Protagonist | بطل الرواية

By Yafamethyst

398K 16.8K 14.2K

لم أكن يومًا فتاةً تمتلك نظرة عادية ..لطالما آمنت بفكرة أن العالم أكبر مما نتخيل وأن داخل كل شخص فينا عالم آخ... More

•مقدمة•
Part 01 : قِلاع النبيذ
Part 02 : خريطة برشلونة
Part 03 : زحل يَلتهم إبنه
Part 04 : نركسيس يُقبّل إنعكاسه
Part 05 : لُمِسَ كعبُ آخيل
Part 06 : هوسُ إيروس
Part 07 : ثمانية و نصف
Part 08 : بوابة الخَطايا السبع
Part 09 : بين المَجرات
Part 10 : أحفادُ الأساطير
Part 11 : عبر عدسةِ إكستَاسي
Part 12 : البحثُ عن هايد
Part 13 : داخل بتلاتِ بانْسِيه
Part 14 : منجلُ المَلك
Part 15 : هز أطلسٌ كَتفيه
Part 17 : جوف عقلِ فان غوخ
Part 18 : طبقات التِيراميسو
Part 19 : فكُ شيفرة الأفعوانية
Part 20 : من الخِنصر إلى المعدة
Part 21 : جُثة أم حلوى؟
Part 22 : مغادرة القِلاع
Part 23 : سميرالدو أسفلَ البركان
Part 24 : حرشفة ذيلِ حورية
Part 25 : الممر الثامن للإليسيُوم
Part 26 : تحت لِحاف نيفيكاري
Part 27 : سليلة لا مُورتي نِيرا
Part 28 : الصفحة الأولى: تَنبيه
Part 29 : أين تُدفن الجثَث؟

Part 16 : حواس الذِئاب

14.2K 520 824
By Yafamethyst

«لم أجد ملاذًا يأويني سوى صدرك، كأنني كل التشتت وكأنك كل البيوت».

______________________

سيقتلهما...

كان هذا الشيء الوحيد المتبادر إلى ذهنه، سيقوم بخنق دومينيك أولاً ثم زوجته لأن لا أحد باِستطاعته الصمود أكثر من خمس دقائق وسط كل هذه الحماقة.

على مقعد السائق داخل إحدى السيارات السوداء المركونة في الجانب المقابل لباب قصر غوستافيو، بعد أن رُكنت شبيهتها الأخرى أمامها ونزل منها خوان وروزاليا اللذان كانا في السيارة نفسها معًا رفقة لوسيا، بعد أن دخلوا جميعًا إلى القصر عدى آرون الذي إتجه من الحفل مباشرة نحو منزله وسط الغابة.

ظلت هذه السيارة في الخلف مغلقةً تحمل داخلها شخصان قد أفرطا في الشرب حد الثمالة على وشك فقدان وعيهما وشخص على وشك تسريع تلك العملية.

كان هذا أغوستينو هنا على مقعد السائق يستند برأسه على العجلة ينتظر إختفاء الجميع عن أنظارهم كي يستطيع السماح لهم بالخروج وهما بتلك الحالة، حالة دومينيك الجالس على المقهد بجانبه أما في المقاعد الخلفية فكانت هيتايرا تتذمر كطفلة في الخامسة لم تقوى على فتح الباب الموصد أو إن صح القول الموصد بقفل الأطفال.

" سيد ميندوزا، متى سيسمح لنا جلالته بالنزول " بصوت قد صاحبته بحة وكلمات متلعثمة تحدثت هيتايرا برسمية وإحترام بعد أن فشلت في الخروج بعد محاولات عدة ها هي الآن هي تتبع خطة الاِستفزاز والتي شاركها فيها دومينيك مباشرة.

" جلالتك، حمامك جاهز " تعالت ضحكاتهما لدرجة أن تلك في الخلف تحولت ضحكاتها للبكاء وضرب كتف المتحدث أمامها من استدار لها قليلا يلكمها هو الآخر تحت أنفاسهما المسلوبة من شدة الضحك.

كانا هكذا منذ ساعة طوال الطريق من قصر كاستيلو إلى قصرهما، يتبادلان الشتائم واللكمات ثم تتحول في لمح البصر إلى ضحكات وإلقاء نكات غبية.

لكن أغوستينو وسط كل هذا كان شاردا في الطريق أمامه إلى أن إبتسم المرة الوحيدة عندما أطلت هيتايرا بين المقاعد الأمامية تسأل دومينيك ما إن أكل شيئًا بطعم النعناع في لاريوخا، فقط هنا زين شبح إبتسامة وجه الآخر غير مصدق أنها وسط ثمالتها لم تستسلم عن التحقيق ولن تتعب حتى تحل القضية.

رفع صاحب الشعر الأسود الذي تسللت خصلات منه لتسقط على جبينه على إثر استناده طوال هذا الوقت، نظر إلى يد دومينيك المتسسلة نحو زر تغيير وضعية المقعد كي يبسطه للخلف ثم رفع عينيه إلى المرآة الأمامية إلى تلك التي نظرت إليه بدورها بإحمرار غطى وجنتيها وأعين قد ضيقتها قائلة.

" هل تخجل منا؟ ألا يثمل خوان وروزاليا أيضا كي تحبسنا طوال هذا الوقت خوفنا من تشويه صورتنا أمامهم أم ماذا؟"

" لأنكِ ستندمين غدًا بسبب أفعالكِ هذه سيدة غوستافيو، أنا متأكد من أنكِ ستخجلين لدرجة إختفائكِ عن أنظارهم طوال أسبوع أو أكثر "

قالها بهدوء تماما كالذي حل داخل فضاء السيارة بسبب صمتهما لبرهة كون الأخير قد تحدث في النهاية.

لذا وداخل كل تلك الجدية مدت يدها تضرب دومينيك الذي تأفأف يدخل يده إلى جيبه ليخرج محفظة نقوده تحت أنظار المستغرب بجانبه والأخرى بأعين مبتسمة خلفه، تلك التي رفعت يدها تنتظره بفارغ الصبر قبل أن يضع ورقة نقود داخل كفها لتتحدث تخبئها داخل مثبنتها.

"لقد قلت لك سيتحدث في النهاية، أنا من جعلته يتحدث أيها الأحمق"

أجل من ضمن الأشياء التي كانا يتهامسان بها هي أن من سيجعل أغوستينو يتحدث هو الفائز.

حرك الأخير رأسه بقلة حيلة يضغط على الزر بجانبه كي تصدر السيارة صوت فتح القفل ليسارع دومينيك بالنزول قبل أن يسقط أرضا تحت قهقهتها.

رفعت أعينها نحو المرآة وسط ضحكاتها لتقابلها نظراته تلك، كان يتأملها بهدوء كعادته يحفظ كل إنش من وجهها وكأنها طيف سيندثر.

ظل على حاله لثوانٍ في حين حمل هاتفه ومفتاح السيارة مطفئًا أضوائها ثم خرج يغلق الباب خلفه ليقف موازيا باب القصر على بُعد أمتار.

وسط الحديقة أين مشى دومينيك لجهة شقيقه يقف بجانبه ينتظر خروجها.

ولأن قد مر وقت على إنتظارهما لها ظن أنها قد غفت فجأة، بالتالي فتح أغوستينو بابها الخلفي لتقابله من عقدت ساعداها إلى صدرها بغيظ وملامح غريبة عكس شخصيتها الأخرى.

" ألن تنزلي؟ "

" لن أفعل، لم تفتح الباب من أجلي " كانت تتحدث بإِستِياء ما جعل أغوستينو يكبح ظهور إبتسامته لينحني نحوها قليلاً قائلا بنبرة كمن يخاطب طفلاً.

" أنظري لقد فعلت بالفعل "

" بعد ماذا؟، أنت لست نبيلاً كالأحمق بجانبك" قالتها فور وقوع أعينها بحقد على دومينك الجالس على الأرض بعشوائية والذي أطلق ضحكة استهزاء توازيا مع اِستلقائه مقابلا إياها واضعا ذراعه تحت عنقه.

مُدت يد أغوستينو ناحيتها تفصل تواصلها مع المستلقي أرضا، كفه الذي تتبعته عندما بُسط أمامها لتستقر أعينها عند خاصته المنسدلة بخمول.

" هات يدكِ "

" يا إلهي سيد ميندوزا لقد فسدت طباعك حقا، كانت رقصة واحدة لا تكن جشعًا"

" لن نرقص، أعطني يدكِ لتخرجي من السيارة " كسائق سيارة ليموزين كان يقف ببذلة التوكسيدو ممسكا الباب بيد بينما الأخرى ممدودة أمامها لإمساكها، كان يقف صوبها مباشرة يحجب عنها الحديقة بجسده ينتظر نزولها لكنها أردفت بنفس طريقة جلوسها السابقة عاقدة ساعديها لصدرها.

" أجلس في المكان الذي أريد، ما شأنك أنت! "

" الجو بارد ستمرضين، هيا أخرجي "

" لن يصبح باردًا إذا أغلقت السيارة وإختفيت رفقة شقيقك، جلالتك" ما إن نبست بها قهقه دومينيك في الخلف على الكنية الجديدة التي ألصقاها به.

" هيا الحارس ينتظر في الخلف ليأخذ السيارة" كانت يده لاتزال بينهما بصبر غريب وملامح ثابتة متجاهلا عبثهما كمراهقين قد ثملا للمرة الأولى.

" لن أنزل هذا آخر قرار لي"

"لم يكن طلبًا " نظر داخل عينيها الناعسة بسبب الكحول كما فعلت هي المثل تتحداه بنظراتها كحرب ستنتهي بالفائز الذي يفرض كلمته.

لكنها وبحركة كانت مفاجئة له إقتربت نحوه أكثر فاصلة المسافة بينهما تشير بإصبعها له كي ينزل إلى مستواها لتتحدث داخل أذنه، كان مستغربا من تقلباتها من حركاتها إلا أنه كلما تذكر حالتها قبل أربع سنوات في متحف ديل برادو حينما ثملا معا يطرد كل استغرابه حول شخصيتها الأخرى كونه قد شهد هذه الثرثرة والغرابة من قبل.

" إقترب " ما إن قالتها إقترب لوجهها لتلفحه رائحة الكاكاو الممزوجة بعطرها الكثيف، همست بصوت متذبذب تتأكد من أن دومينيك لن يسمعها.

" يجب أن أغادر، لا أستطيع المبيت في الداخل"

" لماذا ؟ " همس هو الآخر بنفس وضعيته يجاريها فيما تفعله.

" لا أستطيع النوم إن لم أراقب النجوم في الخارج"

" الليلة ستنامين، لن تستطيعي تفرقة جفنيك بعد ساعة لأنك ثملة"

" أنا لست كذلك" تنهد بعمق ثم بيده التي كانت أمامها رفعها يمسح وجهه متمتما بالإيطالية " إلهي".

تذكرها تلك الليلة التي تغيرت فيها هكذا بشخصية حركية ثرثارة عكس وقارها وهدوئها، الآن أمامه مزيج من طفولية لوسيا وكاثرين والكثير من حقارة آرون.

"أنظري أنتِ تترنحين هيا لندخل، اعطني يدك" تحدث عندما رآها ترجع بجسدها للجهة الأخرى بعدما عجزت عن موازنة جسدها.

أمسكت يده الباردة تشد عليها بأصابعها لتخرج بهدوء بعد أن وضع يده الأخرى فوق رأسها عند حافة الباب حارصًا بذلك على أن لا تتأذى.

ما إن وقفت بجانب دومينيك حتى حرك قدمه يركلها لقدمها يحاول إسقاطها أرضا وقد علمت على الفور نيته لأنها حركتهما قبل سنين منذ أن تعرفت عليه.

لذا إبتسمت إبتسامة شيطانية تلتصق بأغوستينو متجنبة ذلك المستلقي على الأرض والذي فشل في إسقاطها لتردف توازيا مع إعتدالها غير آبهة للشخص الذي كانت بين أحضانه قبل ثوانٍ أو ربما قد نسيت وجوده بسبب هدوءه ذاك.

" ستبقى دائما في الأسفل أيها النكرة، في الأسفل عند أقدامي"

رمت شعرها جانبا رافعة حاجبها بغرور وسط شهقة درامية طويلة قد أطلقها المنبطح أرضا ليعتدل مستندا على ذراعه قائلا.

" كيف تتجرئين على قول كلمات كهذه أمام جلالته وأنتِ مجرد حقيرة من الحاشية؟" بدل نظراته منها إلى أغوستينو الذي وضع أديه داخل جيوبه بعد أن تأكد أن ليلته لن تمر بسلام كما كان يظن.

"هل ستغض بصرك على هذا سيدي؟" قالها واضعا كفه تحت خده باِستمتاع لتبتعد هيتايرا عن الواقف بجانبها مطأطأة رأسها ثم إنحنت كنساء البلاط في العصور الوسطى.

" إصفح عني لقد زل لساني لم أقصد أن أقلل من شأن أي أحد، وحده أنت من يستطيع فعل هذا جلالتك" مررت بصرها نحو دومينيك في الأسفل دون أن ترفع رأسها وعند تلك اللحظة فقط إنفجرا ضحكا بعد أن عجز الأخير عن كبح نفسه أكثر.

بينما الآخر ما كان منه إلا أن يلتفت للجانب يلعق باطن خده يُخفي إبتسامته بعجز ليتوالى حوارهم تماما كما كانا يفعلان داخل السيارة.

" إقطع رأسها كيف لك أن تعفو عن جرم كهذا!"

" إقطعوا رأسي وحنطوه داخل ديل برادو في زجاجة وسط مياه حافظة ليرى أهل إسبانيا كم أنني فاتنة"

" إخرسي، أقسم أن رأس ميدوسا أجمل " تقدمت كي تركله بعد أن شعرت بالإهانة لكنها فقدت توازنها بسبب ثمالتها وإرتداءها الكعب العالي.

في حين سارع أغوستينو يمد ذراعه من خلفها مطوقًا خصرها كي لا تسقط فوق شقيقه.

شدها إلى صدره فشعرت بإلتصاق عضلاته بظهرها، ولأن الثمالة قد فرضت سيطرتها على عقلها كان من المفترض أن تخجل في موقف كهذا كهيتايرا العادية لكنها كسرت الصمت تخاطب الموازي لها في الأسفل ذو النظرات الشامتة.

" أنظر دومينيكو إن أخاك النبيل يشبه آل باتشينو في الأب الروحي" قالتها لتشعر بصدره يهتز خلفها بسبب ضحكة قد فلتت منه على حين غرة.

" حتى أن أصوله إيطالية مثله تماما" نبس بها دومينيك توازيا مع وقوفه بترنح ممسكا يدها ليسلها نحوه تحت أنظار الآخر خلفها، ما إن وقفت بجانبه وكأنها تقرأ أفكاره إبتسما بإتساع ثم وبصوت واحدٍ راحا يغنيان أغنية L'italiano.

الأغنية التي لطالما لحنوها في الملاعب الكُبرى بإسبانيا كلما حضروا مباريات إنتر ميلان، كانت الآن تتكرر كلماتها وسط قصر غوستافيو.

Lasciatemi cantare.
دعوني أغني.
Con la chitarra in mano.
بغيتاري التي بيدي
Lasciatemi cantare.
دعوني أغني.
Una canzone piano piano.
أغنية تتهادى ببطء.
Lasciatemi cantare.
دعوني أغني.
Perché ne sono fiero.
لأنني فخور بذلك.
Sono un italiano.
فخور بكوني إيطالي.

توقفا بعد أن استدارت ناحيته كونها كانت ترقص تماما مثله هو الذي حرك يديه عاليا بتأثر، ثم أكملاها معا بصوت عالٍ.

Un italiano vero.
إيطالي أصيل.

