Protagonist | بطل الرواية

By Yafamethyst

399K 16.8K 14.2K

لم أكن يومًا فتاةً تمتلك نظرة عادية ..لطالما آمنت بفكرة أن العالم أكبر مما نتخيل وأن داخل كل شخص فينا عالم آخ... More

•مقدمة•
Part 01 : قِلاع النبيذ
Part 02 : خريطة برشلونة
Part 03 : زحل يَلتهم إبنه
Part 04 : نركسيس يُقبّل إنعكاسه
Part 05 : لُمِسَ كعبُ آخيل
Part 06 : هوسُ إيروس
Part 07 : ثمانية و نصف
Part 08 : بوابة الخَطايا السبع
Part 09 : بين المَجرات
Part 10 : أحفادُ الأساطير
Part 12 : البحثُ عن هايد
Part 13 : داخل بتلاتِ بانْسِيه
Part 14 : منجلُ المَلك
Part 15 : هز أطلسٌ كَتفيه
Part 16 : حواس الذِئاب
Part 17 : جوف عقلِ فان غوخ
Part 18 : طبقات التِيراميسو
Part 19 : فكُ شيفرة الأفعوانية
Part 20 : من الخِنصر إلى المعدة
Part 21 : جُثة أم حلوى؟
Part 22 : مغادرة القِلاع
Part 23 : سميرالدو أسفلَ البركان
Part 24 : حرشفة ذيلِ حورية
Part 25 : الممر الثامن للإليسيُوم
Part 26 : تحت لِحاف نيفيكاري
Part 27 : سليلة لا مُورتي نِيرا
Part 28 : الصفحة الأولى: تَنبيه
Part 29 : أين تُدفن الجثَث؟

Part 11 : عبر عدسةِ إكستَاسي

10.7K 513 497
By Yafamethyst

« توجد فلسفة و حِكمة داخل زجاجة نبيذ أكثر مما توجد في جميع الكُتب »

________________________________

خطى مترنحة ، ملابس سوداء بسروال ذو جيوب جانبية بلون رمادي داكن و قميص بنفس اللون بلا أكمام يلتف حول إنحناءات جسدها مبرزا فِتنتها..

تنقلت بين درجات السلم من واحدة إلى أخرى تُحرك جسدها على إيقاع الأغنية الصاخبة الصادرة من السماعات داخل أذنيها ، تمايلت بسلاسة و ليونة تشاهد إنعكاس ظِلها على الجدار أمامها ، كانت ترفع يديها عاليًا لتُداعب الفراغ بهما تارةً و تنزل بجذعها تارةً أخرى.

وصلت إلى الطابق الأخير لتقابلها تلك النافذة الضخمة التي كانت المصدر الوحيد للضوء هنا ، نافذة دائرية توسطت حائط الكنيسة في الأعلى لتُظهر من خلالها الجرس النحاسي الضخم ..

أجل فالموسيقى الصاخبة هذه قد خرجت من سماعات داخل جدران الكنيسة ، أغنية كانت كلماتها عن الثِقة المُطلقة و عدم شعور صاحبتها بالعار من أي أمر قد تُقدم على فعله..

مررت يدها على المِطرقة داخل الناقوس المُعلق بالحبال الغليظة من فوق متخطيةً بأقدامها الحبل الموصول به و بالأرضية الخشبية أسفلها والذي يساعد أثناء جره لاحقًا في قرعِ الجرس ، لطالما كانت النَواقيس تُقرع لأسباب عِدة كإيذانًا بحلول الصلاة و نداء الناس بقداس جماعي أو الزواج والجنائز لتُسمع خارج المبنى ..

حتى كان يُعتقد في التقاليد المسيحية قديمًا أن صوت نواقيس الكنيسة قد يَطرد العفاريت.

لكن الآن و لأن الليل قد لاح غياهبه و الوقت قد تعدى السادسة مساءً فقد رُبط حبله بالأرض إلى حين طلوع فجرٍ جديد ، تاركين العفاريت أمثال توفانا تتجول بحرية داخل الأماكن المُقدسة..

تغيرت الأغنية لأخرى كانت بدايتها شتيمة خرجت حروفها تتردد في فراغ العِليّة ، لعنت في سرها و حملت هاتفها لتغييرها لأخرى أخلاقية أكثر ..بينما لازلت تُحرك أطرافها بعشوائية رغم الهدوء الذي كان يغزو الجو ، لكنها شعرت بالملل كونها إعتادت على حياة الصخب و الليالي الماجنة داخل الملاهي..

رفعت بصرها نحو الجرس ذو اللون النحاسيّ بجانبها و تأملت الصليب الذي توسطه ، ثم و بهدوء شديد أغمضت أعينها و بيدها اليمنى وضعت أطراف أصابعها على جبينها إلى منتصف صدرها ثم كتفيها كإشارة الصليب .. هامسةً داخلها هاليلويا توازيا مع إنتشار صوت الأغنية بنفس الإسم تمجيدًا للرب.

إبتسمت و كأنها بهذا قد طهرت نفسها من الخطايا و إغتسلت بالماء المقدس داخل طقس المعمودية ، يكاد المرء يُجزم أنها لم تُعمّد كأي مولودٍ مسيحي قد غُرِق جسده تحت المياه ليُخلص من الآثام الأبدية... آثام آدم و حواء ، تحت مُسمى أن الخطيئة توَرث .

تقدمت ناحية الزاوية المظلمة حيث وُضعت حقيبة سوداء تشبه حقائب السفر العادية في حين الأخرى بجانبها كانت مستطيلة الشكل و أكبر حجمًا بأكياس خارجية كالجيوب و حزام مشدود حولها.

حقيبة خاصة بقناصة النجم الأسود آركتوروس 4 ، كان هذا أسلوبه في القتل مع بعضٍ من لمساته التي إعتاد تركها على ضحيته كتوقيع ..

كان سليل ميندوزا الذي تعلم تفكيك الأسلحة في سِن الخامسة و التقنيص بجانب كل تلك الأشياء الطبيعية التي تعلمها في سن مبكرة كلغات أخرى أتقنها ، جوائزه في سباقات الخيول و بطولات نابولي للشطرنج جعلها كلها كغطاء سَتر بها جانبه الآخر..

فتحت توفانا الحقيبة تعض شفتها السفلى بإبتسامة و نظرات إعجاب كأن أمامها طبق تحلية قُدمت لها بعد وجبة دسمة.

" يا إله الكنائس ، أهذه آس آس جي 3000 الألمانية ؟... تبًا لطالما كان ذوق الزعيم مغرٍ "

حدثت نفسها بهمس بينما تقوم بتركيب قِطع القناصة بخفة متخليةً فقط عن قطعة المخزن الخاص بالذخيرة و الذي كان يحتوي على أربعِ رصاصات فقط مع أن سِعته تكفي لستة أخريات.

" سرعة الإطلاق من الماسورة 830 متر في الثانية... نطاق إطلاق النار الفعال 1200 متر ...فقط تبًا للرجال و أهلاً بنشوة الأسلحة ... الزعيم شخصٌ بارد لن يهتم بكِ كثيرًا لذا أنا من ستُسميكِ إكستاسي "

كان هذا نمط آخر إتبعته للاِستمرارية في أداء مهماتها دون شعورها بالضجر و هو تسمية كل ما يقع نظرها عليه..

فقد أطلقت الآن اسما على كل الأشياء الموجودة داخل الغرفة العلوية بدايةً من الجرس زلاتان و الذي يعني الذهب اللامع بالصربية إلى المطرقة دوسادنو بداخله و التي تعني المزعِجة بلغتها الأم أيضًا ، ختاما بالقناصة إكستاسي.

كانت الإكستاسي كلمةً تمثل النشوة للدرجة التي يطير فيها العقل من الجسد ، تمامًا كعقل توفانا الآن و هي تتموقع في الأسفل لتنبطح على الأرضية و تُقبِّل القناصة بعدما وضعتها على الحافة لتُخرِج فوهتها من النافذة ..

ضغطت على الزِر الجانبي لتُضيء شاشة المنظار باللون الأخضر لتُساعدها على الرؤية الليلية ، وضعت عينها على القطعة المطاطية الدائرية في الواجهة و تفحصت المنطقة بهدوء تام.

مشطّت المساحة أمام الكنيسة ، كل الأراضي و حتى المزارع البعيدة تِلك التي أشرقت أضواءها الملتفة أسلاكها بين الكروم لتُنير أرض لاريوخا.

لذا و بهدوء تتنفس بوتيرة بطيئة و كأنها وسط مهمة.. تفحصت الزوايا بدقة تامة إلى أن اِستقرت عند القصر أمامها و تحديدًا عند الحديقة الخلفية أين فُتِح الباب على مصراعيه ليستقبل أهل لاريوخا.

كانت هذه وليمة كان قد أقامها الجد إيستيبان للترحيب بعائلة كاستيلو و الإحتفال بيوم الحصاد ..

لذا كل ما كان يظهر عبر العدسة هي الأجساد المتفرقة داخل القصر و خارجه ، البعض منهم يحمل كؤوس النبيذ و البعض الآخر كان جالسًا على الطاولات المتفرقة في الباحة .. طاولات مستطيلة ضخمة بأغطية بيضاء و الكثير من المأكولات و زجاجات النبيذ جمعت العديد من أهالي العاصمة لوغرونيو.

بالتالي إعتدلت و بدأت في البحث عن هدفها و السبب الوحيد الذي جعلها تتسلل خلف رال أثناء قدومه لتلبية ما كلفه به زعيمه ، لأن توفانا الآن مستلقية على بطنها داخل كنيسة سان بارتولومي تنظر عبر عدسة قناصة آركتوروس 4.

بعدما جاءت خلسة خلف رال و الذي صادف تلقيه أوامر أغوستينو بجانبها... أثناء تواجدهما في مهمة لإحضار معلومات عن مُنظمة سرية نشأت داخل سجون نابولي لكنها إنتشرت لاحقا لدرجة وصولها إلى قلبِ مدريد ..

كانت تبحث عنه بين الحضور تقوم بعملية الفرز ببطء فكلما خُيّل لها أنها وجدته إتضح أنه شخص آخر تمامًا ، ظلت تتسائل وسط تدقيقها و إنتظام أنفاسها في الظلام ..

