بعيداً عن الأرض✔️

By Judy_abbott_

43.2K 2.4K 915

‎التفت يراقب الشمس و هي تغيب بعيداً بين الأفق بينما كان الهدوء الذي حل في الأرجاء لا يشوبه إلا صوت صراخها و ب... More

بعيداً عن الأرض
||الفصل الأول||
||الفصل الثاني||
||الفصل الثالث||
||الفصل الخامس||
|| الفصل السادس ||
||الفصل السابع||
||الفصل الثامن||
||الفصل التاسع||
||الفصل العاشر||
||الفصل الحادي عشر||
||الفصل الثاني عشر||
||الفصل الثالث عشر||
||الفصل الرابع عشر||
||الفصل الخامس عشر||
||الفصل السادس عشر||
||الفصل السابع عشر||
||الفصل الثامن عشر||
||الفصل التاسع عشر||
||الفصل العشرون||
||الفصل الواحد و العشرون||
||الفصل الثاني و العشرون||
||الفصل الثالث و العشرون||
||الفصل الرابع و العشرون||
||الفصل الخامس و العشرون||
||الفصل السادس و العشرون||
||الفصل السابع و العشرون||
||الفصل الثامن و العشرون و الأخير||

||الفصل الرابع||

1.3K 100 81
By Judy_abbott_

المكان: كوكب جليزا. 

هرعت جنيفر نحو إدوارد فور أن لمحته وهو يدخل غرفة النوم وقد بدا عليه الإرهاقُ واضحًا. عانقته دون وعي تامٍ منها متناسيةً تغيبه عنها في لحظاتها العصيبة والتي كانت وقتئذٍ بأمس الحاجة إليه وإلى دعمه. بادلها العناق وكأنه يعانقها لآخر مرة ولكن لا وجه للشبه هنا وهي حقيقةٌ لا شك فيها. أحس بدموعها تنساب على عنقه فلم يتردد بالمسح على شعرها للتخفيف عنها وكم كان يود أن يشاركها البكاء فلعله يخفف من آلام قلبه ولو قليلًا. كان يتمنى في خلده أن تدوم تلك اللحظة ويتوقف الزمن عندئذٍ ولكن كل تلك مجرد أحلام وهمية. بعد أن خرجت جنيفر من حالة اللاوعي قالت باكية:

 «لقد اختطفت طفلتانا يا إدوارد».

وقبل أن يجد طريقة مناسبة للرد عليها دفع أحدهم الباب بقوة أفزعتهما. التفتت جنيفر وهي تمسح دموعها وما إن نظرت إلى الداخلين حتى ظهرت علامات الفزع والاستغراب على وجهها..

«جئت لأرحب بعودتك إدوارد». قالت فيكتوريا فور دخولها بصحبة عدد من حراس القصر وعلى وجهها علامات العبوس والغضب.

كانت جنيفر تارةً ما تنظر إلى وجه والدتها وتارة أخرى تراقب رد فعل زوجها الذي تجمد في مكانه دون حراك.
«ما الذي يحدث هنا بالضبط؟». قالت جنيفر عاقدةً حاجبيها لكن والدتها لم تهتم بإجابتها وأشارت إلى الحراس الذين تقدموا بخطوات سريعة نحو إدوارد وبدأوا بجره لخارج الغرفة.

ظهرت علامات الدهشة على وجه زوجته وهي تشاهد الحراس يسحبونه خارجًا وما إن استطاعت استيعاب ما يحصل أمامها حتى اندفعت تبعدهم عنه وهي تصرخ بهم ولكن دون جدوى فاستدارت تنظر إلى والدتها ثم قالت بحدة:

«أمي ماذا يحدث؟ أوقفيهم».

«اسمعي جنيفر إن كنت ستدافعين عن زوجك بعد ما حدث فهذا جرمٌ بعينه». صرخت والدتها بغضب.
«ولكن ماذا فعل؟ أنا لا أفهم شيئًا».

«لقد قتل وريثتا العرش الملكي، لقد قتل حفيدتاي». أجابتها والدتها بصوت مبحوح.

اتسعت عينا جنيفر البنيتان وهي تحدق بوالدتها بعدم تصديق، هل أخفقت حاسة السمع لديها؟ أم أنها في كابوس جديد؟ ولكن في كل الأحوال كان عقلها يرفض أن يؤمن بحقيقة ما يحدث أمامها في هذه اللحظة.