تعالت أصواتهما وسط فراغ الحديقة غير مهتمين بأنظار الحراس الذين حاولوا كبح ضحكاتهم، حتى أن بعضهم كان في حالة صدمة بسبب رؤيتهم لهيتايرا هكذا أول مرة، تلك التي لطالما كانت إمرأة كنساء المجتمع الراقي من تبدو هادئة وحكيمة كانت كمراهقة الآن.

جلس دومينيك أرضا يكمل الأغنية بخفوت بينما هي كانت على وشك السقوط بسبب دورانها سابقا، بالتالي وبحركة سريعة حملها أغوستينو منتشلا إياها قبل وقوعها وسط قهقهت زوجها.

لذا ولأن الآخر قد طفح كيله غير قادر على إخراسهما وفشلت محاولاته في جعلهما يدخلان دون جلبة كان هذا حله الوحيد.

في حين الأخرى شهقت تتشبث بعنقه ليثبتها هو أكثر ضاغطا على خصرها رافعا إياها نحوه، رمقت ذو الأعين الزرقاء على الأرض بحنق مهسهسة.

" يجدر بك حملي لا الضحك أيها اللعين"

"أنا لا أقوى على حمل نفسي" بدل نظراته من وجهها إلى شقيقه رافعا يديه صوبه.

" إحملني أنا أيضا أغوست"

بينما تنهد الأخير بقلة حيلة، شدت هيتايرا يديها حول عنقه كطفلة تحاول إغاظة شقيقها، كفتاة في السادسة بتصرفات طفولية جعلت إبتسامة تزين محياه.

" إن الأب الروحي رائع"

نفض ملامح الاِستمتاع من على ملامحه ونظر إلى شقيقه في الأسفل مخاطبا إياه.

"ستدخل الصالة دون أن تصدر جلبة، سأعود إليك"

"لا، يعجبني الجو في الخارج"

" ستبقى هنا إذا، لا تتحرك سأعود إليك"

" أمرك جلالتك" قالها بتحية عسكرية لينتشل بعدها هاتفه من جيبه بنفس الوضعية مستلقيا على أرض الحديقة.

مشى أغوستينو نحو الباب حاملاً إياها بين ذراعيه مطوقا ظهرها بيده بينما الأخرى كانت تحت سيقانها.

بخطوات وئيدة لم يصل بها إلى الباب بعد غنت بجانب أذنه أغنية إيطالية أخرى كانت قد تذكرتها للتو، بلكنة إيطالية صافية دون شوائب كأنها إبنة البندقية، كمن ترعرعت بين أزقة صقلية غنتها بخفوت، ببحة وصوت متذبذب بسبب ثمالتها لتُذكره بطفولته، بوالدته التي أحبت الأغنية لدرجة أنها لم تفوت صباحًا دون نشر أنغامها وسط جناحها بنابولي لترقص عليها كل يوم.

ها هو الآن يسمعها داخل أذنه من الفتاة التي لا تعلم بعد أن نصفها إيطالي هي أيضا.
Che confusione.
يا لها من فوضى.
Sarà perché ti amo.
ربما لأني أحبك.
È un'emozione.
إنها عاطفة.
Che cresce piano piano.
تنمو شيئًا فشيئًا.
Stringimi forte e stami più vicino.
خضني بحضنك بقوة، وقربني إليك أكثر.
Se ci sto bene.
سأكون بأفضل حال.
Sarà perché ti amo.
ربما لأني أحبك.

توقفت عن الغناء عندما وطأت قدمه أرضية القصر ليلتفت ناحيتها بجفون منسدلة يمعن النظر فيها، وبهدوء رفع جسدها يعدل من وضعيتها، شدها إليه يبقيها أقرب تماما كالكلمات التي غنتها بهمس سابقًا.

توقف في الداخل بعد أن عجز عن زحزحت بصره عنها، عن ملامحها الناعسة وشعرها المجعد الذي راق له لدرجة أراد لمسه طيلة الحفل بينما هي إكتفت في تأمله بصمت قبل أن تقترب تقطع المسافة بين وجهيهما تهمس عنده.

" أنت أبي الروحي إذًا، آل باتشينو خاصتي ".

إبتسم يتأمل جديتها تلك لترمش هي غارقة في جانب شفاهه بشرود، أردفت في حين محجريها لازالا معلقان بنفس النقطة في وجهه.

"هل رأيت ملامح خوسيه؟" أومأ لها عندما لمح ترقبها جوابه أثناء سؤالها إياه لتكمل هي عندما تقدم يمشي بخطى هادئة.

" لقد كان شعور يشبه الفراشات في المعدة، ربما ليست القُبّل وحدها ماتخلق ذلك الإحساس بداخلنا" بدلت نظرها من السلالم نحوه تتشبث بعنقه أكثر مسترسلة بإبتسامة شيطانية جعلت إبتسامته تتسع هو الآخر.

" ربما ملامح خوسيه كافية" ضحكت بصوت عالٍ تدفن وجهها في تجويف عنقه، وقبل أن يضع خطوته الأولى على الدرج أكملت جاعلة من صدره يهتز بضحكة فلتت منه بنبرة غليظة.

" عندما إبتكروا كلمة بلاهة اِستعانوا بوجهه " توقف يضحك بثقل يحرك رأسه بعدم تصديق كونها تحولت لغريبة وبكل الحالات لازالت مميزة بالنسبة له، لازالت شخصيتها تأسره حتى أثناء ثمالتها.

أما هو فكان الأب الروحي لها، آل باتشينو خاصتها بكل ما يحمله من صفات في فيلم العراب، الفيلم الذي كان يُمثل تحول مايكل كورليوني من شخص بسيط من العامة إلى زعيم مافيا عديم الرحمة...

مثله تماما.

لذا وبينما كان يصعد الدرجات وضعت رأسها قرب رقبته بتعب ترمي بكل ثقلها على كتفيه.

كانت تشعر بدفء جسده كلحاف شُد ناحيتها وسط رياح الحياة الباردة، تعلقت به كأكثر الأماكن الآمنة في الكون أجمع.

فما هي الصفة التي تجذب في الإنسان مثل صفة أنه إنسان آمن، كأنك تزيح كل هموم الحياة عندما تطوقه بين ذراعيك كأن صدره ينفض كل الأعباء عنك ليأخذ مكانها داخل صدرك ليُهدء ضوضاء قلبك.

إعتدلت تحرك رأسها عند كتفه تبحث عن وضعية تساعدها على الإسترخاء أكثر، في حين قد أنزل بؤبؤيه للأسفل ينظر لها تحت رموشه بشبح إبتسامة مستذكرًا هيتايرا مرشدة المتحف تلك.

"هل تجيد الطهي أيها الإيطالي؟" همست بنبرة تكاد لا تُسمع ليهمهم لها الآخر كجواب.

"يا رجل ما الذي لا تجيد فعله بحق الجحيم؟" قالتها توازيا مع رفع رأسها لجانب وجهه بغرة مبعثرة.

" هل ستطبخ لي يومًا؟"

" لما لا "

" أكلة من المطبخ الإيطالي لطفًا "

" لكِ ذلك "

إبتسمت بإتساع لذلك الذي وقف أخيرا أمام باب جناحها لينظر لها متحدثًا بخفوت خلال تأمله لسعادتها بسبب شيء بسيط كهذا.

" سأحرص على طهي ما تحبينه " لمع بريق عينيها وأحست بموجة برد تسري على طول عمودها الفقري، كبرودة المرض التي تصاحبها جفاف في الحلق كانت الآن تشعر بها كأن جسدها يهيئها للحمى.

" هدوءك غريب "

لكنه كعادته كمن يجيبها، كمن يؤكد لها ما نبست به ظل هادئًا يطالعها بجفنان مرتخيان.

" كم كلفك هذا الهدوء، ما الذي إجتزته لتصبح هكذا؟"

" إنها طباعي فحسب، ولدت هكذا" كان يتحدث معها بنفس نبرتها، بهمس قرب وجهها.

" متاكدة من أن الشخص أمامي ليس نفسه قبل سنوات، لأنك تتغير أحيانا...
تنفتح، تتحدث وتبتسم"

حدق بها يراجع ما ألقت على مسامعه مستذكرًا شخصيته السابقة، أغوستينو الطفل الثرثار بشغفه ولمعانه من أصبح نجمًا منطفئًا في سماء شتاء كئيب كانت وحدها من رصدته عبر قلبها.

بدل نظراته عنها نحو الباب المغلق لتتحرك هي تعتدل للمرة الثانية بين ذراعيه تبحث عن وضعية مريحة أكثر.

" توقفي عن التحرك كي أستطيع فتحه"

" إخلعه " قالتها بجدية تنتظر حركته، تنتظره كي يخلع الباب كونها تمتلك جانبًا عصبيا لا يحمل صبرا بالمرة، لكنها إلتفتت صوبه عندما فلتت منه ضحكة شبه مكتومة بملامح مستغربة.

" على رسلك أيتها المتوحشة، أين إختبئت صاحبة الوقار تلك؟"

توازيا مع رفعه إياها أكثر كي يتسنى له مد يده لمقبض الباب، قد طوقت هي عنقه، ليدخل بها نحو جناحها الغارق في الظلام المختلط بخيوط نور متسللة عبر الستائر المنسدلة.

تقدم ببطء ناحية سريرها وما إن وقف أمام إحدى جانبيه بهدف وضعها نبثت بسرعة ملتصقة به.

" هذا جانب دومينيكو الصغير، ذلك جانبي" قالتها تشير برأسها للجهة اليمنى للسرير غير مدركة له، لعينيه اللتان أغمضهما بحَنق يسيطر على أعصابه.

هو يعلم بالفعل أن زواجهما عبارة عن صفقة عمل لا أكثر كما أصبح متأكد من أن علاقتهما سطحية متجهة نحو الصداقة أو مبنية على صداقة من الماضي، كل ما سبق كان يعرفه أشد المعرفة حتى أن تلك الكاميرا المعلقة فوقهما الآن دليل كافٍ على عدم حدوث شيء بينهما بل دليل على عدم إضطجاعهما نفس الفراش في نفس الوقت بل كانا يتبادلان الأماكن من السرير إلى الأريكة.

لكن هذا المهووس لا يدري لما إبتلع ريقه يحاول السيطرة على ملامح وجهه لمجرد تفكيره بأن لشقيقه مكانًا برفقتها في نفس المحيط، بأن له القدرة على اِستنشاق عطرها من على الوسائد وتركها آثار وجودها خلفها داخل جناحهما.

لذا سيطر على مشاعره المتضاربة وإتجه بها للجهة الأخرى بملامح ثابتة ونظرات فارغة.

وضعها بهدوء لتفلت هي جسده مسترخية بخمول وسط الملاءات الباردة تحتها، اِستقام بنفسٍ ساكن واضعا يده فوق قدمها بحركة فاجأتها ما جعلها تستند برفقيها لتنظر إلى ما يفعله.

كان يفتح خيوط حذائها بهدوء دون أن يزحزح أنظاره عن مكان عمل يديه، تنفست بثقل وراحة بعد أن وضع الأول جانبًا بسلاسة ثم إنتقل للثاني يفتحه بيد واحدة لأن الأولى كانت تمسد قدمها.

حركته تلك بثت تيارًا داخل قلبها، جعلت قلبها ينبض دون أن تحاول ترجمة ذلك.

كان يخفف ألم قدميها من الأسفل بضغطه عليهما بخفة ممررًا إبهامه في التجويف السفلي لهما، وضع الأخرى جانبا ورفع أعينه السوداء ناحيتها.

هي المستندة على مرفقيها تراقبه وهو المنحني عند قدميها بخصل منسدلة على جبينه، تدلى جفناه بخمول يحدق بالكيان المثالي صوبه.

لبرهة إكتفى كل واحد منهما بأخذ حصته من الآخر، قبل أن يعتدل ساحبا الغطاء الحريري ليضعه فوقها توازيا مع اِستلقائها على جانبها.

لكن مع إقترابه نحوها يرتبه عند الجانبين تحت كتفيها، ما إن استقام بهدف خروجه بعد أن تأكد من راحتها أمسكت أصابعه كالمرة الماضية تماما.

عانقت أصابعها خاصته في اللحظة الأخيرة، في الثانية التي تسبق إبتعاده عنها ما جعله يلتفت لها رافعا حاجباه بحيرة لأنها المرة الأولى التي فاجئته بحركة لم يتوقعها بل ظن سابقًا أنها تقاوم وبمجرد وضعها في فراشها ستنام مباشرة إلا أنها خالفت كل توقعاته.

" لا تذهب إبق معي " تشبثت به للمرة الثانية هذه الليلة، تشبثت بأصابعه كطوق نجاتها.

ولأنه لمح إصرارها داخل أعين العسل تلك تنهد ينظر إلى الباب قبل أن يلتفت لجهتها لتبتعد بخفة تفسح له المجال كي يجلس على الحافة أمامها، تقدم منها يتموضع قرب سيقانها المخبئة تحت الغطاء.

" أرخي قبضتكِ، أنا هنا لن أغادر" قالها توازيا مع رفعه لعينيه من يدها التي أحكمت على أصابعه إلى ملامحها التي تغيرت كونها لاحظت حركتها تلك، حمحمت تضم لحافها ناحيتها قائلة.

" كان مانويل يقول لنا أن من ينام على ثمالة ستتسلل كيانات أخرى وتسيطر على جسده عندما تجد فيه فجوات، عندما نُرخي دفاعاتنا أثناء إفراطنا في الشرب".

" وهل تصدقين هذا ؟ " سألها ملتفت برأسه لجهتها جانبًا بينما يداه قد تشابكتا أمامه بعد أن استند بمرفقيه على ركبتيه.

" ربما " قالتها وسط ضحكة عفوية خرجت منها بعد تذكرها لخرافات عمها ليضحك هو على حالتها المتغيرة التي لا تنفك تفاجئه أكثر من قبل.

" أنا لا أصدق هذا حرفيا فمانويل في النهاية مجرد لعين يحب تأليف قصص لعينة مثله، لكني أوافقه في شيء واحد"

"ما هو؟" سألها بإبتسامة قد زينت محياه بسبب حديثها عن عمها الذي يكاد يجزم أن لا أحد سيتجرأ على قول هذا له غيرها.

" لا تتسلل كيانات أخرى داخلنا، بل تخرج منا كيانات أخرى أثناء ثمالتنا لنصبح على حقيقتنا متجردين من الزيف والإبتذال في التصرف لنصبح ما نحن عليه حقيقةً، لهذا أريد جانبك الثمل سيد ميندوزا"

" ماذا إن لم تعجبكِ حقيقتي؟ إن لم يرق لكِ الكيان الآخر بداخلي؟" بلكنة إيطالية غليظة سألها دون أن يزحزح بصره عن عينيها، يحدق في روحها مباشرة يقرأ لغة جسدها كي يرى عليها أثر ما تفوه به.

لكنها بثبات وأعين ناعسة صفعت كل تكهناته عرض الحائط أردفت.

" رغم كل شيء ذلك الكيان المخبئ يبقى أنت، ما تفعله يسمى هروبًا من ذاتك، أنا لا أخجل من كوني هكذا لذا لا تفعل أنت أيضا ودع هايد يخرج ليتنفس"

نظر أمامه عاقدًا أصابع يديه يفكر في كلماتها بهدوء، وبهمس خرجت كلماته كمن يحدث نفسه.

" ليس هروبًا من ذاتي وإنما هروبًا من عقلي..." اِستدار لها ليكمل " هروبًا من تفكيري".

" لكن لا توجد وسيلة يلجأ إليها المرء ليهرب من تفكيره لأنك ستشعر بالأمان إذا حدث ما كنت تخشى حدوثه دوما، وكأن روحك سترتخي ستشعر بطمأنينة غريبة بعد ذلك".

كيف سيخبرها أن كلماتها لوحدها قد بثت داخله تلك الطمأنينة الغريبة؟ بل كيف لها بحق الرب أن تكون حكيمةً وسط ثمالتها، وسط حماقتها السابقة وتصرفاتها الطائشة، كان غارقًا في عينيها يكرر كلماتها يحاول حفظهم كي لا يسقط حرف مقدس قد خرج من فاهها الآن.