هل البحث عن رجلٍ ما بهذه الصعوبة ؟.. لما بحق الرب كلما أطل أمام عدستِها رجل فجأة فتظن للوهلة الأولى أنه يحمل نفس هيئته سرعان ما تكتشف أنه لا يمُت له بصلة ولا بأي شكل من الأشكال ..

ببساطة كان لا يشبه أحدًا.

بدى لها كل شيء طبيعيًا أثناء تجولها بينهم منذ دقائق .. و أول من تعرفت عليه هو فرناندو الجالس بجانب والدِه خوسيه الذي كان يناقِش موضوعًا ما رفقة خوان و إيستيبان...

رأت كيف اِنبثت ملامح الملل على وجه فرناندو بينما يحرك الشوكة في صحنه بشرود..

لم يكن يوما شخصا مولعا بأعمال العائلة ، لطالما أراد أمورا أخرى ، هوايات و أعمال تستهويه و تتماشى مع كينونته... لكن إصرار والده و تسلطه عليهم جعلت كل فرد من العائلة يجلس في أماكن لا تشبهه البتة.

نقلت رؤيتها عن صدر الطاولة تُضيق عينها على العدسة بتركيز كي لا يفلِت منها ذلك الذي أصبح و كأنه غير مرئي لصعوبة إيجاده بينهم ..

إبتسمت عندما لمحت إنشغال كاثرين في الثرثرة لشخص ما أثناء تقطيعها للحم أمامها... كان من بجانبها فاليو و الذي يبدو من هنا و بشكل واضح أنه غير مرتاح في وجوده.

مُدت يد رجل موشومة لصحن كاثرين لتنزع عنها الشوكة والسكين وتقطع اللحم لأجزاء صغيرة ..لم تستطع توفانا التعرف عليه من ظهره للثواني الأولى بسبب جلوسه في الجهة المواجهة لكاثرين.. إلى أن إلتفت لجانبه حيث الجدة الواقفة التي إنحنت تهمس داخل أذنه بشيء ما جعله يبتسم بجانبية مبرزا غمازته.

أجل كان ذلك آرون و جدته إلفيرا التي نبثت له أنه في حال أراد الحصول على الجناح الغربي البعيد عن الضوضاء رفقة فتاة شقراء وتخصليهم من ثرثرتها يمكنها مساعدته و أخذ تدابيرها اللازمة..

إذا قلنا سابقا أن عائلة كاستيلو تتعلم اللعن قبل الحبّو فإلفيرا مثال حي لما تتعلمه عائلة غوستافيو أولاً..

بحق الرب نتحدث عن إمرأة قامت بإختطاف زوجها عندما عارض الجميع زواجهما ، إلفيرا لم تكن يومًا جدةً تقليدية لأنها الآن و هي بصدد مغادرة الطاولة صفعت رأس لوسيا من الخلف بلا سبب يُذكر ، فقط لأنها لم تجد فيها ما يستفزها ..

لم تجد عيبا كون الأخرى ترتدي ملابس محتشمة و تجلس بهدوء غريب بجانب آرون.

لذا وسط أصوات الضحك و تذمر لوسيا وصفعها لرأس فاليريان بجانبها بسبب سخريته منها أو ربما كإنتقام منه لما جعلها تشعر به صباحا..

تغيرت الترنيمة التي كانت تُمجد الرب داخل السماعات لأغنية إسبانية دندنت كلماتها بخفوت بينما لازالت ترصد تحركاتهم ..

لأنها الآن قد وصلت للطرف الآخر .. الجانب الذي وقف فيه أغوستينو بشموخ يتكئ بكتفه على العمود الحديدي الداعم المثبت بالأرض والذي ينتهي عند سقفٍ عبارة عن أخشاب متشابكة تتدلى منها ثريات لامعة.

كان يبدو إيطاليا دون الحاجة لسؤاله عن أصوله الأخرى ..بدايةً من لكنته بأحرفه الثقيلة إلى طرازه ..فقد كان يرتدي سروالا أبيضا كلاسيكيًا و قميصا أزرقًا لازوردي في حين قد ربط ذراعي القميص القطني الآخر الذي وضعه فوق كتفيه ليسقط على نصف ظهره من الخلف ..

حمل كأس نبيذٍ أبيض بيد و اليد الأخرى استقرت في جيبه.. بينما يُنصت برزانة لحديث رجل خمسيني و إمرأة في نفس سنه كانا محاذاته.

كانت الأغنية لا تساعد في تشتيتها وطمس خوفها الذي شعرت به عندما رأت أغوستينو بهالته تِلك ، لأن روحها كانت هائمة بين التردد في البقاء و المراقبة أو مغادرة المقاطعة فورًا ..فهي الأدرى بكتلة الهدوء تلك إذا تخلت عن رداء الحمَل وكشرت على أنياب الذئاب ..

حينها و وسط كل ذلك التردد الذي غمر صدرها حركت صُدفةً أثناء شرودها عدستها عن أغوستينو للجهة اليسرى ...

وهنالك تماما خفق قلبها..

خفق بنبضات متتالية و متسارعة كانت على شكل وخز طفيف و كأنها بذلت جهدا في الركض و توقفت فجأة ليدخل قلبها في حالة صدمةٍ مؤقتة...

ثبتت القناصة أكثر و تحركت تعتدل في اِستلقائها وهي تتأكد مما رصدته عيناها ..فوقوف هيتايرا قد حجب عنها الرؤية لثوانٍ بدت لها دهرًا..

جلست الأخيرة ليظهر لها جسده مرة أخرى و أكثر وضوحاً من قبل..كان يجلس بغير إعتدال فكرسيه لم يكن موازٍ للطاولة كجسده الذي يقابل رونيا بجانبه.... يرخي ظهره للخلف واضعًا الساق فوق الأخرى بينما يضع ذراعه على سطح الطاولة أمامه و بالأخرى حمل كأس نبيذه القاني.

إِضْطِربت دقات قلبها و دخلت في فوضى مع إيقاع الموسيقى داخل أذنها...أحست بالضغط و بالحرارة في الجو و فقط عند تلك اللحظة لم تعلم أنها تحبس أنفاسها منذ رؤيته إلا عند شعورها بالإختناق.

تنفست تملأ رئتيها بالهواء الكافي لجولة أخرى من تأمله لأن الذي أمامها الآن كان يسلب الأنفاس بمثاليته ..

ملابسه المختارة بعناية و شعره المصفف بدقة ذلك الذي لا تشوبه شائبة ، كان يرفع كميه لمرفقيه مبرزا عروق يده التي كلما رأتها تبتلع ماء جوفها تماما كما فعلت قبل ثوانٍ ..

حمل الشوكة من صحنه وإنحنى بخفة يضع قطعةً من ملفوف بروكسل الصغير في صحن هيتايرا بحركةٍ كانت إعتيادية.. ليعتدل في جلسته مرةً أخرى بنفس الوقار الذي كان فيه سابقا..

كان آسرًا بكل معنى الكلمة فقد اِستحوذ على إنتباهها منذ أن إلتقطت العدسة صورته هذه..

قابلها يمرر سبابته يمسح فوق شفاهه كعادته أثناء إصغائه لحديث شخص ما بتمعن ، بينما تابع اِستماعه لرونيا يراقب تحركاتها و كأنه يدرسها...

راقبت توفانا حركاته عاجزة عن فهم لغة جسده أو ما يفكر به حاليًا ، لأول مرة كانت تقف عاجزة عن تحليل شخصية رجل لتلك الدرجة..

تزامنا مع توقف الأغنية عندها و إنبثاث الهدوء في أرجاء السطح..

قابلها يرفع كأسه لتحريك النبيذ داخله و تأمل الدوامات التي صنعها تتركُ أثرًا على جوانبه لتشير لمستوى الكحول وحلاوة النبيذ ..حَركها بخفة و سلاسة يضمن إستخراج المزيد من الروائح قبل أول رشفة.

لتبدأ مرحلته في النشوة ... عن طريق إدناء أنفه من الكأس بدرجة تؤمن له الحصول على رائحته النقية ، و الآن قد أطبق جفنيه يحجب عنها عسليتيه ليُميز الرائحة بفضل خبرته و غريزته كفردٍ من آل كاستيلو.

كان خليطًا من التوت و عنب تيمبرانيلو الأسود ، اِستنشقه يحلِّل محتواه بحاسة الشم فقط.. لدرجة إكتشافه للنكهات التي اُضيفت أثناء الصُنع..

قرون الفانيليا السوداء و الفلفل اللاذع.

خرج من عالمه الخاص عندما فتح أعينه يرتشف من كأس نبيذه بعدما حركه بخفة مجددًا لتتحرك تفاحة آدم على إثر ذلك...لكن ما جعلها ترفع حاجبيها بتعجب لم يكن أيًا من هذا بل عندما لمحت إبتسامته بينما لازالت شفتيه تحتضن حافة الكأس ذو العنق العالي..

خرج صوتها بخفوت تحادِث نفسها وأصدقائها الذين وضعت لهم أسماءً سابقًا :

" لقد وجدنا اِسمًا لتمثال الآلهة الإغريقية "

قالتها لتشق ملامحها إبتسامة بلمعة أظهرت لون الزمرد الأخضر داخل أعينها.

" ديونيسوس "

إله الخمر ، النشوة و الإبتهاج..

كان يشبه ديونيسوس... إبن زيوس و سيميلي والتي تمنت رؤية زوجها في هيئته الحقيقية بعيدًا عن شكله كإنسان كما يظهر لها دائما ، كان هذا تحريضا من هيرا زوجته الأولى التي شعرت بالغيرة على زيوس ..

حاول الأخير أن يغير رأيها لكونها حاملا بإبنه لكنها لم تتراجع عن قرارها ليستجيب زيوس لطلبها... فتحترق سيميلي بسبب سطوع شعاعه و إندثرت بشكلٍ كامل..

اِستطاع زيوس إنقاذ إبنه و شق فخذه ليغرقه في جوفه..

بعدما عاش أشهرًا داخل رحم والدته و الأشهر المتبقية في فخذ والده وُلِد ديونيسوس إله النبيذ ، الفحولة ، النشوة و الخصوبة..

كان له الفضل في تعليم الإنسان زراعة الكروم و أساس التكاثر البشري بسبب جانبه في الخصوبة ، ذا قوة مُفرطة تُحطم كافة أشكال التوازن و الانسجام.