«ماذا تقصدين؟ أنا لا أفهم شيئًا». قالت ثم حولت نظرها نحو إدوارد كأنها تنتظر منه أي تفسير ولكنها لم تتلق أي إجابة من الطرفين ما جعل نبضات قلبها تتسارع رهبةً من هذا الصمت المطبق الذي سكن الأجواء في لحظة حرجة لكن سرعان ما أصبح الأمر جديًا لجنيفر فبدأت تشعر بجسدها ينهار خائرا بلا قوة.

«أمي أعدك لن أنهار مجددًا ولكن لا تقولي هذا الكلام أرجوك». 

قالت جنيفر باكية وقد امتلأت عيناها بالدموع التي تطالب بحريتها.

طالعت فيكتوريا ابنتها بنظرات حزن وقد شعرت ببعض الألم في قلبها في تلك اللحظة ولكن لا، ليست فيكتوريا التي تسمح لشيءٍ من مشاعرها بأن يفسد مخططاتها.
«الحقيقة لا تزيف وهذا ما حدث». قالت فيكتوريا بعد أن ارتخت تعابير وجهها. 

«لا أصدق». قالت وهي تهز رأسها بعدم تصديق محاولةً تكذيب ما سمعت بكل حواسها.

تنهدت فيكتوريا ثم قالت:
«هو من قام باختطاف الطفلتين وأنا طلبت من الحراس تعقبه في كل خطوة لأنه أصبح يثير شكوكي كثيرًا لكنهم فقدوا أثره، عندئذٍ أرسلت مجموعات عديدة للبحث عنه في جميع الأرجاء فوجدوه وقد كان يقوم بحفر شيء. اقترب الحراس ليعرفوا ما الذي فعله بتلك الحفرة وعندئذٍ...». صمتت قليلًا بينما كانت ابنتها تستمع إليها باهتمام ودقات قلبها تكاد تتوقف فأردفت متلعثمة: «عندئذٍ وجدوا الطفلتين».

ارتعشت أوصالها وحبست أنفاسها وتمنت وقتئذٍ أن يتوقف قلبها عن العمل حتى تتوقف معه الحياة. التفتت نحو إدوارد وهي تتمنى أن تسمع منه أي اعتراض أو تكذيب ولكنه كان صامتًا شاحب اللون حتى أنه لم يحاول النظر إليها. اقتربت نحوه بخطوات متثاقلة، نظرت إليه والدموع تنهمر من عينيها دون توقف ثم قالت بصوت خافت:
«أرجوك تكلم، قل شيئًا».

لكنه لم يجبها وأبقى نظره بعيدًا عنها. رفعت رأسه بيدها مجبرةً إياه على النظر نحوها ثم قالت وهي تنظر إلى عينيه الحزينتين:
«فقط كذب ما قيل عنك وسأصدقك أعدك».

دق قلبه بشدة وهو يستمع إلى كلماتها ولم يجد مفرًا من تلك الدموع التي تجمعت في عينيه دون أن يظهرها أو يسمح لها بالسقوط. كانت تلك الجملة التي أراد نطقها تحتاج منه إلى قوةٍ كبيرة، قوةٍ جبارة لم يملكها أمام تلك التي تجعل قلبه يدق بقوة ولكن أليست أخف ألمًا مما يعانيه في هذه اللحظة وهي ما زالت تثق به؟
«لقد فعلتها». قال بصوت خافت استطاعت هي فقط سماعه ثم اتبع قائلًا: «فعلتها لأنني كنت مضطرًا».
لم يكن منها سوى أن أجهشت بالبكاء وهي تستمع إلى ذلك الاعتراف الصريح، لكن كيف استطاع أن يفعل؟ ماذا شعر عندما فعلها؟ وماذا شعر بعدئذٍ؟ كيف يستطيع قلبه أن ينبض بعد تلك الحادثة؟ لا بد أنه تحجر ولكن لماذا؟

صرخت به وهي تهزه بجنون مهلوسةً بجملة واحدة:
«لماذا؟ لماذا فعلت؟».

شعرت بأن جسدها يتفتت وأن طاقتها قد سُلبت منها فجثت على ركبتيها أمامه وهي تغطي وجهها بكفيها وتبكي. اقتربت فيكتوريا من إدوارد ثم صرخت به قائلة:
«هيا أخبرنا بسبب ارتكابك لذلك الفعل القذر وأخبرها بحقيقتك ومكان انتمائك».