كان في النهاية مجرد شخص بأعباء قد أثقلت كاهله، بقلب مشوش ودماغ بعرقلة سير قد وجدت من ينظمها، لأن عقله المكتظ بالأحاديث يستريح عندها.

هي دون سواها من يأتمنها على أفكاره.

تبادلا النظرات لبرهة قبل أن ينظر أمامه لأصابع يده المتشابكة مردفا بهمس.

" يجب أن تنامي الآن " إلتفت صوبها عندما لم يتلقى ردًا منها ظنًا منه أنها نائمة إلا أنها كانت تتأمله بيد تحت خدها بأعين ناعسة هامدة، ولأن تحديقها قد طال إبتسم مردفًا.

" ماذا؟ من يراكِ هكذا سيظن أنكِ تنتظرين سماع قصة قبل النوم".

" ألا يمكنك ذلك؟" إختفى شبح إبتسامته يفتش ملامحها بحثًا عن العبث داخلها لكنها كانت جادة فيما قالته وأكدت له ذلك عندما أردفت.

"لم يفعل لي أحد هذا سوى مانويل وأساطيره التي يتعمد سردها في الشتاء العاصف خلال إشتداد صوت المطر والرعد كي يزيد من رعبنا، عدى هذا لم أسمع قصصًا قبل النوم..."

صمتت لبرهة من الوقت قبل أن تردف أثناء إعتدالها تطالع نظراته الهادئة.

" أيمكنك فعلها من أجلي؟ أن تحكي لي قصة قبل النوم الآن"

" لما لا؟ " كانت نبرته خافتة كنظراته الهامدة ينظر لها تحت رموشه تلك التي إعتدلت في الأسفل تهيئ نفسها بإبتسامة قد إتسعت شيئًا فشيئًا.

" لقد أحببت سيد «لما لا؟» هذا ".

كانت تلك مرته الثانية التي يجيبها بنفس الكلمات موافقًا على أيا ما تتفوه به، لدرجة أنه قد بث داخلها شعورًا غريبًا بأن أيا كان ما تطلبه سيقوم بتحقيقه.

إبتسمت أكثر عندما لاحظت إخفائه لإبتسامته بسبب اللقب الذي أطلقته عليه الآن وكان قد أحبه.

لذا و وسط شروده فيها همس دون أن ينتبه، بلا وعي منه خرجت كلماته تداعب مسامعها.

" إبتسامتك هذه ستكون نهايتي "

قاومت ثقل جفنيها تصارع نبض قلبها ذاك، أرادت دفن رأسها بين الوسائد والصراخ أو ربما التخبط وسط الملاءات داخل سريرها إلا أنها إكتفت بشد اللحاف أكثر ضاغطة على أطرافه تحت أنظاره، تحت تلك الأعين التي إبتسمت لها.

"سأروي لكِ أسطورة الذئب نوكتيس" أومأت برأسها عدة مرات بحماس ظاهر على وجهها.

"هل تعرفين السنستيجيا؟"

أومأت إيجابا مرة أخرى ليبتسم هو يحرك رأسه بقلة حيلة وكأنه قد اِستوعب توًا سؤاله الغير منطقي، كيف يسأل شيئًا كهذا لفتاة أصبح متأكدًا من أنها على إطلاع بكل شيء.

كانت السنستيجيا تعني تداخل الحواس ببعضها البعض أي أننا إذا حفزنا حاسة ما تُحفز حاسة أخرى تلقائيًا، كربطنا للون ما برائحة معينة أو عند رؤيتنا لرقم ننسب له لونًا خاصًا، كأن نسمع أغنية ونشم منها رائحة عطر أو أكلة.

كانت هذه الحالة لدى بعض البشر، من تتداخل حواسهم ببعضها ليشعروا بكل شيء في آن واحد من يبصروا اللون ويستنشقوا الرائحة ويشعرو بملمس الشيء بمجرد سماعهم صوت شخص ما أو مقطع أغنية.

"سأخبركِ بداية هذه الحالة بأسطورة الذئب نوكتيس" إعتدل يفصل أصابع يده عن بعضها ملتفتًا بجسده بخفة لجهتها، في حين وضع ذراعه فوق ركبته وسط فضولها العارم المتجلي على وجهها.

نبس بهدوء، بلكنته المميزة تلك بصوت أجش دب الحياة في شرايينها.

" بدأت الأسطورة في فترة قد بدأ ضوء القمر يتغير للون قرمزي غريب لم يكن خسوفًا أو بفعل ظروف جوية معينة، بل ظل على حاله شهر كاملاً يظهر في السماء بلون دموي كل ليلة...

كان عواء الذئاب يشتد كلما إنعكس شعاع القمر على التلة، كان تلك اللعنة التي أصابت بعض الحطابين، لعنة المستذئبين.

هناك بدأت قصتهم عندما إجتمع بعض من الرجال وإتجهوا إلى الغابة لقطع أشجال السرو لكن الليل قد نثر غياهيبه وظهر القمر القرمزي وسط السماء مبعثرًا أشعته الدموية عليهم، عند تلك اللحظة طُحنت عظامهم داخل أجسادهم تصلبوا وسقطوا أرضًا لتملئ أصوات صراخهم غابات الصنوبر الخالية، وتحولت تلك العظام المطحونة لأخرى أكثر قوة وبشكل غريب بعيد عن الهيكل البشري، عظام ذئاب عاتية ضخمة بأنياب حادة و أعين رمادية كفرائهم...

كان هذا بسبب صندور «باندورا» الذي فُتح لتنتشر منه الشرور في الكون، إلا أن إلهة القمر «لونا» قد عجزت عن صد تلك الشرور المنبعثة ما جعلها تتجمع على شكل لعنة القمر الدموي قبل أن تتوزع على العالم أجمع...

عاش حينها أولئك الحطابون بسر لم يعلم به أحد غيرهم، سر تحولهم كلما أصبح القمر قرصًا كاملا فيتحولوا إلى ذئاب عاتية تزرع الرعب داخل نفوس البشر ليلاً ويمارسون حياتهم العادية كبشر مسالمين صباحًا لكن هذا جعل أهالي تلك المنطقة أعداءً لذئاب السرو تلك.

بالتالي أصبح هذا الكائن يُقرن بالخطر والدمار، ما يجعله رمزًا للمحارب من جهة، ورمزًا للشيطان من جهة أخرى..."

توقف عن الحديث ينظر إلى جفونها المنسدلة ظنًا منه أنها قد غفت دون أن تشعر لكنها حركت ساقها خلفه تضرب ظهره كي يكمل، في حين إبتسم يعتدل كي يقابلها مسترسلا.

" مرت سنين عدة أصبحوا فيها خالدين بقواهم تلك بل إزدادوا بطشا وقوة وتعطشا لسفك الدماء وبث الرعب داخل البشر والذين كانوا منهم دون أن يشعروا.

إلى أن جاءت تلك الليلة التي غيرت شيئًا داخل أحد أولئك المستذئبين، فأثناء صراع بعض الذئاب لفرض السيطرة على القطيع سقط أحدهم من التلة وأصيب في توقيتٍ لم يكن لصالحه لأن القمر كان سيختفي تزامنا مع طلوع الفجر...

حينها وبينما بدأت ملامحه تظهر كإنسان عادي ظل يعوي قرب النهر متألما، ظهرت من المياه العذبة حورية فاتنة قد بحثت عن مصدر الصوت إلا أن وقعت أعينها على ذئب رمادي بملامح بشرية، شهدت تحوله كاملًا بصدمة ظنا منها أنها هي الكائن الوحيد النصف بشري هنا...

ساعدته بتضميد جراحه وغسلها بمياه النهر المليئة بآلاف الحوريات شبيهاتها، عالجته فوقع في حبها...

حاله مثلها من إشتد حبها لدرجة أنها سارعت لأكبر حوريات المياه العذبة من إمتلكت قوى سحرية عظمى مكنتها من إغواء والسيطرة على البشر وحتى بعضا من الآلهة...

طلبت منها أن تُلقي تعويذة تجعل ذلك الرجل إذ تحول لذئب فليصبح مسالمًا لتستطيع التعايش معه ومع قطيعه ذاك، لبت لها طلبها بشرط أن لا تغادر البحيرة بل عليها أن تنتظره وهو وحده من يجب أن يكافح من أجلها...

ظلا هكذا بحب ينمو أكثر فأكثر، كنمو أشجال السرو التي شهدت قصتهما عندما كان ينتظرها تحتها فوق الصخرة ليلتقيا ليلا ثم يفترقا قبل طلوع فجر يوم جديد قبل أن يختفي سحرها وتتحول بذيل حورية مرة أخرى...

لذا وبينما ظنا بهذا أن السحر دائم وأن الحب خالد كخلودهما، قُتلت الحورية المسؤولة عن التعويذة، قُتلت بسبب صياد قام بطعنها لتُكسر كل تعاويذها منها تلك الخاصة بالذئب وخليلته...

عندما قُتلت في الطرف الآخر تحول أعين الذئب إلى اللون الأحمر، واستيقظت غريزته لينقض على حبيبته الحورية ناهشا إياها بقسوة مهلكًا إياها ملطخا بدمائها الصافية..."

تريث في حديثه يتأمل رموشها التي حجبت لون عينيها، كانت تُغمضهما بحاجبان منقبضان كمن يتألم، ولأنها شعرت بنظراته عليها فتحتهما هامسة.

" أنا لست نائمة، أردت أن أتخيل المشهد لهذا سأغمض عيناي" همهم لها بأبتسامة لتعتدل هي واضعة يدها تحت خدها تغمض عينيها تستمع للأسطورة التي بدأت تثير فضولها وسبب ربطها بحالة السنستيجيا.

" اِستيقض الحطاب بعدها عاريا وسط الغابة بعد عاد إلى هيئته الطبيعية ليجد جسده غارقًا وسط أزهار الزنبق الأبيض رفقة رضيع فائق الجمال بجانبه.

كان طفله من تلك الحورية...

حينها إكتشف أنه قد قتل الشخص الوحيد الذي أحبه وأن زهور الزنبق كانت دمائها المتسربة داخل الأرض، لتصبح بعدها تلك الزهور رمزًا للنقاء والبراءة والولادة من جديد...

وضع طفله الذي أطلق عليه اسم الليل المظلم «نوكتيس» بسبب ولادته في ليلة حالكة، تركته عند الحوريات في النهر

وإنتظر الليلة التي يجدر به التحول فيها وقبل أن يصل إلى ذروة قوته كذئب شرس دخل إلى البلدة بحالته المرعبة تلك، نصف إنسان بفرو ذئاب رمادي ما جعله يُقتل بأبشع الطرق على أيادي سكان البلدة ليموت المستذئب بعد أن أفشى السر للعالم، عندها أصبح البشر يمشطون العالم بحثا عن مستذئبين مثله لإبادتهم...

لذا وبينما كان الكون مستقرًا في سلام بعدما شقت الذئاب طريقها للجبال كي تعيش بعيدًا عن البشر، تربى الطفل «نوكتيس» رفقة الحوريات ليصبح رجلا وسيمًا عالمًا مثقفا إنخرط ضمن البشر دون أن يُظهر لهم جانبه الآخر...

أحبوه وقدسوه كمثال للرجل المثالي وأصبح «نوكتيس» في تلك الأثناء رمزا للعلم والقوة...

إلى أن وقع في الحب...

تماما كوالديه، عشق الذئب حورية مياه عذبة تدعى «روسالكا» كانت تخالط العامة وتعود إلى النهر لحالتها الطبيعية كما فعل هو مع تحوله عند إكتمال القمر في كل شهر، الأمر الوحيد الذي لم يفعله كسابقيه من المستذئبين هو أنه لم يسفك دماء الأبرياء يوما، لم يدخل الغابات بحثا عن الضحايا، بل كان يتحكم بغريزته...

لكن الآلهة شعرت بإنجذابه نحو الحورية «روسالكا» شعرت بولادة حب جديد سينتهي بمأساة أخرى لذا قررت فصلهما عن بعضهما وإعطاء «نوكتيس» أعمالا تعجيزية لحلها كي يصل إلى حبيبته..."

فتحت أعينها يتوقف هو ينتظر ما ستتفوه به لكنها إبتسمت، بكل بساطة إرتفع جانب شفتيها بإبتسامة باهتة لترمش عندما لمحته يتأملها قبل أن يهمس منحنيًا بجذعه صوبها.

" لماذا تبتسمين؟"

" لأنني أحببت نوكتيس دون أن يفعل شيئًا حتى، إنه نوعي"

" أعينه ليست زرقاء مع الأسف" قالها رافعا حاجبه كمن يذكرها بهوسها باللون الأزرق وتدرجاته داخل بؤبؤ العين، لكنها لم تفهم ما يقصده ربما بسبب ثمالتها أو لأنه بدى وسيما من تلك الزاوية فوقها.

كل ما يهمها الآن أنها أرادت أن تغفو على إثر صوته الأجش وهو يروي لها أسطورة جديدة كهذه، أن تستنشق المزيد من عطره الكثيف ذاك ككثافة أحاسيسها في هذه الثانية وهي تطالع تقاسيم وجهه ضائعة عند خط فكه، هائمة بين جسر أنفه وحافة جفنيه داخل رموشه السوداء التي حجب عنها طريق العودة.

خرج من شروده فيها أولا يطرد عنه لعنة حُسنها كي يكمل أسطورته المبتورة.

" قد كلفته الآلهة الحارسة للحوريات بمهمات إن لم يجتزها لن يقترب من حبيبته «روسالكا» كأنهن بهذا سيمنعن تكرار ما حدث سابقًا مع والديه.

لذا قام «مورفيوس» والذي كان إله الأحلام بعد أن أخذ شكلاً آدميًا بخطف الحورية «روسالكا» وإبعادها عن «نوكتيس» بحبسها في إحدى قِلاع «بوسايدن» بقاع المحيط، بعد أن أدخلها في سبات أبدي تُفك لعنته إلا بإنقاذها، كانت بين يدي «مورفيوس» من إشتق اسم مخدر المورفين من اسمه لهذا غفت الحورية تنتظر ذئبها..."

" قلبي سينفجر " قالتها توازيا مع رفع الغطاء ناحية وجهها تحجبه عنه تُصدر أصوات حماسية بينما تحرك أقدامها بعشوائية في الأسفل صافعة ظهر ذلك الذي إبتسم بإتساع على حالتها.

أنزلت لحافها ببطء، بغرة مبعثرة وأعين لامعة جعلته يشرد فيها دون وعي، يشرد في كل تفاصيلها تلك إلى أن تحدثت تضرب ظهره بساقها.

" هيا أكمل" قطعت شروده فأكمل مباشرة توازيا مع رفعه ليده يقربها نحو أذنها، تجمدت أوصالها تنتظر حركته الآتية كون عقلها عجز عن فهم نيته.

أدخل أصابعه ببطء نحو أقراطها لتسري رعشة على طول عمودها الفقري سببتها برودة أنامله التي لامست سطح بشرتها، لامست خلف أذنها وجزءً من عنقها.

أبعد الحلق الأول واضعًا إياه على المنضدة في الجانب ثم نقل يده إلى الجهة الأخرى دون أن ينظر إلى وجهها الذي كانت تغطي نصفه باللحاف ضاغطة عليه بأصابعها، فإكتفى هو بالاسترسال في حديثه يحررها من كل ما قد يؤذيها حتى ولو كان قرطًا لؤلؤي.

" كانت تلك الأعمال التي كُلف بها «نوكتيس» تتضمن الآتي ؛ أن يمر عبر كهف الشيطان «كاكوس» ليعبر إلى ليديا حيث وُجدت العنكبوت «أَرَاخنِي» ويحضر نسيجًا من عندها، ثم يقتل الأفعى «إيخيس» ويحضر سمها، وبأن يلقي إبنة الملك «ميداس» في نهر باكتولوس، لينهي مهماته بقطعه رأس الوحش «كاريبديس».

