روح وريحان

Door engsoso

581K 10.5K 222

صدعت صرخاتها الجدران ... تشققت أنفاسها ... سرت رجفة في نفوس من حولها ... تحيط بها الهمسات والهمهمات ... تتمتم... Meer

١
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
36
37
38
40
41
42
43
44
45
46
39

35

11.5K 215 5
Door engsoso

· الفصل الخامس والثلاثون

- انا بولد ..

لا وقت لـ"فاطمة" لأن يتوقف عقلها عن العمل الآن .. ليس سواها أحد مع "رنيم" التي تتلوى ألما .. غارقة في ماء يسيل منها .. بسرعة تناولت "فاطمة" هاتفها لتطلب "يوسف" وأخبرته .. كان أدعى لها أن تهاتف الإسعاف .. ولكنها رأت أنهما امرأتين لا رجل معهما .. "رنيم" ستموت أمامها وهي تحاول مساعدتها .. بأي شئ .. أي شئ ..

كان "يوسف" مع "ريحانة" في سيارة الإسعاف .. بينما يتبعهما "باسل" بسيارته .. لما هاتفته والدته .. اتصل بـ"باسل" وسأله أن يقف .. وأوقف بدوره سيارة الإسعاف .. وتبادلا الأدوار هو و"باسل" .. فبقي "باسل" مع "ريحانة" بينما امتطى هو سيارته ليعود لـ"رنيم" .. وصل لها ليحملها ويضعها في سيارته ومعه أمه و"روح" .. "روح" المسكينة التي تشهد تلك الأحداث كلها لتتأصل في ذهنها بعمق مؤلم ..

تحملت "رنيم" كثيرا لما رأت فزع "يوسف" .. حاولت ألا تصرخ وحاولت أن تتحكم في نفسها .. ولكن تعبيرها عن ألمها كان مجرد دموع حارقة .. دموع تشكو ألمها و"ريم" و"ريحانة" و"يوسف" وجنينها الذي على وشك الضياع .. ظلت تناجي ربها كثيرا .. وطالت مناجاتها .. ونسيت نفسها في خلوة معه ..

وصل "يوسف" المشفى ليجد "باسل" فعل ما يجب .. فد كان في انتظارهما طبيبة وسرير ناقل .. حملها "يوسف" ووضعها عليه لتغيب عنه .. ودعها بدموعه وذكرى "ريم" تعود له .. فقد غابت عنه صارخة .. ثم خرج له أطباء يخبرونهم أنها غابت تماما ..

"روح" بمجرد أن رأت والدها ذهبت له لترتمي على صدره باكية .. حملها واقفا .. وصل "يوسف" .. فربت "باسل" على كتفه مطمئنا .. تبادل كلاهما نظرات مبهمة .. ولكن بعيدة كل البعد عن اللوم أو العتاب .. فالموقف أكبر من أي لوم أو عتاب .. أكبر من أي احتمال .. ترقرقت الدموع في عين "يوسف" تلاها سيل من عين "باسل" .. لم تطل نظراتهما وكلاهما يقترب من الآخر في عناق مؤلم .. مؤلم لأقصى حد .. وكلاهما يتجذر في أعماقه وجع .. طال عناقهما الشاكي الباكي .. ولكم احتاج "باسل" خاصة عناق كهذا ..

كان أول من اطمأنا عليها أو يكادان كانت "ريحانة" .. فقد خرج الطبيب قائلا :
- هي دلوقتي على جهاز التنفس الصناعي .. كانت شبه داخلة على انهيار عصبي .. بس الحمد لله .. عموما 24 ساعة ملاحظة ولو بقت كويسة تقدروا تاخدوها معاكم ..

تنهد كلاهما براحة .. بينما نظرت لهما "فاطمة" مستفهمة .. فتنحنح "يوسف" قائلا :
- احنا اسفين يا ماما ملحقناش نقولك .. ريحانة جاتلها ازمة تنفس فنقلناها هنا ..

حملقت فيهما قائلة بخوف :
- ازمة .. هي مش كانت اتعالجت من الحكاية دي ..
ثم قالت بفزع أكبر :
- وجدكم فين ..

قال "باسل" وهو يخرج هاتفه :
- هكلمه حالا ..

ثم ابتعد "يوسف"قائلا :
- معلش يا باسل كلم والد رنيم وعرفه ..
وذهب لينتظر خروج "رنيم" الذي طال ..

وانتظر "يوسف" .. انتظر طويلا .. وكل أمله عالق بربه .. يدعو بسلامتها وسلامة ابنه .. لم يعد فيه احتمال لشئ آخر .. لم يعد يستطيع أن يتلقى أي صدمة أخرى .. كفاه ما أتاه .. ولكن كان لسانه يلهج بالدعاء لها .. سكن روحه .. ومليكة قلبه .. رسما حياتهما معا وخططا كيف سيربيان ابنهما وإخوته القادمين .. بنيا مستقبلا حالما .. وعاشا فيه قبل أن يعيش فيهما .. وعدها بالسفر لعدة أماكن فور ولادتها .. جهزا غرفة ابنهما معا .. كانت لحظات سعيدة تلك .. بل لحظات كانا فيها فوق السحاب .. أصبحا شريكين في كل شئ .. كل شئ .. حتى أحلامهما تقاسماها .. فأصبحت أحلامها أحلامه .. وأصبحت آماله آمالها ..

- رنومتي الحلوة ..

- اها .. دي رشوة بقا .. قول علطول ..
كانت مستلقية على ظهرها في فراشها وهي تتحدث حيث جاءت من عملها مرهقة كعادتها في الفترة الأخيرة وخاصة مع آلام الحمل ..