صمت قليلًا ثم قال بصوت مبحوح بالكاد يسمع:
«أنا من كوكب الأرض وأرسلتني الحكومة لمراقبة الأمور هنا وإرسال الأخبار بشكل دوري ولكني وقعت بحبك وتزوجتك وأنجبنا طفلتين متناسيًا أصلي وعندئذٍ تسلمت تهديدًا من الحكومة ينص بقتل أفراد عائلتي على كوكب الأرض إن لم أنه هذه المهزلة وأمروني بالتخلص من الطفلتين. لم أملك خيارًا آخر ولا أستطيع التفريط بعائلتي».

«أيها الجبان، كم أنتم قذرون وستدفعون الثمن». قالت فيكتوريا بغضب وحدة ثم أردفت تأمر الحراس:
«خذوه إلى سجن القصر حتى أحكم في أمره».

قبل أن يتقدم الحراس ويأخذوه بعيدًا استقامت جنيفر ثم قالت وهي بالكاد تدفع نفسها للنهوض مستعينةً بكل أملٍ بقي داخلها بتكذيب ما سمعته:
«توقفوا لحظةً!».

تقدمت نحو إدوارد بضعف ثم قالت:
«أين قمت بدفنهما؟».

طأطأ رأسه ثم أجابها متلعثمًا وهو يشعر بالاختناق:
«في المكان الذي كنا نقضي وقتنا فيه تحت الشجرة».
شعر بصفعتها على وجهه فور انتهائه من جملته ولكنها لم تبق واقفةً كثيرًا، انطلقت تركض خارجةً من القصر متجهةً نحو ذلك المكان الذي كان منذ زمن مكانها المفضل.
 
**********************************
اقتربت جنيفر بخطوات بطيئة ومترددة نحو الحفرة التي تقع أمام الشجرة وقلبها يكاد يسقط من أضلاعه، لم تكن حقًا على استعداد للاقتراب أو حتى توثيق تلك الحقيقة التي يأبى قلبها وعقلها تصديقها ولكن كانت بحاجةٍ للتأكد. أسئلةٌ تدور في ذهنها مع اقترابها وخيالها يدعمها بصور بشعة تجعلها تتلفح برداء الخوف ويشجعها على فكرة التجمد دون أي حركة أو الاقتراب بخطوة أخرى. رمت تلك الأفكار وخطت خطوة أخرى وهي تشعر وكأنها تدوس على قلبها بلا رحمة. جثت على ركبتيها أمام كومة التراب البارزة وهي تطالعها بخوف، رفعت يدها المرتجفة لتقربها نحوها وقبل أن تبدأ رحلتها بإزالة التراب والكشف عما يخفيه سمعت صوت خطوات وحركة قريبة وما هي إلا ثوان حتى اندفع عدد كبير من الحراس نحوها. اقترب حارسان نحوها وأبعداها فبدأت تصرخ بهما وتحاول الإفلات منهما ولكن دون جدوى فلقد تجمع أمامها عدد كبير منهم يمنعونها من التقدم بخطوة واحدة حتى.
«دعوني سأثبت لكم أن طفلتَيّ ما زالتا على قيد الحياة». صرخت باكية وهي تحاول إبعادهم بكل قوتها.
اقتربت فيكتوريا بخطوات سريعة نحو ابنتها.
«ابتعدوا عنها». قالت فيكتوريا للحراس وما لبثت أن تحررت جنيفر من تلك القيود التي تعيقها وركضت نحو كومة التراب ولكن سرعتها بالوصول لم تكن مجدية فحال وصولها تجمدت من جديد دون أن تستطيع إزاحة أي حبة من كومة التراب أمامها. وضعت فيكتوريا يدها على كتف ابنتها ثم قالت:
«لا تفعلي لن تتحملي ذلك المنظر».

كانت جملة والدتها كطعنة سكين حاد، لم تستطع التماسك ولم تستطع حبس دموعها أكثر فأجهشت بالبكاء. انحنت بظهرها حتى استقر رأسها فوق التراب وغرزت أصابعها وهي تبكي بشدة. كانت تريد فقط أن تشتم رائحة ابنتيها لآخر مرة ولكن لم تجد سوى رائحة التراب، اشتد بكاؤها الذي كان صوت قلبها المتألم بل قلبها الذي يحتضر بعد أن أصبح يعجز عن التحمل.
جلست والدتها بجانبها ثم قالت بصوت مبحوح أقرب إلى البكاء:
«يكفي جنيفر لم أعد أتحمل رؤيتك بهذه الحالة أكثر، أرجوك يا بنتي يكفي».