بعد أن حكمت عليه الآلهة الحارسة للحوريات بخمس أعمال مستحيلة قد تكلفه حياته لأنها تُعد ضرباً من الإنتحار لكن الآلهة الأخرى قد أشفقت عليه فزودته بأسلحة ذات نفع عظيم ساعدته في مهمته فأعطاه «هيرمس» صولجانه وقدم معه لمساعدته بعد أن رافقه الكلب «سيربروس» حارس بوابة العالم السفلي...

كان «هيرمس» المسؤول على نقل أرواح الموتى إلى العالم السفلي، وكان له صولجان على شكل عصا مع ثعبانين ملتفين حولها وفوقهما جناحان كالتي ترمز للطب في وقتنا الحالي...

كان تابعًا لـ«هاديس» إله العالم السفلي، كما أعطاه الأخير ميزة التحكم في الرياح و المطر حتى أن صولجانه كانت له قوى هائلة في تنفيذ أي عمل...

ذلك الصولجان الذي أصبح مِلكًا للمستذئب «نوكتيس» ، وأعطته إلهة الحظ «تايشي» الحظ الكافي الذي يساعده على إجتياز نصف طريقه.

ورافقته الروح الحارسة للإنسان «جينيوس» على شكل كائن مجنح كملاكه الحامي وصديقًا لرحلته، تلك الأرواح التي كانت تهبها الآلهة للبشر كي تضحي من أجلها وتمدها بالإلهام في المواقف الصعبة فترافقها كظلها حتى أنه كان عيد ميلاد «الجينيوس» هو نفسه عيد ميلاد صاحبه...

فكان بذلك «نوكتيس» قد إمتلك الحظ المعطى له من «تيشي» و «جينيوس» الجني الحامي له ليرافقه في رحلته مع صولجان «هيرمس» والذي حضر هو أيضا رفقة الكلب «سيربروس» ذو الثلاث رؤوس".

إعتدل يقابلها كليا بجسده بعد أن طوى ساقه واضعا يده عليها باِسترخاء عندما أحب الأجواء فجأة، عندما شعر هو أيضا بالألفة وأراد أن يروي لها المزيد والمزيد بسبب حماسها البادي على ملامحها، لتعتدل هي الأخرى تستمع بتركيز تحاول أن لا تغفو وسط ذروة الأسطورة.

" كانت أولى مهمات «نوكتيس» هي مروره عبر كهف الشيطان «كاكوس» كي يصل إلى العنكبوت، «كاكوس» كان من آلهة النار قبل أن يصبح شيطانا ينفث النيران ويتوارى في كهف عند هضبة أفينيتي والتي وصل لها «نوكتيس» فيوقض دون قصد الشيطان «كاكوس» ليدخل معه في معركة طاحنة بالكاد خرج منها حيًا، لكنه خرج ناقصًا...

" كيف؟" لفظت سؤالها ببحة وعلامات التفاجئ قد غزت وجهها ليجيبها الآخر مباشرة بعد أن إنحنى يتكئ على مرفقيه فوق ركبته عند جانبها.

" عندما نفث «كاكوس» نيرانه بغتة كان قد أحرق معظم خلايا «نوكتيس» ولأن الأخير لم يكن بهيئة الذئب بل كان بشريا عاديا قد أصيب بحروق لم تشفى بسرعة كون قواه تتظخم إلا عند إكتمال القمر"

همهمت هيتايرا تضرب ظهره عندما توقف كإشارة كي يكمل، تلك الحركة الغريبة التي كلما كررتها كلما كبح هو إبتسامته يخفيها بلعقه لباطن خده.

" حينها فقد «نوكتيس» حاسة اللمس...

ثم إنطلق يبحث عن «أراخني» والتي كانت تعني العنكبوت، كانت واحدة من أشهر النساجين إلى أن دخلت في مباراة نسيج مع «أثينا» لتمزق الأخيرة نسيج «أراخني» ما جعلها تصاب بالحزن الشديد لتشنق نفسها، وكعقاب لما فعلته أعادتها الآلهة للحياة على شكل عنكبوت وحكمت عليها أن تظل معلقة وتغزل إلى الأبد تماما كوضعية إنتحارها شنقًا، عندما وصل «نوكتيس» إليها راجيا منها نسيجًا طلبت منه مقابل ذلك أن يسرق لها تفاحًا من حوريات التفاح والفاكهة «الميلياديس» المشتقة من كلمة ميلاس اليونانية والتي تعني التفاح الطازج...

ذهب لتلبية طلبها دون أن يعلم أن الآلهة تعاقب أي شخص يعتدي أو يضر بالأشجار دون أن ترضى على ذلك حوريات الأشجار أولا...

لذا وأثناء استعماله للصولجان عندما أراد أن يأكل من الفاكهة هو أيضا، ألقيت عليه لعنتهم والتي لم تكن فقط بحرمانه من أخذ ما يريده بل شعر بفراغ داخل فمه ليكتشف أن الحوريات قد سرقن لسانه أيضا تماما كما سرق هو منهن محاصيلهن...

عاد بعدها «نوكتيس» إلى العنكبوت «أراخني» مسلما إياها ما ظَفِرَ به من تفاح «الميلياديس» ذاك لتعطيه بدورها نسيجها ليغادر به نحو المهمة التالية...

متخطيًا بذلك محطة أخرى، فاقدًا حاسة أخرى أيضا والتي كانت حاسة التذوق"

توقف عندما فتحت فمها تتثائب بأعين ناعسة ليهمس لها " هل نتوقف عند هذا الحد ونكملها في يوم آخر؟"

لكن وبدل أن تجيبه مباشرة أغمضت عينيها تتذمر بسبب توقفه وقطع الأسطورة في حبكتها الحماسية لتضرب ظهره بساقها مجددا متحدثة بتخدر " أكمل حبا بالرب فضولي في معرفة النهاية ينتصر على رغبتي في النوم " ليبتسم هو يومئ برأسه يمسح على حافة اللحاف بحركات عشوائية قائلاً.

" توجه «نوكتيس» بعدها للبحث عن الأفعى «إيخيس» والتي كانت رمزًا لسرقة الحياة الأبدية من الإنسان بسبب سرقتها لنبتة الحياة من «جلجامش» بعد صراعه في البحث عن الخلود وكذلك كانت السبب في خروج حواء وآدم من الجنة تبعًا للحكاية المسيحية...

لذا كانت مهمته إيجاد الأفعى «إيخيس» وقتلها لاِستخراج سمها، أثناء ذلك الصراع الطاحن بعد أن عثوره عليها مات حاميه «جينيوس»...

ذلك الكائن المجنح الذي كان يتجول برفقته كروح حارسة مات دفاعًا عنه مضحيا بحياته كي يكمل هو مسيرته بسُم الأفعى «إيخيس» و بدون رفيقه"

لم يتوقف عن الحديث هذه المرة بسببها، بل لأنه شعر بالديجافو، أحس بطعم الدماء داخل حلقه ليبتلع ريقه مغمضًا عينيه بهدوء يحاول تشتيت ذهنه، لثوانٍ ظل على حاله ذاك قبل أن ينظر صوبها، هيتايرا التي أحست بإختلاف نظراته لأخرى متألمة.

نظرات تشبه ظلمة ليل حرب دموية، باردة خاوية وبالكثير من الألم والدماء السوداء المتخثرة.

حينها ولكي يطرد الذكريات التي راودته فجأة أكمل ينتشلها من شرودها فيه.

" وكانت المحطة قبل الأخيرة هي رمي إبنة الملك «ميداس» في نهر «باكتولوس».

كان إله النبيذ، الإبتهاج والنشوة «ديونيسوس» قد أعطى الملك «ميداس» أمنية ليتمنى الأخير أن تصبح له القدرة لتحويل كل ما يلمسه ذهبًا، لكن تلك الأمنية أصبحت تهلكه فلم يستطع أكل شيء أو ممارسة حياته دون أن يحول الأشياء من حوله إلى ذهب إلى أن نسي وعانق إبنته فتحولت بدورها إلى تمثال ذهبي...

وكانت مهمة «نوكتيس» تتلخص برميها في نهر «باكتولوس» لتعود إلى طبيعتها، لكن ما إن أكمل مهمته وكان على وشك مغادرة النهر سقط صولجانه في قاع النهر ولكي يعيده كونه لم يكن ملكًا له بل كان صولجان «هيرمس» غطس يشق طريقه إلى عمق النهر الغائِر ليفقد الوعي ويتمكن «هيرمس» من إنقاذه بعد أن أمسك الصولجان...

ليغادرا معا رفقة الكلب «سيربروس» ذو الثلاث رؤوس تاركين خلفهم نهر «باكتولوس» الذي إحتوى على الذهب من يومها...

غادر للمحطة الأخيرة فاقدًا حاسة أخرى وقد كانت تلك حاسة الشم التي إختفت أثناء غرقه.

توجه حينها إلى المحيط، إلى الوحش «كاريبديس» كي يقطع رأسه، ذلك الوحش الدموي الذي كان يمتص مياه المحيط ليفظها بقوة عاتية ناسفا كل من يقابله...

في تلك الأثناء قرر «نوكتيس» أن يستعمل ما تبقى من الحظ الذي أعطته إياه «تايشي» وقبل أن يُقدم على محاربة الوحش أخبره «هيرمس» أن إله العالم السفلي «هاديس» قد أمره بأخذ مياهًا من نهر «ليثي» والتي كانت إحدى الأنهار الخمسة في العالم السفلي، أنهار «هاديس».

كان اسم النهر يعني النسيان بسبب قدرته في جعل أرواح الموتى التي تشرب منه تتقمص أجسادا جديدة وتنسى ما حدث لها في حياتها السابقة، لهذا قد طلب «هاديس» من «هيرمس» أن يأخذ من تلك المياه ل«نوكتيس» في حال قُتل وسط تحقيقه لمهماته لكن الأخير أبى ذلك يريد الإحتفاظ بكل ثانية فقط من أجلها..

واجه «نوكتيس» الوحش «كاريبديس» وسط المحيط بكل حظه، قوته، صولجانه ورفقائه حتى أن بعضًا من النيردات قد ساعدنه من ضمنهم الحورية «ثتيس» والدة «آخيل».

لكن كل هذا لم ينجح في قتل وحش بتلك القوة، وحش بصرخة مدوية جعلت «نوكتيس» يخسر سمعه، قاتله لآخر رمق بحروق في جسده ولسانًا مبتورًا، بفقدانه لجنيه الحامي، حظه وقواه أجمع، كما استعان بنسيج العنكبوت «أراخني» الذي أبطأ حركته وسم الأفعى «إيخيس» الذي أصابه بالشلل، ليفصل في النهاية رأسه عن جسده متغلبا على أعتى مخلوق في المحيط بعد «الكراكن».

سقط «نوكتيس» بأعين متورمة لم يستطيع أن يبصر سوي خيطًا من النور الرفيع الذي لم يميز به ما أمامه، بذراع مبتورة وجسد محترق، بحواس قد مُسحت كأنها لم تكن يوما ليصبح كجثة هامدة...

لذا حمله «هيرمس» ليدخل به قلاع إله البحار «بوسايدن» حيث تواجد إله الأحلام «مورفيوس» رفقة حبيبته الحورية «روسالكا»...

وضعه أرضا ممسكا الصولجان فوق صدره، كان ذلك الشيء الوحيد الذي جعله يتنفس طوال تلك المدة، صولجان الشفاء بالأفعى الملتفة حوله...

لأنه كان يحتضر...

صفق «مورفيوس» لتستيقظ «روسالكا» من سباتها، وعند تلك اللحظة سارعت بإحاطته بيديها واضعة رأسه فوق حجرها تمسح على وجهه بدموع سقطت على شكل حبات لؤلؤ".

سكت أغوستينو يحدق بملامحها، بعينيها المتلألئة بدموع علقت داخلهما حتى لمح تلك الدمعة قد تسللت تسقط على جانب وجهها ما جعله يمد يدها بخفة يمسحها توازيا مع النظر داخل محجريها مسترسلا كأنه وصل إلى الجزء الجيد في الأسطورة كلها.

" حينها ولأن الحوريات يمتلكن قدرة قراءة الأفكار، لأن ما تبقى منه سوى عقله الذي يُذكره بما إجتازه من أجلها، بقصتهما وذكرياته معها، لأن ما تبقى منه سوى قلبه الذي أغرم بها من كانت نبضاته تتباطئ شيئًا فشيئًا تحت يدها...

خاطبها بقلبه وعقله الباطن كي تقرأ أفكاره وسط دموعها التي تحولت إلى لؤلؤ غطى أرضية القلعة...

بأعين مغلقة وجسد محترق خاطبها كأنه يخاطب نفسه.

« لم أندم على خطوة واحدة خطوتها من أجلكِ روسالكا، لا تشعري بالأسى نحوي فحتى طعم الألم لذيذ إذ كان في سبيل الوصول إليكِ»

نظر أغوستينو داخل عينيها تماما كما فعلت هي تتأمله بخفقان متسارع داخل قلبها، فأكمل كلماته بنبرة غليظة بخفوت ينشر أسفل بطنها ألما دغدغ مشاعرها.

« حتى وإن تعمدتِ إيذائي يومًا ونحن بالفعل وسط معركة طاحنة ضد الكون أجمع، سأصنع لكِ من رفات قلبي جسرًا كي تعبري عليه...

أنا لا أفعل كل هذا لأنكِ تحبينني...

إني واقع في ظلكِ وإن غابت شمسي وإختفى الطيف، حتى وإن لم أبصر يومًا سأقع في عبق عطرك كل مرة...

لازلت أشعر بحرارة نيران كاكوس على يداي كحرارة لمساتكِ على بشرتي، إني أحس بطعم فاكهة الميلياديس المنعشة داخل حلقي كطعم قبلاتكِ، إني أشم رائحة نهر باكتولوس بمياهه العذبة كرائحة شعرك المبلل كلما خرجتِ لملاقاتي ليلاً، إني أراكِ كالأفق البعيد خلف قِلاع بوسايدن عند مدينة أطلانطس.

إني أعشقك بكياني، بحواسي جمعاء وإن إضمحلت يومًا سأخلق حواسًا أخرى للعيش على حبك».

سقطت دموع هيتايرا خلال حديثه، دموعًا صادقة تماما كدموع الحورية روسالكا على حبيبها، بكت لدرجة أن شهقة قد فلتت منها دون وعي لتسارع بمسح المياه الحارقة التي تسللت على وجنتيها.

أخرج أغوستينو المنديل من جيب بدلته يمسح دموعها بنظرات قد لانت عندما استشعر حزنها هذا، بحق الرب من كان يعلم أنها ستتأثر لتلك الدرجة فقد استمعت له بثبات قبل دقائق، ما جعله يدرك أنها شخص ضعيف أمام قصص الحب المأساوية.

" هل إنتهت قصتهم بموته؟" سألته ببحتى بكاء وغصة جعلت حروفها تخرج متذبذبة.

" لا لم تنتهي القصة بهذا الشكل لأن «نوكتيس» قد تحول إلى رماد داخل حجرها ليولد من جديد كطائر «الفينكس» الذي يجدد نفسه ذاتيا بشكل متكرر عند ولادته من رماد إحتراق جسده"

" أي أنهما عاشا بسعادة في النهاية أليس كذلك؟" كانت تسأل بملامح جادة وأعين محمرة تنتظر الإجابة بفارغ الصبر بنظرات تترجاه أن لا يخبرها عكس ذلك ليومأ لها بإبتسامة قائلا.

" أجل فقد إجتاز المهمات التي كلفته بها الآلهة، لهذا ولد من جديد ليكمل قصته معها...