ارتمى بثقله كله على الفراش جوارها مما آذاها .. فصرخت .. ففزع قائلا :
- فيه ايه .. مالك ..

قالت وهي تصر أسنانها بألم :
- حرام عليك يا يوسف .. والله اللي بتعمله دة حرام .. انا مش واحد صحبك ..

ابتسم وهو يعتدل قائلا :
- ايه دة هو فيه واحد صحبي يبقى قمر كدة ..

أدارت وجهها فقال :
- ريم تحت ..

ابتسمت قائلة :
- ما انا عارفة .. وعارفة جاية ليه كمان ..

رفع أحد حاجبيه قائلا :
- اها يعني عارفة انها مش طايقة طارق وبتقول بتتوحم والكلام الفارغ دة ..

نظرت له بشدة قائلة :
- كلام فارغ ..

هز رأسه مؤكدا وهو يقول :
- اه كلام فارغ .. ماما بتقول الست اللي بتحب جوزها وحمها بييجي فيه .. يعني هي علشان بتحبه تسيبه ..

ضحكت وقد فهمت ما يرمي إليه فقالت :
- والمطلوب مني ايه ..

حك رأسه كمن يفكر في أمر قائلا :
- ابدا .. انا عارف انك بتحبيني .. اوعي بقى تتهوري وتقولي مش طايقاه ياماما خديني عندك ..

ضحكت بشدة وهي تقول :
- ايه الثقة دي مين قالك اصلا ان انا بحبك .. انا بس لقيتك بتحبني فأشفقت عليك واتجوزتك ..

كور يده ليضربها في فكها بخفة مازحا وهو يقول :
- بتحبيني ولا مش بتحبيني ..

مسكت فكها قائلة :
- اه .. بحبك بحبك .. انا مش مستغنية عن عمري .. وبعدين انا يوم ما اتخانق معاك يا حبيبي او اكون مش طايقاك هقعد على قلبك هنا وانكد عليك ..

ضحك وهو يقبل يدها قائلا :
- ربنا يخليكي ليا يا قلبي ..

تنهد وابتسامة تشق شفتيه مع خروج الممرضة حاملة ابنه .. فرافقت ابتسامته دموع وهو يتلقاه منها .. قائلا :
- ورنيم ..

ابتسمت قائلة :
- كويسة .. الدكتورة هتخرج تطمنك عليها دلوقتي ..

تنهد تنهيدة موجعة مريحة .. فقد اطمأن على حبيبته .. ثم نظر لابنه الذي يحمله .. واتسعت ابتسامته .. فقد كان يحمل نسخة مصغرة من رنيم .. حتى وإن لم تتضح ملامحه بعد .. كبر في أذنه .. ثم جاءت أمه و"باسل" .. وبعد جاء والدا "رنيم" والجد .. طمأنهم "يوسف" .. ثم خرجت الطبيبة وطمأنتهم بدورها على "رنيم" ..

ذهبت السكرة وجاءت الفكرة .. فاستعد "يوسف" وهو يعطي ابنه لأمه .. ثم أخذته وذهبت لغرفة "رنيم" ومعها والداها ليطمئنوا عليها .. حيث أنها ما زالت غائبة عن الوعي فترة قبل إفاقتها .. ولكم كانت "رنيم" بحاجة لتلك الغيبوبة القصيرة الطويلة ..

وبدأت تبادل النظرات بين الثلاث رجال الواقفين .. لم يكن الجد يعرف بعد بأمر "ريحانة" فـ"باسل" أخبره فقط بأن "رنيم" تلد ..
تنهد "باسل" وهو ينظر لجده قائلا :
- عاوز تعرف ريحانة فين يا جدي .. ريحانة جتلها ازمة التنفس اللي كانت بتجيلها زمان .. عارف ليه .. علشان انا اتهجمت عليها وكان ممكن اضربها كمان .. كدة ارتحت انت والدكتور يوسف .. كانت مشاعري بالنسبة لكم لعبة بتستهتروا بيها .. انتم عارفين لو كان جرالها حاجة .. والله ما كنت هسامحكم .. فيه حاجات انتم متعرفوهاش .. متعرفوهاش ابدا .. وانا عمري ما لعبت بمشاعرها علشان تيجوا دلوقتي وتاخدولها حقها .. بس فيه حاجات بتبقى اهم من حاجات .. وريحان نفسها كانت مقدرة الاولويات دي من غير ما تتدخلوا ..

تحفزت مشاعر الجد وهو يستمع .. وبدأت تهدأ رويدا رويدا .. فـ"باسل" يعني أن أميرته بخير .. ولم يحدث لها أذى لأنه لو حدث .. لم يكن "باسل" ليتحدث هكذا .. ولكن جاء الدور على حفيده .. عليه الاطمئنان عليه .. حفيده الذي دائما ما يعيش دورا ليس دوره ويأخذ مهاما ليست مهامه .. فقد أخذ دور الأب لـ"ريحانة" وأخويه منذ الصغر .. وعاش لابنته ومن قبل "ريحانة" دور الأم كذلك .. "باسل" الذي اتخذه أبوه صديقا له ومن بعد جده .. "باسل" الذي يعيش غامضا كأنما يخشى شيئا .. "باسل" الذي كبر فجأة وأصبح عجوزا وهو ما زال في العشرين من عمره .. "باسل" الذي عاش حياته ليساعد أخويه على تحقيق أحلامهما وسعادتهما .. "باسل" الذي وفر لأمه الأمان والحماية .. "باسل" الذي اختار مجال عمله ليس لأنه يحبه ويهواه كما زعم .. بل من أجل "ريم" و"ريحانة" .. "باسل" الذي شاب قبل أن يشيب ..

