روح وريحان

By engsoso

582K 10.5K 222

صدعت صرخاتها الجدران ... تشققت أنفاسها ... سرت رجفة في نفوس من حولها ... تحيط بها الهمسات والهمهمات ... تتمتم... More

١
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
34
35
36
37
38
40
41
42
43
44
45
46
39

33

10.5K 205 4
By engsoso

 · الفصل الثالث والثلاثون

- ايه يا ريمو انتي هتعشري ولا ايه .. انا حاسس انك حامل من زمان ..

هذا ما يفعله "طارق" دائما .. طوال أشهر حملها .. يحاول أن يجنبها خوفها غير المبرر بالنسبة له .. بالإضافة إلى أنها عانت أيما معاناة .. وفي معاناتها كان يموت ألما لأجلها .. حتى أنه أخبرها أكثر من مرة أنه ليس بحاجة إلى الإنجاب إن كان هذا ماسيحدث لها كل مرة .. طلبت إجازة من عملها وأصبحت ملازمة لفراشها .. تأخذها الهواجس لبعيد بل لأبعد ما يكون ..

حاولت التبسم قائلة :
- بقى دي اخرتها هعشر .. وبعدين ان لسة في اول التاسع .. يعني شوية وهتلاقيني بصرخ فجأة وبقول بولد ..

ضحك "طارق" قائلا :
- دة على اساس انك كنت هادية طول فترة الحمل .. فانا هتفزع بقى من صراخك دلوقتي ..

وجمت قائلة :
- عاوة اقولك حاجة .. واعتبرها اخر مرة هتكلم في الموضوع دة ..

فهم مباشرة ما ستقول .. فتنهد قائلا
- يعني انتي غاوية تعذبيني ..

انتفضت بجزع قائلة :
- لا والله ابدا .. انا قلت لك قبل كدة انه غصب عني تفكيري بيكون كدة .. والله والله دة مش يأس ولا سوء ظن .. انا فعلا من غير ما احس بلاقيني بفكر كدة .. وتفكير مسيطر عليا جدا .. اسمعني بس لاخر مرة ممكن ..

جلس قبالتها وامسك يدها قائلة بحنو :
- ممكن ..

تكلمت بتوتر قلق :
- بنتي حافظ عليها .. انا موصية رنيم وريحانة عليها .. اهم حاجة متخليش غيابي يأثر عليها يا طارق .. حاول تعوضها ..

وضع يده على بطنها قائلا بهدوء :
- بنتنا هنربيها مع بعض .. ومش هتحس بغيابك لانك هتكوني موجودة معاها .. كدة اطمنتي ..

لمعت عيناها قائلة :
- انا عاوة اشوف ماما واخواتي .. عاوة اشوفهم كلهم .. ممكن نروح نزورهم ..

هو الآخر يجاهد عبراته .. فقال :
- هما كانوا عندك اول امبارح ..

قالت برجاء :
- طارق نفسي اشوفهم .. علشان خاطري ..

أومأ قائلا :
- طيب هطلب منهم انهم ييجوا .. انا مش عاوزك تتحركي ..

حررت دمعاتها وهي تدفن رأسها في منتصف صدره .. وكذلك تحررت دمعاته وهو يربت على رأسها ويضمها بشدة إليه .. يخشى عليها ويخشى خسارتها .. يتألم لألمها .. ويشعر أن ما تقوله ليس ظنونا فقط .. هو أيضا يخشى ما تخشاه ..

ونفذ طلبها .. واجتمع الكل عندها .. حتى "رنيم" و"ريحانة" .. رغم ثقل "رنيم" وألمها .. ولكن "ريم" غريبة بكل المقاييس .. وصتها على ابنتها أكثر من مرة .. تشعر كأن يدا قوية تعتصر قلبها .. لم تستطع التأخر لما أخبرتها "ريم" أنها ربما تكون المرة الأخيرة التي تراها فيها ..

جلسوا جميعا في باحة البيت .. وأجلس "طارق" "ريم" على مقعد مريح .. كانت "ريم" تجاهد آلامها التي بدأت تشتد لأجل الاستمتاع بآخر لحظاتها معهم .. ولكن لم يخفَ ألمها ذاك على "باسل" .. "باسل" قوي الملاحظة .. يعلم أن آلامها كانت طبيعية في أشهر حملها لأنه تأكد من فحوصاتها بنفسه .. ولكن ماذا يرى الآن .. إنه مشهد تكرر قبل منذ خمسة وعشرين سنة .. نظر لـ"ريم" التي شبه تتلوى بفزع .. ولوجهها الذي يتلون من الألم .. ولعينيها التي بدأت تتغير .. نفس التغير الذي طرأ على خالته .. وقف يهرول نحوها صارخا صرخة أفزعت جمع الموجودين قائلا :
- ريم ..