ومن هنا جاءت حالة السنستيجيا، الحالة التي خُلقت من عقل وقلب ذئب عاشق، الذئب نوكتيس".

"لقد أحببتها" بجفون منسدلة همست له قبل أن تسأل.

" أتسائل أحيانا، ما الشعور الأشد وطأة من أن يكون الإنسان مغرمًا!" قالتها بأعين مغلقة ليجيبها الآخر بشرود في يديه المتشابكتان أمام ناظره.

"مشتتًا، أن يعيش بهويتين لكنه بلا وطن أن يحمل لقبين وعائلة لكنه بلا مأوى...

أن يفنى في صراع بين عقله وقلبه" تنهد بنفس الوضعية، تنهد بثقل وكأنه يحاول بذلك رفع الوهن عن قلبه ليكمل توازيا مع تمرير بصره لها.

" الأشد وطأة أن كل ما يريده مُحرم".

فتحت عينيها بثقل تصارع كي لا تغفو لتتحدث بكلمات توقفت بينها ثوانٍ كي تستجمعها أو ربما تستوعب ما تقوله كونها شبه نائمة.

" أنا أشعر بشيء غريب تجاهك..كأنك شخص آخر عكس ما تُظهره..أنت تثير فضولي" رمشت تهمس وسط آخر قوة لها قبل أن تغرق في ظلام جفنيها، قبل أن تذهب بين يدي إله الأحلام مورفيوس.

"من أنت سيد ميندوزا؟"

ولأنها غفت أخيرًا، لأنه علم هذا المرة أنها نائمة بسبب أنفاسها المنتظمة، بسبب رموشها المنسدلة، شد غطاءها نحوها أكثر يرتبه عند الجانبين ليهمس مثلها تماما كمن يخبرها سرًا.

" أنا كل ما تفكرين به قبل نومكِ، شيء نابع من قلبكِ تسلل من بين ثنايا عقلكِ..

لكنه يندثر بمجرد اِستيقاظك صباحًا..

أنا ما يشغل بالك لكنكِ لن تتذكريه".

وقف تزامنا مع لفظه لآخر كلمة ثم إنحنى يحمل حذائها يبعده عن محيطها كي لا تتعثر به صباحًا.

تأملها لبرهة من الوقت، تأمل الإمرأة التي استطاع التحدث معها لساعات حول ما يحبه، من يشعر بتوقف الوقت معها، تلك التي جعلته يبتسم ويضحك بعد وقت طويل من الملامح الفارغة الجافة، رفيقته التي إمتلكت القدرة في الاستحواذ على عقله بل كل شيء كما لم يفعل أحد من قبل..

من كان قويا معها، ضعيفا عندما يتعلق الأمر بها.

تأملها بهدوء وقبل أن يلتفت ليغادر لمح الساعة التي أشارت إلى الثالثة صباحا لينظر إلى التاريخ أسفلها والذي كان التاسع من سبتمبر، نفس اليوم الذي ذهب فيه إلى المتحف قبل أربع سنوات، نفس اليوم الذي إلتقاها به...

اليوم الذي ثملت فيه وقبّلها وسط لوحات ديل برادو..

كان ذلك اليوم قد دخل بالفعل تماما كحالتهما الآن، بنفس الهيئة والأحاديث، بالأساطير والثمالة.

بينما كان شاردًا في الثواني التي كانت تتغير على الشاشة الصغيرة صوبه، وقع بصره على دفتر فوق المنضدة هو الآخر.

حمله كي يرى ما قد تسجله إمرأة مثلها ليتفاجئ بأول صفحة كانت مليئة بالرموز والأرقام، أحرف لاتينية ويونانية بجانبها قرص مرسوم بدقة يحتوي على أحرف تكمنها من حل شيء ما.

حل شيفرة قيصر...

إبتسم بإتساع يقرأ ملاحظاتها وما نقلته من تمثال الهيتايرا في الخارج لكن استقام خط شفتيه ما إن وقع نظره على كلمة خُطت بأحرف صغيرة في الهامش.

الواحد والثلاثين من أغسطس/عيد ميلاده.

نظر للنائمة أسفله ثم إلى دفترها ممرا أعينه بينهما بشعور غريب لم يجربه من قبل..

كانت تسجل عيد ميلاده كي لا تنسى وهو الذي ظن أن فابيو وحده من تذكره.

كانت تحتفل معه في الخفاء دون أن يعلم هذا، كانت رفيقته حتى وإن لم يبصر أفعالها، رفيقة عقله وأفكاره.

_______

خرج أغوستينو متجها بخطى حثيثة إلى شقيقه في الأسفل، فما إن داست أقدامه بلاط القصر اللامع وقف ينظر إلى الباب المفتوح الذي يظهر الحديقة الفارغة، نقل بصره إلى الجانب إلى الصالة الكبرى وهناك قابله جسد دومينيك المرمي فوق الأريكة.

كان نائما بوضعية عشوائية يحتضن أحد الوسائد يكور جسده كطفل صغير، تقدم نحوه ببطء إلى أن وقف عن رأسه تماما، إنحنى يستند بمرفقه على ركبته ينظر إلى ملامحه الهادئة وبتردد بادٍ عليه رفع يده ناحية وجهه...

مسح بهدوء على شعره مخللا أصابعه بين خصلاته الشقراء، وبشبح إبتسامة هو نفسه لم ينتبه لها همس بصوت لا يُسمع.

"أيها الفرنسي الأحمق"

ربت على رأسه بخفة قبل أن يتحدث بصوت مسموع كي يوقظه توازيا مع النقر على ذراعه، كانت علاقتهما معقدة وغير مفهومة فدومينيك لطالما إعتبر أغوستينو قدوته منذ أن إنتقل من إيطاليا للعيش معهم، إعتبره أباه الروحي تماما كما رأته هيتايرا هذه الليلة، فبالرغم من ولادة دومينيك بجانب آرون وعيشهما تحت سقف واحد إلا أن إحساسه بالإنتماء كان يتجلى مع أغوستينو وحده...

لأن آرون لم يعرف يوما مشاركة عاطفته أو حتى استقبالها من الغير، كان يرفض أي مشاعر وعلاقات أخوية كانت أم أسرية، كل ما أراده هو العيش وحده عكس هذين الآن.

حركه من ساعده يحاول ايقاظه ولأن الآخر فتح عينيه بسهولة أعاد إغلاقهما يصطنع النوم كي يقوم بحمله فوق ظهره كما إعتاد فعل ذلك في طفولته.

" من تخدع؟ أعلم أنك لست نائما هيا إنهض"

" قم بحملي لقد وعدتني"

" قلت سأعود إليك، لا سأعود لحملك"

" لا أقوى على الحراك" قالها يغير ملامحه يصطنع الألم بإبتسامة يحاول كبحها.

" لن تتغير أبدا "

نبس أغوستينو يحرك رأسه بقلة حيلة بإبتسامة جانبية يسمح له بإكمال تمثيله هذا ليستدير يعطيه ظهره واضعا كلتا يديه على عنقه كي يتسنى له حمله بسهولة..

وقف بجسد شقيقه خلف ظهره، شقيقه الذي وضع ثقل رأسه عند عنقه لتضربه أنفاسه المنتظمة خرجت مع خروج حروف مقطعة بنبرة خاملة.

"لا تقل هذا لآرون، لكنني أحبك أكثر منه"

"لماذا؟"

" لأنك..دافئ عكس ملامحك الباردة..تذكرني بملمس رخام التماثيل"

"ما علاقتها الرخام بهذا؟"

" بارد من الخارج لكنك تمتص دفء الأيادي الموضوعة عليك، أنت عكس آرون على الأقل تتقبل وجودي، كرخام التماثيل"

ظل أغوستينو صامتا بسبب تعوده على سماع كلمات كهذه من شقيقه الأصغر، بإبتسامة زينت تقاسيم وجهه وتنهيدة ثقيلة خرجت من عمق صدره صعد حاملا أخاه فوق ظهره متوجها به إلى جناحه.

كان قد تخطى باب جناحها كي يأخذ دومينيك إلى جناحه الخاص ليقضي الليلة برفقته، على الأقل سينام على السرير لا الأريكة المخملية الباردة بجانب الشرفة.

لذا وبينما كان على وشك الوصول إلى بابه توقفت أقدامه عند بابها، باب لوسيا المغلق.

توقف ملتفتًا لجهتها ينظر إلى الأضواء المغلقة والباب الموصد، تذكر ملامحها في الحفل سابقًا، تذكر إرتجاف يديها التي حاولت إخفائهما على الجميع عداه.

نظر بهدوء كأنه يسترجع كل ثانية مرت في الحفل، تذكر تغيرها المفاجئ فور نزولها من الطابق الثاني كمن رأى شبحا.

لدقائق ظل على حاله ثم إلتفت نحو جناحه رفقة شقيقه الذي كان يعانقه من الخلف.

أما عندها هي فلم تكن نائمة كما يخيل للمار بجانب بابها، لوسيا في الداخل كانت ملتفة حول نفسها وسط الملاءات في جوف سريرها.

كانت ترتجف بكاءًا في الظلام الدامس محتضنة داخل صدرها إطارًا قد عانقت حوافه صورةً جمعتها مع فاليريان، صورة قد إلتقطاها أثناء مرضها هنا في غرفتها التي جمعت ذكرياتهما العديدة طيلة سنوات صداقتهما.

الغرفة التي شهدت بداية الصداقة والمشاعر الأخرى الخاصة بلوسيا وحدها.

رفعت اللحاف عنها ترفع توازيا الإطار لوجهها، ما إن وقع بصرها على إبتسامته المشرقة فلتت منها شهقة داخل سكون الجناح جعل قلبها يرتعش، لترفع يدها المرتجفة تغطي فمها كي تبكي دون أن يسمعها أحد.

تماما كما سمعت هي المحادثة التي لم تستوعبها لحد الآن، بدموع بللت وسادتها، بشعر ناري إلتصق بوجهها وصورة داخل أحضانها تذكرت الليلة التي قدم فيها فاليريان إلى غرفتها، فاليريان صديقها الوديع الذي أرادت أن تتذكر كل خصاله الماضية أن تتذكر شخصه وحقيقته بعيدًا عن ما إكتشفته قبل ساعات.

Flashback
"قبل سنتين"

"فالي ما الذي تفعله داخل الخزانة منذ ساعة؟"

"هل هذا الفستان نفسه ذلك الذي إرتديتِه في حفلة صديقتكِ لاورا التي خانت حبيبها أسيانو؟"

كان فاليريان يُطل عليها برأسه من غرفة ملابسها يمسك بيده فستانًا رماديًا براقًا رافعًا إياه نحو مستوى بصرها، بينما لوسيا كانت تستلقي على الجانب متكورة داخل الغطاء الثقيل بسبب الجو البارد كونهم الآن في فصل الشتاء.

كانت تضع مناديلاً وبعضًا من علب الأدوية قد يفهم المرء مباشرة أنها تعاني من أعراض الزكام الأولى بسبب إحمرار أنفها وبشرتها الشاحبة، أما الآخر فسبب وجوده معها حاليا هو تلقيه خبر مرضها بعد إختفائها أسبوعًا كاملا، ليسارع بالقدوم وإمضاء معها بعض الوقت في لعب ألعاب الفيديو والنميمة، ويبدو أنهما وصلا إلى فقرة النميمة المعتادة.

نظرت لوسيا بطرف عينها للفستان الممدود أمامها لتجيبه بينما تفتح علبة حلوى الليمون التي إشتراها خصيصا لها فقط لأنها مولعة بالحمضيات.

" أجل لازلت أتذكر حفلة تلك العاهرة، كانت تتعمد تحطيم معنوياتي بأن تصاميمي مجرد هراء وأنني فاشلة"

" فلتنظر إلى مؤخرتها ذات الحشو الفاسد أولاً"

قالها بجدية يتوارى عن أنظارها راجعا بجذعه إلى الداخل، أعاد فستانها وسط إحداثه لجلبة إختلطت بصوت ضحكتها في الخارج على فاليريان المنفعل كصديقتها المقربة، ليخرج صوته بعيدًا وسط الضجيج داخل الخزانة.

" أين ذلك القميص القطني ذو الأكمام القصيرة كنت قد تركته عندكِ سابقًا، أريد تغيير هذا إن الجو حار هنا"

ما إن استوعبت سؤاله وما تفوه به إنتفضت تُخرج قميصاً أبيضا من تحت الوسادة الأخرى بجانبها، سلته بخفة ترميه أسفل السرير بقلب يكاد ينفجر خوفا، خوفا من إكتشافه هوسها برائحته وأنها لا تستطيع النوم دون معانقته كل ليلة، لذا وبينما كانت تحدق بالإلتفاتة تلك عند زاوية غرفة ملابسها تتأكد من أن فاليريان لازال بالداخل خرج هو فجأة عاري الصدر...

خرج هذه المرة كليًا متخليًا عن قميصه الذي كان يستر عضلاته سابقًا، كان يمشي بأريحية وكأنه معتاد على هذا معها، مشى صوبها يقلب مجلة بصورة عارض أزياء وسيم على غلافها، مجلة بعنوان «Icono».

لذا ولأن تلك الراحة والإعتيادية كانت تغزوه الآن تحدث معها بينما لازال يقرأ مقالا ما في المجلة بين يديه.

" تنحي جانبا"

خاطبها توازيا مع وقوفه فوق رأسها، في حين هي قد رمشت تخرج من شرودها تحدق به إلى أن لاحت نظراته من تحت المجلة ليشير بحاجبه للجانب الآخر من السرير لي تفسح له مجالا.

" سأنقل لك العدوى"

" لا بأس حتى وإن كنتِ تنقلين اللعنة سأسعد بقضاء ماتبقى من حياتي ملعونا بكِ"

إبتلعت ماء جوفها تلملم شتاتها بينما تقنع نفسها أن هذه أعراض الحمى والمرض لا غير، جفاف الحلق بسبب الزكام وليست كلماته التي تعبث بعقلها.

انزاحت للجانب تفسح له مجالا ليدخل هو يستند على الوسائد خلفه يقرأ ما بين يديه دون إهتمام لحالها.

لم يدرك بعد أنها تجمدت محاذاته بسبب ثقل عطره الروسي الذي دخل إلى عقلها حتى وهي عاجزة على التعرف عن أي رائحة بسبب فقدانها لحاسة الشم.

كان عطره قد داعب روحها من الداخل لكنها لسبب ما قد فكرت بأن هذا مجرد تخيلات نابعة من عقلها المخادع، ربما خيل لها أنها استنشقت عطره بسبب حفظها لتركيبته، بسبب قربه الدائم منها وإعتيادها عليه، ربما لأنها أحبته ملتصقًا بجسدها أكثر من عطورها تلك.

فبينما كانت تدفن رأسها على مقربة منه تلف رأسها بغطائها تُظهر ملامحها فقط نظر لها بجانبية يريها شيئا على المجلة التي لفها إلى جانبها كي تتسنى لها رؤية الصورة.

كانت إمرأة فاتنة ترتدي فستانا يُظهر منتصف أثداءها، ولأن لوسيا قد تعرفت عليها انتفضت بفزع بادٍ عليها تحرك رأسها على الجانبين بدرامية.

" يا إلهي لا..لم تفعليها، أنتِ قدوتي" قالتها تمسك المجلة بين يديها تقربها أكثر لوجهها كي تتأكد من المنظر، في حين هو وضع يديه خلف رأسه بإبتسامة متسعة قائلا.

" لقد قلت لكِ سابقا أن لا أحد طبيعي في وقتنا هذا، كنتِ مصرة على أنها لن تقلد المشاهير ها هي قامت بحشو صدرها، و بالمناسبة إنهما مقززان"

وضعت لوسيا المجلة جانبا وقبل أن تتحدث كي تخبره أنها لم تقرأ المجلة وقد أصيبت بالزكام خلال ذلك، توقفت فجأة مفرقة بين شفتيها ثم بهدوء أنزلت بصرها نحو صدرها، ليفعل هو المثل تماما.