أنهى "باسل" حديثه وهو يتجه لخارج المشفى .. وكأنما قرر أن يخرج من حياتهم إلى الأبد .. بينما سأل الجد عن "ريحانة" فأخبره "يوسف" عنها خيرا .. ثم ذهب لزوجته ..

------------------------

عاد "باسل" لمنزله وقد اتخذ قراره بالبعد .. فهو لم يعد يحتمل أي شئ .. ولم يعد يشعر بأي شئ .. فقد الطاقة والشعور .. حزم حقائبه وابنته وغادرا .. ولكن قبل مر على منزل "ريم" .. استأذن للدخول وأذن له .. استقبله "طارق" مرحبا .. فقال "باسل" آسفا :
- انا عارف ان الوقت مش مناسب .. بس كنت جاي اطمن على ريم .. ممكن ..

ابتسم "طارق" قائلا :
- انت تيجي في اي وقت يا باسل .. دة بيتك ..
ثم أردف بقلق :
- بس انت شكلك متغير ليه .. فيه حاجة حصلت .. هو الاسعاف دة كان عندكم ولا ايه ..

ابتسم "باسل" قائلا :
- لا بسيطة .. دي رنيم كانت بتولد .. وريحانة تعبت شوية .. بس هما بخير الحمد لله ..

عقد "طارق" ما بين حاجبيه قائلا :
- انا اسف معرفش والله .. حمد الله على سلامتهم ..
كانا قد وصلا لغرفة "ريم" فوقف "طارق" قائلا :
- اتفضل ..

تقدم "باسل" وهو يقول :
- معلش يا طارق .. خلي روح تشوف حياة ..

علم "طارق" أنه يريد الانفراد بأخته ولا يريد لـ"روح" أن تبقى معه .. فـ"طارق" نفسه ينسحب وحده عند قدوم أحد أخويها لزيارتها .. نفذ رغبته وابتعد بـ"روح" وهو يغلق الباب عليهما ..

بالطبع لم يستغرب "باسل" النظافة المبالغ فيها البادية على "ريم" ولم يلفت انتباهه اهتمام "طارق" الزائد بها فهو اعتاد رؤية ذلك عند زيارتها .. ولا الرائحة العذبة الجميلة التي تتميز بها غرفتها .. وشعرها المصفف وثيابها المهندمة .. كلها أشياء يهتم بها "طارق" .. وكذلك يهتم بأن تستطيع المشي مباشرة حين تفيق ولا تؤثر عليها نومة الفراش .. وذلك بوجود أخصائية للعلاج الطبيعي للاهتمام بها وفقط ..

جلس "باسل" على المقعد المجاور للسرير .. ثم تنهد بعمق ما حدث .. ثم وقف ليخرج قارورة صغيرة من جيبه ويحقنها في المحلول الموصل لـ"ريم" .. ثم جلس على ركبتيه قريبا منها .. وهو يهمس قائلا :
- العلاج دة اتعمل مخصوص لريحان .. بس الظاهر اتكتب عليكي انك انتي اللي تاخديه .. انا اسف يا ريم .. اسف على كل تقصيري معاكي .. تفكيري في ريحانة نساني كل حاجة تانية .. بس والله العظيم انا عملت لك الفحوصات زيها واكتر من مرة .. وانتي مظهرش عندك اي حاجة ولا مرة واحدة .. لكن هي ظهر عندها واختفى .. كنت عارف انه مبيظهرش في الحمل .. لكن انتي خبيتي خوفك عني .. بتخبي عني يا ريم .. احنا من امتى بنخبي حاجة عن بعض ..

ثم انفعل قائلا :
- شوفتي اخرة انك تخبي عني حصل ايه .. الحل ايه دلوقتي .. كل حاجة ضاعت مني .. كل حاجة ياريم .. دة اكتر وقت انا محتاج لك فيه .. طول عمرك بتقولي انك امي .. انا محتاج لامي دلوقتي .. علشان خاطري فوقي .. فوقي وكلميني .. يا ريم انا تعبت .. والله العظيم تعبت .. كفاية بقى .. كفاية ..

وأردف بحزن صميم :
- تفتكري كدة ريحان ضاعت مني .. بس هي غبية .. المفروض تفهم لوحدها .. مش لازم اقولها اني بحبها علشان تعرف اني بحبها .. دي حاجة تتحس متتقالش .. كل مشاعري ناحيتها ليه احصرها في كلمة بحبك .. وهي فوق كدة .. فوق كل المشاعر اللي في الدنيا .. ليه متفهمش لوحدها يا ريم .. هي عارفة طباعي كويس .. وعارفة ان انا متنيل مغرور ومستحيل اقولها كلمة زي دي .. وعارفة ان صعب على نفسي اقف قدامها واقولها ان ظروفي اللي منعاني اتجوزك .. صعب عليا اقولها استنيني .. وصعب عليا اسيبها تكون لحد غيري .. مش عارف اعمل ايه .. والله ما عدت قادر افكر او اتصرف .. ريم انا محتاجلك اوي .. انا عارف انك حاسة بيا وسمعاني .. علشان خاطري قاومي وارجعي علشاني .. لو مش علشاني .. ارجعي علشان طارق وبنتك .. بنتك محتجالك يا ريم .. وانا مش هقدر اعيش مع نسخة تالتة لروح وريحان .. تعبت يا ريم .. تعبت من كل حاجة ..

ثم وقف وهو يقول ساخرا :
- لما تفوقي اوعي تقولي لحد اني قلت لك .. هدبحك يا ريم ..

والتفت مغادرا ولم يلحظ جهاز القلب الموصل بها .. ولم يلحظ أنه من بين تلك النبضات الرتيبة فلتت إحداهما متمردة ..

