي لو فعلت لما حدث كل هذا أندم علي لحظةٍ ترددت فيها " قصة حياة روزيتا الفتاة التي قابلت الصوت أو يجب القول سمعته
17.4K 1.4K 69
هل نحن اصحاب الماضي السئ؟ ام نحن السيئين من الماضي؟ تصميم غلاف الروايه من : @kookie_kluv 💜
3.6K 309 6
ظهور بوابة عالم التايتينيا أمام ديانا كان خاتمة لقصتها وبداية قصة غير متوقعة بالنسبة إلى صاحبها. ماثيو -الطفل الرجل- ما زال عالقًا بين طيات ماضيه غي...