صرخته حررت صرخاتها وهي تهذي من بين آلامها قائلة :
- هموت يا باسل .. هموت .. الحقني يا باسل ..

لم ينتظر أحدا ولم يلتفت وهو يحملها على ذراعيه وينطلق بها لسيارته .. خلفه كان يهرول "طارق" المبهوت تماما وأنفاسه تتلاحق فزعا .. ومن بعده كان "يوسف" .. وبقيت "فاطمة" في مقعدها عاجزة عن الحركة .. وكذلك "رنيم" وهي ترى نفسها أشد عجزا مع شعورها بآلام شديدة في أسفل بطنها .. بينما "ريحانة" تسمرت مكانها واقفة منذ صرخ "باسل" .. لم يفيقها سوى كلمات جدها بالحث على ذهابها معه .. أسندت "رنيم" وهو أسند "فاطمة" .. وبعثوا بـ"روح" لبيت جيرانهم ..

-----------------------

وفي المشفى غابت "ريم" عنهم جميعا .. حيث أصر "باسل" على أن تخضع لعملية جراحية .. لأنها لن تتحمل الولادة الطبيعية .. وبموافقة "طارق" تم له ما أراد .. وطالت الجراحة .. وبقي كل منهم في عالمه الخاص .. عالم تشاركه فيه "ريم" .. "ريم" وفقط ..

"طارق" بدأ شريط حياتهما القصيرة يمر أمام عينيه بكل ما فيه من فرح وألم .. ولكن الذكرى النابضة في عقله .. يوم عودتهما من السفر .. يوم أن أصرت على إزالة الخلاف الحادث بينهما ..

يومها بعد أن عادا .. جلس في شرفة البهو حيث كان النسيم باردا وليبتعد عنها أيضا .. جاءت وجلست جواره .. فحدثها دون النظر قائلا :
- ادخلي جوة هتبردي ..

ردت بحزن عميق :
- عادي ممكن ابرد واموت واكفر عن غلطي فيك ..

جزع وانتفض داخليا دون أن يبدو شيئا على ملامحه قائلا :
- لو انتي هتموتي تكفير عن غلطك .. ابني ذنبه ايه يكفر عن خطأ امه ..

كانت هي من انتفضت وهي تلتفت له في فزع .. وتشهق بعنف من كلماته القاسية .. لا يهمه إن كانت ستموت أو تحيا .. لا يهمه .. وقفت وهي تقول بألم جزع :
- انا هدخل علشان احافظ على ابنك .. بس لازم تعرف اني مكنتش اقصد اني اشك فيك او اهينك سواء انت او باباك .. انا بس قلت لك اللي انا خايفة منه وحاسة بيه بسبب طلاق جولي .. تعاطفت معاها بس .. فانا لو حسستك اني مش واثقة فيك .. فانت كمان محتوتش خوفي وقلقي زي ما وعدتني .. بدل ما كنت تسيبني الفترة اللي فاتت كدة وانا في اشد احتياجي ليك .. كنت ممكن تتكلم معايا وتفهم انا اقصد ايه وليه قلت كدة ..

كان يسمعها وهو مازال مصدوما مم قال .. لم يتخيل أن يكون قاسيا يوما هكذا .. يقسو على "ريم" لا يمكن .. ولكنه فعلها .. ولم يتحمل دموعها التي أحرقته وهو ينظر لها أخيرا ..

أنهت كلامها وسارت للداخل بحسرة .. لولا يده التي أمسكتها .. زادت دموعها وكأنه مد يد العون لها .. وقفت ولم تلتفت .. خافت أن تلتفت له فيجرحها أو يقول كلمة تقتلها .. كان هو من وقف واستدار يواجهها .. رفع وجهها إليه بيده .. فخافت أن يضيع أملها في رضاه فقالت :
- انا اسفة .. والله العظيم اسفة ..

فظهرت شبح ابتسامة على جانب شفتيه .. ثم تنهد وهو يضمها إليه .. فتعلقت به بشدة وأخذت في البكاء .. أنهت كل وجعها في بكاء موجع .. وما إن انتهت أبعدها عنه وهو يبتسم قائلا :
- خلصتي ..

بابتسامة بسيطة نظرت له .. فانحنى يقبل عينيها قائلا :
- تعرفي انك وحشتيني اوي ..