أخذ ابنته وخرج .. جلسا في السيارة .. واتخذ وضع القيادة وسار قليلا .. قبل أن تتحدث ابنته قائلة :
- بابا .. احنا رايحين فين ..

رد دون أن يلتفت قائلا :
- هنروح اوتيل نبات فيه النهاردة .. وبكرة ان شاء الله هنروح بيتنا الجديد ..

سألت بوجل قائلة :
- يعني كلنا ولا انا وانت بس ..

- انا وانتي بس ..

لم تعلق وهي تنظر للزجاج المجاور لها .. وأكمل طريقه وهو يعلم ماذا يدور ببالها .. تمنى لو تطالبه بالعودة .. أو حتى تدعي أنها ستشتاق لهم .. تمنى أن تسأله ماذا عن "ريحانة" وماذا عن "يوسف" و"رنيم" و"ريم" .. تمنى لو تخبره أنها تحتاج لـ"فاطمة" وجدها .. ولكن سقف أمنياته توقف وهو يراها هادئة ..

-----------------------

بدأت تئن وتهذي .. فانتفض عند رأسها واقفا .. وأخذ يتحسس وجهها .. يحاول إفاقتها أو يعجل بها .. حتى باعدت ببطء بين أهدابها وهي تتحسس موضع ألمها قائلة بفزع :
- ابني ..

ربت "يوسف" بحنو على وجهها قائلا :
- كويس .. والله العظيم بخير يا حبيبتي ..

- بجد يا يوسف ..
قالتها "رنيم" وبدأت في البكاء ..

فمسح دموعها بيديه قائلة :
- بجد يا حبيبتي ..

سألت بضعف :
- وريحانة ..

ابتسم مطمئنا :
- كويسة ..

- وريم ..

- كويسة ..

- بنتها .. انا عاوزة بنتها .. هات لي بنتها يا يوسف ..

هدأها قائلا :
- هجيبهالك بكرة ان شاء الله .. انتي دلوقتي تعبانة .. بطلي كلام بقى علشان متتعبيش .. علشان خاطري اهدي ..

جاءها والدها .. قبل رأسها وهو يقول بنبرة حانية :
- حمد الله على سلامتك يا حبيبتي ..

حاولت التبسم قائلة :
- الله يسلمك يا بابا ..

ومن بعدُ أمها .. ثم "فاطمة" .. وبعدُ نظرت لـ"يوسف" قائلة :
- ابني فين ..

ابتسم قائلا :
- والله كويس انك لسة فاكراه ..

بابتسامة باهتة ردت :
- هات لي ابني عاوزة اشوفه ..

حمله ثم وضعه جوارها قائلا :
- اتفضلي يا ستي .. بس الواد دة انا اتبريت منه خلاص .. طلع قمر شبهك ازاي ..

اتسعت ابتسامتها وهي تنظر له بحنين جارف .. تتأمل وجهه الصغير .. وأنفه الدقيق .. عينيه الكحلاوين .. شفتيه المضمومتان تارة والمفتوحتان عن فم بلا أسنان تارة أخرى .. يديه التي يقبضها ويطوي بهما كفين يغرقان في كفها .. شعره الأسود الكثيف .. وبشرته البيضاء الناعمة .. فرحتها به لا تشبه فرحة أخرى .. فرحانة لأنه ابنها .. وفرحانة لأن أباه "يوسف" .. وفرحانة لأنه يشبه "يوسف" حتى وإن أنكر .. قد تكون ملامحه الشكلية كلها لها .. ولكن من المؤكد أن ملامحه الرجولية التي لم تظهر بعد ستكون كلها لـ"يوسف" ..

جلس "يوسف" جوارها واقترب من أذنها هامسا :
- باسل ولا غيرتي رأيك ..

ابتسمت قائلة :
- باسل إن شاء الله .. هغير رأيي ليه .. الغلطة غلطتي انا .. والله انا لسة حاسة بالذنب ناحيته وناحيتها .. حاسة ان انا السبب في كل اللي حصل ..

تنهد قائلا :
- اللي حصل حصل .. ودة اللي كان لازم يحصل .. خير ان شاء الله ..

قالها وشعوره بالقلق يخترق أقصى روحه .. فـ"باسل" لا يجيب على اتصالاته منذ أن غادر ..

---------------------

مرت عدة ساعات تحسنت فيها حالة "ريحانة" وانتقلت لغرفة عادية .. بعد إلحاح منها .. فالمكان الذي وجدت نفسها فيه ذكرها بـ"ريم" بشدة .. وكأنها خشيت أن تتجسد الذكرى أمامها .. مهما أنكرت ومهما ادعت لا تستطيع أن تنكر على نفسها تفكيرها في "باسل" .. كيف أصبح مخيفا هكذا .. وكيف أمسى لا يهمه مشاعرها هكذا .. لماذا ضايقه موافقتها المزعومة .. ألم يكن قبل يحثها على الزواج إن وجدت الفارس المزعوم ..

ليست "ريحانة" بمن تمحو تاريخا من الصالحات لأجل سيئة واحدة .. ولا يمكن أن تنكر أن "باسل" حتى وإن لم يراها حبيبة فهو يعاملها كأخت وابنة كأروع ما يكون .. وحتى وإن شعرت مرات بأنه يبادلها شعورا ما .. ليس له ذنب في فهمها .. هو لم يقُلها صريحة .. فلماذا تفهمها هي صريحة .. من الممكن أن يثور الأخ على أخته .. ومن الممكن أن يثور الزوج على زوجته .. ولكن من المؤكد أنه يقدم أعذارا ويأتي ليطلب السماح .. لو فعلها "باسل" ستسامحه أم لا ..