إله الحياة الخليعة و ملهم طقوس الإبتهاج و الحرية المُطلقة الذي أحب النبيذ و عاش بدون قيود بعدمِ إحترامه للقواعد و بضربه للقوانين عرض الحائط.

كنظيرٍ لمانويل في وقتنا الحالي.

و لأن الأخير كان رجلاً ذو تفكير غير متوقع و بشخصيةً معقدةً يصعب قراءتها.. ظنت توفانا لأجزاء من الثانية أنه إبتسم لأنه رآها تتأمله.

بعض المنطق بحق الرب... كانت في الطابق العلوي وسط كنيسة على بُعد كيلوميترات من القصر ..داخل الظلام الدامس كيف للعقل البشري أن يفكر في شيء كهذا؟

نفضت أفكارها الساذجة جانبًا لتُكمل مشاهدة ذلك الذي إبتسم عندما لامس الشراب الأحمر لسانه ليُشعل تلك الذكرى بين ثنايا عقله ، فنَبيذ تيمبرانيلو ذكره بمذاق ملمع شفاهها..

ذلك اليوم أمام شرِكته عندما اِستشعر طَعم العنب المعتق لأول مرة.

لذا و بشرود وضع إصبعه البنصر والأوسط على حواف الكأس أمامه ليديرهما عليه بهدوء وهو ينظر لكاثرين تتقدم صوبه من بعيد.

بينما مانويل منشغل بتمرير أنامله على كأسه.. أحست هي بحرارة تكتسح عنقها.

حتى الآخر الذي لو لم يكن يعلم بوجودها لبدى أنه تعمد فعلها.. لأن أكثر ما أحبه في نفسه هي يدا الفنان المثاليتان كما إعتاد تسميتهما ..

لقد أصبحنا الآن على دراية بأن كل ما يفعله مثالي بجانب إتقان يديه الرسم..

" يا إلهي نحن في الكنيسة ، ما الذي تنظرين إليه إكستاسي؟ .. يالتفكيرك القذر يا فتاة... ليسامحكِ الرب "

همست بنبرة توبيخ في حين لازالت عينها داخل العدسة تُبصر إنعكاسها هناك من بعيد..

سرعان ما رأته يرفع يده لوجه كاثرين التي كانت تجلس القرفصاء تحت أقدامه ترتكز بمرفقيها على ركبتيه و تتحدث في شيء ما بسرية..

بإبهامه مسح ذقنها ثم جانب شفتها العلوية ليُصلح لها مُلمع شفاهها ، كونه شخصا محبا للمثالية والتفاصيل الغير مرتبة تستفزه ، في حين كان ينظر لها تحت رموشه يحرك رأسه بهدوء كإيجاب و موافقة على كلامها.

إبتسمت دون وعي منها لأنها المرة الأولى التي تُلقي فيها نظرة على تلك الكَفة منه... جانِب مانويل العم المُهتم بإبنة أخيه.

بالرغم من كونها ماجنة مهووسة بعلاقات الليلة الواحدة.. إلا أنه وحده من كان يثيرها بطريقة غريبة..حتى ذكاءه بدى لها مغريا ..فطِنا لدرجة قراءة روحك و راقيا في كل تصرفاته كرجل تربى بين العائلة الملكية.

يصعب عليها قول هذا ، لكنها الآن قد أدركت أن أبسط تصرف نابع منه كرؤيته يربت على شعر كاثرين كجرو أليف و ضحكه على إستيائها ، لعقه لشفتيه كل مرة و رفعه لحاجبه بغرور لهيتايرا أو حتى نقره على الطاولة بأصابعه ...كانت أفعالا عادية لكنها خرجت منه خلابة و مثيرة للإعجاب..

لسرٍ ما كان هذا يلمس نقطة عميقةً داخلها ، رؤيته بحد ذاتها توخز منطقة في جسمها ذات حساسية عالية..

السيء في الأمر أن جسدها كان يطفو دون أفكار و حركة لتدخل في النشوة الروحية ، النشوة التي فقدت فيها قدرتها على ضبط أنفاسها و فقدانها للوعي المؤقت بإنفصالها عن العالم...الأسوء أنه لم يرتبط ذلك بالإتصال الجسدي أو استخدامها للأدوية.

لأنها خلال هذه اللحظات كانت بعيدةً عن الحياة و الواقع ... غير قادرة على الإدراك الذاتي للزمان ، المكان و الذات ...فقط لكونها تأملت أبسط أفعاله.

حينها و بينما كانت تستمع للأغنية التي عن طريق الصدفة قد وصفته لها ، إلتقطت عدستها فتاة أقل ما يقال عنها أنها فاتنة.. كانت تقف بجواره تضع التحلية داخل صحنه .. في حين لم يغير وضعية جلوسه.. فقد إكتفى بإسناد ظهره إلى الخلف يراقب تصرفاتها.

لم تكن إحدى الخدم فقد تعرفت عليهم سابقًا من لباسهم الموحد ... كانت ترتدي فستانا بشق يُظهر ساقها ..تِلك الساق على جانبه التي نظر لها بهدوء من الأعلى إلى الأسفل دون أن يحرك رأسه حتى لتستقر أعينه في النهاية عند وجهها.

كانت تلك أوتيليا أخت جوانا ... المعيار الثاني لقياس نسبة الكرامة المتدنية كما أسمتها لوسيا.

تنهدت بسخرية و هي تنظر للفتاة اليائسة للفت إنتباهه..

" اللعنة لما لا يضع رصاصةً خامسة إحتياطية .. كنت سأفجر رأسها حالًا.. "

توقفت الأغنية لكن هذه المرة لم تتغير لأخرى.. بل لأن إتصالاً ما قد وردها .. تأفأفت تمد يدها للجيب الجانبي تُخرج الهاتف بضجر لقطع خلوتها ..

ما إن قرأت الاسم على الشاشة حتى إنتفضت تلعن تحت أنفاسها بجسد متعرقٍ من شدة التوتر..

" سحقا هل يضع الزعيم جهاز تنصت داخلكِ إكستاسي؟ ..هل خنتِني! "

سرعان ما تربعت لتجيب بكل رسمية دون أن تُفكر أو تُجهز نفسها للحوار... فقط لكون المتصل شخصًا لا يحب الإنتظار كثيرًا ..

إرتعشت يدها حتى كادت تُسقط هاتفها أرضا و نظرت للجهة الأخرى المواجهة للكنيسة و كأنها مرئية..

أو ربما كانت كذلك حقًا ... لأن المُتصِل قد خاطبها بنبرة خرجت حروفها ثقيلة و هادئة جعلت من جسدها يرتعش على إثرها..

" كيف هي الإطلالة ، ميموزا عشرون "

" ماذا ؟ " خرجت كلمة متذبذبة تكاد لا تبدو واضحة..

" إنزلي من عندك "

" لا أعرف عما تتحدث! "

" بجانب جرس الكنيسة... الجهة اليمنى... عدسة قناصتي تلمع " قالها بثبات و بصوت هادئ لدرجة أن جزء منها قد إطمئن لعدم رؤيتها لجانبه الآخر.

إلتفتت خلفها تتأكد أنها بمفردها و أن أغوستينو لم يكن واقفا عند زاوية ما بالرغم من رؤيتها إياه في القصر قبل قليل إلا أنها تعلم جيدًا مدى براعته في التسلل ..

تقدمت ببطء نحو العدسة و إنحنت تُقرب عينها بخوف مما ستراه فيها ، بحثت عنه لتجده يقف على بُعد أمتار من التجمعات تلك يضع الهاتف عند أذنه و ينظر لنقطة واحدة ...

صوبها.. عند عدستها تماما و كأنه هو من يراقبها عبر منظاره..

إقشعر بدنها بسبب تلك الرهبة التي بثها داخلها.. كان هادئا للدرجة التي يخيل للبعض أنه يُجري إتصالا بينما يتأمل القمر خلف الكنيسة.

فكرت بصوت عالٍ دون أن تنتبه ..

" اللعنة كيف علمت هذا ؟ "

" لأنني زعيمك "

" السابق "

قالتها مباشرة بسبب التعود ..واِستشعرت فداحة ما قامت به عندما إكتفى بالصمت ينظر إليها من بعيد بهدوء..

" عذرا لقد تعود لساني على قولها بسبب ماثيو الوغد .. لكن جديا زعيم هل رال من وشى بي ؟ "

" كنت أعلم بتواجدك منذ أن وطأت قدمكِ لاريوخا ..تأكدي أن لا أحد سيدخل هذه الأراضي دون علمي..

وإن فعل فهو شخص يُجيد التخفي ...ذلك الشخص ليس أنتِ ميموزا "

سكتت هي كطفلة تنتظر عقابها ليردف بينما عينيه لازالتا تنظران بخمول لنافذة الكنيسة..

" لما أنتِ هنا ؟"

" لأحمي ظهرك "

" ميموزا.. "

لفظ اسمها بنبرة رجولية تخللتها الحِدة ..

" فقط .. أردت أن أتعرف على لاريوخا.. "

قالتها بتردد حتى هي نفسها تجد الأمر غبيا ليصدقه أحد ما لا سيما شخص كزعيمها الذي لمحته عبر العدسة يرفع حاجبه لها لتردف باِستسلام.

" حسنا جئت لرؤية فرد ما فحسب "

" هل هذا بسبب فشلكِ في التأثير عليه ؟.."

توقف قليلًا ينظر إليها و كأنه يُبصر روحها ليكمل :

" نصيحةً من زعيمك .. السابق ..."

نبس بها يؤكد لها على الكلمة الأخيرة كمن يرمي تلميحا وسط كلامه أنه زعيمها السابق لكنها لازالت تحترمه أكثر من قبل هذا إن استثنينا أنها ارتجفت عند رؤية اسمه ..

"... هو لن يقع ببساطة ، أمثاله يستمتعون برؤية المرأة على ركبتيها "

خاطبها بجدية و كلمات مدروسة يضع النقاط على الحروف دون الحاجة لتنميق الواقع و تزييف حقيقة مطلقة كهذه.. لكن ما فعلته توفانا أنها عضت شفتها بحنق على كلماته الأخيرة لتنبس بغرور ..