لم تستطع فيكتوريا أن تمنع نفسها من التأثر بابنتها التي كانت تنهار أمامها فكل شيء فعلته لم يجردها من مشاعر الأمومة تمامًا ولكنها بكل الأحوال لا ترى نفسها مذنبة.

نهضت جنيفر ثم نظرت إلى عيني والدتها الحمراوين ولقد كانت هذه المرة الأولى التي ترى فيها والدتها هكذا فلطالما عهدتها قوية لا يهزها شيء ولكنها الآن تعرف ما معنى الأمومة، ذلك الشعور الذي ما إن شعرت به حتى اختفى للأبد.

عانقت والدتها وهي تستمر بالبكاء ثم قالت وهي في أحضانها:
«لا أصدق أنه فعل يا أمي لا أصدق أبدًا».

تغيرت تعابير وجه فيكتوريا مع ذكر ابنتها لإدوارد وظهرت تعابير الحقد والغضب على وجهها ثم قالت وهي تكتم غيظها:
«يفعلون كل شيء، يفعلون مالا تتخيلين لأنهم مجرمون».

أبعدت فيكتوريا ابنتها عنها ووضعت كلتا يديها على أكتاف ابنتها ثم قالت وعيناها تشتعلان غضبًا وقد عادت ملامحها باردة كما هي العادة:

«اسمعي يا جنيفر أنا لن أسكت عن تلك المهزلة أبدًا».

صمتت قليلًا ثم أخرجت مسدسًا كانت تضعه في جيب فستانها ووجهته نحو ابنتها وقالت: 

«

سأقتله بنفسي أو تقتليه أنت وهذا أقل ما تفعلينه انتقامًا لابنتيك».

طالعت جنيفر المسدس بعدم تصديق، كيف ستقتل مالك قلبها وأثيره؟ ولكنه لم يعد كذلك فلقد قطع كل رابط يربطهما، كانت ترغب بأن تجرده من كل صفة نسبتها له في وقت من الأوقات ولكن ليته كان بتلك السهولة.

أمسكت والدتها يدها ثم وضعت فيها المسدس وقالت وقد اتسعت عيناها:

«لقد حرمك أمومتك وسلب منك أغلى ما لديك وجعلك تعايشين الألم والعذاب، فهل تظنين أن الموت كثيرٌ عليه؟ أم أن قلبك ما زال متعلقًا به».

شعرت جنيفر بالغضب والحقد فجأة وهي تستمع لكلمات والدتها وقد أدركت بأن هناك أمرًاواحدًا سيطفئ شيئًا من نار حسرتها وحزنها، أمرًا واحدًا فقط.

********************************************
كان القهر يشتعل في قلب إدوارد، لم يستطع تحمل فكرة أن صورته تتشوه أمام جنيفر. كان يتمنى حقًا أن يصرخ ويعترف لها بكل شيء، يعترف لها بأنه من المستحيل أن يخذلها أو حتى يرتكب مثل تلك الجريمة مهما كان الثمن. ضغط رأسه بكلتا يديه محاولًا التخفيف من ذلك الصداع الذي كاد يفلق جمجمته ولكنه لم يرحم نفسه من الأفكار السلبية التي باتت تنهال عليه مرةً واحدة. لقد حطمها وبمحض إرادته وهو بكامل قواه العقلية، فعلها عمدًا. كان يريد أن يبرح نفسه ضربًا على ما فعله، ما كان عليه أن يصغي لفيكتوريا أبدًا ولكنه كان جادًا بقراره لدرجةً أنه داس على قلبه من أجل أن يضمن أقل الخسائر. لم يكن باستطاعته أن يتصرف بحماقة ولا مجال للمجازفة في شيءٍ مجهول ولكن يا ترى هل اختار الطريق السليم؟ وهل سيحافظ على حياة ابنتيه بهذه الطريقة؟ ولكن ماذا عن جرح جنيفر؟ هل سيلتئم بتلك السهولة؟ بالتأكيد لا فلقد حطم قلبها تمامًا وربما حتى لن تعود جنيفر القديمة مجددًا، ستتغير كثيرًا.