لماذا يجرحها هكذا .. ألم يكن من حقها أن تتزوج .. لما يحاسبها إذا .. فقط لو يأتيها معتذرا .. تتمنى أن يعطيها مبررا لما فعله .. أي شئ يقوله ستصدقه .. "باسل" الذي رأته كان مختلفا .. مختلفا تماما ..

- باسل .. انا خايفة .. تعالى ادخل معايا ..

هبط من عليائه لمستواها وهو يقبل وجنتها قائلا :
- خايفة من ايه يا قلبي .. دة امتحان صغير خالص .. وبعدين انتي اشطر واحدة في الفصل .. ازاي تخافي بقى .. انا عارف انك هتحلي احسن واحدة ..

- بجد .. يعني انا هعرف احل .. بس الامتحان ممكن ييجي صعب ..

ابتسم قائلا :
- امتحان ايه بس اللي يجي صعب .. دة هيكون سهل جدا جدا ..

- طيب راجع معايا اي حاجة ..

مسح على شعرها قائلا :
- احنا لسة مراجعين في البيت ولقيتك شطورة خالص .. يلا بقى علشان هديتك اللي وعدتك بيها .. يا بشمهندسة ..

ابتسمت "ريحانة" قائلة :
- انا هبقى مهندسة لما اكبر .. بجد ..

اتسعت ابتسامته قائلا :
- اللي انتي عاوزاه ان شاء الله هيكون .. ويلا بقى الامتحان هيبدأ ..

- طيب انزل ..

أحنى رأسه لها قائلا :
- واديني نزلت عاوزة ايه ..

قبلت وجنته وهي تحتضن رأسه قائلة :
- انا بحبك اوي ..

قبل رأسها قائلا :
- انا بحبك اكتر ..

أيعقل أن ينقلب "باسل" هكذا حين يكبر .. هناك شئ حدث .. شئ جعله ينقلب هكذا .. قد يكون في حياته سر يخفيه .. وقد يكون سره متعلق بها .. إذا فلماذا انقلب معها هي فقط .. هو مازال يعامل "ريم" و"يوسف" وأمه وجده كما كان .. لما هي بالذات من يطولها غضبه .. ولما هي من تتطاير شراراته عليها ..

ليته يأتيها يقول فقط (آسف) .. ليته يأتي ويعتذر ويبدي ندمه .. ستسامحه ولكن لن تظهر ذلك .. حتى يقرر لها ماذا يريد منها .. وحتى يخبرها لما يعاملها هي بالذات هكذا ..

لم يطل انتظارها .. مع وقت الزيارة كان هو أول من جاءها .. نسيت مخططاتها كلها وهي ترى التعب جليا على وجهه .. لم يكن تعب .. بل هم أو غم .. إرهاق أو سهر .. حزن أو ندم .. خليط من هذا كله ..

ولم ينظر لها قائلا :
- ممكن تكوني شايفة اني مليش عذر في اللي عملته .. بس فيه حاجات بنعملها من غير ما نحس .. واحيانا بنأذي اغلى الناس على قلوبنا من غير ما نقصد نجرحهم .. انا لما اتجوزت .. من غير ما اقصد اذيت ناس .. اذيتهم جامد .. كنت اتمنى ساعتها موتي بس معملش فيهم كدة .. ممكن اللي عملته في الناس دي اتردلي شوية منه لما عرفت انك وافقتي ع العريس .. من غير ما افكر اتصرفت .. انا دلوقتي جاي اطلب منك تدوري لي على عذر للي عملته .. او تفتكري لي حاجة حلوة عملتها في يوم ..

ثم وقف وهو يتجه للباب قائلا :
- انا عارف انك مش هتقدري ترجعي البيت وانا موجود .. علشان كدة انا سيبت البيت .. هبقى اطمن عليكي من يوسف ..

- باسل ..
نادته باكية ..

فالتفت قائلا :
- نعم ..
فجزع من بكائها .. فقال بنبرة حاول أن تكون طبيعية :
- ريحان .. لو سمحتِ متعيطيش ..

فقالت بصوت ضعيف :
- انت ليه بتقول كلام يحتمل ميت تأويل وتسيبني وتمشي .. ليه مبتقولش علطول اللي عاوز تقوله .. انت حتى مقلتليش انا اسف ..

ابتسم ساخرا وهو يقول :
- مشكلتك انك بتدوري على كلام محدد يوصل المعنى .. ومشكلتي اني بكون شايف المعنى اكبر من الكلام .. يعني احساسي بالذنب اكبر بكتير اوي من كلمة اسف .. بعد اذنك ..

ضمت قدميها لصدرها وأحاطتهما بذراعيها وأسندت رأسها عليه وبدأت تبكي .. إلى متى ستظل هذه المعاناة .. إلى متى .. لماذا ازداد غموضه .. وازدادت أسراره ..

----------------------

أنهى زياته لها ثم مر على "يوسف" فقابل أمه التي رمته بنظرات لوم .. فذهب نحوها وقبل رأسها قائلا :
- انا مقدرش اعيش وانتي زعلانة مني .. صدقيني كدة احسن ليا وليكم .. كدة تقدروا تعيشوا بسلام وانا بعيد عنكم ..

نظرت له بعبرات بدأت في الظهور .. فقال بجزع :
- بالله عليكي ماتعيطي .. والله هاجي علشان اشوفك كل يوم .. ومش هيعدي يوم غير لما تشوفيني ..

قالت بألم :
- وليه دة كله .. ليه بتعمل في نفسك كدة يابني ..

قال بألم أكبر :
- خير يا ماما .. خير ان شاء الله .. هشوف يوسف .. بعد اذنك ..

توجه لـ"يوسف" الذي قابله هو الآخر بتلك النظرة فابتسم "باسل" قائلا :
- لا كفاية ماما ..

فقال "يوسف" :
- انت عجبتك حكاية الهروب دي يا باسل ..