" إذا أردت... سأجعله يجثو من أجلي "

" لا تنسي وضعيتك الآن "

أردف مباشرة هو الآخر بنفس النبرة لتنظر إلى وضعيتها أين كانت جاثية على ركبتيها تراقب القصر من بعيد ، أغمضت عيناها تكبح لعناتها بينما جائها صوته آمرا.

" والآن غادري برفقة رال "

وقبل أن تتحدث سألها يبتر كلماتها من حلقها ..

" ميموزا... لما ماثيو على قيد الحياة لحد الآن؟ " و لأنها كانت تلملم بعضًا من الكلمات لإنشاء جملة لائقة تحدث مرة أخرى يضيق الخناق عليها..

" أنتِ قاتلة مأجورة... ألا تستطعين التخلص من رجل أعمال يقوم بملاحقتك؟ "

" سأرفع دعوى قضائية ضده بعدم التعرض "

أنتِ قاتلة... القتلة لا يرفعون القضايا بل المسدسات "

أرادت أن ينتهي كل هذا دون أن يتعمق أكثر لكنه جعل قلبها يسقط أرضًا عندما سأل بنبرة نشرت الخوف بين أضلعها ..

" ما الذي تخفينه ميموزا؟ "

نظرت للفراغ أمامها بذهن شارد ثم نظفت حلقها بهدوء مجيبة إياه ..

" سأتصرف زعيم "

_______________

عند تجمع العائلتين أين جلس كل واحد فيهم يحمل داخله شيئا إتجاه الآخر ، فهيتايرا كانت تحمل مشاعرًا مختلطة تحاول كبحها من الخروج على شكل ملامح تفضح ثباتها هذا ، في حين لوسيا لأول مرة تستقر بهدوئها الذي يسبق عاصفة مشاعرها ... بجانب كاثرين التي تُخفي أسرارًا و جنين .

بينما آرون و إدمانه على التدخين الذي لم يغطي على هوسه بشخص آخر يقابله الآن ..

وقف إيستيبان في مقدمة الطاولة يقرع على كأسه بالملعقة بخفة ليستقطب إنتباه الحاضرين ، تحديدًا أفراد العائلتين القابعين صوبه..

" النبيذ يُضيءُ الريف..." قالها و هو يرفع يده التي إحتضنت الكأس عاليا يشير بها إلى القصر و الكروم البعيدة التي كان بريقها يُنير عتمة الليل ثم اِسترسل ..

"..يُواسي الحزين منكم ، يُجدد أعمار كبار السِن منا ، يُلهم شبابنا ، يجعل عقولكم منتشية ، يُحيي الحب في القلوب و يعلم أقدامكم الرقص ..." كان صوته الرزين وحده ما يُسمع داخل قصره كون الهدوء قد ساد في الأرجاء.. كان الجميع يحمل كؤوسهم في إنتظار اِستكمال الجد نخبه.. ليختتمه بإبتسامة يبدل أنظاره بينهم..

" لذا أرجو منكم الاِستمتاع بنبيذ غوستافيون و ترك أعباء همومكم جانبا..

و لأننا سنقصد المدينة للإحتفال بطقوس النيران المعتادة أرقصوا بحرية و أشربوا دون قيود إجعلوها تبدو كآخر ليلة ... تجرعوا الفن فالنبيذ هو العمل الفني الوحيد الذي يمكنكم شربه. "

رفع كأسه لهم كإشارة نخب من بعيد ليقلدوه بدورهم ..

" و الآن .... هناك نبيذ من شأنه أن يتصارع مع الحساء داخل أمعائكم كما إشتبك آخيل مع هيكتور ... نخبكم ... نخب غوستافيون ".

" نخب غوستافيون "

هتف الجميع يرفعون كؤوسهم عاليا قبل أن يشربوا النخب معًا ..كان شراب سلس و ناعم كحلوى قُطنية تداعب حلقك ، سرعان ما يتغلغل داخلك لتُحس بطعمه اللاذع الممزوج بنكهة الفلفل الأخضر ، برائحته تِلك التي تُخبرك بمدى شيخوخة زجاجة النبيذ.

تجرعوا النخب في آن واحد عدى كاثرين و أغوستينو الذي إكتفى بشُرب جُرعة واحدة سابقًا ..

كان يضع يده على الطاولة أمامه يحرك كأسه الفارغة ينظر إلى جده المنتصب في الجهة المقابلة له على صدر الطاولة و الذي بادله النظرات بإبتسامة ليردف بعدها بكلمات لفتت إنتباهم إليه مرة أخرى ..

" كيف لمُسيّر أعمال النبيذ و المسؤول عن كل هذه المزارع و المصانع أن يكتفي بإرتشاف كمية قليلة كتِلك؟"

نظروا نحو أغوستينو الذي كان على نفس حاله يرمقه بنظرات هامدة و قبل أن يُجيب تحدث بجانبه مانويل تحت أنفاسه بينما أنامله لازالت تداعب حواف كأسه ..

" يبدو أنه حامل هو الآخر "

صدح صوت سعال كاثرين تخطف الأضواء مستقطبة إنتباههم بسبب صدمتها على تلميحات عمها و التي لم يفهمها أحد وسط الضجيج غير عائلة كاستيلو.

شرقت تحاول إبتلاع بذرة الكرز العالقة في حنجرتها ، في حين فاليو أسرع يمُد لها النبيذ لتنظيف حلقها قبل أن تصفع يده تشير إلى المياه ..

كل هذا تحت أنظار آرون الذي أحكم قبضته فوق فخذه عاجزا عن الإقتراب ناحيتها فقط يشاهد من بعيد بقلب إنتفض خوفا عليها..

لذا وبينما رونيا و فاليو يقفان بجانبها يطمئنان عليها و هيتايرا التي جلست بعدما تأكدت أنها بخير ..إلتقطت أذناها كلام عمها الذي تعمد قوله لِاستفزاز كاثرين ..

" لو أنكم ترتكموها تختنق ، الكون قدم لكم فرصة أخرى لم تُحسِنوا اِستغلالها "

رمى كلماته فوق الطاولة بإبتسامة جانبية ماكرة ينظر لصدمة كاثرين خلف كأس نبيذه الذي رفعه ليرتشف منه ..

تحدث إيستيبان مخاطبا أغوستينو ليطرد التوتر الذي ساد فجأة ..

" لماذا لم تشرب سيد ميندوزا ؟ هل سممتنا ؟ "

شقت وجهه إبتسامة خافتة جعلت من لوسيا تموء خلف فاليريان كونها تحب تعاليم وجه أغوستينو خاصة عندما تلمح شبح إبتسامته تلك ..

" من يعرف كيف يتذوق ... لا يشرب الخمر بكثرة ... بل يستمتع بتجرع أسراره الناعمة "

أردف بلكنته المميزة تلك بنبرة غليظة جعلت رعشة تسري على طول عمودها الفقري..

تِلك التي أضافت فوق كلماته أثناء شرودها في قطعةٍ من كعكة سانتياغو أمامها.

"سلفادور دالي"

ما إن قالتها رفعت رأسها نحو الجد الذي اتسعت إبتسامته أكثر كونه كان يعلم مُسبقًا أن حفيده قد إقتبس من أقوال الرسام سيلفادور دالي ... إقتبس من الرجل الذي كان جده مهووسًا به للدرجة التي جعلته ينتشي لمجرد سماع كلماته تخرج من شفاه أغوستينو.

" أغوستينو كالعادة يعطينا دروسًا في تجرع النبيذ " أردف وهو يتأمل وجه الأخير بفخرٍ بادٍ عليه.

كانت تفاصيلًا بسيطة لكنها أسرت قلبه.. وما جعله يبتسم هو معرفة هيتايرا أمرا كهذا..

ذكية.. هذا ما همس به داخل قلبه .. تماما كحفيده الذي لم يستطع إبعاد أعينه عنها منذ أن عرفت مصدر إقتباسه.

كانت في نظره إمرأة فَطِنة مُلهِمة ، أيقونية ذات حواسٍ عالية... بدت له مشرقةً و دافئة في آن واحد ، تحتل مكانة الضوء و الظِل معًا..

معجُونةً بالفن كلوحةٍ عميقة اللون ، كثيفة الزخرفة... إمرأة تستطيع إغراق قارة بجاذبية عاطفتِها ، إمرأة فاتنة و كأن السِحر و الحُب مطبوعان على وجهها..

كانت وليدة الفن و الجمال.

_______________

"أنظري إليّ أيتها الحسناء "

" إلهي... أبعدي يدكِ عني .. ثم توقفي عن مُغازلتي وتحدثي "

" و هل أعطيكِ نصائحًا دون مقابل؟ "

" هل المقابل تحسسكِ مؤخرتي؟ "

" ماذا ؟ ... لديكِ مؤخرة مثيرة "

" لوسيا !! "

كانتا تجلسان جنبًا إلى جنب على طاولة مستديرة جانبية يراقبان التجمعات من بعيد ..

قبل دقائق وضعتا تقييما للجميع إبتداءً من ملابسهم إلى شخصياتهم ..كانت لوسيا المسؤولة عن نقد الأطقُم و التنسيق في اللجنة بينما كاثرين قد حللت شخصياتهم و علاقات المتزوجين ومشاكلهم.

أجل كان هذا ما يتحدثان عنه بكل جدية قرابة الساعة.. لم يكن هذا تصرفا جديدًا فقد فعلتا المِثل في الزفاف سابقا والذي كان سبب تقاربهما.

استدارت لوسيا مجددا بعدما تذكرت الموضوع الذي جرتها كاثرين بعيدا من أجله قبل أن تتحرش بها الأخرى.

" حسنا ركزي فأنا لا أوزع النصائح كل عيد فصح " تنهدت ترمي شعرها الأحمر على الجانبين ثم أكملت بجدية تشبك أصابعها أمامها على الطاولة وكأنها وسط إجتماع داخل شركة.

" أول خطوة لجعل الرجل ينهار... هي شيء واحد لعين تستطيع كل أنثى فعله "

" ما اللعنة اِسترسلي "

" تبدين يائسة ، من هو؟ هل أعرفه؟ .. أخبريني تعلمين أنني جيدة في حِفظ الأسرار.. لن أخبر أحدًا "

أردفت تغمزها في نهاية حديثها و كأنها أمنتها على سر يخصها سابقًا ..بينما الأخرى دحرجت عينيها بضجر وقلة صبر قائلة ..