عادت للالتصاق به ثانية وكأنها تؤكد لنفسها أنه سامحها .. ينظر له ويحدثها .. هو كان يحتاج لجوارها أكثر منها .. ولكن أبت كرامته أن يبدأ هو .. لذلك بمجرد أن تحدثت كأنه غريق وجد قشة وقررأن تنقذه ..

أفاقه من ذكرياته خروج الطبيبة .. بل أكثر من طبيب معها .. وبوجه متغير كانوا .. نظر لهم برعب كاسح .. وصدمة هائلة .. وممرضة باكية تأتيه لتسلمه ابنته ..

توقفت قلوبهم جميعا .. دون كلم فهموا .. أطباء خرجوا مطأطئين رءوسهم ولم ينطقوا .. ماذا ينتظروا بعد حتى يفهموا .. وليكمل أحدهم صدمتهم قال :
- احنا متأسفين جدا .. حاولنا ننقذها بكل الطرق .. عملنا كل اللي نقدر عليه .. بس دخلت في غيبوبة لأجل غير مسمى .. شدوا حيلكم ..

أي وجع هذا .. سيختفي طيف "ريم" من بينهم .. يعني ستختفي الابتسامة والبلسم .. سيختفي الطيب والنسم .. "ريم" غابت في عالم آخر .. ليتهم يستطيعون الذهاب لعالمها .. من سيطيب جراحهم سوى "ريم" ومن سيرسم ابتسامة على وجوههم سوى "ريم" ..

الخبر سقط عليهم كالصاعقة .. ولكل منهم انهياره الخاص .. ومن بين انهياراتهم جميعا .. لم تلتقط "ريحانة" سوى كلمات "فاطمة" المبهمة مع نحيبها :
- بنتي هتضيع مني زي ما اختي ضاعت ..

--------------------

غيامات حزن خيمت على نفوسهم .. شعورهم بالصبر أصبح مر .. في مواقف كهذه كانت "ريم" من تخفف عنهم .. ولكن من يعوض غياب "ريم" .. ابنتها !! .. ابنتها التي لا تفارق "طارق" .. لا يتركها أبدا .. الزيارات لـ"ريم" قليلة جدا .. حتى يتحسن جرحها منع الأطباء زيارتها .. من يريد رؤية ابنتها يذهب لـ"طارق" في بيته حتى يراها .. ولا يتركها لهم يحملونها حتى .. إنها من رحم "ريم" .. رائحة "ريم" .. هي من تهون فراق "ريم" ..

"ريحانة" رغم ارتباطها بـ"ريم" إلا أن ارتباطهما هذا زاد في أشهر حملها .. حيث كانت تذهب للجلوس معها معظم اليوم حين يغيب "طارق" وبسبب تعب "ريم" كانت "ريحانة" تذهب لتساعدها وتقوم بأعمال المنزل بدلا منها .. كم شاركت "ريم" في آلامها .. وكم جزعت من وجعها التي تحاول إخفائه .. وفجأة وجدت نفسها في مجابهة كل الانهيارات تلك أمامها .. حاولت ألا تنهار .. أو كانت أقرب للتماسك .. شئ من يقين وإيمان عميق أخبرها بأن "ريم" بخير .. لا داعي لذلك الفزع ..

لا تعرف أي حدس هذا .. ولكن قد تكون سكينة نزلت على قلبها .. فكان عليها تهدئة خالتها التي ستموت حزنا .. والتخفيف عن "يوسف" الذي حاول التماسك ولكن لم يستطع .. و"رنيم" .. وآه من "رنيم" .. فور سماعها الخبر داهمها ألم مميت .. شعرت أنها ستلد في توها .. لولا "ريحانة" التي لاحظت اعتصارها ليدها بقوة .. صرخت لأجلها فأسعفوها لتسكن في غرفة مجاورة لـ"ريم" وتبقى أياما .. وترعاها أمها .. ثم جدها الذي تسلح بصبر عميق .. كلمات خفيفة لـ"طارق" استجاب لها لأنها كانت دائما مع زوجته في غيابه ..

وبقي "باسل" الرجل العصي على الفهم والتفسير .. فهما لم يتحدثا في الشهور الفائتة كما كان قبل .. فقط أمام الجميع ويكون حديثهما حرب باردة .. وعادة ما تكون الغلبة لها .. أو على الأقل تستطيع فيها الانتصاف لنفسها .. تعلم أنه سيكون أكثرهم حزنا على "ريم" .. ما حدث لـ"ريم" كسر ظهره .. وشيب قلبه قبل رأسه .. تفاحته اللذيذة غائبة عن الوعي .. ابنته الجميلة لن تحدثه بعد اليوم .. أخته الرقيقة اختفى طيفها .. أي احتمال هذا الذي يستطيعه .. ولكن عليه هو الآخر أن يتسلح بقوة لأجل أمه وابنتها ..