رد "باسل" :
- انا مهربتش .. انا جيت اطمن عليها وبعدين جيت اطمن عليك اهو .. فين الهروب بقى ..
ثم انتقل لموضوع آخر قائلا :
- عاوز اشوف ابنك ..

نظر له "يوسف" بشدة .. فهو لم يقل جئت لأعتذر بل لأطمئن .. ولم يذكر اسمها بل تكلم بصيغة الغائب .. لم تطل نظرته وهو يدخل ليطلب زيارة ابنه .. الذي يقبع في مكان المواليد الجدد .. فبعد أن رأته "رنيم" أمس .. وضعوه في المكان المخصص له .. والآن "رنيم" تحتضن "حياة" ابنة "ريم" التي جاءتها صباحا .. ونسيت الكل معها .. وما لبثت أن ترضعها ..

دخل "يوسف" بعد أن ارتدى الزي المخصص له .. ثم أشار لـ"باسل" بالدخول .. فارتدى هو الآخر زيه .. وقفا كلاهما حول "باسل" الصغير يتأملانه .. ابتسم "باسل" وهو يتذكر يوم ميلاد "روْح" .. دعا له .. ثم أخرج ظرفا من جيبه ووضعه جواره .. فنظر له "يوسف" بغضب .. فابتسم "باسل" قائلا :
- دي حاجة بيني وبين ابني ملكش دعوة بيها ..

فتكلم "يوسف" بهمس احتراما للمكان :
- يا باسل احنا مفيش بينا الحاجات دي ..

رد "باسل" قائلا :
- عارف .. قلت لك دة مش ليك انت ..
ثم نظر نظرة أخيرة لـ"باسل" الصغير وهو يقول لـ"يوسف" :
- يلا .. علشان منطردش ..
التفت يغادر .. فنظر "يوسف" لابنه قبل أن يغادر هو الآخر .. ثم أخذ الظرف .. وبعد وصى الممرضة على ابنه وغادر هو الآخر ..

في الخارج التفت "باسل" قائلا لـ"يوسف" :
- انت سميت ايه ..

ابتسم "يوسف" قائلا بصيغة نداء :
- باسل ..

- نعم ..

ضحك "يوسف" قائلا :
- انا سميته باسل ..

شعور غريب غزاه .. أن يتذكره "يوسف" ويسمي ابنه على اسمه .. وتأثر عميق اجتاحه وهو ينظر له متعجبا .. ثم ابتسم قائلا :
- سميته على اسمي ..

أومأ "يوسف" بإيجاب .. ثم قال بقصد :
- بس يارب ميطلعش زي عمه عايش بدماغه ..

مازال "باسل" تحت تأثير الخبر فقال :
- طيب ليه .. ومراتك ليه تفرض عليها اسم لابنها ..

استغرب "يوسف" تأثر "باسل" الشديد بشئ كهذا .. هو نفسه يرى أن هذا شئ ضئيل بالنسبة لما قدمه "باسل" له .. ولم يرَ في أن يسمي ابنه عليه سوى بعض شكر له .. لذلك قال بمرح :
- لا .. احنا عندنا ديمقراطية متقلقش .. وبعدين انا سميت الواد على اسمك يبقى لازم تديني مقابل ..

ابتسم "باسل" قائلا :
- مقابل !! .. عاوز ايه يعني ..

اتسعت ابتسامة "يوسف" وهو يقول :
- والله الواد كنا راسمين اننا نجوزه لبنت ريم .. بس خلاص شكلها هتبقى اخته في الرضاعة .. فلازم تبقى عروسته عليك بقى ..

جاراه "باسل" في مرحه قائلا :
- خلاص هجوزه بنتي ..

نظر له "يوسف" بشدة قائلا :
- بنتك !! .. ليه هتاخده تربيه .. لا يا عم انا ابني ميتجوزش واحدة اكبر منه ..

ضحك "باسل" قائلا :
- لا بنتي التانية ان شاء الله ..

فابتسم "يوسف" قائلا بأمل :
- ايه نويت ولا ايه ..

أومأ "باسل" قائلا :
- ان شاء الله ..

فضحك "يوسف" غامزا :
- شكل الخطة جابت مفعولها ..

فابتسم "باسل" قائلا :
- لا مش الخطة .. الخطة اللي انا لسة محاسبتكش عليها .. بس عموما دي نية مؤجلة شوية .. وبعدين مش هيحصل حاجة زي دي الا في وجود ريم ..

وجم "يوسف" قائلا :
- ريم ..
وكأنه بكلمته يخبره بشعوره أنه لا أمل .. يخبره أنه يضحك ويمزح ولكن ذكرها في القلب لا ينسى ..

فربت "باسل" على كتفه قائلا :
- ان شاء الله خير .. خير .. انا همشي دلوقتي علشان الحق اجيب روح من المدرسة ..

سار خطوات فاستوقفه "يوسف" قائلا :
- لو المشكلة في روح انا ممكن اتصرف ..

فالتفت له "باسل" قائلا :
- نعم ..

ابتسم "يوسف" قائلا وهو يوليه ظهره :
- سمعتني كويس ..

----------------------

بعد أيام ثلاثة عادت "رنيم" لبيتها .. وقد سبقتها "ريحانة" .. وأصبحت حياتهم خالية من "باسل" فملأ بعض فراغه "باسل" .. ولكن شتان بين "باسل" و"باسل" ..