" أجل ..عدى فاليريان طبعًا .. أكملي جملتك اللعينة فقط "

" التعري. "

قالتها بثقة تعض باطن وجنتها في محاولة فاشلة لكبح قهقهتها.

" تبا لكِ لوسيا "

" ماذا ؟ .. أنا أقسم لكِ بشرف فاليو أنها الحقيقة "

صدحت ضحِكات صاحبة الشعر الأحمر أولًا لتضحك الأخرى بعدما عجزت عن محافظتها على ملامح الإنزعاج..

" تعري و سيشاهدك من بعيد ، ستُعميه غيرته ليشعر بعدها أن خسارتك شيء وارد..

حينها سيخاطب نفسه " في أي لحظة سيأتي شخص آخر ليتمتع بجمالك هذا "

ثم سيُفكر ... فتاة بجسد كهذا بعيدًا عن شخصيتها المثالية سيحضى بها رجل آخر غيري ليفوز بها و أنا سأشاهد كساقطة لعينة في الزاوية "

" انا نادمة الآن لأني لعنت نصائح مانويل " قالتها تصفع يد لوسيا التي مدتها تمسح على شفتيها عندما كانت تُلقي عليها نصائحها الثمينة.

استقامت لتغادر نحو إحتفال النيران الذي غادر أغلبيتهم من أجله ، لكن صوت الأخرى اِستوقفها.

" كاثرين... لا تستثمري في شخص لم يستثمر فيكِ ، إذا لم يعطكِ مثلما أعطيته ... إذا لم يقدم لكِ ما تستحقينه... تخلصي منه "

رمشت المخاطَبة بثِقل و بنظرات خاملة إلتفتت أمامها تمشي بخطًا متأنية تُفكر في كلماتها.. سرعان ما وقع بصرها عليه من بعيد يقف في الشُرفة الواسعة المُطلة على الحديقة ، كان دخان سجائره يسبح كغيمة حاملا في جوفها أفكاره المتصارعة.

ثابتا ينظر بهدوء نحوها مباشرةً ، أبصرت وجوده وحده كأن الأشخاص من حولهم قد إندثروا ، حينها ومن اللامكان أحست بألم يعصتر قلبها عندما تذكرت فجأة أنها تحمل طفله .... أنها تقابل رجلا لا يعلم بعد بوجود قطعة منه داخلها.

سرعان ما صرفت نظرها عنه مغادرة القصر رفقة فاليو الذي كان ينتظرها أمام البوابة.

بهدف توجههما لإحتفال النيران أين سترمي آخر أمنياتها.

______________

كان آرون يستنشق سُم سيجارته السادسة لهذه الليلة غير مكترث للحاضرين بمناصبهم تلك ولا لجده الذي كان يحاول أن يقدمه لبعض الرجال ذوي الأعمال التي ستساعده مستقبلا ..

البعض كان مالكا لمصانع و البعض الآخر صاحب شركات وفنادق مثله ، لكنه إكتفى بالرفض بإيماءة من بعيد كلما رمقه إيستيبان كمن يأخذ إذنه للتقدم إليه برفقة شخص ما.

لم يحب يوما فكرة توسيع أعماله للاريوخا.. أراد كل شيء بعيدًا عن اسم العائلة ..

كل تلك الفروع كانت داخل مقاطعات كبرى في إسبانيا كبرشلونة قبل أشهر حين قطع فيها خيط إفتتاح فندقه الجديد ضمن سلسلة فنادقه الأخرى حتى خارج البلاد... عدى مسقط رأس و جذور آل غوستافيو..

ظن بهذا أنه قد تخلى عنهم كما تخلوا عنه سابقًا ، لمرة واحدة أراد أن يغادر هو أولا.. أن يترك أحد وراءه عوض أن يُترك خلفهم كالمرات السابقة.

تأمل الفراغ أمامه بعدما غادر معضمهم القصر لتبقى رونيا و بعض نساء لوغرونيو يتشاركان مشروبا على إحدى الطاولات.

قطع شروده صوت شقيقه المتكئ بكتفه على مدخل الشرفة و الذي تحدث بعد صمتٍ دام دقائق عِدة... فعلى الرغم من فِطنة آرون إلا أنه لم يشعر به خلفه إلا عندما تكلم مُعلنا عن وجوده.

" أنا أعلم أن لكَ يدًا في الأمر "

" في ماذا ؟ ، وضح أكثر فيَدي فعلت الكثير " رد بهدوء هو الآخر دون أن يلتفت ناحيته.

" أعلم أنك من أحرق الكروم "

ساد الهدوء مرة أخرى بينهما دون أن يكسره أيا منهما...ظل الأكبر يُدخن بثبات في الأمام بينما يده التي لو لم تكن داخل جيبه لظهر للآخر كيف كان يضغط عليها .. أما أغوستينو فراقبه من الخلف دون أن يتزحزح إنشا فقط اِستغل كل ثانية تمر برفقته لأن الأمر نادر حدوثه.

رمى آرون بقايا السيجارة أرضًا ثم استدار بجسده يتكئ بظهره على الحافة.

" ذلك الأمر !! ، إلهي هل إكتشاف الفاعل اِستغرقك كل هذا الوقت ..مهاراتك بدت تضمحل "

كانت كلماته ساخرة لكنها خرجت بنبرة جدية نقيضة لها ، رفع أعينه عن الأرض لتتعلق بخاصة الآخر ، غاص داخل سوداويتيه لثوانٍ ليرتفع جانب شفته بإبتسامة جانبية و لم يفصلا تواصلهما..

" لقد علمت تلك الليلة "

" أحسنت " أردف بنفس الإبتسامة و كأنه شخص فخور بنتائج شقيقه الدراسية.

" إنها المرة الثالثة... أنت تعلم جيدا أنك تُكِّن ضغينةً للشخص الخطأ "

" ليس لدي مانع ..ما دمتُ مستمتعًا بفعل ذلك " قالها بينما إبتعد بجذعه عن الحافة.. ينظر لعيني شقيقه الحالكة التي كانت تبتلعه كثقب أسود.

" اِستمتع لأنها المرة الأخيرة ، صدقني أنت لن تسعد بالتعرف على وجهي الآخر "

" لقد تعرفت عليه تلك الليلة قبل إحدى عشر سنة "

إعتدل الآخر أيضا يبتعد عن جانب الباب واضعا يديه خلف ظهره بشموخ ، و بنبرة تكاد لا تُسمع نطق حروفه لذلك الذي لازال يرمقه بنفس النظرات.

"جيد إذًا على الأقل هنالك شخص داخل العائلة يعرف جزءً من حقيقتي"

" ما هي حقيقتك؟ " سأل مباشرة بحاجب مرفوع كمن يتحداه ليفصح عن سرٍ ما ، سر قد أراد طيلة الإحدى عشر سنة تلك أن يفك شيفرته.

كانت تساؤلاته ناحية أخيه قد خُلقت منذ تلك الليلة ، ذلك الحادث الذي جعله يفكر في حقيقة الشخص المنتصب أمامه ...جعل آرون لأول مرة يتأكد أن هذا الهدوء لم يكن مرآةً للوداعة و الخجل كما إعتادت جدته إلفيرا أن تمدحه أمامه...و كما رآه الجميع إنسانًا مسالمًا و شخصا ذو شخصية إنطوائية هادئة.

تقدم بخطوات متريثة بهدف الخروج قبل أن يستوقفه بكلامته ليتوقف بجانب كتفه تماما ..

" كلما أردتَ العبث معي تذكر شيئًا واحدًا ... أنني ميندوزا و لست غوستافيو ...هذه هي حقيقتي "

مرت ثوانٍ على حالهما قبل أن يغادر آرون أولاً يتجاوزه بأناة ليطبق أغوستينو جفنيه يستنشق عِطر شقيقه كما ألِفَ دائما ، كان شخصًا خبيرًا في الورود و زراعتها كهواية ، لذا فحاسة الشم عنده تخص فنانًا و صانِع عطور قد تعود أنفه عليها ، لكن عِطر آرون الوحيد الذي لم يستطع إشباع رئتيه به.

الذي كان يتوق لعِناقه و تنفس رائحته التي لطالما إعتادت والدته الحديث عنها بأنها أكثر العطور إنتعاشا ، مشبهة ذلك بأنها محاكاة لرائحة البحر..

لفظ تنهيدة ثقيلة يرمش بخمول ينظر لأشجار الكرز البعيدة على مرأى منه ، أخرج هاتفه من جيبه لتتوجه أصابعه نحو مذكرته ينقر بخفة يحذف الخانة الوحيدة والتي حملت رقمًا ما و الذي كان قد سجله قبل حادثة إحتراق الكروم بأيام... ليسجل رقما آخر.

رقم محادثتهما ، لقد كانت هذه إحدى عاداته الأخرى التي خصها لشقيقه وحده طوال إحدى عشر سنة.

1580 مرة.

إبتسم يرجع هاتفه لجيبه و تنهد بتعب ينظر لمكان شقيقه الفارغ أمامه ، هو يعرف أنه لم يحبه يوما ويعلم أيضا أنه سيحاول أذيته كلما سنحت له الفرصة لفعل ذلك لكنه لسبب ما كلما واجهه هكذا تعتري صدره رغبة عارمة في إطالة حديثهما ، فقط ليشعر بالإنتماء.

لكن الآخر كان الآيتكسي ، الرجل الذي لعنته الآلهة عندما سمم شقيقه خلال نومه ..كان روحًا جائعة تموت و تولد من جديد كل شهر كالقمر.

روحا جائعة لخلق المصائب و متشبعة بالحقد و الضغينة.

________________

وسط لوغرونيو عاصمة لاريوخا في الساحة الكبرى و التي تنتهي طريقها عند ضفاف النهر ، هناك حيث إجتمع أهل المدينة يكملون يوم الحصاد بآخر طقوس إحتفالهم.

فبجانب معركة النبيذ بعد الصلاة في الكنائس و حصد المحاصيل الأولى ، يُشعل الناس النيران على الشاطئ أو في الجبال و يقومون بالطقوس المعتادة والتي كانت كتابة الأمنيات على الورق ورميها في النار لتصبح رمادًا..