وكان كلاهما .. "ريحانة" و"باسل" تسلحا بقوة وصبر لأجل الآخرين .. ولم يعبر أي منهما عن حزنه ولا حتى بدمعة .. أمر الدموع قد يكون صعب على شخص كـ"باسل" .. وإن لم يبكِ لأجل "ريم" فلأجل من يبكي .. ولكن كتمها لأجل أمه التي وهنت .. أما "ريحانة" البكاءة بطبعها .. لا تعرف لمَ لمْ تبكي .. ألأنها فعلا تشعر بأمل عذب يدعوها .. ولكن حتى وإن كان هناك أمل .. فلن تبعده الدموع .. أم لأنها أرادت أن تبقى قوية لأجل من حولها .. ولكن لا مانع أن تظهر ضعفها وحزنها منفردة .. ورغم ذلك لم تفعل .. لم تظهر ضعفها حتى منفردة ..

هناك داعي مشترك بين "ريحانة" و"باسل" .. أنبأهما بالخوف على ابنة "ريم" أن تواجه مصير "ريحانة" و"روْح" .. ولكن حتى الخوف على ابنتها منعوه .. كلاهما كان أسدا في المواجهة .. ورغم توتر العلاقة بينهما إلا أنهما تشابها في ردة فعلتهما .. وكلاهما كان جبل في الثبات وقوة التحمل ..

حالة انقلاب تامة حدثت في حياتهم .. وبدأت تعود للطبيعية مع التئام جراح "ريم" واستقرار حالتها في غيبوبة رتيبة .. ومع استقرار حالتها أصر "طارق" على أن تعود لبيته .. فإن كانت تلك أواخر أيامها فليكن إلى جوارها يرى وجهها صبح مساء .. وبعد تعهدات منه أن يحافظ على حالتها تمت الموافقة .. وأشرقت "ريم" بيتها مجددا .. حتى وإن كانت محمولة ولكن يكفي وجودها جوار ابنتها .. وجواره !!!...

----------------------

بدأت الحياة تعود للطبيعية مجددا .. فلم يفت على كل هذه الأحداث العصيبة سوى أسبوعين .. وبقيت "ريحانة" ريحانة جميلة تنشر شذاها على كل من حولها .. وتحاول جاهدة أن تتسلح ببعض من هذا الشذى .. إلى الآن تغزوها حالة اطمئنان عميقة بالنسبة لـ"ريم" .. سعيدة جدا برعاية "طارق" لها .. حين تذهب لزيارتها تراها كالفراشة وهي نائمة في مخدعها .. وجهها يظهر عليه صفاء ناعم .. يرعاها "طارق" رعاية فائقة .. أحضر لها ثلاث ممرضات ومربية خاصة بابنته وفقط .. حتى أن والده جاء ليقيم معه .. الأمر في البداية كان شبه مرفوضا بالنسبة لـ"باسل" و"يوسف" فكلاهما تمنى إقامة "ريم" عندهم .. ولكن لم يستطع أحد التأثير على "طارق" العنيد ..

هناك أمل .. حتى وإن علاه التراب .. فبمسحة بسيطة سيلمع مجددا .. أمل بدأ يغزوهم جميعا بطمأنة الطبيبة لهم .. وإخبارهم بأن "ريم" تقاوم لأجل الحياة .. حياة .. أصبحت ابنتها "حياة" ..

منذ ما حدث لـ"ريم" .. وحالة "رنيم" أصبحت متدهورة .. فهي كادت أن تتعرض للإجهاض للمرة الثانية بسبب صدمتها فيمَ حدث لـ"ريم" .. وشعور "يوسف" بالتخبط بين أخته وزوجته جعله يفسد الأمور لفترة .. ولكن عاد للتوازن مجددا .. ورغم حالة "رنيم" إلا أنها كانت مقدرة حالته بشدة ..

جاءها مبتسما فابتسمت .. مال عليها يقبل رأسها ثم جلس جوارها يستند بظهره على فراشه قائلا :
- القمر بتاعي عامل ايه النهاردة ..

ابتسمت "رنيم" قائلة :
- كويسة الحمد لله .. شكلك جاي من عند ريم .. صح ..

أومأ "يوسف" ومازال على ابتسامته .. فقالت بشجن :
- وهي عاملة ايه دلوقتي ..

تنهد قائلا :
- الحمد لله .. احسن .. جسديا بقت كويسة .. بس لسة حالة الغيبوبة من غير سبب .. ربنا يعجل شفاها ..