نظرت إلى المكان الذي غُطي منه ما يجدر بها تغطيته فقط كونها ترتدي قميصًا من الحرير الأسود بحمالات رفيعة قد أبرزت تفاصيل جسدها، تمعنت بصمت في سطحه البارز، ورفعت أعينها نحوه ليقلد حركتها رافعا زرقاويتيه نحو وجهها بملامح ثابتة وقبل حتى أن تفكر في الحديث خرج صوته هادئًا عكس نبرته السابقة.

" لن تفكري في هذا، لا تحتاجين حشوات سيليكون كي تُظهري أنوثتكِ، أنتِ مثالية ومختلفة عنهن، أنت حقيقية لستِ كدمية باربي مزيفة"

لانت نظراتها وإرتجف قميصها بسبب نبض قلبها تحته، تأملته بسكون بوجه شاحب وأعين منسدلة، وشرد هو فيها لأول مرة، وسط تحديقها به لم تستشعر ذلك، لم تنتبه لإرتجاف بؤبؤيه بلون المحيط.

ثوانٍ من شروده استفاق منها بإبتسامة أعاد بها إحياء خلايا عقله مردفا.

" كما أن هذا مقرف تخيلي أن ينفجرا في وجه حبيبك يوما ما"

قالها بنبرة ماكرة يميل برأسه ناحيتها، نبرته تلك لم يكن الغرض منها إحراجها لأنها لم تشعر بالخجل منه حتى وهي تتحدث عن تفاصيل علاقاتها مع الرجال، لذا ولأنها فهمت قصده استلقت بجانبه ترفع حاجباها بخفة قائلة.

" هذا يعني أنني سأصبح قنبلة موقوتة".

ضحكت بصوت عالٍ على ملامحه المتقززة وقبل أن تضيف حرفا آخر لتتمادى أكثر في الشرح جذبها إلى صدره.

حينها بينما لازالت تستوعب أنها تستلقي فوق صدره الذي لامس بشرتها وبحركة كان مباغتة لها عض خدها، لم تكن كتلك الخاصة بالأصدقاء ومداعباتهم بل عضها كفاليريان الصياد الجائع لثوانٍ تخبطت فيها بين يديه.

ما إن حرر وجنتها نظرت إليه بحقد واضعة يديها فوق صدره بأعين اسودت ضغينة كونها لم تستطع كبح نبض قلبها الذي تخشى أن يكون قد شعر به فوقه.

بالتالي نظرت باِستنكار لإبتسامته الواسعة واستندت على صدره كي تبتعد إلى الجانب الآخر، شدها إليه أكثر يضمها إلى صدره العاري.

للحظة، فقط للحظة انسدلت رموشه للأسفل ناحية شفتيها من ذلك القرب، ليرفعهما إلى عينيها وبهدوء طبع قُبلة على خدها المحمر بسبب عضته.

قبَّلها ببطء لتخدش صدره بأظافرها عندما إرتجفت يدها دون أن تنتبه لذلك، إبتعد عنها ليرفع رأسه بخفة يطبع قبلة أخرى على جبينها كي يتحسس حرارتها.

أغمضت لوسيا أعينها تشعر بكل خلية منه تمتزج بخلاياها، كأنهما جسد واحد، بحرارة مرضها وبرودة روسيا على جسده، بعطره الثقيل وخفة جسدها المترنح، بشعرها الأحمر المنسدل على كتفيها وخاصته البلاتيني على جبينه، شعرت بكل إنش منه يمتزج بها.

لذا غير الوقع الهادئ ذاك لآخر متحولا بذلك إلى فاليريان صديقها الذي يحب إغاضتها فطبع قبلات متفرقة على وجهها كاملا تحت ضحكاتها التي ملأت فضاء جناحها إلى أن قبلها قرب شفتيها دون أن ينتبه هو عكسها من إنتفض قلبها كأنها طُعنت.

كانت قبلة عفوية قد طبعها على جانب شفتيها، عند التقوس الصغير ذاك ما جعلها تبتعد عنه بتذمر طفولي حاولت تغطيت توترها به ليبعثر شعرها بإبتسامة توازيا مع مد يده ناحية الإنارة الجانبية فوق المنضدة.

أطفأها يربت على صدره بخفة كإشارة لها لتنام عليه كما إعتادت ذلك كلما شعرت بالمرض، كانت تلك عادتهما في جعلها تغفو بسبب الأرق الذي يصاحبها عند المرض.

" هيا للنوم كي تستيقظي غدًا بصحة جيدة لترتدي لباسًا فاضحًا وتجعلي آرون يصاب بجلطة قلبية"

ضحكت ترتب شعرها المبعثر ثم إقتربت بتردد تضع رأسها على صدره ليشد هو الغطاء ناحيتها يطوق ظهرها بذراعيه بينما يمسح على شعرها بهدوء وسط عتمة الغرفة.

غفت بين ذراعيه كقطة برتقالية ضالة كانت قد وجدت بيتها الجديد...

بين ذراعي صديقها الذي أبرز أفضل ما بداخلها، من تقبل عيوبها ونظر لها بفخر على أبسط فعل يصدر منها...

كان أفضل الأشياء التي يمكنها أن تكون يوما، أعظم الأشياء التي يمكن الحصول عليها، كروح واحدة تفرقت بين جسدين دفنت رأسها قرب قلبه...

وضعت رأسها بعيدًا عن صخب الحب وهوسه، بعيدًا عن أية مشاعر ملوثة تحت اسم الحب، إلى ما هو أعمق...

فوق غطاءٍ قد ستروا به تلك المشاعر الأخرى، الغطاء الذي وضعوه فوق فوهة كانت كمرر لشيء أعمق، كعمق بئر كولا بشمال روسيا...

بعمق يفوق إرتفاع جبل إيفرست.

End of flashback

وقف أغوستينو ينظر إلى شقيقه يحتضن الوسائد يأخذ مكانه في سريره، أطفأ الأضواء ومشى بإتجاه الحمام بينما راحت أنامله تفتح أزرار قميصه الكلاسيكي.

دخل يغلق الباب خلفه وبنظرات أخرى، بملامح عكس تلك التي كان يرديها سابقا رفع رأسه ناحية المرآة فوق المغسلة أمامه.

بأعين قد اسودت أكثر بنظراتها الفارغة كآلة مجردة من المشاعر تجرد من قميصه ينظر إلى إنعكاس وشومه، إلى أحاديث والدته العميقة، إلى كلمات صديقه لوكا التي خطت جميعها على جسده كوشوم.

مد يده إلى الخلف يخرج مسدسه ليضعه بهدوء على جانب المغسلة، مسدس بثلاث رصاصات في جوفه.

حمل هاتفه يفتح رسالة فابيو الأخيرة يكرر كلماتها داخل عقله.

| زعيم لقد أرسلت النجوم السوداء النجم سبيكا خمسة عشر لقتل رونيا كاستيلو بسبب تأخيرك العملية..لقد وصل إلى الأراضي الإسبانية الليلة |

وضع الهاتف جانبا يتأمل شاشته حتى إنطفئ وميضها، لم يكن يفكر بسلامة رونيا فقد تولى أمرها سابقا، ما شغل تفكيره هو أي بند من العقد ستقوم النجوم السوداء بخرقه.

كانت النجوم السوداء تضع عقدًا بينها وبين القتلة المأجورين، وبما أن أغوستينو ليس الزعيم بعد الآن بل مجرد نجم يحمل الترتيب الرابع من بينهم كان قد وضع شروطا بينه وبين جده.

شرروط تتضمن سلامة عائلته، أي عائلة غوستافيو أجمع وبالمقابل سيقوم بتلبية طلبات النجوم السوداء وإنجاز عمليات القتل حتى وإن طُلب منه نحر عنق دوق إسبانيا.

طوال تلك المدة كان الأمر يمشي بسلاسة دون وجود تعقيدات إلى أن تأخر هذه المرة في إنجاز مهمته التي كانت تتمحور حول قتل رونيا جيوفاني كاستيلو، لذا فهو سينتظر أي تلك البنود ستُكسر.

أي عنق من أعناق العائلة التي كانت شرطه الوحيد ستُوجه النجوم السوداء سكاكينها إليه...

أي دماغ سيُفجر وأية دماء ستُسفك بعد كل تلك السنوات، السنوات التي مرت لتُجفف دماء آخر شخص قد قُتل بسبب أغوستينو...

لأن الآن وبينما لازالت المنظمة التي أعاد فتحها لاِستدراج أعضائها السابقين، بينما لازال يخطط ليوقع النجوم السوداء في الفخ مع أعضاء الياقات البيضاء كي يصل إلى قاتل والدته، ها هو الآن يضم أمرًا آخر لقائمة أعماله..

وهو إنتظاره ليعرف ضحيتهم القادمة..

مد يده ناحية المياه المنسابة بغزارة لتتحول تلك المياه بلون أحمر شاحب، لون مياه لم يكون بذلك الصفاء بل كان لونًا زهريًا باهتًا كمن جفت الدماء داخل مساماته، بين الشقوق الصغيرة التي لا تُرى لينظفها الآن بهدوء وكأن شيئًا لم يكن.

بهدوء وسلاسة نظفهما كما نظف كل تساؤلاته حول رونيا سابقًا.

داخل ذلك الحفل الذي كشف كل الأسرار وأسقط الأقنعة محررًا الكيانات الحقيقية خلفها.

«قصر كاستيلو»

"قبل ساعات"

صوت الموسيقى الصادر من جهة العازفين عند المنصة كان يغطي أصوات الأحاديث المنتشرة بين الحضور، ألبسة فاخرة وبدلات رسمية إلتفت حول أجساد رجال الأعمال...

حفل جمع في الطابق الأول بعضًا من الصحافة والشخصيات الهامة في إسبانيا، حفلًا يفيض ثراءً وبذخًا.

لذا وخروجًا من بين تلك الأجساد المنتصبة أمام الطاولات، مرورا بالتماثيل الخشبية المتموضعة في الزوايا إلى اللوحات المعلقة على جدران القصر الذهبية...

في الأروقة العلوية خلف السلالم، بالتحديد وراء باب الجناح الجانبي الذي أطلت شرفته على الحديقة الخلفية.

إنحنت كاثرين تبحث على شيء ما داخل صندوق مخملي أبيض كانت قد وضعته فوق سريرها، تبعثر محتوياته هنا وهناك تعقد حاجبيها بقلة صبر...

بينما آرون كان يتأملها مستندا بكتفه على الجدار مشابكا ذراعيه فوق صدره، بإبتسامة قد شقت وجهه راقب تأففها طوال هذه المدة التي بحثت فيها عن الشيء الذي قامت بجره من الحفل من أجله.

أجل فكاثرين لأول مرة كانت نواياها بريئة كما قالت، لأنها الآن وحينما استقامت تمسد ظهرها بسبب إنحناءها بجذعها لمدة طويلة لمحت للتو هيئته التي وقف بها يراقبها في صمت، كأنها استوعبت وجوده الآن فقط.

" إنتظر سأجده، لن تغادر من هنا قبل أن أجد ألبوم الصور اللعين"

قالتها توازيا مع إنحناءها مرة أخرى تفتش زوايا الصندوق وسط البعثرة تلك، فصل يديه يمشي صوبها بخطى لا تُسمع إلى أن توقف خلفها مباشرة لتشعر بدفء جسده يُبث لظهرها.

إعتدلت تلتفت واضعة كفها على جبينها تغطيه بسرعة تغمغم قرب صدره " سحقا آرون توقف عن هذا وتقبل كوني إبنة كاستيلو لعينة تحب اللعن"

لكن ما خرج منه لم يكن نقره على جبينها كما إعتاد وكما ظنت هي أنه سيفعل، كل ما صدر منه هي ضحكة جعلتها تشرد بسببها.

ضحك بخفة يبعد يدها جانبا ماسحا بإبهامه على خدها متحدثا بأنفاس حملت معها رائحة السجائر ونبيذهم المحفز لهرمون الدوبامين على حسب قول مانويل.

الدوبامين الذي أفرزه جسدها الآن لتتلاشى بين لمساته وصوته ذو بحة التدخين تلك، مسح على وجنتها مرورا إلى أرنبة أنفها التي داعبها بإبهامه بخفة لتبتسم هي مغمضة عينيها تسمح له بإعادة رسم ملامحها بأنامله ، حينها مرر خصل شعرها خلف أذنها مردفا.

"وقفت كي أدلك ظهرك دام بحثك سيستغرق وقتا"

" هل تقسم أن يداك ستبقيان عند ظهري فقط؟ آرون أقسم لك أنني لن أتحكم في نفسي وسأجردك من بدلتك هذه هنا" توقفت تضحك هي أيضا على القهقهة الغليظة التي دغدغت مسامعها.

" لا تريد أن ننجرف داخل القِلاع أليس كذلك سيدي"

"لا أكترث، كلها ثوانٍ وستكونين عارية إذا أردت هذا، لقد كنا على وشك أن ننجرف في جناحي المرة الماضية لذا لا تثقي في موقعنا كثيرًا" نبس بكلماته بخفوت ينظر لها أسفله بملامح ثابتة أكدت لها جدية ما تفوه به.

لذا نفضت شعرها على الجانبين تستعيد كاثرين الواثقة كي لا تسقط في شباكه وتتأثر بهالته هذه، أبعدت ذراعيه عنها في صمت تستدير أمامها مجددا كي تستأنف بحثها، أما هو فقد مسح على ظهرها بإبتسامة يحاول إغاظتها بها...

تلك اللمسات الغير بريئة بالمرة مرت نزولا على طول عمودها الفقري، بإبهاميها راح يدلك ظهرها من الخلف بدوائر جعلتها تطلق تنهيدة رضى واسترخاء بين يديه سامحة له بأن يكمل ما يقوم بفعله أيا كانت نواياه الأخرى.

لبرهة من الوقت مسد جذعها كاملا بخبرة بسبب تعوده على فعل هذا كونه رياضي وممارسته للملاكمة خاصة، كون الأخيرة رياضة تركز على بذل مجهود عضلي كبير يسبب في حدوث تشنجات عضلية وإلتهابات مما تؤدي في النهاية إلى تمزق في العضلة، لذا فكان هو خبيرًا في التدليك وفرك العضلات بطرق معينة.

مرت دقائق على ذلك الحال تعمدت هي فيها على المماطلة كي تحظى بتدليك مجاني عوض ذهابها لصالات خاصة.

استقامت في وقوفها تحمل بين يديها ألبوم الصور قائلة توازيا مع إلتفاتها إليه ليتوقف هو عما كان يفعله.

"ذكرني بأن أضع التدليك ضمن الأمور الأخرى التي عليك فعلها من أجلي، كما تعلم راقصات الباليه يقدسن أقدامهن لذا لا بأس بأن تدلك سيقان البجعة يوما ما"

كانت نبرتها نبرة غرور واستفزاز بحت تتعمد معاملته كخادم لها ليلفظ نفسا ساخنا يضغط على أسنانه مردفا عند إبتسامتها التي اتسعت شيئا فشيئا.

"لن تعجبكِ نتائج أفعالكِ هذه كاثرين، لأني سأطحن عظامكِ الآن عوض تدليكها، فلا تختبري صبري كي لا تقضي الأسبوع القادم تتعالجين فيه فيزيائيا"

ضحكت بعد أن فشلت في عض شفتيها أكثر من ذلك لكبحها، رفعت جسدها تقف على أصابع قدميها بخفة تطبع قبلة سطحية على شفتيه هامسة.

"لا تتحدث هكذا أمام صغيرك ستفسد أخلاقه"

إنحنى أكثر يهمس هو الآخر يرد لها استفزازها السابق.