رمادًا سيختلط يوما مع التربة لتَنبت على إثره أشجارًا و كروم لتنمو أمانيهم على شكل فواكه و عنب تُقطف لصنع النبيذ.

كان الجميع يرقص على إيقاع الموسيقى المبهج وسط ضحكات و أحداث النساء والأطفال المنتشرين في الشوارع ، قد حرقوا أمانيهم قبل ساعة و بدأت الطاولات تُجهز بالمقبلات و الأطعمة التي خرجت من المنازل لتصف فوقها.

صدح صوت رجل ما من المكبر عند المنصة أين كانت فرقة من خمسة أفراد تعزف منذ ساعات..

" حركوا أقدامكم إجعلوا نبيذ كابرينت يخرج على شكل عرق ... ستعزف الفرقة موسيقى قلعة هاول المتحركة .. نخب القلاع المتحركة إذا "

إبتسم مانويل لتبادله هيتايرا نفس الإبتسامة كونهما فكرا في نفس الأمر .. كانوا قلاع النبيذ التي أتت من مدريد للاريوخا ... إبتسما لأن عقولهما متماثلة.

إنتشلهم صوته مجددا من شرودهم ، عندما نقر على مكبر الصوت مرة أخرى يلفت إنتباه الجميع حمل ورقة في الهواء مردفا :

" هذه أمنية شخص أراد حرقها لكن الرفاق وجدوها مكورةً ومرمية في الزاوية .. سأقرأ محتواها لأن كلماتها لمست شيئا في داخلي..

من الأفضل أن تكون قد أحببت و خسرت يومًا ، على ألا تحب أبدًا ..

أرجو أن يجد الجميع أحبائهم "

إختفى صوته العالي ليعود الصخب مجددا ، بينما هيتايرا شاردة تفكر في الأمنية تلك كانت أختها تحرق وجه آرون الواقف بمحاذاة زوجته بجانبهم.

تقدمت إلفيرا نحو مانويل و البقية مردفة :

" نساء هذه العائلة ملامحهن باهتة ، الأنثى تصبح هكذا إلا بسبب رجل مخنث قام بكسر قلبها " بصقت آخر كلمة تصطنع ملامح الإشمئزاز منهم وتحديدا دومينيك الذي زفر الهواء بسخرية.

بينما كاثرين وجهت أعينها صوب آرون الذي رفع حاجبه بتساؤل.. وحده مانويل من أردف بغرور طاغٍ يكاد يفيض من صوته ..

" أنا استثناء .. النظرات الباهتة على وجوه النساء اللاتي مررن عليّ ، نظرات من نوع آخر "

صفعت هيتايرا يده موبخة كي لا يتمادى تشير بنظراتها نحو كاثرين لتصفعها إلفيرا ليدها هي الأخرى كونها أحبت مانويل... أحبته للدرجة التي سمحت له فيها بقول وفعل أي شيء يستهويه.

بحق الرب كان يؤثر على النساء .. حتى كبار السن منهن.

قلب آرون عينيه بضجر في حين كاثرين همست في أذن أختها

" هل أنت خائفة من إنحرافي؟ ... أردت تذكيرك فقط أنني حامل  إن نسيتِ هذا "

وقبل أن تجيبها هيتايرا تقدم فاليو منها يمد يده إليها كطلب للرقص ..نظرت حولها ثم ولأنها راقصة باليه تهوى تحريك جسدها لم تستطع التحكم في رغباتها ..لذا إنصاعت له تمسك يده بإبتسامة واسعة تتجه معه نحو الساحة..

كانا يرقصان على أنغام الموسيقى ببراعة بادية عليهما كونه مدرب رقص يحتضن بين ذراعية راقصة باليه من النخبة.

صوت ضحكاتها تغلغل داخل أذن آرون الذي لم يستطع كبح ملامح الغضب من الإنتشار على تقاسيم وجهه ، لأن زوجته استشعرت ذلك لتمسك يده فجأة تجره معها بسعادة زائفة وسط الأجساد المتمايلة..

زفر الهواء بغيظ تمامًا كجدته التي همست تحت أنفاسها ..

" لا أدري لما لازالت هذه هنا.. الشيء الوحيد المشترك بينهما هي الغمازة اللعينة " .

كانت تتمايل بخفة بين يديه تعرف جيدا أين تضع أقدامها ..بينما فاليو كان يضع يده على ظهرها العاري في حين الآخر كان يحرق داخل عقله كل إنش لمس بشرتها ..

حينها و بمجرد أن أدار مدرب الرقص جسدها تقابلت أعينهما لأجزاء من الثانية .. أجزاء من الثانية كانت كافية لكاثرين لتقلبها رأسا على عقب..

كافية لاِستيعابها مجددا أن هذا الرجل متزوج .. يراقص زوجته أمامها ..

توقفت بأنفاس مسلوبة ترتطم بصدر فاليو الذي طوقها بيديه خوفا عليها من الإغماء ، إنحنى لوجهها في حين رفع شعرها جانبا ليتفحص نبضها ..

خرج صوتها ببحة تبعده من كتفيه عنها بهدوء :

" أشعر بالغثيان ... سأغادر أولا "

إبتعدت مباشرة غير آبهة لما تفوه به من خلفها ..غادرت من الجهة الأخرى تمشي بخطى حثيثة لا تعلم أين تضع أقدامها ..

توقفت بسرعة تتجه لجانب الطريق المظلم لتستفرغ كل ما أكلته سابقا... إنحنت تضع يديها على ركبتيها تستجمع أنفاسها.

كل هذا على مرأى آرون الذي ضغط على خصر زوجته دون وعي منه لتتآوه الأخرى بألم تخرجه من شروده في جسد كاثرين البعيد بجانب الكروم.

_______________

عين دامعة و وجه شاحب ..كانت هذه ضريبة تلك الليلة ..

رفعت رأسها للمرآة أمامها داخل حمام جناحها المشترك بينها وبين لوسيا تلك التي كانت ترقص مع فاليريان في عالم آخر غير مدركين لما يحصل حولهم.

ممزقة...

نظرت إلى نفسها الممزقة ..كانت تقضي حياتها أمام الناس بشكل طبيعي في محاولة يائسة للخروج إلى العالم والتأقلم من جديد..

حاولت بشتى الطرق أن تنخرط معهم داخل التجمعات و لحظاتهم المبهجة و أن لا تُظهر إنكسارها و خوفها من مستقبلها..

لكنها في النهاية كانت تعود كل يوم لغرفتها لتُلصق حطامها بغراء الأمل المزيف ، تواجه الذكريات و التفاصيل التي جمعتها معه تلك الليلة ، تتألم في جوف غرفتها المعتمة ثم تستيقظ من جديد لتواصل حياتها كما لو أنها لم تفعل ذلك قبل ساعات.

كانت تمر بأشد أنواع الألم.. ذاك الذي تحتفظ به بينك وبين نفسك

تفحصت ملامحها الفارغة و تذكرت حلمها في أن تصبح راقصة باليه مشهورة..

بكت بحرقة تحتضن طفلها تواسيه بكلمات أرادت أن تقال لها هي عوضا عنه... كل ما كان يشغل تفكيرها هو شيء واحد ، أنها وقعت داخل فراش رجل متزوج لتحطم أحلامها و مستقبلها عرض الحائط..

و بجانب كل هذا .. هي حامل بإبنه.

خرجت تُغلق باب الحمام من خلفها لتلفحها رائحته...رفعت رأسها بخمول لتنظر إلى حذائه صعودا ببطء إلى وجهه..

كان جالسا على حافة السرير داخل الجناح المظلم الذي كان يستمد قليلا من أضواء الحديقة ..

مسحت على وجهها بنفاذ صبر تلمح جسده يستقيم ليقترب منها...

وقبل أن يخطو خطوة أخرى بزقت كلماتها تصر على كل حرف فيها.

"هنالك نقطة عميقة داخلي تصفعني كل مرة بالحقيقة التي تلوح في الأفق ، لكنني و في كل مرة أجد نفسي أتجاهلها"

توقفت تتنفس تحاول تنظيم دقات قلبها المتسارعة ، كانت رغبتها في الاستفراغ يؤثر على نبرتها و طريقة وقوفها لأنها حاولت التماسك قدر الإمكان أمامه ..

" أنتِ لستِ بخير .." تحدث بخفوت و قلق بادٍ في صوته..

وقبل أن تردف قاطعها مسترسلا.

" لقد حدث هذا صباحا أيضا ..توقفنا لشعورك بالغثيان ...لم تشربي النبيذ طوال العشاء ...ولم تأخذي أية أدوية طوال الطريق حتى هذا الوقت .. ما الذي يحصل كاثرين؟ "

أمسكت حافة المنضدة بجانبها لترتكز عليها كون أقدامها قد شُلت بسبب كلماته التي زادت من توترها.. إرتعشت يدها التي رفعتها تمسح بها عنقها بعصبية ..ليكمل الآخر :

" هل هذا بسبب حمية غبية تتبعينها من أجل جسد مثالي لراقصة باليه؟"

لفظت ضحكةً ساخرة لترفع عينيها ناحيته بحقد فقط لأنه ذكّرها بجسدها المثالي الذي ستخسره بعد شهر.

" غادر غرفتي و لا تحتك بي مجددا ، كانت ليلة عابرة لعينة دعها تبقى هكذا ... لا تربطها بالعاطفة "

العاطفة ، عند تلك الكلمة فقط تغيرت ملامحه لأخرى فارغة و مبهمة و كأن أنظمته قد أعيدت برمجتها مرة أخرى..

إعتصر قبضته و رمقها بنظرات باهتة كمن غادرت الروح جسده ليصبح جثة هامدة..

كان هكذا بالفعل طوال كل هذه المدة ، لم ينظر لها هكذا بسبب تعمدها إستفزازه بل لأن كلمةً كتِلك أشعلت قِنديل الماضي المعتم لتُظهِر شظاياه المبعثرة في الزوايا .. كلمةً واحدة كانت كفيلة بتجديد حِقده تجاه الجميع.

تقدم منها ببطء ينظر داخل أعينها الغاضبة ، رأت آثار كلماتها تنتشر على وجهه شيئا فشيئا ليقف أمامها مباشرةً كشخصٍ آخر تمامًا .. شخص بقلبٍ منفطر و كانت هي آخر من يُمزق القِطعة المتبقية.