تمتمت دامعة :
- امين يارب ..

نظر لها قائلا :
- بلاش عياط بقى .. انتي متأكدة انك مكنتيش بتعيطي قبل كدة ..

ضحكت قائلة :
- ما انا قلت لك انت السبب .. انت اللي خلتني بعيط على اي حاجة ..
ثم وجمت قائلة :
- ودي ريم .. مش اي حاجة .. بنتها كويسة ؟ ..

اتسعت ابتسامة "يوسف" وهو يتذكر ابنتها قائلا :
- تتاكل اكل .. مش بشبع من البت دي ابدا .. ريم لو شافتني بعمل فيها كدة مؤكد هتطردني ..

ابتسمت "رنيم" قائلة :
- حبيبتي كان قلبها حاسس انها مش هتشوفها .. كل شوية كانت تقولي بنتي امانة .. لازم ترضعيها بنفسك ..

ردد "يوسف" بأمل :
- لعله خير .. لعله خير ان شاء الله ..

حاولت "رنيم" القيام" فمنعها "يوسف" قائلا :
- رايحة فين خليكي مرتاحة ..

ابتسمت قائلة :
- انا كويسة والله العظيم .. ريحانة معايا من الصبح .. لسة ماشية من شوية علشان تشوف ريم بس ..

نظر لها قائلا :
- بجد .. يعني مش حاسة بتعب ولا اي حاجة ..

أشارت برأسها أن لا وهي تقول :
- قوم بس معايا نحضر الغدا .. ريحانة كتر خيرها كل يوم تيجي وتصمم اني معملش حاجة ..
ثم تنهدت وهي تقول :
- زي ما كانت بتعمل مع ريم بالظبط .. ربنا يفرحها يارب ..

ابتسم وهو يسير جوارها قائلا :
- هيفرحها قريب ان شاء الله ..

نظرت له قائلة :
- خير ..

- عريس ..

وجمت قائلة :
- وباسل ..

وجم هو الاخر قائلا :
- ماله باسل .. هي هتفضل مستنياه ..

ربتت على وجهه قائلة :
- يوسف حبيبي .. انت عارف يعني ايه تحرمهم من بعض .. انا بحبك ومقدرش اتحرم منك .. الا اذا كنت انت تقدر فشايف الموضوع عادي ..

ابتسم قائلا :
- اها عارفة غلاوتك وبتتدلعي بقى ..

ابتسمت قائلة :
- يحق لي ..

تنهد قائلا :
- يحق لك .. قلت لك قبل كدة انا كلي ليكي .. بس انا مقدرش اسيب ريحانة كدة .. ريحانة غالية عندي اوي يا رنيم ومقدرش اسيبها للظروف زي ما هو عاوز ..

تنهدت قائلة :
- انا عندي الحل .. لو مشكلة باسل كبرياء وشغل فروسية وبس ..

قالتها وهي تتقدم لتحضر الطعام .. ذهب ليساعدها في حمل الأطباق قائلا :
- الحقيني بيه ..

ازدردت لعابها قائلة :
- بس هخاف من رد فعله .. يعني هخاف على ريحانة .. انا معرفش ..

قاطعها قائلا :
- قولي بتفكري في ايه .. وبعدين نشوف ..

قالت بسرعة :
- نحسسه ان ريحانة بقت ملك لغيره فعلا .. وان هي خلاص ضاعت منه .. ونشوف رد فعله .. وطالما العريس موجود بالفعل فكدة هو هيصدق بسرعة ..

- وبعدين ..

- وبعدين ايه يا يوسف .. هو المفروض لو بيحبها فعلا هيتحرك .. لكن لو متحركش يبقى بجد ميستاهلهاش وهي المفروض تفهم كدة .. هتتعب شوية .. لكن هتعيش صح ..

- وهو ؟؟ ..
سأل "يوسف" بألم ..

فابتسمت مجيبة :
- كنت من شوية عاوز تبعدها عنه بجد .. دلوقتي صعب عليك .. بص يا يوسف انا مقتنعة بالحكمة اللي بتقول .. إذا لم تقاتل من أجل ما تريد فلا تبكي إذا خسرته ..

ردد "يوسف" وراءها :
- فلا تبكي إذا خسرته .. ليه لأ ..

---------------------

- جميلة .. جميلة .. انتي فين ..

- انا في المكتب ..