غيابه أثر كل الأثر في "ريحانة" وجدّه خاصة .. رغم أنها في الشهور الماضية لم تكن تراه كثيرا .. وحتى إن رأته لا تتحدث معه .. ولكن شعورها أنه قريب منها كان يكفي .. ومرت الأيام وهو يأتي لزيارة "ريم" وأمه في غيابها .. هو يتعمد ذلك .. وهي تحاول أن تعرف متى يأتي حتى تتواجد .. تريد رؤيته فقط .. كيف يستطيع أن يفعل فيها ذلك .. يهينها وتبحث عنه .. يهجرها وتسأل عليه .. إلى الآن تذكر كلامه الذي قال .. ولكن تخشى أن تفهمه كما يكون فتندم أو تعلق أملها بحبال ضعيفة فتنهار .. وهي تعبت من كثرة الانهيارات .. آن لها أن تقف لا يهزها شئ .. وآن لها أن تبقى قوية أمامه هو .. اشتدت واستوت أمام الجميع .. لكن بقيت مهتزة أمامه .. حتى وإن لم يظهر اهتزازها هذا له .. تشعر الآن بحالة من الشفقة عليه .. متأكدة أنه يخفي شيئا .. ومتأكدة أن هذا ما يمنع من أشياء كثيرة .. لذلك لم يطل غضبها منه .. فقط يومان ونسيت ما فعله .. فأين لتلك الذكرى أن تظل بين مئات بل آلاف الذكريات الجميلة بينهما .. إن نسفت ذكرى كتلك ذكريات أهم .. فستصبح ناكرة للجميل .. ولم يعلمها "باسل" أن تكون كذلك ..

صعدت لزيارة "رنيم" فوجدت "حياة" عندها .. فابتسمت وهي تقول :
- انا مش عارفة طارق سايبهالك كدة ازاي ..

ابتسمت "رنيم" قائلة :
- مش بمزاجه .. البنت مش عاوزة تشرب اي لبن صناعي تاني ولا بتشرب اي سوائل .. فكل ما تجوع يبعتوهالي ..
نظرت لها "ريحانة" مبتسمة .. ولم تتكلم .. فضحكت "رنيم" قائلة :
- قولي اللي عندك ..

ضحكت "ريحانة" وهي تحمل "باسل" الصغير النائم على جوارها وهي تقول :
- الواد دة قمر قمر .. بس لو تغيروا اسمه ..

نظرت لها "رنيم" قائلة :
- مع ان انا عارفة انك اكتر واحدة فرحانة بالاسم دة ..

شهقت "ريحانة" ووجهها يتلون باللون الأحمر قائلة :
- مين قال كدة .. عادي على فكرة .. باسل زي محمود زي ابراهيم ..
ثم تنهدت وهي تتحسس موضع رقبتها ..

فقالت "رنيم" :
- يا بنتي هيختفي والله .. وهو اصلا خف كتير اهو ..

وجمت "ريحانة" قائلة :
- انا بس كل ما اشوفه يفكرني بالليلة دي ..
ثم نظرت لـ"رنيم" بغضب قائلة :
- وانا هنت عليكي تدخلي قلم في رقبتي كدة من غير اي احساس ..

ضحكت "رنيم" قائلة :
- لا كان يهون عليا اسيبك تموتي ..

فقالت "ريحانة" بغضب اكبر :
- بس ايدك كانت تقيلة اوي .. مفيش رحمة ..

ابتسمت "رنيم" قائلة :
- المرة الجاية ..

ضربتها "ريحانة" قائلة :
- تك ضربة ..
ثم تراجعت وهي تقول :
- هو .. هو .. هو يوسف مبيجيبش سيرة باسل ..

وضعت "رنيم" "حياة" جوارها .. وهي تحمل "باسل" قائلة بتقصد :
- حبيب ماما .. وقلب ماما .. دة علطول بيلعب معاه ويجيب سيرته .. ومبيشبعش منه .. بيموت فيه ..

رمتها "ريحانة" بوسادة جوارها قائلة :
- تصدقي انا غلطانة اني طلعت لك .. وخلي حبيب ماما معاكي ..

ضحكت "رنيم" قائلة :
- بيقول انه تعبان اوي ..

انتفضت "ريحانة" وهي تقول :
- ماله ..

خفتت ضحكة "رنيم" لتقول بجدية :
- يوسف مش عارف ماله .. بس هو بيقول ان شكله تعبان .. وبيقول انه خايف عليه من انه عايش لوحده .. لان باسل لما بيزعل ويضغط على نفسه بيمرض جامد .. وحرارته بترتفع فوق الاربعين .. ودة اللي حصله وهو مسافر .. وبيقول ان ممكن يكون زعله بسبب اللي عمله فيكي ..

ظهر الأسى على محيَّاها وهي تجيب :
- بس انا خلاص مش زعلانة .. انا عارفة حالته دي .. بيتعب فيها اوي والله ..

تنهدت "رنيم" قائلة :
- ان شاء الله كل حاجة هتبقى كويسة ..
ثم وقفت قائلة :
- خلي بالك من العيال لغاية ما البس .. علشان نروح لريم ..

جلست "ريحانة" على الأرض وهي تلاعبهما .. وتحاول التبسم لهما .. ثم تذكرت "روح" .. لقد اشتاقت لها .. أخرجت هاتفها لتحدثها .. سمعت جرس للمرة الأولى ولا مجيب .. ثم ثانية لا مجيب .. وفي المرة الثالثة سمعت صوته هو مجيبا :
- السلام عليكم ..

كان ردها :
- مش دة تليفون روح ..

أبعد الهاتف عن أذنه وهو يرى اسم المتصل .. فقد أجاب مباشرة عليه نظرا لأن "روح" نائمة .. وهو الآخر كان نائما جوارها .. ولما تأكد أنها هي .. اعتدل جالسا حتى يفيق .. ثم قال :
- روح نايمة .. يبدو اني ازعجتك بصوتي .. اول ما تصحى هخليها تكلمك ان شاء الله ..