وقف أمامها حتى بات لا يفصل بينهما سوى إنشات قليلة ، كان كل ما بداخلها يحُثها على الإبتعاد خطوة أو مغادرة الغرفة و رغم كل ذلك التردد الذي إعتراها ، لم تتحرك من مكانها و رفعت رأسها تنظر داخل عينيه بكامل ثقتها.

في تلك اللحظة و رغم مظهرها الثابت إلا أنها تقيأت كل الفراشات التي دغدغت أجنحتها جدران معدتها سابقًا..

" عاطفة؟ هل خيل لك عقلك الصغير هذا أنها عاطفة؟ " تحدث بهدوء ينظر داخل أعينها التي إمتلأت بمياه حارقة.... رغم ذلك أكمل جملته بنفس النظرات والنبرة ..

"كانت إنسانية أو ربما شفقة ..صدقيني لا أحد هنا تحركه عاطفته غيرك "

كانت أنفاسه حارقة ككلماته التي شقت صدرها ، رغم كل ذلك الإعصار الذي بعثر أعضائها في الداخل ..رغم تلك الأفكار التي راودتها كون من تحدث هو والد صغيرها الذي حرصت أن لا تُسمعه حديثا جارحا كهذا .. إلا أنها إبتسمت ..

إبتسمت تبتلع ريقها في حين سقطت دمعة واحدة تحمل في جوفها كل ما شعرت به صاحبتها الآن ..

" بالطبع لن تعرف معنى العاطفة ، أشك في أنك قد تلقيتها يوما "

صر على أسنانه ليبرز فكه يبذل جهدًا في كبح خروج كلمات جارحة قد تؤذيها أكثر ، قد مزقت آخر قطعة داخله عندما لمست ذلك الركن المظلم بجملتها الأخيرة ، صفعته بالحقيقة التي دفنها داخله كي لا ينساها.. و هي عدم تلقيه للحب الكافي و العاطفة.

زفر هواءً حارقا أحست به يذيب تعاليم وجهها ليبادلها الإبتسامة ككلمة إختتامية و إبتعد خطوة واحدة يمد يده للمنضدة ليضع شيئًا ما ويغادر بهدوء تاركا جثة بنبض خلفه.

ذلك الذي خرجا عاصفا لم يكن آرون نفسه قبل دقائق ، كان الطفل ذو السبع سنوات..

آرون الذي لم يستطع الخروج من ماضيه المشابه للرمال المتحركة ، كلما صارع للخروج و التعايش وجد نفسه يغرق أكثر إلى قعره المظلم.

رمت أعينها المتلألئة نحو المنضدة وهنالك فقط إنهارت تبكي بحرقة ...كانت علبة دواء مسكن.. ذلك الذي أصر عليها طيلة الطريق أن تشرب منه ليساعد معدتها وتتوقف عن الاستفراغ ... لدرجة أنه أرادها أن تطلب منه أي شيء كمقابل فقط لتأخذ حبة واحدة.

إقتربت من السرير لترمي جسدها فوقه بعدما أعدمت رؤيتها بسبب دموعها المنهمرة..

لكن صوت فتح الباب جعلها تستدير ناحيته خوفا من أن تكون لوسيا التي لن تصمت حتى تعرف سبب بكائها..

كانت رونيا والدتها التي تقدمت بسرعة تقرأ ملامحها تبحث عن شيء واحد يؤكد شكوكها كونها لمحت آرون وهو يغادر الجناح قبل دقائق ..

" ما الذي فعله لكِ ؟ ..أ لم أقل لكِ سابقا ألا تقتربِ من أي لعين يحمل دماء غوستافيو؟ ..ما الذي يفعله ذلك هنا؟ "

" غادري "

قالتها بهمس بينما كانت تتجه ناحية الوسادة ..

" كاثرين ..تحدثي ما الذي كان يفعله داخل جناحك؟"

وفقط هنا كانت القطرة التي أفاضت كأسها لأنها رمت الغطاء جانبا وتقدمت ناحيتها بشرارات كانت كافية لجعل الأخرى تستوعب مدى غضبها.

" هل هذا ما تجيدين فعله؟ التحقيق ؟ هل وجود فرد من غوستافيو داخل جناحي هو ما يجعل أمي تدخل للإطمئنان عليّ؟ "

خرجت شهقت بكاء وسط كلامها بينما يدها تمسد قلبها أردفت تنظر لصدمة والدتها ..

"هناك الكثير من البشر هنا.. لكنني وحيدة ألا ترين؟ "
كانت تلفظ كلماتها بصوت متذبذب تسعى جاهدة لإكمال كل ما ضغط على قلبها طيلة سنوات .

" لا أريد كل هذا ..لا أريد حياة كهذه ... كان شيئا واحدا لعينا أردته طيلة حياتي " رفعت إصبعها السبابة بينما أكملت بشبح إبتسامة..

" كنت أتوق لعناقكِ أمي.. "

كانت رونيا واقفة بعجز وأعين تلمع نحو طفلتها التي تتحدث في شيء كهذا لأول مرة.. كاثرين القوية كانت تبكي بحرقة تصرح لوالدتها بأشياء كانت تدفنها داخل أبعد نقطة في قلبها..

" فقط لأنكِ ناديتني إبنتي بدل كاثرين أثناء توبيخك لي ..أحببت الحلق وسط لساني أكثر لأنه كان السبب الذي جعلك تقوليها للمرة الأولى ...

" أترين أقصى تطلعاتي ؟ ، أن تنادينني إبنتي بدل كاثرين"

إبتعدت تمسح على شعرها بأيادي مرتجفة و قلب يكاد يمزق صدرها ليخرج.. كانت كلماته جارحة لكن علاقتها بأهلها غطت على كل شيء آخر قد آلمها..

" ما الغاية من إنجابكم أطفالا أكبر طموحهم أن تبادلوهم الحب ؟" لم تنتظر إجابتها لأنها استرسلت تبزق كلماتها بنفس النبرة..

"أنتِ لم تكوني أمًا أبدًا.. الأمومة هو ما أشعر به أنا الآن ناحية صغيري ... أريد معانقته بالرغم من أن رحمي يحتضن أطرافه الغير مكتملة بالفعل..

أما أنتِ فها أنا ذا أقف أمامكِ، فتاة في العشرين من عمري مررتُ بالكثير .. لم تفكري حتى بالمسح على ذراعي كنوع من المواساة"

مدت رونيا يدها لها لكن الأخرى إبتعدت تحتضن ساعديها تمسح على نفسها كما إعتادت .. وقفت أمام الشرفة قائلة .

" أرجوكِ غادري .. أريد البقاء وحدي كما فعلت دائما "

مرت دقائق و هما على نفس الحال إلا أن استسلمت والدتها وغادرت بصمت وغصة داخل حلقها...

غادرت بهدف الذهاب والإنطواء على نفسها هي الأخرى داخل غرفتها لكن إيستيبان أشار لها من بعيد يقف أمام باب جناحه كطلب لقدومها.

___________

.إرتشف كأس الماء ليضعه بقوة فوق سطح الطاولة داخل المطبخ ..كانت يده ترتجف بينما أعينيه العشبية لوهلة قد تظنها سوداء من شدة الغضب ..

خرج صوت زوجته من الزاوية لتزيد من حدة نظراته بكلماتها.

" إذًا ... كانت هذه العاهرة التي جهزت أوراق طلاقنا من أجلها ؟"

رفع أعينه صوبها في حين وضع يديه على حافة الطاولة ينحني للأمام لكي يقترب منها مردفا بحقد..

" كلمة واحدة أخرى و سأجعل من خافيير يعلم حقيقة والده "

صُدمت من كلماتها التي تجرأ على قولها بعد كل تلك السنين ..فقط من أجلها... منأجل فتاة تعرف عليها في ليلة عابرة..

توجه للباب بصدد المغادرة وقبل أن يخطو خارجا إلتفت ينظر لها فوق كتفيه ليردف بهدوء ..

" ستوقعين على الأوراق عند عودتنا لمدريد ..لا تختبري صبري"

رفعت يدها تنظر إلى خاتم زواجهما .. والذي كانت الوحيدة التي ترتديه ...رأت ظهره وهو يبتعد عنها ككل مرة يغادر قصرهم لأسابيع دون ترك ملاحظة أو رسالة .. كان يغادر تاركا خلفه سيارته وهاتف مغلقاً .. لكن هذه المرة كان يبتعد إلى الأبد .

_____________

.بخطى رزينة لا تُسمع و كأنه ظِل يسبح في فضاء القصر الواسع ، بيدين داخل جيوبه و قبعة رياضية سوداء تحتضن رأسه من الفوق..

كان قد غير لباسه لآخر أسود تماما كي لا يظهر منه شيء عند وقوفه في سطح الكنيسة..

كان أغوستينو متوجها لمكان تنفيذ مهمته بكامل قواه العقلية دون ذرة تردد بادية على وجهه..

خرج من جناحه يمشي بين الأروقة بخطوات خافتة يُمشط كل زاوية من القصر بعينيه ..على الرغم من أن الجميع في الساحة إلا أنه على علم مسبقا بقدوم كاثرين وآرون وهيتايرا سابقا لذا كان يتفحص الزوايا بهدوء تام كأفعى تراقب فريستها..

بينما كان يشق طريقه نحو الباب الخارجي إلتقطت مسامعه صوت رونيا صادرًا من جناح جده إيستيبان..

توقف ينظر إلى الباب الموارب على بُعد أمتار منه بملامح هامدة يحاول أن يقرر هل يكمل طريقه نحو الكنيسة لينتظرها لتدخل إلى جناحها ويقوم بقتلها بكل سهولة كون نافذة الكنيسة تواجه شرفة جناح رونيا مباشرة...

أم أنه يتوجه صوب الجهة الخاصة بجده ليكتشف نقاشهما الذي بدى للحظة غريبا و غير منطقي ..

تقدم ببطء لتتضح كلمات رونيا شيئا فشيئا ..

