30

11.1K 213 1
                                    

 · الفصل الثلاثون

عندما نتعرض لصدمة .. نكون قد توقعناها .. أو مصيبة مُهِّدَ لنا إياها .. يكون الوقع يسير .. لكن المشكلة تكمن في تقبل من حولنا للوضع .. ثم اندهاشهم من صبرك الظاهر .. هم لا يدرون أن ما أنت فيه جاء من تعود واعتياد .. أو تقبل للأمر .. أو تصور قبلي لما سيحدث .. أنت هيأت نفسك لعنصر المفاجأة الذي سيحدث .. فبالتالي كانت المصيبة هينة .. هم لم يهيئوا أنفسهم لذلك كان وقع المصيبة عليهم شديد ..

استمرارا لحالتها الميتة .. لما علمت "جميلة" بما حدث لم تشعر بشئ .. من المؤكد أن هناك شئ تحطم فيها .. ولكن في كل المرات السابقة .. كان يتحطم فيها هذا الشئ جزءا جزءا .. لتأتي هذه المرة تحطم آخر ما بقي لديها من هذا الشئ .. شئ لم يُنِر فيها .. ولم يومِض سوى للحظات قليلة .. شئ يدعى الأمل .. ولكن جاء خوف عقيم وأماته .. بل رعب كاسح .. ماذا إن تعلقت بالأمل هذا .. ثم خابت آمالها .. ستكون الصدمة عظيمة .. لكن إن لم يكن هناك أمل من الأصل فلن تصدم .. وهذا ما حدث ..

لم تصدم وصدمت .. لم تتوقع وتوقعت .. كانت متأرجحة بين الشك واليقين .. لم يصل إيمانها لليقين الكامل بعد .. ولكن مؤكد أنها أصيبت بشئ من ضيق وكمد .. ولكن ستصبر .. هي صبرت قبل ما جعل الصبر يمل منها .. لن تجزع اليوم .. وصبرها ليس إلا صبر جميل .. وما جزاء الصبر الجميل إلا الفرج .. الفرج !! .. لماذا انتظرت تلك المرة ليتجدد أملها ؟! .. لم تفكر هكذا يوما قبل .. دائما كانت تقول لنفسها اصبري قتصبر .. ولكن صبر مجبور .. لم تشعر بحلاوة الصبر الجميل .. وبعد عشر سنوات بدأ يغزوها شعور بهذا الجميل .. هي راضية قبل صبرها ..

شعرت بوجود أكثر من شخص معها في الغرفة .. دائما ما تميز من حولها برائحتهم .. فلكل شخص من إخوانها وأبيها عطر مميز .. رغم زواج إخوانها وبعدهم عن جوارها .. إلا أنها مازالت تميز رائحتهم .. بالإضافة إلى تفاعل رائحة العطر مع رائحة جسم الشخص تعطيه عبقا مميزا .. لذلك تستطيع تمييزهم حتى وإن تشابهوا في عطر واحد .. ثم ابتسمت وهي تتذكر إخوانها حينما كانوا يفعلون ذلك لتخطئ في معرفتهم ولم يحدث .. فحاسة الشم عندها قوية جدا وكأنه تعويض عن حاسة البصر ..

همست بضعف :
- خالد ..

كان يبكي في صمت .. لم يستطع مواجهتها .. وهي يهون عليها أي وجع سوى بكاء "خالد" أو أحد إخوتها أو أبيها .. هي كبيرتهم .. وأقربهم لها "خالد" بسبب قربهم في العمر فهي تكبره بعام واحد ..

سمعت نحيبه الصامت فقالت بصوت موجوع :
- خالد .. انا كويسة .. والله ما انا زعلانة ..

حاول أن يكتم شهقاته وهو يقترب منها .. جلس أمامها على الفراش .. ثم احتضنها بدفءٍ موجوع .. وهي عبرت عن وجعها بين ذراعيه .. وانفصلا في عالم يعبر فيه كل منهما عن وجعه الخاص .. أنهيا بكاءهما العاصف .. وحديثهما الصامت .. ثم ابتعدت عنه تهمس :
- مين هنا غير بابا وماما ..

روح وريحانWhere stories live. Discover now