جلستها المفضلة في غيابه .. في مكتبتها وتمسك كتابا تجري أصابعها على حروفه بنهم .. في الأشهر القليلة التي مرت على زواجهما .. كانت ترفرف بأجنحة السعادة .. وتنعم إلى جواره .. كان عينيها التي ترى .. وأصبحت قلبه الذي ينبض .. في البداية واجهتهما بعض المشكلات في طريقة التعامل .. ولكن فيمَ بعد ألِفَ كل منهما الآخر .. "مازن" الذي كان يقضي معظم يومه في عمله قبل الزواج .. أصبح الآن سريع العودة لبيته حتى يجلس معها ويقضيان معظم وقتهما في الحديث عن أي شئ .. أصبح لكليهما مخططات عظيمة في كل شئ .. بل ويسعيان لتنفيذها .. سافرا معا لعدة أماكن .. وزارا معا دار الأيتام ودار المسنين فتلك عادة عند "جميلة" ..

"مازن" كان يكثر من صدقاته سرا لأجل شفاء "جميلة" .. "جميلة" كانت تكثر من صدقاتها سرا لأجل استمرار المودة والرحمة بينهما .. تلك الحياة الناعمة الهادئة التي تسير بينهما محصنة برضا من ربهما .. فأنعم عليهما بسكينته ..

ذهب "مازن" نحوها وهو يقول :
- احنا عندنا عصافير كناريا ولا ايه ..

عقدت "جميلة" ما بين حاجبيها قائلة :
- عصافير كناريا !!

ابتسم قائلا :
- اه .. حتى قالوا انا في المكتب ..

ابتسمت قائلة :
- شكرا ..

عبس قائلا :
- هو انا بقول كدة علشان تقولي شكرا .. ماشي هعديها .. انا دلوقتي بقى جايب لك هدية وعاوزك تخمني ايه هي ..

وجمت قائلة :
- مازن اوعى تكون جايب لي حاجة غير الفضة ..

ابتسم قائلا :
- هي فعلا حاجة غير الفضة .. بس خمني ايه هي ..

عبست قائلة :
- بس انا قلت لك قبل كدة اني مبحبش تجيب حاجة غالية .. دة غير ان انا مش بحب غير الفضة ..

التقط أناملها الرقيقة يقبلها قائلا :
- وانا قلت لك ان اغلى كنوز الدنيا متساويش غلاوتك عندي .. بس اللي انا جايبه غير غير

ضحكت قائلة :
- جايبه .. مش جايبها ..

ضحك قائلا :
- اه وقعت بلساني ..

مدت يدها قائلة :
- هات الكتاب ..

أبعده عنها قائلا :
- ايه شغل النصب دة .. مفيش كتب ..

ابتسمت وهي تسحب يدها قائلة :
- واهون عليك يا حبيبي تخلي ايدي ترجع فاضية كدة ..

اتسعت ابتسامته وهو يأخذ يدها يقبل باطنها ثم يعطيها الكتاب قائلا :
- لا طبعا متهونيش عليا يا عمري .. طالما فيها حبيبي .. وبعدين الكتاب دة بالذات انا مستنيه يطبع من شهور ..

ابتسمت وهي تفك غلاف الكتاب قائلة :
- انا مش عارفة ليه بتغلف الهدية طالما كدة كدة مش هشوفها ..

نظر لها قائلا بشجن :
- عارف انك هتشوفيها بقلبك ..

ارتعش شئ في داخلها .. فكت غلاف الكتاب وبدت تتحسس بأناملها اسمه ثم بهتت قائلة :
- ايه دة .. دة عنوان الرسالة بتاعتي .. كتاب ايه دة ..
ثم تحركت أناملها بسرعة على بقية الكلمات لتتسع عينيها عن آخرهما قائلة :
- دة اسمي .. انا مش فاهمة حاجة ..

تنهد وهو ينظر لعينيها قائلا :
- دة موضوع الرسالة بتاعتك ..انا طبعت لغاية الجزء اللي انتي توقفتي عنده .. علشان تقرئيه وتكملي الرسالة .. وبدل ما تكتبي هتسجلي الكلام صوت .. وانا هاخده علشان يطبع ع الورق بنفس الطريقة .. وتاخدي الدكتوراه ان شاء الله ..

الدكتوراة .. حلمها الذي دفن منذ سنوات .. منذ مرضت .. حلمها الذي طال انتظاره وقبل أن يتحقق حدث لها ما حدث فوئد حيا .. تستطيع تحقيقه الآن .. لا تصدق .. ما منعها في السنين الماضية ليس قلة إمكانيات .. ولكن فتور أصابها في الهمة والعزيمة وكل شئ .. والآن عاد تفكيرها فيمَ نوت وقويت عزيمتها أن تفعل .. فحدثت "مازن" عمَّ تريد البوح به .. ولكن لم تصدق أنه سيساعدها .. كانت تريده أن يسمعها فقط .. ولكن لم يكتفي بسماعها .. بل ساعدها أيضا ..