سمع خطوات قادمة وأصوات مفاتيح، ربما جاءت فيكتوريا لتطرح عليه أفكارًا سخيفة أخرى ولكنها لم تكن فيكتوريا القادمة. لم تكن الصورة واضحة أمامه في البداية بسبب الظلام الشديد في الزنزانة ولكن مع اقترابها اتضحت الصورة أمامه. وقفت أمام القضبان الحديدية بينما كشف ضوء القمر عن ملامحها الجامدة ووجهها المرهق كأنها في العقد الرابع من عمرها. كان من الصعب عليه أن يصدق بأنها جنيفر ذات الملامح البريئة والوجه النضر لكن لكل شيءٍ ثمن وهذا ثمن الحزن والألم. طالعها بألم وحسرة على ما أصابها بسببه ولكن نظراتها كانت تدب الرعب في قلبه فلقد كانت تنظر إليه نظرات لم يعتد أن يراها منها من قبل.

«ما حال ضميرك في هذه اللحظة؟ كيف تشعر؟». قالت وهي تضغط على أسنانها بغضب وغيظ.

لم يجبها أو حتى يفكر بذلك السؤال الذي طرحته فقط استمر بالتحديق بها بصدمة وقد شعر بأنه في اللاوجود.

«كيف استطعت أن تفعلها؟ هل كانت مشاعرك مخدرة؟ هل كان قلبك متحجرًا؟». صرخت في وجهه باكية.
كان الجو هادئًا ما عدا صوت بكائها الذي احتل الأجواء، كان يعيش في دوامة تائهًا في بحر أفكاره. شيء داخله يهتف ويخبره بأن يعترف لها مهما كلفه الثمن لعل رؤيتها سعيدةً يساعد جرحه على الالتئام قليلًا أو يخفف عليه من العذاب الداخلي الذي يعايشه ولكن ليت الأمور تكون بتلك البساطة.

لم يدرك لحظة بأنها أخرجت مسدسًا ووجهت فوهته نحو رأسه، كان يطالعها بصدمة، لا بد أن هذا كابوس لا أكثر. بالتأكيد هو كابوس، فكيف لجنيفر أن ترفع المسدس في وجهه أو تفكر بشيء كهذا؟
«الموت». قالت جنيفر بنبرة غاضبة وانهمرت الدموع من عينيها بلا توقف. كان يراقب ارتجاف يدها الواضح وهي تحمل المسدس بين أصابعها لقد استشعر خوفها وترددها، هي ما زالت تحبه هذا ما كان يتردد داخله في أعماق قلبه حتى لو تهورت وضغطت على زناد المسدس فهذه لحظة غضب فقط. كان يدرك تمامًا الألم الذي تعايشه ويقدر ثمن كل دمعة تنهمر من عينيها الجميلتين.

«الموت قليل، قليلٌ جدًا عليك ولكن قلبي الأحمق يحاول أن يردعني ويقنعني بأنه كثيرٌ عليك». قالت وهي تشير إلى مكان قلبها بحرقة.

«لكن ليس هذه المرة، لقد انتهى كل شيء وأنت الآن بالنسبة لي لا شيء». صرخت قائلة بصوتٍ متهشم ثم رفعت يدها التي تحمل المسدس أكثر.

لم يكن من السهل على جنيفر أن تكتب تلك النهاية بيدها ولكن كل شيءٍ داخلها كان يدفعها للضغط على زناد المسدس بكل قوتها.

كان إدوارد يراقبها بصمت لم يستطع سوى أن يراقب نهايته بهدوء ربما لأنه أدرك مدى فشل حبه منذ البداية فلقد حارب الظروف طويلًا والآن اختار الاستسلام فقط لأنه ما زال يخضع لذلك الحب مهما حصل. 

راقبت جنيفر ملامحه لآخر مرة عساها تحفظها في ذاكرتها إلى الأبد، تلك العينان الخضراوان اللتان عجزت هذه المرة عن الكشف عما يخفيان من مشاعر، لأول مرة تفشل في اللحظات الآخيرة ولكن لا مفر من الواقع. ضغطت على زناد المسدس لتنطلق الرصاصة وتصيب رأس إدوارد وتطرحه قتيلًا، لقد انتهى كل شيء ولكن ظن جنيفر بأنها سترتاح بعد تلك اللحظة كان أكبر كذبة كذبتها على نفسها. ألقت المسدس على الأرض لتدخل في نوبة بكاء شديدة ربما ستدوم إلى الأبد.