"إنها فاسدة جينيًا لا تقلقي"

نفخت وجنتيها تنفث هواءهما بملل تفتح الألبوم كي تبحث عن صورتها وهي طفلة، قلبت الصور بسرعة كأنها تعرف تماما أين غايتها لتتوقف فجأة بملامح مشرقة ونظرات رضى على ما وقع بصرها عليه.

نقل آرون عشبيتيه من وجهها بعد أن كان سارحا فيها إلى صورتها وهي في الثالثة من عمرها، مد يده ينتشلها من بين أصابعها بإبتسامة خافتة شقت ثبات ملامحه السابقة.

كانت شقراء بزوج أعين عسلية لامعة تحت أشعة الشمس وسط حديقة قصرهم، بفستان بنفسجي كان أول ما لفت إنتباهه، أول شيء وقع بصره عليه جاعلا من إبتسامته تتسع أكثر...

بإكليل ورد بألوان عدة فوق خصلات شعرها الذهبية، وإبتسامة أشرقت من ثغرها.

شرد فيها يمسح على وجهها في الصورة بلمعة داخل عينيه سرعان ما مررها من الطفلة الصغيرة بين يديه إلى تلك المقابلة له بفس الإبتسامة التي لم تتغير.

"كان هذا فصل الربيع، وذلك الإكليل قد صنعته لي هيتايرا لازلت أحتفظ به مع الفستان البنفسجي، ربما بدأ هوسي بهذا اللون منذ الصغر..."

كانت تتحدث دون أن ترفع رأسها نحوه، تنظر إلى تفاصيل الصورة بدفء داخل قلبها بينما هو إكتفى بتأملها وسماع كلامها الذي لم يمل منه يوما.

" لقد أخبرتك، أنظر إلى لطافتي صغيري محظوظ لأخذه جيناتي كمـ..."

بدأ صوتها يبتعد ويقل وضوح كلماتها كونه شرد فيها، شرد في الفتاة التي بدأت تغيره...

كأنه استوعب للتو أنها ليست كما تبدو عليه، تلك التي أفصحت عن حملها على طاولة العشاء أمام أفراد عائلتها بسهولة...

الفتاة التي أخبرته في ليلتهم الأولى ببرشلونة أن والدها يرفض أن تكون راقصة باليه لأنه رأى ذلك مضيعة للوقت في تفاهات لن تعود للعائلة بربح، من أرادها ضمن أعمالهم بما أنها تدرس إدارة الأعمال في الجامعة...

هي نفسها التي ألقت خبر حملها كقنبلة أمامه بلا خوف...

استوعب أن الفتاة التي أمامه أقوى منه، الفتاة الصغيرة التي لم تصل لعنقه حتى من كان أكبر منها سنًا وأضخم منها بنية كانت أقوى منه لأنها على الأقل لديها الجرأة لتعبر عن رأيها.

هنا فقط قارن نفسه بها، هو الذي مهما إبتعد عن أعمال عائلته، مهما صنع لنفسه جانبا خاصًا به بعيدا عنهم كان يرضخ لوالده في كل مرة، حتى زواجه لم يكن له الحق في إختياره رغم أن خوان لم يكن مستبد ومتسلط كخوسيه إلا أنه أصر على فكرة زواجه من جوانا فقط لأنها إبنة أخ صديقه لينصاع آرون لأوامره دون إعتراض عكسها هي.

لذا الآن فقط شعر بها، شعر بوقوفه أمام إمرأة تحمل طفله، أمام من كان متأكد بأنها ستقاوم وتحارب الجميع من أجله.

"...أنظر إلي أقسم أني أريد عض نفسي من كمية اللطـ.."

بتر حروفها يضمها إلى صدره، دفنها وسط بدلته يمسح على شعرها البنفسجي من الخلف ببطء دون أن ينبس بكلمة ولم تستغرق هي وقتا كي تبادله العناق تلف يديها على جذعه تحرك رأسها قرب قلبه تماما...

شدها إليه يتنهد بثقل ليصلها نفسه الساخن فوق رأسها تماما، حينها تحدثت بين ذراعيه بصوت بعيد كأنها تحت الماء.

"لا بأس يمكنك معانقتي متى شئت أعرف أنني لا أقاوَم"

بالتالي قلب عينيه بضجر يطحن رأسها داخل صدره يغرسه أكثر كي يخرسها لتخرج ضحكتها البعيدة مختلطة بكلماته.

" لا تجعليني أشعر أنني أعانق عمك الآن"

ضحكت توازيا مع رفع رأسها قائلة.

" بالمناسبة لقد أحب لون شعري قائلا بأن هذه هويتي الحقيقية التي لا يجب علي تغييرها"

همهم آرون يومئ لها موافقا على كلام مانويل لأول مرة، بينما راح يمسح على شعرها ذو اللون البنفسجي الذي كان هو من تفنن في وضعه لها لأول مرة أيضا، لتكون كاثرين بهذا قد جعلت آرون يجرب معها كل شيء للمرة الأولى...

يجرب العاطفة والحياة.

Flashback

" قبل أسبوع"

خلف بيته وسط الغابة، عند ضفة البحيرة الصافية مياهها، إنعكس عليها ضوء القمر الخافت بسبب عدم إكتماله، وسط هدوء الليل داخل سكينة بعيدًا عن ضجيج المدينة الصاخبة استلقت كاثرين تتوسد ذراع آرون فوق ملاءات بيضاء فُرشت فوق التربة.

كانت تتأمل النجوم فوقهما بينما هو أغمض عينيه واضعا يده ذراعه الأخرى خلف رأسه يفكر في كل لحظة قد مرت عليه سابقا ولم يكتشف فيها حملها.

كانا على حالهما هذا منذ ساعة، منذ أن خرجت لتستنشق هواء الغابة النقي بعد أن أخبرته كم إشتاقت لنظراته الخاملة تلك صوبها، كما أخبرها هو عن مدى هوسه بتفاصيلها...

تأملت السماء لبرهة قبل أن تلتفت ناحية وجهه أين أحس هو بذلك لينظر لها بطرف عينه ينتظر ما ستخبره أو الشيء الذي تذكرته فجأة كي تتذمر بشأنه كما فعلت منذ أن استلقى بجانبها.

لكنها أتته بغتة بسؤال لم يتوقعه لدرجة أنه ظل يتمعن فيها بهدوء.

"ما هو الوشم خلف عنقك؟"

أجل كانت فضولية وقد رغبت بمعرفة هذا منذ الليلة الأولى، وقد زاد فضولها أكثر عندما أصر هو على إخفائه عنها في كل مرة، أرادت بشدة أن تعرف الوشم لدرجة أنها لعبت معه ألعابا ومراهنات فقط لتفوز وتسأله عنه وكان هو في كل مرة يتعمد تشتيتها أو تغيير الموضوع كله كي لا يجيبها عن سؤالها...

ذلك السؤال الذي تأجل أيامًا وأشهرًا وها هي الآن تنظر له كما ينظر إليها بصمت تنتظر إجابته.

حاولت إقناع نفسها أن نظرته طبيعية وأنها مجرد هرمونات من تجعلها تتحسس من أي حركة حولها كونها لمحت بريقًا غريبا داخل عشبيتيه، شيئًا بدى لها لوهلة أنه شعور ألم قد راوده فجأة.

أغمض عينيه يبتلع بهما ما أحس به ثم بهدوء فتحهما قائلا بنبرة كادت تقسم أنها شعرت بإرتجافها.

" إنه اسمي"

توقف الزمن بها لأجزاء من الثانية، شعرت فيها أن قلبها سيمزق صدرها ليخرج، لم يكن السبب معرفتها بسره أو حتى أن له اسما آخر بل لأنه حدق بها بألم قد فاض من ملامحه دون أن يزيح بؤبؤيه عنها.

إبتلعت ريقها تعتدل مستندة على ذراعها كي تقابله مردفة.

" هل لك اسم آخر عدى آرون؟"

رد بهمهمة يحرك لها رأسه بثقل، في حين هي دون شعور منها مسحت على صدره العاري كأنها تواسيه على الرغم من أن كل ما أخبرها به أنه اسمه، لكنها شعرت، شعرت بوجود خطب ما جعل غريزتها تتدخل تلقائيا.

"ولدت في بداية شهر يناير، في هذا الوقت من الشهر كان البرد يشتد والذئاب تخرج تعوي عند التلال..."

توقف ينظر إلى السماء فوقه بينما هي ظلت تتأمل آرون آخر تماما، من بدأت تلاحظ التغيير فيه كل مرة.

" كان صوت عواء الذئاب الجائعة في منتصف فصل الشتاء يشتد أكثر كلما ظهر القمر في سماء الليل الحالك"

مرر بصره لها يمعن النظر في بريق عينيها لإعجابها بشيء كهذا، ليكمل بنفس وضعيته.

" تم تسمية القمر على اسم الذئاب التي تعوي للتواصل مع قطيعها ولحماية أراضيها أو الدفاع عن بعضها البعض، لهذا أطلق الهنود الحمر والأوربيون في العصور الوسطى على البدر في شهر يناير اسم قمر الذئب...

وقمر الذئب باللغة اليونانية القديمة تعنى شهر يناير حاليا، كانت تسمى لانواريوس"

تنهد يكرر الاسم لأول مرة بعد سنوات عدة من عدم سماعه أو لفظه..

" إن اسمي الحقيقي ديو لانواريوس أي الثاني من شهر يناير أو قمر الذئب "

إقتربت كاثرين تُقبل جانب شفتيه كأنها تحاول تخفيف أي شعور سيء قد مر على قلبه الآن كونها استشعرت تغير ملامحه ونبرته التي أصبحت مطفئة لهذا لم تسأل، لم تتمادى في طرح الأسئلة وجعل الأمور صعبت أكثر.

لكن ما فاجأها هو استرساله في الحديث بنفس النبرة الخاملة يمسح على شعرها من الخلف ينظر لها من ذلك القرب.

" عندما غادرت..."

توقف يبتلع ريقه بعقدة بين حاجبيه يستصعب نطق اسمها، سرعان ما نفض ذلك الثقل عنه يكمل.

" عندما غادرت ماريانا قام خوان بتغيير اسمي لآرون إنتقاما منها على حسب تفكيره، كأنه يمحي أثرها من حياتنا عبر تغيير الشيء الوحيد الذي تبقى لي منها..."

مسح على وجهها يحرك رأسه نفيا بعد أن لمح تجمع الدموع داخل عينيها، كأنه يخبرها بذلك ألا تبكي وأنه يحكي لها هذا دون شعوره بشيء.

لهذا أكمل يضع النقطة الأخيرة لما سرده لها كي يغلق ملف الوشم نهائيا.

"لهذا قمت بوشمه خلف عنقي كي لا أراه، كشيء وحيد بقي لي منها ولا أريد رؤيته أو تذكره"

" أنا لم أقصـ..."
بتر حروفها يضع سبابته عند شفتيها يبتسم لها كي يشعرها أن الأمر لا يعني له شيئًا وأنها مجرد قصة عادية.

لذا ولأنها إبتعلت غصتها بصعوبة إحتضنته تدفن رأسها في تجويف عنقه تطبع قبلات عند نبضه كمن تواسي قلبه على ما شعر به الآن.

بادلها العناق لدقائق، فصلاه بعدها يتأملان بعضهما بخمول، شعرت هي بكثافة مشاعرها إتجاهه بينما هو كان قد أحس بثقل قد إنزاح عن قلبه عندما تحدث لأول مرة عن شيء يخصه.

دقائق من الهدوء ذاك كسرتها كاثرين التي إنتفضت فجأة تقف مصدرة صوت ذعر بملامح متقززة جعلته يستند بمرفقيه ينظر نحوها وهي تمسح على ذراعيها وأقدامها العارية كمن تبعد عنها شيئًا ما.

" يا إلهي" صرخت تنظر أرضا لينظر هو أيضا عند نفس النقطة قائلا.

" ماذا؟، ماذا حدث!"

" لمسني شيء ما ، يا إلهي سأتقيء أحسست به يدغدغ ذراعي"

" كاثرين "

ناداها كي تلتفت له لكن بصرها لازال يبحث في الأرض عن الشيء الذي لامس ذراعها.

" أنظري إلي ، إنها يدي "

قالها يرفع لها يده مردفا.

" إنها أناملي، حركت أناملي على ذراعك"

ما إن أدركت حديثه زفرت الهواء بحنق تتجه صوبه مهسهسة.

" تبا ظننت أنها أفعى"

" أية أفاعي في مدريد حبا بالرب، هل نحن في غابات إيراتي"

" لكنها غابة "

قالتها بغيظ تلكم ذراعه تغمغم تحت أنفاسها.

"سحلية لعينة كنت سأجهضه"

قهقه يضمها إلى صدره على ملامحها الغاضبة بينما كانت لاتزال تلكمه من حين لآخر.

" هيا نامي"

"خائفة "

ما إن نبست بها أبعدها عن صدره يتحرى جديتها متسائلا.

" مما أنت خائفة"

" من اِستيقاظي صباحًا ورؤية وردة بنفسجية فوق المنضدة"

كانت متأثرة بذلك الصباح الذي فتحت فيه عينيها وحدها داخل جناح فارغ منظم بوردة بنفسجية بجانبها...

ولأنه تذكر ذلك مسح على شعرها يطبع قبلة بجانب أذنها هامسا.

" لن أفارقك، نفذ البنزين و ستتوقف بي السيارة في منتصف الطريق"

" وغد"

إنفجر ضحكا يجذبها إليه بعد أن أبعدته عنها تلعنه تحت أنفاسها، هي لا تعلم أنه لم يفارقها يوما، شاهد المقاطع التي صورها له ماريو يوميا، شاهد غشها مع عمها و وضضع من يراقبها ليوافيه بكل جديد يخصها، حتى أنه أصبح على علم برغباتها، هواياتها، روتينها وكل ما تحب فعله.

لذا فإن ما قالته للتو كان أمرًا متوقعا منها.

" لنذهب في موعد"

" كاثرين جديًا هل أبدو لكِ كرجل سيجلس على طاولة مليئة بالشموع الحمراء في موعد رومانسي مبتذل؟"

"ما المانع في فعلنا هذا؟"

كانت تدرك شخصيته البعيدة كل البعد عن شخصية الرجال العاديين، كان لا يشبه أحد برجعيته تلك كما إعتادت لوسيا مناداته.

" أنا لست شخصا كهذا، لن أفعلها"

همست لنفسها تلعنه بينما كانت تحمل هاتفها لتضع أغنية ما، ولأنه سمع لعنتها تلك قرص فخذها العاري قائلا وسط تذمرها.

" أستطيع أخذكِ لمكان سيعجبكِ أكثر"

" إلى أين"

" سيبقى هذا سرًا مؤقتا"

ضيقت عينيها لبرهة قبل أن تقف امامه بقميصه الذي سقط مبرزا بشرة كتفها العارية لينتهي فوق فخذيها...

كانت قد بدأت موسيقى الأغنية تعزف بالفعل لهذا بدأت خطواتها تترنح مع وقعها الهادئ.

تمايلت فوق التربة حافية القدمين ترقص بخفة كبجعة قد غادرت البحيرة لتلتقي بحبيبها خلسة...

أما هو فقد وضع يديه خلف رأسه يتأملها تحت ضوء القمر وهي تعطيه عرضا خياليا بقوامها ذاك...

رقصت بخفة وسلاسة إلى أن وصل مقطع بدأت بغناءه توازيا مع صوت المغنية التي بدت حزينة.
We only said goodbye with words.
لقد ودعنا بعضنا بالكلمات فقط.
I died a hundred times.
أنا أموت مئة مرة.
You go back to her.
أنت تعود إليها.
And I go back to...
وأعود أنا إلى...
Black, black.
الظلام، الظلام

وقف بعد أن استفزته كلمات الأغنية ليحمل الهاتف من على الأرض يضع أغنية إسبانية تحت أنظارها المستغربة بعد أن توقفت عن الرقص.