ابتسمت بشدة .. ابتسامة أنعشت روحه .. فقبل رأسها وأسندها على صدره .. تعلقت بجيبه وهي تشعر بامتنان عظيم ..

----------------------

- السلام عليكم .. ازيك يا ريحان ..

كانت تروي الحديقة .. سمعت صوته فاستغربت تحيته لها .. ولكنها التفتت قائلة بأدب :
- وعليكم السلام .. بخير الحمد لله .. ازيك انت ..

أجاب باسما :
- الحمد لله .. رحتي لريم النهاردة ..

ازداد استغرابها من ابتسامته .. ولكن ردت :
- اه رحت ..

انعقد حاجبيه بشدة قائلا :
- وطارق وباباه كانوا هناك ..

أخيرا ظهرت شخصيته الحقيقية .. لا يليق به دور الطيب .. فأجابت :
- اه كانوا هناك .. فيه حاجة .. وبعدين الممرضات والدادة كانوا موجودين هما كمان .. وكنت قاعدة معاهم ..

صر أسنانه قائلا :
- إياك تكرريها تاني انتي فاهمة ..

أولته ظهرها وهي تستكمل عملها قائلا :
- لما جدو يقولي كدة مش هكررها ..

نظر لها بغضب وتركها وصعد للأعلى رغم أنه كان يتمنى أن يصفع خديها بكفيه .. وفي طريقه سمع صوت "يوسف" وجده يتحدثان والباب مفتوح .. فدخل عليهما سلم وجلس .. فسكت كلاهما .. فوقف قائلا :
- يبدو اني قطعت حديثكم بعد اذنكم ..

ابتسم الجد قائلا :
- لا قطعته ولا حاجة .. دة انا كنت باخد رأي يوسف في حاجة كدة تخص ريحانة .. واكيد كنت هاخد رايك انت كمان .. ما انتم اخواتها ...

جلس "باسل" بوجل وعيناه تدور بين "يوسف" الغامض وجده المبتسم وقال :
- طبعا اخواتها خير يا جدي ..

اتسعت ابتسامة الجد قائلا :
- ريحانة اخيرا وافقت على عريس اتقدملها .. وكنت لسة بقول ليوسف عليه .. وقالي انك تعرفه كويس .. هو جارنا هنا ..

سهم مسموم رمي في قلبه .. سحبت روحه .. ونصل بارد يقطع شرايينه .. ولكن أي من هذه لم يظهر على وجهه .. فوقف قائلا ببرود :
- ملوش لازمة رأيي طالما هي موافقة .. بعد اذنكم ..

وأكمل صعوده لغرفته .. كان الوقت حينها بعد العشاء .. ظل يدور في غرفته كالأسد الحبيس .. مجنون .. أصابه مس .. وكل خلايا جسده تنتفض .. ستتزوج .. وتبقى ملكا لغيره .. ويحرم عليه الاقتراب منها .. ستذهب لبيته وتعيش معه .. وقد يغار عليها منه .. تكون حمايتها مهمة رجل آخر .. واللهفة لأجلها أمر ممنوع .. وسيصبح حبه لها محرما .. وسيعيش في أرض جدباء دونها ..

تلك الخائنة .. كيف لها أن توافق على غيره .. كيف لها تتزوج غيره .. خائنة .. ألم تحبه هو .. أتسخر منه وتستهزئ بمشاعره .. تخدعه بحبها وهي تحلم برجل غيره .. تمثل عليه الضعف والقوة حتى يهواها وهي لا تفكر فيه مطلقا .. سيسحقها .. تلك الخائنة اللئيمة .. لن يتركها دون عقاب .. هو لا يريدها ولكن يجب أن يعاقبها لى خداعه ..

ولعب شيطان برأسه وهو يرى جده يغادر المنزل .. ولا يعلم أي جنون قاده ليفعل ما يفعله .. وأي مصيبة تلك التي قرر أن يفعلها .. دون تردد .. كان يطرق بابها .. اقتربت من الباب هامسة :
- جدو مش موجود يا باسل ..

تعلم طرقاته جيدا وتميزها .. صر أسنانه قائلا :
- انا عاوزك انتي يا عروسة ..

كلمة عروسة لم تلفت انتباهها .. فقد أخذتها على محمل السخرية .. لأنه كان ينهرها منذ قليل .. بتلقائية أجابت :
- طيب انزل الجنينة وانا جاية وراك ..