" ...هل تمزح معي ؟ أنا لم أوافق على هذا الزواج و لن أفعل حتى في عوالم أخرى موازية.... اللعنة لكل هذا ... كيف لك أن تدافع عنها وأنت الذي خسرت قدمك بسببها؟ .. جميعنا فعلنا... كل واحد فينا خسر شيئا بسبب ماريانا ....حتى أنا"

رفع أغوستينو أعينه ناحية الباب عند سماعه لاِسم والدته ، نبض قلبه و تشوش فِكره ...عَدّل القبعة فوق رأسه يحاول تشتيه ذهنه ليستطيع إكمال استماعه لكلامها دون أن يدخل في نوبة غضب معتادة...

" ... لقد خسرت حريتي .. موطني و عائلتي ..."

عند تلك الكلمة فُتحت بصيرته كمن صُفع .. أحس لوهلة بالسذاجة لكونه لم يركز مع اسمها عنما أرسلت له تلك الرسالة ..

سل هاتف المهمات من جيبه يتفحص الرسالة مرة أخرى..

الضحية : رونيا جيوفاني كاستيلو ..

جيوفاني ، كان لقبا إيطاليا بحت ..لما لم ينتبه هو لهذا ؟ كيف لتفاصيل مثل هذه أن تمر عليه دون أن يلقطها بسهولة.

عاد خطوات إلى الخلف إلا أن وصل إلى الرواق ليتجه بخطى حثيثة نحو جناحه .. من أجل شيء واحد ..البحث وراءها..

نبش ماضي رونيا جيوفاني كاستيلو التي طُلب منه قتلها دون الجميع .. ولأن العقد بينه وبين النجوم السوداء ينص على عدم إعتراضه أو سؤاله أو حتى التفكير في سبب القتل ..إلتزم الصمت و وافق على المهمة دون أن ينبس بحرف.

فقط لأن بينهم إتفاقا لا يجب خرقه بأي شكل من الأشكال..

فتح باب جناحه الغارق في الظلام يرمي قبعته جانبا بذهن مشتت وحلق جاف يحاول تنظيم أفكارها و الكلمات التي سمعها بحق والدته...بحث عن حاسوبه الذي كان موضوعا فوق المكتب بجانب الشرفة..

ليتقدم صوبه مباشرة.. لكن و من العدم مُدت يد من الجانب بخفة وبراعة طعنته في خصره وسط كل تلك الأحاسيس والتخذر إلا أنه استدار بسرعة يضرب الشخص خلفه بمرفقه ليرديه أرضا..

لكنه تأكد أن الذي أمامه شخص مدرب و بمهارات عالية لأنه قبل أن يُقدم على فعل حركة أخرى قفز الآخر وقوفا ينتشل جسده من الأرض في محاولة أخرى لطعنه على الجانب الآخر..

كان أغوستينو يمسك مكان الطعنة بينما يسدد لكمات مدروسة للملثم أمامه ، حينها وعندما حاول تسديد لكمة أخرى لوجهه تفاداها الآخر رافعا قدمه بخفة واضحة يضربه ناحية الجرح ليسقط أرضا..

تقدم منه يدير سكينه ببراعة كأنه مقاتل ساموراي يراقص سيفه... سرعان ما جاء صوت هيتايرا خلف الباب قاطعا نظرات الشخص نحو أغوستينو..

نظر إليه ثم إلى الباب بينما الآخير لازال يمسك جرحه و أعينه تمشط كل إنش في جسده لمعرفة تفاصيل عن الشخص أمامه..كان يرتدي الأسود من رأسه حتى أخمص قدميه حتى وجهه كان ملثما..

كل ما يحمله خنجر حاد بغمد يتدلى من خصره..

رجع خطوتين بتردد إلى الخلف ثم غادر من الشرفة هربا تزامنا مع رنين هاتفه المرمي بجانبه على الأرض ..

إعتدل يتكئ على السرير ليأتيه صوت توفانا مرتجفا و كأنها كانت تعدو..

" زعيم هنالك حركة غريبة في القصر ... لقد لاحظت قبل ساعة وجود ظِل مر على الجانب الخلفي للحديقة ... لهذا ظللت أمشط الأرجاء بحثا عنه... إلا أن رأيته الآن ... لقد كنت على حق ... كان حدسي صائبا... لقد خرج من شرفة ما طوله بين المتر والسبعين إلى المتر والخمس وسبعين... كما ... كما إنتظر ... لما يبدو كمحارب نينجا؟ .. أهذا من قلت عنه سابقا شخصا يجيد التخفي؟ ..كيف دخل إلى لاريوخا؟ "

" ميموزا .. دائما متأخرة "

أردف بإبتسامة ينظر صوب الباب الذي فُتح لتُطل هيتايرا برأسها تطلب إذن الدخول قبل أن تجفل في منظره ذاك صافعة الباب للحائط لتدخل مسرعة نحوه..

" لن تفعلوا أي شيء دون إذني.. سأتكفل بالأمر ..غادروا و سنتحدث لاحقا عن عدم تنفيذ الأوامر "

وجه كلماته لتوفانا عبر الهاتف التي عضت على شفتيها كونها اِستوعبت حجم الورطة التي هي فيها .. أنهى المكالمة يضع الهاتف بهدوء جانبا وكأنه يمتلك الوقت كله.

رفع أعينه ينظر لتقاسيم وجهها تحت رموشه السوداء ، كانت جالسة على ركبتيها أمامه بخوف بادٍ على ملامحها .. بتقضيبة بين حاجبيها ..مد يده الأخرى ناحيتها يرفع خصلة تسللت تلتصق بشفتيها..

" ما الذي حصل ؟ كيف حدث هذا؟ " تحدثت بعد وقت كافٍ لاستيعاب المنظر أمامها .. لم تصرخ .. لم تبكِ ..كانت يدها ترتجف خوفا ، قلبها يصرخ نجدة ، عيناها تحكي الكثير إلا أن مظهرها كان ثابتًا.

وهذا جعل الآخر يبتسم بإتساع كون جانبها هذا قد أعجبه أيضا.. جانب هيتايرا الثابت ..

رمشت رمشات متتالية تتأمل إبتسامته الغريبة تلك ليجيبها بينما عيناها لازالت تراقب تحرك شفتيه..

" لقد كان لصًا "

" هل هو طليق الآن ؟ كاثرين.. يا إلهي "

نظرت صوب الباب بجانبها بذعر ، لكن يده مُدت نحو ذقنها ليوجه نظراتها إليها ..

و فقط عند تلك اللحظة عندما لامس وجهها أزهرت شرايينه ..مسح بإبهامه على ذقنها بهدوء بينما الأخرى شعرت بالدوار بسبب كمية الأدرينالين المتدفقة داخل جسدها..

" لن يحصل لها شيء ... رجالي سيتكفلون بالأمر "

همهمت تحرك رأسها و كلها ثقة في كلامه ..كان يبث داخلها شعور الطمأنينة حتى و هو غارق في دماءه و كأنما إذا أخبرها أن كل شيء على ما يرام ..فهو كذلك لا محالة.

وقعت نظراتها على جرحه لتتحول لأخرى تبدو و كأنها متألمة.. وبهدوء مدت يدها فوق يده تحاول زحزحتها لرؤية مدى خطورة وضعه.. لكنه أوقفها يضغط على يدها هامسا..

" لا تقتربي مني كثيرًا سيدة غوستافيو ، سيشتعِل فَتيلكِ. "

نظرت داخل عينيه من ذلك القرب ثم دون وعي منها سقط بصرها نحو شفاهه لتعيدها مرة أخرى إلى سوداويتيه هامسة هي الأخرى :

" أنا لا أحترق بسهولة "

" وحده الخشب المُبتل لا يَحترِق. "

قالها بشبح إبتسامة لتغير الأخرى مجال رؤيتها نحو كل شيء إلا عينيه ..

لذا و لأنها أرادت بشدة رؤية جرحه تقدمت أكثر تصدمه بعنادها رافعة يده عن قميصه الذي كان غارقا في دماءه..

شهقت عندما رأت عمقه ، لتضع يدها بتلقائية فوق فمها بصدمة ..إرتخت ملامحه أكثر في حين يده كانت تمسح على سطح يدها بدوائر ..

" يجب أن أخبر أحدا ما ..لن تمنعني ..أنت تنزف بغزارة "

خرج صوتها راجيا تحاول إقناعه بالذهاب لإحضار شخص ما لكنه همس بثقل :

" لا بأس... أنا أنزف منذ إحدى عشر سنة "

____________________________

✨ Hi again ✨

نهاية الفصل ..

رأيكم وإن وجدتهم أخطاء نبهوني..

المهم يا جماعة شعرت أن الفصل نبيذي بإمتياز 😩✨✨ ..

كان فصلا عبر عدسة النشوة ❤️.

لا أعرف سبب هذا لكن شعرت بالفراشات وأنا أكتب مشاهد توفانا المختلة..

زلاتان و دوسادنو ضيوف الشرف 😂😂

رأيكم بالقنابل التي فُجرت في فصل واحد ..

طبعا رواية لازالت مليئة بالأسرار ..هذه فقط البداية 😈😈🔥.

وأخيرا ...

"إذ كنت قد قرأت للأخير و وصلت لهذه النقطة .. أنت الآن في أعمق بقعة في قلبي" ❤️

Continue Reading

You'll Also Like

70K 4.9K 19
"سيدة جراي، هل تقبلين شراكتي؟" "لا." ~ رئيس عملها سابقًا، وطواقًا لِمشاركتها الكثير مِن الأشياء حاليًا. هڨين فتاةٌ تَسعى لِلوصول إلى مُبتغاها، لكنها...
877K 26K 40
لقد كان بينهما إتفاق ، مجرد زواج على ورق و لهما حرية فعل ما يريدان ، و هو ما لم يتوانى في تنفيذه ، عاهرات متى أراد .. حفلات صاخبة ... سمعة سيئة و قلة...
1.2M 92.6K 77
‏لَا السَّيفُ يَفعَلُ بِي مَا أَنتِ فَاعِلَةٌ وَلَا لِقَاءُ عَدُوِّيَ مِثلَ لُقيَاكِ لَو بَاتَ سَهمٌ مِنَ الأَعدَاءِ فِي كَبِدِي مَا نَالَ مِنَّيَ م...
3.7M 56.3K 66
تتشابك أقدارنا ... سواء قبلنا بها أم رفضناها .. فهي حق وعلينا التسليم ‏هل أسلمك حصوني وقلاعي وأنت من فرضت عليا الخضوع والإذلال فلتكن حر...