إقترب منها ليقف امامها مباشرة ثم وبحركة جعلت وخزًا يداعب أسفل بطنها مد لها يده كحركة يطلب منها أن ترقص معه لتردف تعض على شفتها السفلى بسعادة.

" رجل نبيل "

" أ لم أكن رجل عصابات سابقًا؟"

صمتت لبرهة تحاول تذكر متى قالت عنه هذا، ليلمع وميض تلك الليلة داخل عقلها، عندما أخبرته أنه يشبه رجال العصابات بسبب وشومه الكثيرة، لذا رفعت رأسها من يدها التي وضعتها فوق كفه قائلة.

" يالك من رجل حقود، لا تنسى شيئا"

"أظنها نقطة لصالحك" همس بها عند أذنها يشدها من خصرها نحوه يعدم المسافة بينهما..

تمايلا على أنغام الموسيقى اللاتينية ببراعة قرب البحيرة لتكتشف هي جانبا آخر منه، جانب آرون الذي يجيد الرقص عكس ما يبدو من بعيد، ذلك الذي إنحنى يهمس لها يبث داخلها رعشة استشعرها بسهولة.

" لقد كنتِ تتذمرين للوسيا في لاريوخا بأنكِ فوتتي رقصة التانغو في زفاف أختك"

توقف يلفها لتعود إلى صدره مجددا رافعة رأسها نحو وجهه.

" ولأنني كنت السبب في تفويتك شيء كهذا، ها أنا أعوضك"

هنا عند تلك الإبتسامة التي زينت محياه نبض قلبها بقوة لتتنهد بثقل ترمش متأملة وجهه، في حين قد طوق ظهرها ليميلها للخلف ببطء كي لا يؤذيها لتغمغم هي بدورها.

" لماذا تعاملني معاملة كبار السن؟"

" لأنكِ حامل"
" أحب أن يتدفق الأدرينالين وأنا أرقص" ما إن قالتها بمكر رفع هو يده صعودا نحو فخذها متحسسا إياه بأنامله الباردة وبحركة سريعة رفعه لترتطم بجذعه وتشهق بتفاجئ على ذلك.

إنحنى بإبتسامة قرب أذنها هامسا.

"لدي طرقي الخاصة في جعل الأدرينالين يفيض منكِ".

فما كان منها في تلك اللحظة إلا خيار واحد وهو تقبيله لتروي رغبتها العارمة بتذوق المكان الذي يجيد قول كلمات لا تنفك تثيرها في كل مرة، مبادلا إياها مبرهنا لها قدرته في جعل الأدرينالين يتدفق..

راقصها تحت ضوء القمر كذئب قمر أفصح لها عن سر من أسراره للمرة الأولى، كرقصه معها الآن ، وكصبغه شعرها باللون البنفسجي بعد ساعات بكل رضى دون أن يعارض هذا..


كل هذا للمرة الأولى معها وحدها.

End of flashback

خلف الأبواب الموصدة عند ذلك الخاص بالحمامات وقف مانويل في الداخل بعد أن أغلق الباب خلفه، كان مستندا بظهره على الباب بيدين داخل جيوبه ينظر إلى ماثيو الذي أوقف سيل المياه أمامه ينظر له بحقد كونه يعلم أن محاميها والرجل الذي قبلها أمامه سابقا عندما كان يلاحقها.


" أتعرف المسائل القانونية والمشاكل التي يمكن أن يتعرض لها المرء عندما يقوم بإخصاء شخص آخر طبيا؟"

تحدث مانويل بهدوء وسط فضاء الحمام الهادئ وإكتفى الآخر بسماعه دون إحداث جلبة، فقط لكونه داخل قصره.

" كان أول ظهور للمخصيين، أقدم حالة خصي شهدها التاريخ في الحضارة السومرية، أردت أن أطبق هذا في يوم ما أن أضعك أمامي وأنت مخذر، فاقدًا للوعي وأقوم بالتصرف في أعضائك بكل راحة، لكن مع الأسف أنا لست رجلا صبورًا على الإطلاق"

كان ماثيو يستمع له دون أن يفهم سبب حديثه عن أمر لن يقوم بفعله، حدق به بغضب وحقد باديان على وجهه ينظر له كيف بدأ يتقدم نحوه فاصلا المسافة بينهما شيئا فشيئا.

" هل كنت تعلم أن الخصيتين تعملان بشكل أفضل في درجة حرارة أقل بقليل من درجة حرارة الجسم، هذا سبب وجودهما خارج تجويم الجسم، وبالطبع ليقوم الشخص بخصيك دون بذل جهد في تشريحك"
وقف أمامه واضعا يديه داخل جيوبه مكملا كلماته بنبرة هادئة واثقة بوقفة شامخة كمحامي أمام القاضي في المحكمة.

" هناك أماكن لا يجب الوصول لها تسمى خلايا سرتولي تلك المسؤولة عن إفراز هرمون التستوستيرون وتفرز السائل الذي يغذي الحيوانات المنوية إذا تأذت تلك المنطقة ستصبح مخصي كليا...

هذا إذا تأذت الخصية فقط لأن في حال أزلت القضيب كختم أكبر ستضطر لاستخدام قرن بقرة عند عملية التبول كالمخصيين قديما"

وضع يده عند حافة المغسلة ينظر داخل عيني ماثيو بثقة بحتة.

قد يسبب لك ذلك آثار جانبية تشمل فقدان الرغبة الجنسية، العنانة، والهبات الساخنة.."

توقف ينقل بصره من وجهه إلى صدره مكملا.

" وتضخم الثدي"

" ما الذي تتفوه به أيها المخنث؟"

إبتسم مانويل يطوي كمي قميصه بعد أن وضع سترته فوق المغسلة بجانبه.

"كنت أعطيك الفرصتان كي أبرئ ذمتي كمحامٍ نزيه"

" ما الذي تقـ.."

قطع كلماته يرفع سبابته نحو شفتيه مغمضا عينيه توازيا مع قوله بخفوت.

" أوش! دعنا لا نقتل عنصر المتعة "

ما إن قالها شتمه الآخر بينما وضع قدمه كمحاولة في أن يخطو بجانبه ليغادر، وهنالك فقط تحولت نظرات مانويل المستمتعة لأخرى سوداء غريبة لا تشببه تماما.

مد يده للجانب ليديره نحوه بحركة سريعة وقبل أن يستوعب الآخر ما يحصل رفع ركبته نحو منطقته الحساسة بضربة جعلت صوته يدوي داخل الحمام الفارغ...

لم يكتفي بضربة واحدة لأنه ما إن رفع الآخر رأسه يحاول لكمه بيده بينما الأخرى أمسك بها قضيبه في الأسفل متألما، ليلكمه مانويل منتصف وجهه تماما مسببا له فقدان وعي مؤقت جعله يتمايل كالثمل أثناء وقوفه.

ليكرر ضرباته نحو تلك المنطقة واحدة تلو الأخرى بكل قوته تزامنا مع خروج صوته بأنفاس مسلوبة بسبب حركته.

" قد مررت في طفولتي بأمور عصيبة جعلت مني شخصا متعصبا لا يستطيع كبح غضبه، لم يكن عليك العبث معي أيها البدين"

كانت الضربة الأخيرة ما أوقعه أرضا بسروال أبيض تلطخ بدماء عند خصيتيه.

رتب مانويل شعره بصدر يعلو وينخفض ينظر إلى ذلك الذي كان صوته يتردد كسمفونية داخل أذني الآخر ليغمض عينيه يأخذ النفس الكافي متأملا لوحته الفنية أسفل أقدامه.

خرجت كلمات الآخر متقطعة ببحة وألم واضح على صوته الذي بدى كأنه سيفقد وعيه في أية لحظة.

"ستندم على..هذا أقسم..لك"

" أنا لا أندم، لأن كل قراراتي صائبة، كل ما أفعله صائب، لا خطأ يصدر مني"

بغرور العالم أجمع تحدث يعطيه ظهره يرتب شعره في المرآة أمامه قبل أن يرتدي سترته بعد أن نظم أكمامه ليعود إلى هيئته الأولى...

هيئة الرجل المحترم الذي أعطاه فرصتان قبل هذا وسدد له القبضة..

ألقى نظرة أخيرة على ماثيو في الأسفل وبإبتسامة مشى نحو الباب قبل أن يستوقفه صوت الآخر خلفه.

" أهذا من أجلها؟ أتعرف حقيقتها أصلا؟"

حل صمت بينهما الأول عند الباب ينتظر منه إكمال جملته والآخر منبطح أرضا يتلوى من شدة الألم.

"سأمزقك أربا، سأطحنك فقط إنتظر"

" جيد على الأقل سيصبح لديك مستخلصًا للمثالية بعد طحني"

خرج توازيا مع صراخ الآخر ، الصراخ ألما أو ربما كان صراخه الأخير بسبب استفزاز مانويل الذي جعله يتألم أكثر، كان قد أخصاه حرفيا كما قال لتوفانا سابقا، تماما كقصة كرونوس ووالده اورانوس.

كانت هي أفروديت التي ولدت وسط الفوضى، أفروديت التي تأكد من إخفائها شيئا أكبر مما يتوقع.

ما إن أغلق الباب خلف وقبل أن يمد يده لهاتفه كي يرسل رسالة لأحد رجال القصر ليتولى أمر ماثيو لمح هيتايرا التي بدت غريبة، بدت كأنها تهرب من شيء ما بسبب خطواتها الحثيثة.

ناداها من بعيد لتتوقف دون أن تلتفت إليه، لثوانٍ جمعت فيها شتات نفسها ثم استدارت بإبتسامة مزيفة تنظر إليه يقترب صوبها بنظرات الشك تلك.

" لقد كنتِ لامعة"

همهمت بعدم فهم ليوضح لها ما نبس به.

" أتحدث على عزفك على الهارب، إني فخور بكِ هيتايرا لقد خطفتِ الأضواء"

إبتسمت تمسح على ذراعه تومئ له وقبل أن تلتفت لتنزل إلى الأسفل للشرب كونها أرادت الإفراط في الشرب كي تنسى ما سمعته أذناها لسبب ما.

شدها من ذراعها لتنظر إلى عينيه بتساؤل، حدق بعينيها هو الآخر لبرهة بنظرات إمتنان، كان يشكرها على تدخلها سابقا وعزفها قبل أن تعزف الفرقة تلك المقطوعة المشؤومة أمامه.

كان ممتنا وقد فهمت هي ذلك لتبتسم بدورها تربت على ذراعه سرعان ما حررها لتنزل قبله.

إختفت هيتايرا عن أنظاره من سارعت للذهاب إلى الطاولة الجانبية الخاصة بالمشروبات كي تتجرع أكبر قدر منها، من وجدت دومينيك جالسا بجانبها لينافسها ويدخلا في مسابقة شرب كالمراهقين.

بينما مانويل في الأعلى عند الدرجة الأخيرة وقف يلتفت إلى الجانب، إلى جناح كاثرين المغلق لتشق إبتسامة جانبية وجهه، إبتسامة خافتة سارع بإخفائها لينزل السلالم بخطى وئيدة كرجل محترم بعيد كل البعد عن الذئب الشرس الذي كان متقمصا إياه قبل دقائق.

غادر محامي كاستيلو الطابق لتغادر خلفه لوسيا التي أخفت دموعها أثناء نزولها تكرر كلمات فاليريان داخل عقلها ودون وعي منها همست بها بصوت خافت كأنها تحاول تكرارها لعل معناها يتغير.

"تأكد أن الجثة لن تظهر حتى وإن بحث عنها الكلب سَربَرُوس بنفسه"

إبتلعت غصتها تتوارى عن الأنظار بين الحضور كي لا تلمحه صدفة.

بينما في الممر العلوي، في نهايته أين فُتح باب مكتب رونيا..

ليطل أغوستينو بنظرات فارغة، بنفس الهيئة التي دخل بها لكن هذه المرة خرج بدماء تلطخ يديه..

مشى بخطوات وئيدة يضع مسدسه بالكاتم خلف ظهره ليقف ممسكا مقبض باب الحمام الذي كان ماثيو مغميا عليه على أرضيته، نظر إلى الجانب وأغمض عينيه يستنشق عطرها...

وبهدوء فرق جفنيه يبتسم، إبتسم عندما إكتشف أن هيتايرا تلك لن تتوقف حتى تحل الأحجية.

همس بلكنته الإيطالية قبل أن يدخل مغلقا الباب خلفه كي ينظف الدماء قبل أن تجف، دماء الحقيقة التي سكبت فوقه.

«El que anda con los lobos aprende a aullar»
«الذي يمشي مع الذئاب يتعلم العواء»

__________________________

✨Hi again✨

انتهى الفصل.😈😈😈

أولا آسفة على التأخير الفصل قد استهلك كل طاقتي.

أردت أن أضع ملاحظة قبل كل شيء...

في الوصف إذا لاحظتم قد قلت أن كل القصة من نسج خيالي بالأسماء والشركات وغيرها عدى ذلك فإن المعلومات التي تخص إسبانيا أو تلك الأساطير أو الفن أو حتى معلومات عامة فهي حقيقية لأن الهدف كان جعل روايتي الأولى في الواتباد التي تكون رواية تثقيفية أيضا..

كل الأساطير المذكورة موجودة في الميثولوجيا الإغريقية لكن اليوم في هذا الفصل الأسطورة الخاصة بذئب «نوكتيس» من نسج خيالي كليا بداية من الاسماء «نوكتيس» و «روسالكا» إلى القصة كاملة..
عدى ذلك فأنتم بالتأكيد اصبحتم على إطلاع كافي بالميثولوجيا والآلهة الأخرى تعرفون مسبقا أنها مذكورة في الاساطير..

يعني أن قصة الذئب بكلها من نسج خيالي واستعنت ببعض الاسماء المعروفة في الميثولوجيا الاغريقية كي أضع حبكة متكاملة.

كل هذا التوضيح للأمانة لا غير كي لا تظنوا أن الأسطورة فوق موجودة بالفعل.

ركزوا في التفاصيل..✨✨😩
لوسيا عندما قامت بشم عطر فاليريان على الرغم من مرضها بالزكام.✨

دومينيك عندما تذكر الرخام البارد عندما لامس اغوستينو✨

مانويل الذي سمع السيمفونية داخل الحمام مع ماثيو✨

اغوستينو الذي استشعر طعم الدماء داخل حلقه عندما تذكر لوكا صديقه✨

كل هذه الحواس مربوطة بالأسطورة❤️❤️ أي أن التفاصيل تلك لم أكتبها بلا سبب

رأيكم...

الفصل سينقح لأني لم أراجع حرف منه..

وأخيرا...

"إذ كنت قد قرأت للأخير و وصلت لهذه النقطة .. أنت الآن في أعمق بقعة في قلبي" ❤️

Continue Reading

You'll Also Like

33.6K 2.2K 11
"لكن المشكلة انني لا أملك العديد من الوقت فأنا اقضي نصف يومي في المستشفى" "لقد كبرت ابنتنا وأصبح عمرها سنة ، اتمنى رؤيتها حتى تكبر وأرى أطفالها ايضاً...
5.3M 154K 104
في قلب كلًا منا غرفه مغلقه نحاول عدم طرق بابها حتي لا نبكي ... نورهان العشري ✍️ في قبضة الأقدار ج١ بين غياهب الأقدار ج٢ أنشودة الأقدار ج٣
7.3M 359K 71
" سَــتَتركينَ الـدِراسة مِــن الــغدِ.. لَــقد سَـحبتُ مـلفاتكِ مِــن الـجامعةِ بـالفعل ..! " " مـالذي تَــهذي به..!؟ " " هــذا مــا لَـدي... لاتَ...
36.9K 1.3K 30
في عالم يتنافس فيه الحق و الباطل شخص جاء ليدمر الحق و الباطل . ما الذي سيتنفسه من العالم شخص يتنفس الموت من يديه ؟ ما الذي سيمنع شخصا متمرد من غرس سي...