بتصميم أصر :
- افتحي يا ريحان انا هقولك حاجة من ع الباب ..

ذهبت لترتدي عباءتها وحجابها سريعا .. ثم فتحت له وهي مازالت واقفة تسد فتحة الباب .. ففاجأها دخوله وهو يمسك عضدها بشدة قائلا بغضب :
- نفسك تتجوزي .. ما صدقتي اول واحد خبط على بابك وافقتي عليه .. كنتي بتضحكي عليا وانتي بتقولي انك بتحبيني ومستحيل تتجوزي غيري .. بتستغفليني يا ريحان .. شايفاني عيل بتلعبي بيه .. مش عارفة تصبري شوية ..

لم تتحمل سيل الكلمات الغاضبة التي تجري على لسانه .. وعضدها الذي بين يده .. وهو يهزها بعنف .. لم تتحمل كل ذلك .. شعرت أن ما أمامها ليس "باسل" .. ليس "باسل" مطلقا .. أخذت تنتفض فجأة وهي تقول بعويل :
- والله ما وافقت .. والله ما وافقت .. جدو قالي بس موافقتش .. والله ما وافقت .. والله العظيم ما وافقت ..

بهت وهو يتراجع مصدوما .. يريد الفتك بـ"يوسف" وجده على ما فعلاه به .. وتحول موقفه فجأة من ثور هائج لنعامة وديعة وصوته يتحول لهدوء حنون :
- طيب اهدي .. اهدي بس .. انا سف .. والله اسف .. علشان خاطري ..

كلامه زود انتفاضها وهي تبعد عنه قائلة :
- ابعد عني .. مش عاوزة اشوفك .. ابعد عني .. اطلع برة .. انا بكرهك .. بكرهك .. اطلع برة ..

على صوت صراخها جاء "يوسف" فزعا .. فهو كان متوقع المواجهة .. ولكن لم يتوقع أن هذا ما سيحدث .. بقوة ساعديه دفع "باسل" بعيدا عنها .. واقترب يضمها إليه ويهدئها .. حملها لغرفتها و"باسل" متسمرا مكانه .. لتوه استفاق وانتبه لما فعله بها .. لتوه علم أنه ضيعها للأبد .. جاءت "رنيم" والتي كانت تسير بسرعة تتناسب مع قدرتها على المشي .. ودخلت خلف "يوسف" .. وجدت "ريحانة" مازالت تنتفض .. أسرعت إليها وهي تفك لها حجابها .. في هذا الوقت بدأت "ريحانة" تعاني من أمر أخطر وهي تصرخ متشبثة بـ"يوسف" قائلة :
- الحقني يا يوسف .. مش قادرة اخد نفسي .. مش قادرة اخد نفسي ..

وأخذت تشهق بشدة ووجهها يتحول للون الأزرق .. وفجأة أصيب "يوسف" و"رنيم" بعجز عن التفكير .. لم يطل عند "رنيم" وهي تحاول تسعفها بأي وسيلة متاحة لديها .. فصرخت بـ"يوسف" قائلة :
- اطلب الاسعاف ..

"ريحانة" مازالت تختنق .. ستموت منهما .. و"رنيم" تشعر بآلام قاتلة في أسفل بطنها .. و"يوسف" واقف بينهما بلا حراك .. دخل "باسل" لما شعر أن الأمر يحتاجه .. فثلاثتهم مشاركون في المصيبة الحادثة .. فجأة صرخت رنيم بهما قائلة :
- هاتولي قلم .. انا عاوزة قلم بسرعة ..

وكأن أقلام العالم كلها اختفت .. وهما يبحثان حتى وجد "باسل" قلما فرغ أنبوبته وأعطاه لها .. طلبت من "يوسف" تثبيت "ريحانة" وفعل .. فاعتدلت واقفة وهي ترفع يدها لتغرس القلم في أسفل عنقها .. تبعت فعلتها شهقة قوية من "ريحانة" وعودة تنفسها لشبه منتظم ..

كان الإسعاف قد وصل .. فبحث "يوسف" عن شئ يحيط به عنقها حتى يوقف سيل الدم .. ثم حملها للإسعاف وتبعه "باسل" .. وبقيت "رنيم" تعاني وحدها .. من آلام جسدية ونفسية .. ولولا "فاطمة"التي جاءت على صوت الإسعاف .. فدخلت لتجدها جالسة على طرف السرير يحيطها بقعة من الماء ودم "ريحانة" ..

بمجرد أن رأتها "رنيم" صرخت بألم :
- انا بولد ..

Continue Reading