************************************** 
استغلت فيكتوريا انشغال ابنتها التي أكدت لها بأنها أصبحت بحالة أفضل لتلقي نظرةً على قبو القصر. نزلت السلالم الحجرية القديمة بهدوء شديد حتى لا تصدر ضجة فعسى أن تكون الطفلتان نائمتان. مشت في الممر الطويل الذي أضيء بضوء الشموع البسيط حتى وصلت إلى الغرفة التي تقبع في نهايته. فتحت بابها بهدوء محاولةً تفادي صدور صوت صريره المزعج. نظرت نحو خادمتها التي كانت تهز إحدى السريرين بهدوء حتى تغرق الطفلة في نومها العميق. التفتت حال شعورها بوجود أحد وما إن وقعت عيناها على سيدتها حتى كادت تتوقف عن هز سرير الطفلة لترى ما تحتاجه منها ولكن فيكتوريا أشارت لها بأن تستمر ثم همست لها:
«تأكدي من نوم الطفلتين ثم تعالي إلى الغرفة المجاورة أنتظرك».

أغلقت فيكتوريا باب الغرفة ثم توجهت إلى غرفتها الخاصة. كانت الغرفة كأنها لا تنتمي للقبو أبدًا، أوراق جدرانها مزخرفة باللون الأزرق السماوي ما أعطى الغرفة طابعًا مبهجًا. كان الأثاث قليلًا، أرائك باللون الأزرق الحالك وطاولة خشبية بالمنتصف. جلست فيكتوريا تنتظر الخادمة وما هي إلا دقائق حتى حضرت. طلبت منها الجلوس على الأريكة المقابلة ثم قالت دون أن تستغني عن أسلوبها المتكبر بالحديث مع من هم أقل منها شأنًا:
«بعد يومين سأنتهي من تخطيط طريقة وصولك إلى القصر بسرية مع الطفلتين ثم سأرسل أحد الحراس ليدلك على كيفية سير الأمور وفي اليوم الذي يليه ستنفذين».

أومأت الخادمة ثم قالت متلعثمة:
«لكن سيدتي أنا حتى الآن لا أفهم شيئًا».

«لا يهم حقًا أن تفهمي التفاصيل لكن كل ما عليك هو تنفيذ أوامري لصالحك ولصالح الجميع وبسببي كل أحلامكم ستصبح حقيقة».

طالعت الخادمة مادلين سيدتها باستغراب فلم تكن تفهم ما ترمي إليه. طُرق الباب وجاء استئذان الحارس بالدخول فأذنت له فيكتوريا بالدخول، دفع الباب ودخل وعلامات التوتر والخوف باديةٌ على وجهه.

«سيدتي لقد...». صمت قليلًا يلتقط أنفاسه ثم أتبع: «السيدة جنيفر أطلقت الرصاص على إدوارد».

حُبست أنفاس مادلين وهي تستمع إلى ما يقوله الحارس واتسعت عيناها بصدمة شديدة. وقفت فيكتوريا حال سماعها للخبر وهي تكاد لا تصدق ثم قالت للحارس وعيناها تتوهجان بشوق:
«وهل مات؟».

راقبت الخادمة تعابير وجه فيكتوريا التي بدت لها سعيدة بصدمة.

«نعم» أجابها الحارس بوجهه متكدر.

«كيف حال جنيفر؟». سألت متجاهلةً ما حصل لإدوارد.

«جئت لأطلب منك الحضور سيدتي لأنها بحالة نفسية سيئة جدًا».

أومأت فيكتوريا ببرود ثم قالت للحارس:
«لا بأس، أنا قادمة».

***************************************

Continue Reading

You'll Also Like

2.9K 274 57
الحياة قد حطمتني عدة مرات رأيت امورا لم اكن اود ان اراها عشت الحزن،الفشل لكن الشيء المؤكد دائما،انني سأنهض
11.5K 1.4K 21
[مكتملة] {الكتاب الأول من ثلاثية ليالي شهرزاد} جميعنا يعرف قصة علاء الدين والمصباح السحري. استغله ساحر ليجلب له المصباح، لكن "فصاحة" علاء الدين أغضبت...
3.6K 309 6
ظهور بوابة عالم التايتينيا أمام ديانا كان خاتمة لقصتها وبداية قصة غير متوقعة بالنسبة إلى صاحبها. ماثيو -الطفل الرجل- ما زال عالقًا بين طيات ماضيه غي...
18.7K 505 6
تايهيوَنغ مُمرضٌ بسِيط يَسكُن فِي منزِل جيَون لمُساعدةِ ابنِهم المُعاق جسَدياً لكن ماذَا لو اُعجبَ برجولةِ ابنِهم لدَرجة التحرُش بهِ؟ -توجَد احدَاث ق...