كان سيغلق فقالت :
- لالا .. انا مقصدش كدة .. انا بس بتأكد .. اصل انا معرفتش صوتك ..

- مفيش مشكلة ..
قالها سريعا .. يريد أن ينهي الحوار حتى لا يثقل عليها .. رغم أنه يتحرق لسماع صوتها .. يريد أن يسمعها حتى يرتوي من ظمأه ولن يرتوي .. فصوتها كالبحر ما إن يشرب منه عطشانا حتى يريد المزيد .. فهو لا يرتوي ولا يكتفي ..

فقالت :
- هي روح كويسة ..
وتمنت أن تسأله "انت كويس" ..

أجاب :
- بخير الحمد لله ..
وتمنى أن يقول "لست بخير أبدا بعيدا عنكِ" ..

فقالت :
- اصلها وحشتني اوي وكنت عاوزة اشوفها ..
وتمنت أن تقول "اشتقت لك كثيرا وأتمنى رؤيتك" ..

فرد :
- انتي كمان وحشتيها .. هبقى اخليها تجيلك في اقرب فرصة ان شاء الله ..
وتمنى أن يقول "اشتقت إليكِ بعدد حبات الرمل وعدد ذرات الماء .. وأتمنى رؤيتك كمن يتمنى أن يمسك نجما في السماء .. فهو سيظل يتمنى و لن يطوله " ..

سكتت قليلا ثم قالت :
- طيب مع السلامة بقى علشان معطلكش اكتر من كدة ..

وسكت هو الآخر ثم قال بصعوبة :
- مع السلامة ..

أنهت مكالمتها واحتضنت هاتفها تلقائيا .. فأخرجها من حالتها صوت "رنيم" القائل :
- تيرارارارا ..

ابتسمت "ريحانة" قائلة :
- دة اللي هو ايه .. دة انا حتى مقولتلوش ازيك ..

ابتسمت "رنيم" وهي تقترب لتحمل "حياة" قائلة :
- مش مهم .. المهم انك كلمتيه وهتريحيني من زنك شوية .. وبعدين ميت مرة قلتلك اصبري .. الصبر اخرته حلوة ..

وجمت "ريحانة" قائلة :
- بس صوته تعبان اوي ..

ردت "رنيم" قائلة :
- ان شاء الله هيكون كويس بعد ما سمع صوتك .. يا رب نخلص من الموال دة بقى ونجوزكم قريب .. انتم الجواز ليكم ستر ..

حملقت فيها "ريحانة" قائلة :
- ستر ..

عقدت "رنيم" بين حاجبيها بطريقة تمثيلية وهي تقول :
- شيلي باسل ويلا ورايا ..

وقفت "ريحانة" قائلة :
- وانا اشيل ابنك ليه بقى ان شاء الله ..

نظرت لها "رنيم" قائلة :
- علشان انا شايلة حياة قلبي .. يلا يا بت ..

ابتسمت "ريحانة" وهي تحمل "باسل" وتنظر لـ"رنيم" التي تسير أمامها .. أحيانا تشعر أن "حياة" ابنتها وليس "باسل" .. بل دائما ما تعطي لـ"حياة" الأولوية في كل شئ .. حتى في الرضاعة ..

وذهبتا لـ"ريم" ...

----------------------

أنهى "باسل" مكالمته معها وهو ينظر لابنته النائمة جواره .. كيف يبعد عنها آثار ذكريات مرت .. وكيف ينهي أي خوف داخلها .. لا يستطيع أن يبني سعادته على ألمها .. حتى وإن كان ألمها ذلك في نظرهم تافها .. ولكن الأمر في عينيه كبير .. يستحيل أن يؤذيها حتى بوهم .. هو يستطيع التحمل .. لكن هي لن تستطيع تحمل مجرد فكرة زواجه .. ليس "باسل" بالشخص الأناني .. لذلك يرى في موقفه الأخير مع "ريحانة" أنه كان أنانيا لأبعد حد .. فقد سبقه تهوره للتصرف .. تمنى أن يخبرها عمَّ يعيقه ويعلم أنها ستتفهم الأمر وتساعده في حله .. فهي كفؤ لذلك .. ولكن حتى معرفتها بالأمر ستؤلم ابنته .. وهو عاش الفترة الماضية كلها يجنبها أي ألم نفسي قبل أن يكون جسدي .. ولكن إن كان يريد "ريحانة" بصدق فعليه حسن التصرف .. وهو جدير بذلك ..

---------------------

ومر شهران ..

Ga verder met lezen

Dit interesseert je vast

358K 28.5K 56
من رحم الطفوله والصراعات خرجت امراءة غامضة هل سيوقفها الماضي الذي جعلها بهذة الشخصيه ام ستختار المستقبل المجهول؟ معا لنرى ماذا ينتضرنا في رواية...
15.7M 340K 55
باردة حياتها معه ....لا تعلم سبباً واحداً يبرر بروده معها أو عدم اهتمامه بها...فقد تزوجها و لا تدرى لما اختارها هى تحديداً..؟! سارت كالعمياء فى طريقه...
512K 11.8K 40
للعشق نشوة، فهو جميل لذيذ في بعض الأحيان مؤذي مؤلم في أحيانا اخرى، فعالمه خفي لا يدركه سوى من عاشه وتذوقه بكل الأحيان عشقي لك أصبح ادمان، لن أستطع ا...
8.2M 514K 53
رجلٌ شرسٌ شُجاع مُتقلبُ المزاج غريبُ الطورِ عديَمُ المُشاعر حيَادي لا ينحاز سَديدُ الرأي رابطُِ الجأَشِ وثابِتُ القلب حتىٰ.. وقعت تلك الجميلةُ بين...